عندما ترغب المراهقة...
تبدو شخصية ياسمين التي تؤديها الممثلة التركية سونغول أودان في مسلسل «نساء حائرات» والدة صغيرة السن وأنيقة تربطها علاقة وثيقة بابنتها مريم، الفتاة المراهقة التي لا تخشى أن تبدي رأيها بصراحة بأسلوب والدتها في الملابس، ولا تعترض إذا ما طلبت منها والدتها ياسمين أن تعيرها بعض ملابسها، ولكن تنبّه مريم والدتها إذا خرجت من المنزل بشكل غير لائق.
صورة ياسمين الأم الشابة المليئة بالحيوية، هي صورة أم المراهقة العصرية التي تعتبر نموذجًا جميلاً تتمنى مراهقات كثيرات أن تكون أمهاتهن على صورتها.
ولطالما لاحظ اختصاصيو علم النفس ميل كثير من البنات في مرحلة محددة من مراهقتهن إلى تغيير أمهاتهن في الصورة والمظهر وربما المضمون أيضاً.
لكن لماذا تهتم المراهقة بالشكل الخارجي؟ ولماذا تحاول أن تحمل والدتها على تغيير مظهرها؟
ربما لأن المراهقة في بداية هذه المرحلة تشهد تغيرات في جسمها، فمن الملاحظ وقوفها وقتاً طويلاً أمام المرآة والسبب ليس شكلها، بل لأنها لا تتمكن من مواكبة هذه التغيرات فتحاول أن تجد صورة معيّنة عن ذاتها، لكنها لا تزال غير قادرة على تحقيقها.
لذا تحاول عبر طلبها من والدتها تغيير مظهرها، أن تحقق الصورة التي ترغب في أن تكون هي عليها.
وهذه نقطة إيجابية في محاولة التقرّب من الأم على أساس أن تكون على الصورة التي تتمنى أن تكون عليها والدتها أو أن تكون هي نفسها عليها في المستقبل.
ومن الملاحظ أيضاً في هذه المرحلة اهتمام المراهقة بالمظهر الخارجي والأزياء، وبالتالي تريد والدتها التي تشكّل بالنسبة إليها الانتماء، أن تكون صورتها لائقة أمام الآخرين خصوصاً أمام شلة الصديقات.
فمن خلال الأحاديث التي تتبادلها المراهقات يتشكل لديها مثال تحتذي به وشكل معين ليس لإرضاء نفسها فقط، بل لإرضاء صديقاتها والجماعة التي تنتمي إليها.
لذا تحب أن تكون والدتها على صورة معينة تفخر بها وتلقى القبول من المجموعة التي تنتمي إليها.
فتحاول المراهقة أن تجعل أمها تلبس بطريقة تكون طبق الأصل عن النموذج السائد والذي يعتبر مثالاً يلقى القبول والرضى عندها. خصوصاً أن وسائل الإعلام تظهر اهتماماً بالأزياء والأشكال الأنثوية والمثال الذي يجب أن تكون عليه المرأة.
وقد تستجيب الأم لرغبة ابنتها في التغيير أو قد لا تستجيب، وفي كلتا الحالتين يجب أن يكون القبول أو الرفض ضمن حدود المعقول. إذ من الممكن أحياناً أن تكون الأم مهملة لمظهرها في شكل كبير، في هذه الحالة تكون المراهقة إلى حد ما على حق، لأنها تحب أن تفخر بأمها أمام زميلاتها والناس.
والسؤال متى تتخطى المراهقة حدودها في الانتقاد؟
إذا كانت تسعى إلى مزيد من التناسق والتوازن في اللباس والمظهر ومن القبول الاجتماعي فهذا أمر مقبول، لأنها تحب أن تكون أمها على صورة لائقة.
أما إذا وصلت في انتقادها إلى أن تطلب تغييراً جذرياً يتخطى الحدود الممكن تنفيذها، ويفوق قدرة الأم المادية، فهذه إشارة إلى وجود مشكلة وحالة غير سوية، وهي أن البنت لا تقدّر والدتها.
وعندها على الأم أن تسأل نفسها، إلى أي مدى كان دورها إيجابيًا وأسلوبها في التربية سليماً. صحيح أن المراهقة مرحلة تمرّد ورفض وصحيح أن لوسائل الإعلام تأثيراً وكذلك شلة الأصدقاء، ولكن في الوقت نفسه يجب أن يكون التأثير متبادلاً.
فشخصية المراهقة هي بنت البيئة التي تنمو فيها، فإذا كان تأثير الرفيقات قد وصل إلى رفض كلي للإطار الاجتماعي والثقافي الذي تعيش فيه، فهذا يعني أنها أصبحت في حالة تبعية للرفيقات وذوبان ضمن المجموعة وتريد تغيير مظهر والدتها إلى صورة ترضى عنها الصديقات، مما يدلّ على عدم رضى عن الذات عند المراهقة، وعدم استقرار نفسي وعن سطحية العلاقة بينها وبين والدتها، وعلى وجود نقص في التربية وأن الأهل لم يربوا هذه المراهقة كي تنسجم وتتكيف مع المحيط الاجتماعي الذي تنتمي إليه.
