علّمي طفلك التحيّة...
« آلو صباح الخير...الجواب: «من على الهاتف!». هكذا يردّ بعض الأطفال والمراهقين على المتصّل. ردّ يفتقد لباقة التحادث، فبدل أن يرد التحيّة بتحيّة، يسأل مَن على الهاتف» وكأن لا وقت لديه يضيّعه في التحية والسلام لأنهما ثرثرة لا طائل منها أو لأنه لم يعتد على اللباقة في الحديث.
وفي مشهد آخر نجد تلميذًا يدخل الصف من دون إلقاء تحية، وكأنها عادة قديمة وبالية... المشاهد كثيرة عن هذا السلوك البعيد عن أصول اللباقة الإجتماعية.
وكثر هم الأطفال والمراهقون الذين يدخلون مكانًا ولا يلقون التحيّة...
- ولكن هل الأطفال والمراهقون هم المسؤولون عن عدم التزامهم بمعايير اللباقة الإجتماعية؟
بالطبع لا، كما يؤكد أختصاصيو التربية، بل تعلّم الأبناء اللباقة الإجتماعية هو مسؤولية الأهل النموذج الإجتماعي الأوّل الذي يقلّده الأبناء، فإذا كان الوالدان ممن لا يكترثون لأهمية اللباقة الإجتماعية واللياقة في التواصل مع الآخرين، فمن الطبيعي أن يكون الأبناء على صورتهم.
وقد يكون الأهل على عكس ذلك، كأن يكونوا من الأشخاص الذين يولون أهمية كبيرة للياقات الإجتماعية ويفرضونها على أبنائهم بشكل قاس من دون أن يأخذوا في الإعتبار الإستعدادات النفسية عند الأبناء والأسلوب الملائم لتعليمهم اللياقات الإجتماعية والتي يشكل إلقاء التحية أحد وجوهها.
فكم مرّة نسمع والدة توبّخ طفلها أمام الآخرين لأنه لم يلق التحية فتشعره بالإحراج والإرباك في الوقت نفسه. فهو يسأل نفسه «كيف تطلب مني احترام الآخرين الذين توبّخني أمامهم». وهذا سؤال مشروع ومنطقي إذ لا يمكن الأهل الطلب من الطفل إحترام الآخرين إذا لم يحترموه.
- لماذا إلقاء التحيّة ضروري؟
من المعلوم أن إلقاء التحيّة هو أول موقف يتّخذه الفرد للتواصل إجتماعيًا، وهو يسمح بالدخول إيجابيًا خلال التواصل مع الآخرين.
فعندما نلقي التحية ننظر إلى الشخص الذي نلقي عليه التحيّة، والابتسام له والقول «صباح الخير أو يومك سعيد أو السلام عليكم....»، وللإندماج في مجموعة يجب المراقبة وتعلّم الطلب قبل الإنضمام إلى المجموعة.»
هل يمكنني اللعب معكم!». وعندما لا يرد الطفل التحية فهو يجازف بتفويت فرصة تعلّم قدرات اجتماعية أخرى أكثر تعقيدًا.
التواصل يبدأ من الإبتسامة إلى اللباقة
يدخل الطفل بنظراته في علاقة تواصل مع من حوله، فهو يبدأ الابتسام بين العشرة شهور والسنة، يحرّك يديه عندما يرسل له أحد زوار العائلة قبلات عن بعد قبل أن يغادر الغرفة. وعندما يبدأ الكلام يمكنه أن يقول «آلو على الهاتف وصباح الخير ووداعًا».
وفي السنة الرابعة من عمره يمكن الأم إعداد طفلها للتصرف بلباقة، فمثلاً قبل الذهاب لزيارة الجدّة يمكنها أن تجعله يتوقّع الطريقة التي عليه التصرف بموجبها بلباقة: «سوف نذهب لزيارة جدتك التي تحب كثيرًا عندما تحييها بالقول السلام عليكم أو صباح الخير»...
