ناصيف زيتون: 'ناوي إمشي وإركع وبوس تراب الشام'
في المدرسة مرّ اسمه مرور الكرام. بالصدفة درس الغناء، وبالصدفة أيضاً أحدث ضجة في عالم الفنّ، ليكون الأول على غير عادته.
يعترف بأنه لم يكن الأول في شيء في حياته وأن في «صمته» فناناً. هو الصامت الذي يعيش بمفرده ويمضي أياماً دون أن يَسمع صوته أحد.
هو باختصار كالأرض، صامتة وفي جوفها بركان. هو ناصيف زيتون النجم الذي أثبت نفسه في وقتٍ حرج صعُب على فنانين كبار إطلاق أعمالهم فيه. وسيم، راقٍ، هادئ ومسالم.
عفوي، يحبّ البساطة وفي صمته هيبة قرأها كثيرون على أنها غرور.
- قدّمت ألبومك «يا صمت» بطريقة مبتكرة وغير تقليديّة. قدّمته من خلال رسالة مؤثّرة وجّهتها للجمهور بصوتك، مرفقة بمشاهد من الكليب والألبوم. ما القصد من هذه الخطوة؟
أردت أن أخاطب الجمهور وأعرّفه على ألبومي بنفسي، وأن أقول للناس «عدت بعد سنتين لأقدّم عملاً من قلبي، اسمعوني...». أحببت فكرة الإعلان كثيراً خصوصاً أنّه لم يسبق لأي فنان أن قدّم ألبومه بهذه الطريقة، بحسب علمي.
- إطلاق الألبوم في هذا الوقت يمكن اعتباره تحدياً، لكنّ ألبومك حقّق المراتب الأولى منذ صدوره، هل توقّعت له هذا النجاح؟
أرجأت إطلاق ألبومي أكثر من مرّة بسبب الأحداث الأليمة التي تشهدها المنطقة، وأحزنني أنّه صدر في ظروف سيئة، لكنّي أردت أن أواصل مسيرتي الفنيّة، وكان لا بدّ أن يصدر ألبومي.
لقد مضى على تعاوني مع شركة Music is my life أكثر من سنة، وكانت سياستنا أن نصدر أغنية منفردة تلو الأخرى.
المواد كانت جاهزة، واكتمل عدد الأغنيات وشكّلت ألبوماً كاملاً.
ومع أن الظروف الحالية لا تشعرني بالراحة التي يشعر بها الفنان حين يصدر ألبومه، كنت على ثقة بأنّه سينجح وذلك لأني غنّيت فيه من قلبي، فأنا إنسان يعشق الغناء، ولو جعلنا هذا اللقاء الصحافي غنائياً لكان أجمل!
- كيف أثّرت الأوضاع الأليمة التي تمرّ بها سورية عليك؟
(يتنهّد ويقول) أتألّم في داخلي. بلدي يدمَّر وشعبه يموت... أضع رأسي على الوسادة ليلاً وأقول «ما الذي يحصل!».
- تميّز حضورك في كليب «لرميك ببلاش»، أجدت التمثيل!
لم أمثّل بل عشت الحالة... صوّرنا الكليب قبل ستة أشهر تحت إدارة المخرج بهاء خدّاج، وكان العمل كاملاً متكاملاً.
من الأغنية التي كتب كلماتها عادل رفول ولحّنها وسيم بستاني وووزّعها روجيه خوري، إلى الصورة التي اختار المخرج أن يُظهرني بها، فكنت الشاب المغرم بحبيبته والذي يدرك أنها كاذبة، إلى الإنتاج الذي تولّته شركة «وتري» التابعة لشركة Music is my life.
- أجدت غناء كل الألوان الغنائية وضمّنت ألبومك أنواعاً مختلفة من الأغنيات. كيف اخترتها وهل هي قصص عشتها في الواقع؟
الألبوم متنوّع تتميّز كلمات أغنياته بالبساطة البعيدة عن التعقيد. اعتمدت في اختياراتي على إحساسي الداخلي، ولم يكن هناك أي تخطيط مسبق.
