'لماذا أنا'؟
«يشعر هاني (13 سنة) بالحزن لأنه لا يستطيع القيام بالنشاطات التي يقوم بها رفاقه من هم في سنّه بسبب مرضه المزمن.
فيما رامي يعيش أحيانًا حالاً من الكآبة لأن عليه ارتياد المستشفى أسبوعيًا وأيضًا بسبب مرضه المزمن».
يمكن لإصابة المراهق بمرض مزمن أن تقلب حياة العائلة والمراهق رأسًا على عقب. وسواء كانت الإصابة خطيرة أو لا، فإن هذا النوع من الأمراض سيجعله خاضعًا للمراقبة الطبية والعلاج مدى الحياة، مما يعني أن هناك الكثير من النشاطات والأمور التي سيمنع عنها بسبب مرضه المزمن.
وتبعًا لذلك فإن هذا المريض المراهق عليه أن يتسلّح بفهم وضعه الصحي وتقبل العلاج. فكيف يتصرّف الوالدان؟ وكيف يمكن الأخوة تفهّم وضع أخيهم الصحي والمساهمة في رفع معنوياته من دون أن يشعروا بالغيرة إذا ما نال الكثير من الإمتيازات والاهتمام من والديهم؟
«لها» حملت هذه الأسئلة إلى الاختصاصية في علم نفس الطفل كالين عازار التي أجابت عنها و عن غيرها.
في البداية، تقول عازار: «عندما يواجه المراهق مرضًا مزمنًا قد يجد صعوبة في فهم ما يحصل له، فينظر إلى المرض كأنه عائق كبير يمنعه من أن يعيش حياته كبقية المراهقين.
فمن المعلوم أن المراهقة هي مرحلة التناقضات والأسئلة الكبيرة التي يطرحها المراهق عن سبب وجوده واستقلاليته، وهو يميل إلى القيام بالمجازفات والتجارب، وإصابته بمرض مزمن قد تمنعه عن القيام بأسهل النشاطات.
وفي مواجهة هذا المجهول يمكن أن يشعر بالقلق والتوتر، وقد تظهر عليه أعراض الانهيار العصبي.
وقد تترجم مشاعره بعدم رغبة في الذهاب إلى المدرسة، وأحيانًا تتقلص قدراته، ويشعر في داخله بالغضب الذي يوجّهه تجاه والديه أو طبيبه أو قد يرفض العلاج، أي تجاه سبب لا يستطيع السيطرة عليه.
ويجد أحيانًا أن مرضه عقاب له، ويشعر بالذنب لأنه يسبب الألم لوالديه وبقيّة أفراد عائلته.
وفي المقابل قد يفاجأ الأهل برد فعل المراهق تجاه مرضه، فيبدو أنه تقبّل وضعه الصحي بهدوء خصوصًا إذا كان يعلم به منذ الطفولة».
- في كل الحالات، كيف يمكن أن تكون رد فعل المراهق تجاه مرضه المزمن خصوصًا إذا ظهر فجأة؟
في الغالب لا يكون مرض المراهق المزمن أمرًا طرأ حديثًا، بل يكون المراهق قد اعتاد عليه منذ طفولته ويعرف كيف يتعامل مع وضعه الصحي خصوصًا أننا نتحدّث عن مراهق معاصر يمكنه أن يعرف كل شيء عن مرضه بمجرّد قيامه ببحث على المواقع الطبية الإلكترونية الموجودة على الإنترنت، ولكن الأمر الجديد الطارئ هو عبوره مرحلة المراهقة، أو ما يعرف بأزمة المراهقة التي لا تخلو في الأصل من الصعاب والمشكلات التي يواجهها المراهق الصحيح، فكيف بالمراهق المصاب بمرض مزمن الذي يجد نفسه ممنوعًا من القيام بالكثير من الأمور! فضلاً عن أنه ربما عليه ارتياد المستشفى بشكل دوري.
