أبطال عاجزون
كلّما تعبت تخيّلتُ أنني أعيش وحدي في مكان لا أعرفه. أهرب من مواقف أتوقّع حدوثها. كانت غلطة مصالحتي نفسي. كان خطأً قرار أن أتوقف عن القلق أو أن أخفض درجاته، فالقلق يجدّدني.
لن أستطيع أن أكون أماً مثالية. وكلّما أسكتُّ ضميري بمنح وقتي كلّّه لولديّ، يخفت فيّ القلق. إلا أنني أحتاج إليه كي أعيد ترتيب أولوياتي بين مدة وأخرى، وكي أسعى إلى الاستفادة من أيامي.
من التاكسي أتأمل مشاريع الحياة الجاهزة لأن أقطفها. اكتشفتها في أفلام سينمائية أدمنتها. أُلصق نفسي على أرصفة مدن جديدة أو على أريكة جديدة في بيت جديد. وأسأل: لمَ أكتب ما أكتبه؟ أهي بطلتي إيما التي تكتبني؟
لإيما ولدان من زوجها السابق. ولإيما أسئلة كثيرة: متى يأتي الربيع؟ متى أثق بأن علي لن يخذلني؟
أسأل نفسي السؤال نفسه. علي بطلٌ حقيقيٌ. علي موجود فيّ. رافقني إلى اسطنبول حيث غالباً ما أتخيّله جالساً في مقهى كان شعبياً، لكن الصبايا أنصاف الأوروبيات قررن احتلاله. وعلي يتأملهن، يتأمل في إحداهن الشفتين البراقتين والبشرة البرونزية والشعر الأشقر والجزمة عالية الساق وحقائب اليد الضخمة التي يمكن أن يختبئ إنسان فيها.
يعيش علي في كل مكان وعلى الورق أيضاً. في بلجيكا بحثتُ عن اسمه، ربما تخلّى عن اسم عائلته، لكنني لا أعرف أن أمنحه اسماً آخر.
أستقبل وحدي ضوء النهار. لم أهجم على ولديّ بعد. تركتهما لأحلامهما بأبطال خارقين ومنازل وردية. أما أبطالي أنا، فتعبون وعاجزون ولا يشبهون أبطال طفولتي. فأين الحقيقة؟ وما هي الحقيقة؟ ومن هم الأبطال الحقيقيون؟ أبطال الوهم في الطفولة أم أبطال الحقيقة العاجزون؟ وأَليس أفضل أن تكون الحقيقة في حياتنا وهماً؟
تصحو إيما على رنين الهاتف. تسارع إلى الحمام ثم تلبس ثيابها سريعاً وتنزل إلى المقهى لانتظار علي. أسئلة كثيرة جهّزتها له هذا الصباح. أجمل ما في وجوده في حياتها أنها اكتشفت لأمور بسيطة معانيَ جديدة، للقهوة صباحاً، لكتب التاريخ، لموسيقى فاغنر، للقلق.
لم يهمّها اسمه حين التقته في المطعم المغربي. جذبها حزنه، بدا منكسراً مستعداً في أية لحظة للبكاء. لكنه لم يبك بل قدّم إليها لائحة من الأسئلة التي لم تجد لبعضها أي معنى.
«صباح الخير» قال علي قبل أن يجلس. كانت إيما تفكر في أنها في يوم إجازتها هذا، تستطيع أن تفعل ما تريده. للمرة الأولى تقدّر معنى الحرية، ألا يكبّلها دوام عمل لا تطيقه أو مسؤولياتها تجاه الولدين. تستطيع أن تمضي يومها في الشوارع أو جالسة في هذا المقهى حيث تشرب مع القهوة رائحتها الدافئة.
شاركالأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024