وكوني مزاجي الطباع وأتأثّر بالحالة التي أعيشها، كنت أدخل إلى الاستوديو وأستمع إلى الأغنيات وأختارها وفق مزاجي.
ضممت إلى الألبوم أغنيتين هادئتين Slow فقط وهما «يا صمت» و«يا عاشقة الورد»، بينما راوحت الأغنيات العشر الباقية بين الشعبي والدرامي. ولم أختر اللون أو اللهجة بل الأغنية الجميلة.
- كيف يؤثّر مزاجك على المغنى؟
أشعر في بعض الأحيان بأني بحاجة إلى البكاء، عندها أقصد الاستوديو وأطلب سماع أغنية هادئة، تعجبني وأغنّيها.
- ما هي الأغنية التي نسبتها إلى نفسك بعد أن سمعتها للمرة الأولى؟
أغنية «مش عم تزبط معي»، فقد قصدت الشام كي أسجّلها قبل الانتهاء من Mastering الألبوم بشهر واحد بعد أن أرسلها لي الشباب الذين نفّذوها، الملحّن فضل سليمان والشاعر فادي مرجان والموزّع الموسيقي أنس كريم، وكانت آخر الأغنيات التي ضممها الألبوم.
- أي أغنية هي الأقرب إليك من بين أغنيات الألبوم؟
«صوت ربابة».
- هل ستصوّر أغنيات أخرى من الألبوم؟
سأصوّر أغنيتين هما على الأرجح «صوت ربابة» و»مش عم تزبط معي» لما تعنيانه لي.
- هل تعتبر تعاونك مع أسماء جديدة في الألبوم مخاطرة أم جرأة؟
أنا اسم جديد أيضاً! أحب أن أنطلق مع شباب جدد مثلي في هذا العالم، علماً أنهم أكفياء ويُفتخر بهم، وقد نفّذوا أغنيات لنجوم مهمين.
لقد أكسبتني المشاركة في برنامج Star Academy جماهيرية واسعة لكنّي دخلت البرنامج هاوياً ولم أخرج منه محترفاً! كانت تجربة جميلة لكنّي غنّيت أغنيات غيري ولم أحقّق خلالها أي إنجاز سوى نيل اللقب.
لقد بنى لي البرنامج السلّم، وها أنا أصعد أول درجة منه، فقد نقلني ألبوم «يا صمت» من هاوٍ إلى محترف.
- حتى في الإخراج تعاونت مع مخرج جديد!
بهاء خدّاج شاب جديد ينافس الأسماء الكبيرة في عالم الإخراج ونجح في ترك بصمته المميّزة. لقد فهمني، ربما لأن سنّه قريبة من سنّي. والأهم أنّي شخص لا يتذمّر، لكنّي أعترف بأنّي أتدخل في كل تفاصيل التسجيل الصوتي... وأعتبر أن الكليب كان موفقاً.
- هل تعتبر أنك أخذت وقتك حتى تنطلق نحو عالم الاحتراف؟
تأخرت قليلاً، لم أقدّم أي عمل خلال السنتين الماضيتين.
- أصدرت بداية أغنية «صبرك عليّي» وظنّ البعض أنها للفنان ملحم زين. هل أدركت الشبه بين صوتيكما؟
ربّما لأننا نغنّي اللون نفسه.
- ما رأيك في فنّ ملحم، وهل أزعجك الموضوع؟
لا أرى أن صوتي يشبه صوته. أحب ملحم وهو من الأصوات التي لا يمكن أحداً أن ينتقدها.
«يصحّلي» أن يُشبّهوا صوتي بصوت ملحم زين... تشبّهين صوتي بصوت جميل وهو أمر يسعدني. أتمنّى ألاّ تشبّهيني بأحد في الألبوم المقبل بل أن تقولي هذا صوت ناصيف!
- أخبرنا عن ناصيف الانسان. طفولتك، اكتشافك لموهبتك...
اكتشفوني في الكنيسة في سن السادسة. كنّا نحتفل بمناسبة عيد الأم، فسألوا الأطفال من يريد أن يغنّي؟ فقلت أنا، وكانت الأغنية الضاربة حينها «مين حبيبي أنا». غنّيتها مع فتاة صغيرة وكنت جريئاً للغاية.