- كيف يمكن تعليم الطفل اللباقة؟
للمثال الذي يعطيه الأهل أثر كبير في تعليم الطفل اللباقة. فمثلاً عندما تذهب الأم مع طفلها للتسوّق من الضروري أن تلقي التحيّة على البائعة قبل أن تسأل عن السعر.
بمعنى آخر على الأم والأب أن يعزّزا سلوك اللباقة عند أطفالهما من خلال تواصلهما مع الآخرين، لا أن يتصرّفا وكأن الآخرين غير موجودين، فعندما يلاحظ الطفل أن والده يلقي التحيّة على الجار وإن كان لا يعرفه شخصيًا فإنه يدرك أن التحية أسلوب جميل للتواصل مع الغير الذي لا نعرفه.
- ولكن ألا يشكّل ذلك أحيانًا خطرًاعلى الطفل الذي لن يميّز بين الغريب الشرير والغريب الطيّب؟
صحيح، ولكن على الأهل أن يعلّموا أطفالهم أيضًا أن إلقاء التحية على الغريب لا يعني السماح له بحضنه وإنّما لا يجوز أن تتعدّى عبارة «السلام عليكم، أو مرحبا».
- هل يكفي أن يقول الطفل صباح الخير»، «شكرا»، «وداعاً»، ليكون مهذبًا ولبقًا؟
هذه العبارات لا يكفي التفوه بها ليكون الطفل مهذباً، بل عليه معرفة آداب السلوك الصحيحة التي ستصير جزءاً من سلوكه الإجتماعي والتي يحتاج تعليمه إياها إلى مجهودٍ يبذله الوالدان معه منذ نعومة أظافره، خصوصاً أن الطفل غير المهذب لا يمكنه بناء علاقات إجتماعية ناجحة.
فغالباً ما يؤدي عدم التقيد بآداب السلوك إلى انحراف اجتماعي، يظهر في مرحلة المراهقة.
- في أي سن ينبغي على الأهل تعليم طفلهم عبارات المجاملة؟
منذ بدء تعلمه الكلام، حتى تصير جزءاً من طبعه وسلوكه. وبما أن الطفل لا يدرك الفائدة من آداب السلوك على الأهل أن يشرحوا له أهميتها، وكيف أنه سيكون محبوباً من الآخرين عندما يكون لطيفاً ومهذباً، كأن تقول له والدته « لطف منك أن تقول عبارة لو سمحت» أو «صباح الخير وإلى اللقاء».
ولكي يعتاد الطفل على ذلك على الأم تذكيره دائماً بقول عبارات المجاملة بأسلوب لطيف بعيد عن التأنيب لأن التأنيب والتوبيخ يزيدانه عناداً ورفضاً.
فإذا أخذ مثلاً قطعة حلوى دون أن يقول « شكراً» في إمكانها أن تسأله إذا نسي أمراً كان عليه القيام به، أو إذا انشغل بألعابه متجاهلاً وجود جدته يمكن أن تسأله مندهشة «هل أنت غاضب من شيء إلى درجة أنك نسيت إلقاء التحية على جدتك؟»، فإبداء الملاحظة أفضل من إصدار الأوامر المشددة.
- كيف يجب أن يكون ردّ فعل الأهل تجاه طفلهم الذي يشتم؟
يتعلم الطفل ما بين الأربع والست سنوات الشتيمة والكلام البذيء من أقرانه، وهما أحد أشكال التعبير التي يريد أن يبرهن بها أنه لم يعد طفلاً صغيراً.
وعلى الأهل عدم منعه عن ذلك بالقوة لأن ذلك يزيده تشبثاً ورغبة في التفوه بها.
ولأنه في الوقت نفسه لا يمكنه الإستمرار في ذلك نظراً إلى النتائج السلبية المترتبة عليه. يمكن الأهل مناقشته في الأمر بهدوء وفي الوقت المناسب، خلال تناول العشاء مثلاً.