ويشير الإختصاصيون إلى أنه لا يجوز دوماً لوم المراهقة على رغبتها في تغيير مظهر أمها إلى الأفضل. فهي في هذه المرحلة لا تستطيع أن تحقق كل الأمور المتعلقة بمظهرها نسبة إلى صغر سنها ونسبة إلى وضعها كتلميذة.
وبما أنها تتماهى بوالدتها، فبالتالي وكأن ما تقوم به الأم هو تعويض عن ما لا تستطيع القيام به في هذه المرحلة. كما تعكس هذه الرغبة على الصعيد النفسي القلق على مظهرها، فصورة الأم تمثل لها الصورة التي ستصبح عليها المراهقة في المستقبل.
وهذا قد يفسر انزعاجها من مظهر أمها غير اللائق. فالمرأة، خصوصاً في مجتمعاتنا العربية، حين تصبح أماً تهمل مظهرها، لذا كلما استطاعت الأم الحفاظ على مظهرها منحت ابنتها نوعاً من الاطمئنان النفسي ونظرة متفائلة بأن الزواج والإنجاب لن يغيرا الصورة التي يمكن أن تكون عليها في المستقبل.
وعموماً لا تقتصر رغبة المراهقين في تحسين المظهر على الأم فقط بل تشمل الأب أيضاً. ولا ضير للأهل في تلبية طلب أبنائهم تحسين مظهرهم إذا بقي ضمن الحدود المعقولة.
فالمراهق عموماً يفتخر بأهله ويحب أن يكونوا محط إعجاب أصدقائه وتقديرهم. فهو لم ينل استقلاليته ولا يزال جزءاً من أهله يتماهى بهم لذا يفتخر كثيراً عندما يتلقى ملاحظات جميلة عن أهله.
وأخيراً من المفروض على الأهل أن يقنعوا أبناءهم بالأمور الممكنة والأمور غير الممكنة حتى يصلوا إلى درجة من الإقتناع، وإن لم يكن اقتناعا كاملاً. ولتكن محاولة المراهقة تغيير مظهر أمها باباً لإقامة جسر حوار معها.
ولا جدال أن المراهقات عموماً على صلة أوثق بعالم الموضة، فالأهل لديهم اهتمامات أخرى تشغلهم، وأحياناً يمكن الأم أن تطلب من ابنتها رأيها في مظهرها ولكن ضمن المعايير والحدود المقبولة.
وفي المقابل من الضروري أن يقبل المراهق أهله بالصورة التي هم عليها، ولا يجوز حصر علاقته بهم بالمظهر الخارجي. فالأهل هم الحنان والمحبة والمسؤولية والقيام بالواجب تجاه أبنائهم، وعلى الأبناء احترام أهلهم مهما كان مظهرهم.
إبنتي تضع الماكياج!
سؤال: ابنتي (11 سنة) في الصف السادس و تبدو أكبر من عمرها فهي ناضجة جسدياً وفكرياً. وقد اتفقت معها على مبادئ أساسية ظننت أنها كفيلة لتجنبني التصادم معها.
لكن للأسف لم تتقيّد بهذه المبادئ، إذ أنني سمحت لها بوضع الماكياج خارج المدرسة لكنني فوجئت بإصرارها على وضعه عند ذهابها إلى المدرسة ما جعلني أتشاجر معها. ما هي النصائح التي يمكنك إسداؤها؟ عبير- لبنان
جواب: لا يتعلّق الأمر بالماكياج وأدوات التجميل فقط. فمن المعلوم أن اليافعين ما بين11 و15 عاماً يهتمون كثيراً بمظهرهم الخارجي بسبب التغيرات الكبيرة التي تحدث لهم في هذه السن.
فهم يصيرون أكثر اهتماماً بنظرة أترابهم إليهم. وهذه مظاهر مشتركة بين جميع اليافعين والمراهقين وجزء من بناء هويتهم الخاصة بهم.
ويبدو سيدتي أنك قلقة من نضوج ابنتك المبكر و ما إذا كان هذا الأمر سوف يقودها إلى سلوك سيئ. وفي الواقع أن البنات اللواتي ينضجن في سن مبكرة ينزعن إلى بناء صداقات مع من هن أكبر منهن سناً.
لذا يمكنك مراقبة صديقاتها المقربات منها وثنيها عن الاختلاط بمن هن أكبر منها. أما بالنسبة إلى الماكياج فيمكنك اتباع حدسك ودعيها تختبره في المنزل، وتذكري أن هذا الأمر هو ظاهرة طبيعية لمن هن في سنها، وانتبهي إلى أمور أخرى كالأسلوب الذي تتبعه في ملبسها، وشلّة الصديقات التي تنتمي إليها.
وشجعيها على النجاح في المدرسة وممارسة الهوايات التي تحبها، ومعاشرة الفتيات المتفوقات. وأخيراً كوني إيجابية معها ولا تمضي الوقت في مشاجرتها على أمور صغيرة وتافهة.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024