تعرّفت بعدها إلى الفنان الكبير وديع الصافي وفنّه، بدأت بسماع أغنياته وحفظتها في سن التاسعة، وكانت صباحاتنا في المنزل تلوَّن بأغنيته «سهرة حب».
أحببت هذا الفنان وتأثّرت به كثيراً وتعلّمت العزف على العود بسببه، وقرّرت الالتحاق بالمعهد الموسيقي، فخضعت للاختبار وغنّيت بيت عتابا يومها مرفقاً بالعزف على العود، فقال لي أستاذي: «أنت مغنٍّ»، فأدرج اسمي بين طلاب الغناء الشرقي ودرسته بالصدفة.
لم أتدرّب على الغناء بل على السماع، وأعتقد أن أذني نظيفة.
كانت ثقافتي الموسيقيّة متّجهة نحو وديع الصافي وزكي ناصيف وفيروز. وفي سن العشرين، تعرّفت على الثقافة الفنيّة المصرية بحكم دراستي، وحفظت أغنيات محمد عبد الوهاب وأم كلثوم وفريد الأطرش واكتسبت منها خبرة.
- ما الذي تغيّر في ناصيف بعد Star Academy؟
لم يتغيّر شيء. حتى اليوم أرتعب أمام الكاميرا وأرتجف عندما أصعد إلى المسرح. أقلق عندما يكون لديّ مقابلة، وأتلعثم في الكلام.
والأهم أنّي لم «أقبض النجومية جدّ» ويا ليتني اختبرت هذا الشعور، وذلك لأنّي ولدت في بيئة وضمن عائلة لعبت دور الموجّه في حياتي، وأبقتني على الطريق الصحيح وأبعدتني عن التكبّر والتعالي.
- لكنك متّهم بالغرور!
لست مغروراً بل معتدل ومسالم. لا أُكثر الكلام ولا أتدخّل في شؤون أحد.
- كنت النجم الوحيد الذي وقّع عقداً لإدارة الأعمال مع إدارةLBC وشركهPAC من بين نجوم Star Academy. كيف هي علاقتك بالمؤسسة اليوم؟
أنا ابن الـ lbc، لن أنكرها ولن تنكرني. أطلقتني إلى عالم الفن وتدعمني كثيراً في الوقت الحالي، وكانت أول من عرض دعاية ألبومي وكليبي وعلاقتنا جيدة جداً.
- كيف تصف لنا تعاونك مع شركة Music is my life؟
لقد وضعت هذه المؤسسة آمالها فيّ وأنتجت لي ألبوماً غنائياً وأنا شاب هاوٍ. أقدّر ثقتها هذه وأتمنّى أن أبقى معها، أن يبرم دولابي وأرى نفسي بين هذه الجماعة التي تعمل من قلبها وتقف بجانبي.
- من يلفت نظرك من الفنانين؟
يلفتني كل فنان يغنّي اللون الذي أغنّيه، من المحيط إلى الخليج.
- أي لون بالتحديد، فقد غنّيت كل الألوان!
يجذبني اللون الجبلي وهو أول لون أستمع إليه.
- هل التقيت سلطان الطرب جورج وسوف؟
التقيته مرّة في الاستوديو وقال لي «انت يللي ربحت؟!». لم ألتقِه ثانية وأتمنى له الشفاء وطول العمر.
- تريد أن تكون «ناصيف» الذي لا يشبه أي فنان. كيف هي ملامح هذه «الحالة الفنية» إن صحّ التعبير؟
هادئ، جدي، مسالم، انسان «بحالي». أحارب كي أكون أنا. أعيش بمفردي منذ ثلاث سنوات. أعيش حالة من الوحدة التي تأقلمت معها وأصبحت أحبّها. أحب أهلي كثيراً وأعشق الطبيعة وأطلب السلام.
- متى ستغنّي لوديع الصافي؟ هل تخجل من الغناء له أم تخاف؟
أخاف أن يستمع إلى صوتي، أنا «فرخ» أمامه. وقفت إلى جانبه ولم أحسن الغناء... لقد علّمني وعلّم كثيرين الغناء دون أن يشعر. لكن ليس كل من يصلّي نقول عنه أنه مؤمن، وليس كل من يغنّي هو فنان! هو قدوتي في الفن وأنا بدأت للتوّ والطريق أمامي طويل.