يجب ألاّ ننسى أخيراً أن الأهل هم المثال الذي يحتذي به الطفل ويقلده، فإذا لم يتقيّدوا هم أنفسهم بقواعد آداب السلوك واللباقة الإجتماعية فلن يستطيعوا فرضها على الطفل الذي سيكون مرآتهم في المجتمع.
الأطفال والسلوك الحسن
تعليم الطفل قواعد السلوك الحسن ( البروتوكول) هو أحد أهم التقاليد الإجتماعية التي ينقلها الأهل إليه. ويتطلّب الأمر فترة طويلة حتى يتمكّن الطفل من استيعاب هذه القواعد وممارستها بشكل تلقائي. وهناك أمور يجب التركيز عليها:
العبارات الجميلة. فالطفل يتعلم اللغة من خلال ذويه، ويتماهى بوالديه، فهو عندما يسمع والديه يتبادلان الأحاديث اللائقة والعبارات المهذبة كعبارة «لو سمحت» أو «شكراً» وغيرها من العبارات المهذبة فسيتصرف على النحو نفسه.
وعندما تشعر الأم أن طفلها قد أهمل هذا الأمر وعن غير قصد، عليها تذكيره كأن تقول له مثلاً «هل شكرت جدتك»؟ فالطفل في حاجة دائمة إلى المتابعة خصوصاً في ما يتعلّق بقواعد السلوك.
برتوكول الهاتف. تعليم الطفل استخدام الهاتف أمر ضروري، ولكن الأهم هو تعليمه أصول الرد على الهاتف وكتابة الملاحظات واستلام الرسائل المهمة من الشخص المتصل.
كأن يرد على الهاتف بهذه الطريقة مثلاَ « مرحبا هنا منزل عائلة فلان والدتي ليست هنا هل تريد أن تترك رسالة لها».
وأنه لا ينبغي أن ينادي والده أو والدته بصوت عال والسماعة في يده بل عليه أن يقول للمتصل لحظة لو سمحت ومن ثم الذهاب إليهما وإخبارهما عن الشخص المتصل.
إضافة إلى ذلك يجب تعليمه كيفية طلب التحدث مع شخص ما، وهي إلقاء التحية أولاَ ثم التعريف عن نفسه فالسؤال عن الشخص الذي يريد التحدث معه.
بروتوكول المائدة. تجد الأم صعوبة في تعليم طفلها بروتوكول المائدة ، فقد اعتاد تناول الوجبات السريعة التي لا تتطلب منه الجلوس إلى المائدة واستعمال الفوطة واستخدام الشوكة والسكين أوعدم التحدث أثناء مضغ الطعام.
إلا أنه يمكن الأم تعليم طفلها بروتوكول المائدة عن طريق تحضيرها عشاءَ مميزاً يشعره بمتعة القيام بهذه الأمور .
الثناء عليه عند قيامه بسلوك مهذب ما يشجعه على تكرار ذلك. وأن لا تتوقع الكمال في كل ما يقوم به. ولا تخجله عند قيامه بسلوك غير سوي، مثل نهره عندما يتكلّم أثناء مضغه الطعام بل يمكنها أن تقول له يمكنك التحدث بعد أن تبلع طعامك.
لا يخلو تطبيق هذه القواعد من الصعاب، فالطفل يتأثر بأترابه خصوصاً عند دخوله المدرسة وبناء علاقات صداقة مع أتراب له من بيئات إجتماعية تختلف في العادات والتقاليد. لذا من المستحسن أن تبدأ الأم تعليم طفلها قواعد السلوك السليمة قبل دخوله المدرسة.
أما إذا كان الإبن في عمر المراهقة فهي ستلاحظ رفضه أحياناَ للبروتوكول لذا عليها مناقشة الأمر معه بهدوء وروية مظهرةَ أهمية هذا الأمر بالنسبة إليه في المستقبل، خصوصاَ على صعيد العلاقات العامة في مجال المهنة التي سيختارها.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1078 | تشرين الأول 2024