وهذا قد يسبب له كآبة فيميل إلى العزلة والإنطواء، أو العكس فقد يثور على مرضه إلى أقصى حدود فلا يأبه للعلاج وربّما لا يعود يكترث بالمدرسة فتكون نظرته إلى المستقبل الذي في الأصل يقلقه سوداوية، فيقول مثلاً:» لمَ عليّ التخطيط لمستقبلي طالما أنني لن أعيش كثيرًا!» أو يطغى عل تفكيره سؤال: «لماذا أنا؟» هنا دور الطبيب المعالج والأهل رئيسي ومهم جدًا، في مساعدة المراهق على تخطي مرضه المزمن.
- كيف يمكن الأهل والطبيب مساعدته على تخطي أزمته المترافقة مع أزمة المراهقة في الحالتين سواء أصيب به حديثًا أو أصيب به منذ الطفولة؟
يخاف الأهل عادة من رد فعل ابنهم المراهق ويجدون صعوبة كبيرة في إعلامه بمرضه المزمن الذي أصيب به حديثًا، والتحدّث عن وضعه الصحي.
وهنا دور الطبيب المعالج الذي يُعلم المريض عن وضعه شرط أن يكون واقعيًا ولا يبالغ في تبسيط المرض أو تهويله خصوصًا أن المراهق كما ذكرت سابقًا أصبح متاحًا له معرفة أدق التفاصل عن مرضه عبر الإنترنت، لذا لا يجوز المبالغة في تبسيط الأمر أو التحدّث في التفاصيل التي تزيد المشكلة غموضًا لأنه ربما لا يعود المريض يثق بالطبيب المعالج، بل أؤكد ضرورة الإجابة فقط عن السؤال بشكل واقعي وبمستوى سنّه أي ما إذا كان المريض في الثانية عشرة أو السابعة عشرة فهناك اختلاف في نمط التفكير بين المراهق الذي هو في بداية مرحلة المراهقة والمراهق الذي يمر بأزمة المراهقة.
وفي المقابل على الطبيب والأهل ألا يبالغوا في تفاؤلهم وأنه سيشفى من المرض خصوصًا إذا كان الشفاء مستحيلاً، بل عليهم أن يوضّحوا له أن تقيده بالعلاج سيجعل حياته أسهل وشبه طبيعية.
فضلاً عن أن المراهق المصاب بمرض مزمن منذ طفولته أو حديثًا، فإن المشكلة تكون في الأسئلة الوجودية التي يطرحها على نفسه.
لماذا أنا؟ لماذا علي الإهتمام بدراستي طالما أن مصيري معروف؟ لذا في كلا الحالتين من الضروري أن يرافق العلاج الجسدي علاج نفسي، أي أن يطلب الأهل مساعدة إختصاصي نفسي يساعد المراهق المريض في التكيف مع المرض وعلاجه، وهذا يعود إلى نوع المرض.
كما يمكن الأهل أن يطلبوا مساعدة رجل دين في مساندة المراهق المريض روحيًا.
ولا ننسى أن في الكثير من المستشفيات عادة يتوافر في أجنحة الأمراض المزمنة عند الأطفال والمراهقين معالج نفسي يرافق المريض أثناء مرحلة العلاج ويساعده في تنمية شخصيته وتعزيز ثقته بنفسه وكيف يقبل مرضه بالشكل الصحيح، مع تحريره من أي عقدة أو شعور بالذنب أو بالنقمة.
- كيف يمكن الأهل إعلام الأخوة بوضع شقيقهم الصحي؟
من حق الأخوة معرفة ماذا يعاني أخوهم خصوصًا إذا كانوا أصغر منه سنًّا، ولكن في الوقت نفسه يجب التأكيد لهم أن كل شيء في المنزل سيبقى على حاله، وأن زيادة اهتمام الأهل بأخيهم سببها حاجته إلى الرعاية الصحيّة والدعم النفسي من والديه وأخوته أيضًا، وليس لأنهما يحبّانه أكثر.
وهنا للأسلوب التربوي الذي يتبعه الوالدان دور كبير خصوصًا إذا كانا يربّيان أبناءهما على الاحترام المتبادل بين أفراد العائلة وسيادة المحبة.
وبذلك يكون الاهتمام بالأخ المريض مسؤولية الكل ومساعدته تكون منطلقة من المحبة والألفة اللتين تعودوا عليهما في المنزل وليس لأنها فرض وواجب.