- لماذا وقع اختيارك على أغنية «يا عاشقة الورد» لتجدّدها؟
لأني أعشقها... أغنّيها منذ صغري وضمّها إلى ألبومي سيزيده قيمة. ومع أنّي أحب وديع الصافي أكثر من زكي ناصيف، أعتبر أن أغنيات زكي أقرب إليّ من أغنيات وديع.
- هل تفضّل الأغنية الكلاسيكية على الشعبية؟
أحب الأغنيات التي تطربني. عندما نقول كلمة طرب تمرّ في بالنا أم كلثوم وعبد الوهاب، أما أنا فأرى أن وديع الصافي وفيروز وزكي ناصيف ونصري شمس الدين هم أسياد الطرب، فكل انسان ينطرب على طريقته الخاصة.
- ما هي الأغنيات التي تستمع إليها خلال هذه الفترة؟
أستمع إلى أغنيات ثقيلة، وفي وقت لاحق أستمع إلى «طقاطيق» مطروحة في السوق حالياً، المهم أنّها موسيقى تغذّي روحي.
- هل بدأت باختيار أغنيات ألبومك الثاني؟
اخترت أربع أغنيات حتى الآن.
هذا أنا
- غنّيت «مش عم تزبط معي». شو يللي مش عم يظبط معك؟
«من سنتين ما كان شي عم يزبط معي»... أما الآن «كتير عم تزبط معي».
- هل الصمت هو منفذك الوحيد في وقت الشدّة أم أنك تملك طرقاً أخرى للتعبير عمّا في داخلك؟
أعيش بمفردي وتمضي أيام دون أن أسمع صوتي. أنا من الأشخاص الذين لا يرفعون صوتهم ولست «حكوجي»، وأعتبر أن أغنية «يا صمت» تعبّر عني شخصياً لأني قليل الكلام. لقد تأثّرت بالعملاق وديع الصافي في كل شيء، وأردد مقولته دائماً «أنا ما بعرف إحكي، بعرف غنّي».
- ما هي إيجابيّة «الصمت»؟
صمتي نتج عنه فنان. كم هو جميل أن يترجم الانسان ما يريد قوله بالعمل الغنائي وليس بالكلام!
- لمن «ترمي ببلاش»؟
أرمي الحظ السيئ والزمن الرديء ببلاش. أرمي السنتين الماضيتين ببلاش لأنّي تعذّبت فيهما نفسياً وأصبتُ بإحباط في ظل غياب شركات الإنتاج.
فهمت اللعبة متأخراً لكني فهمتها أخيراً. فهمت خلال هاتين السنتين أن الجهد الشخصي هو الأساس، وذلك لأن الأضواء لن تبقى عليّ طوال الوقت، ومن واجبي أن أسلّط الضوء على نفسي بنفسي. وتخيّلي أنّي أنا الذي فزت باللقب. فكيف هي حال المواهب التي خسرت؟!
- كم فتاة «غمزتلك بعينها»؟
«ولا وحدة». لم أفكّ الحصار حتى الآن. لا أكون في أماكن عامة ولا أخرج كثيراً. حتى لو حدث هذا الأمر، لا أستغلّ الموقف. و»يا ريت يغمز لي الكل في حفلاتي».
- على أي أرض تنوي المشي؟
على أرض الشام. عائلتي كلّها في سورية، أما أنا فتركت البلاد في ظروف عمل. أتمنى أن تهدأ الأوضاع فيها ويعمّها السلام ونعود إليها جميعاً ونركع ونقبّل ترابها.
طفولتي
كنت كأغلبية الأولاد، أذهب إلى المدرسة، أهرب منها... لم أكن الأول في شيء في حياتي. شاركت في Star Academy ونلت المرتبة الأولى في الشيء الذي أعشقه، وهو الغناء.
لم أكن كسولاً في المدرسة بل كنت أمرّ مرور الكرام، وكنت أكره مادّتي الفيزياء والكيمياء وأحب مادّتي التاريخ والفلسلفة.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024