زيف
عندما ينتابنا شعور بان الأمور قد بدأت تسوء فلا شيء آخر حولنا سيجعلها تبدو أفضل. لا شيء، ولا أحد.
أشعر بأنه غريب، ومهما فعلت لا أتمكن فعلا من معرفته.
لا يتعلق الأمر بما يدور فعلا في واقعنا، لا الأشخاص، ولا الأشياء، ولا أي شيء آخر خارج ذواتنا الغريبة أحياناً حتى عنا!
جموده يكبلني، يجعني أخرى لا تشبهني. أقرر كل صباح أن أكون (أنا)، أرسم ابتسامةً وأنتقي له أسم تدليل وما أن أراهُ يقف أمامي مباشرة ومع ذلك يبدو بعيداً، حتى أُصاب بالشلل .. هل تفهمين ما أعني؟
لا أحد منا هو فعلا كما يبدو. لا شيء مما ظننا أنه يجعلنا ما نحن عليه هو فعلا (ما يجعلنا ما نحن عليه). كل الأشياء التي بدت لنا كاملة ذات يوم لدرجة تثير العجب والحسد، في لحظة صدق ما - أو لحظة زيف من يدري- ستفاجئنا بنقصانها البالغ التشويه فلا نعود نتذكر كيف أثارت فينا يوما ذلك الشعور الساذج بالرضا!
لا يتحدث معي إلا في أضيق الحدود، وان فعل لسبب ما يتحاشى النظر إلى عينيّ...
قصصنا لا نختارها، ولا ننتظرها ولكنها تحدث. تفاجئنا أحيانا كطلقة مدفع، كاستفاقة،أو كنوبة قلبية، و أحيانا تتسلل إلينا بهدوء وخدر فلا نكاد نشعر بوجودها حتى نجد أنفسنا في تلك المنطقة المتوترة والخطرة يمزقنا خياران (ما نريده) و (ما نسمح به). أي هزيمة تنتظرني في آخر المطاف و أظل أؤجل ارتكابها لأني لن أتمكن من التقاط الأشلاء !
«تقول والدتي ان علي أن أراعي طبيعته المنغلقة، ولكنه لا يبدو منغلقا عندما يتحدث مع (آخرين) حديثا هامسا ومُريبا. أعرف أنه لا يزال يُحدّثها، لم اسمعه ولكني أعرف بطريقة (ما). تفاصيل معينة، ابتسامة مريبة لا اعرف سببها، قرارات شخصية مفاجئة... لماذا لم يحبني؟ هل أبدو كائنا غير قابل للحب ؟!»
أي جدوى من الأسئلة وكل ما شحناه في طريقنا من مبادئ، قيم، أفكار، تجارب، وفلسفة فارغة أسندنا عليها صورنا الخارجية البالغة الكمال ليست سوى ركائز هشة ومشروع فضيحة يكتمل حالما تدهمنا الحقيقة كطوفان فنقف أمامها مجردين من كل شيء لنسقط عند أول اختبار في مستنقع من الزيف.
لماذا لم يتصل إلى الآن ؟ ولماذا يتصل إلى الآن ؟ فجأة لم يعد لترتيب الأسئلة أي أهمية طالما لن نهتدي إلى جواب مهما أمضينا من وقت في بعثرة الأمور ثم إعادة ترتيبها ثم بعثرتها من جديد. ربما لان لا إجابات تنمو حولنا، ربما لأن الأمور ليست بالبساطة التي نعتقد، ربما لأنها ليست بالوضوح الذي نعتقد، ربما لأنها ليست بالجمال الذي نعتقد، ومادمنا قد بدأنا نراها تسوء فلاشيء آخر سيجعلها تبدو أفضل، لا شيء، ولا أحد.
«بالأمس كان معي (أنا) ، شاعرياً، عذباً، وشغوفاً، كان آخر، ظننت بأن حيرتي انتهت، وصلواتي استجيبت ثم ناداني... باسمها..»
ردّة من نوع مختلف، لشيء مختلف اسمه الحب، قادر، وسحري، لا نملك أمام سطوته إلا الخضوع ساحقين في طريقنا نحو القاع شيئا عزيزا أسطوريا كنا نسميه الإرادة. ماذا جعلت مني يا (محمد) ؟! شيئا هشا و ضعيفا، كريشة في يوم خريفي تعلو ،وتهبط ،تطير، وتدور، وما بين اتصال وآخر تحط على صخرة ما و أحيانا على زهرة ياسمين . بينما أنت هناك في بيتك الذي لا يحتويني تتناول شايك الأخضر تمده لك تلك التي تسكن سريرك ولا تسكن قلبك. تُفكر فيّ أحيانا، وأحيانا لا تفعل.
و بينما أغرق في دوامة الانتظار و التساؤل حتى آخر نفس؟ لا أجد من يمد لي يده بإجابة.
«هل هناك جدوى من الانتظار؟أجيبيني؟»
شاركالأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024