فلا يعود الأخوة يشعرون بالتمييز بينهم وبين أخيهم، خصوصًا إذا لم يعامل الوالدان الابن المريض بشكل يستفز أخوته. فحين يمنح الوالدان الكثير من الإمتيازات للمراهق المريض، من الطبيعي أن يشعر الأخوة بالغبن.
- ما التدابير التي على الوالدين اتخاذها إذًا؟
على الوالدين ألا يبالغا في حماية ابنهما. فلكي يستطيع االمراهق التصرّف باستقلالية، ومتابعة تعلم التواصل مع المجتمع وبناء علاقات، على الوالدين حمايته بشكل غير مباشر ومن دون مبالغة. لذا عليهما إيجاد الوسائل التي تعزز ثقته بنفسه، كأن يطلبا منه القيام ببعض الأمور التي تناسب قدراته.
فالمراهق سواء كان مريضًا أو لا فإنه لا يطالب والديه بأن يكونا حاضرين لخدمته طوال الوقت، فهو يحتاج إلى ثقتهما به وبشكل مستمر.
كما يمكن الوالدين استعمال مرحلة العلاج والاستشفاء لتحفيزه على المشاركة في النشاطات الفنية كالرسم أو تعلّم لغات أو الموسيقى، فهذه الأمور تعزز لديه الرغبة في التعلّم.
وفي المقابل عليهم أن يستشيروا الطبيب عن الرياضات التي لا تشكّل خطرًا على حياته، خصوصًا أن المراهق يمر بمرحلة فورة الجسد أي التغيرات البيولوجية التي تحوّله من طفل إلى راشد.
كما يمكن الوالدين إيجاد الفرصة ليلتقي ابنهما المراهق مراهقين يعانون المشكلة نفسها كي لا يشعر بأنه الوحيد في العالم الذي نزلت عليه مصيبة المرض.
- سأموت؟ حين يطرح هذا السؤال ماذا على الأهل أن يجيبوا؟
يجب تربية الأبناء منذ الطفولة على الإيمان بالله وحده الذي خلق الكون والإنسان وبأنه وحده يمنح الإنسان الحياة وهو الذي يمنح الشفاء، وهو الذي يقرر موت الإنسان في لحظة معينة. ولكن يجب إعطاء المراهق الأمل حتى آخر لحظة من حياته ولو كان ضعيفًا .
أما بالنسبة إلى الأخوة فالأمر نفسه مع التأكيد لهم أن الله وحده هو الذي سيعطي أخاهم القدرة على تحمل الألم بقدر ما يستطيع جسده تحمل المرض، والصلاة لأجله حتى يرتاح جسده من الألم حين لا يعود يستطيع تحمّله.
وكما ذكرت من المفيد جدًا أن يتحدّث إلى المراهق المريض رجل دين يشعره بالراحة النفسية.
- ما دور الأقارب في وضع صحي كهذا؟
دور الأهل هو الأساس، أما الأقارب فدورهم يأتي ثانيًا وينصح بزيارة المراهق المريض حين تكون المعنويات عالية ونافعة للمراهق والأهل.
- ماذا عن المدرسة وكيف يجدر بالأهل إعلام الإدارة لاتخاذ تدابير خاصة؟
بالطبع يجب على الإدارة أخذ العلم من أجل أخذ التدابير اللازمة في التعامل مع التلميذ المصاب بمرض مزمن، مع التشديد على ضرورة التصرف بأسلوب لا يستفز زملاءه في الصف.
والأهم هو حمايته في ملعب المدرسة والتأكد من عدم تعرّضه لأي أذى جسدي غير مقصود من رفاقه، وتوفير الوسائل التي تسهّل حركته.
مثلاً إذا كان يعاني المراهق مرض قلب فيجب مرافقته في المصعد، والحرص على عدم بذله مجهودًا جسدياً يؤثر في صحته.
كما يجب توافر ممرض في المدرسة للحالات الطارئة وإعلامه بالتدابير التي يجب اتخاذها إذا أصيب المراهق بنوبة، وبمن يجب الاتصال.
كما من الضروري أن يعامل المدرّسون التلميذ بشكل طبيعي وعدم إشعاره بالشفقة عليه.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024