تحميل المجلة الاكترونية عدد 1078

بحث

الطفل المتنمّر من هو؟

«يسخر هاني طوال الوقت من نديم، أحيانًا يعلّق على مشيته ويناديه بالأبله، وأحيانًا أخرى يتفق وصديقيه الحميمين على إذلاله في الملعب، ونديم لا حول ولا قوّة له يحاول تجنّبه لأنه يخاف من تعليقاته».
هاني طفل متنمّر، ونديم ضحيّته! لماذا يتنمّر هاني، وهل هو فعلاً طفل شرير؟ ولماذا لا يحاول نديم الدفاع عن نفسه، هل هو ضعيف الشخصيّة؟ من هو المتنمّر؟ ومن هو ضحيّة التنمّر؟
«
لها» إلتقت» الإختصاصية في علم نفس الطفل والمراهق دانا عبجي التي أجابت عن هذه الأسئلة وغيرها

- من هو الطفل أو المراهق المتنمّر؟
الطفل أو المراهق المتنمّر شخص يشعر بالألم في داخله، ولا يشعر بالراحة في أعماق نفسه، رغم أنه يُظهر عكس ذلك.
فهو لديه شعور بالنقص العاطفي، كأن يشعر بألا مكانة له في العائلة. قد يكون له شقيق أكبر منه يأخذ كل انتباه الأهل واهتمامهم، وبالتالي لا يأخذ الوالدان وجوده في الإعتبار.
إذًا هو يبحث عن مكانته. أو أن والديه مشغولان ولا يخصصان الوقت للجلوس معه والاستماع إليه والتحاور معه.
و قد يكون هذا المتنمّر مفرط الدلال، يعيش في محيط اجتماعي لا يوجد من يقول له فيه «لا»، وقد يكون سبب ذلك أيضا إنشغال الأهل وبالتالي فهم يوفرون له كل الأمور المادية فيما يغيب الاهتمام العاطفي المعنوي.
فينتج عن هذا الدلال المفرط أن الطفل أو المراهق المتنمّر يعتبر الآخرين أشياء يمكنه التحكم فيها والسيطرة عليها، ويستخدمها أداة له.
فضلاً عن ذلك هناك أجواء عائلية تعزز شخصية المتنمّر، مثلاً كأن يكون الأب ممن يحلّون مشكلاتهم عن طريق العنف أو الترهيب، مثلا يقول له: «إذا أزعجك أحد فإنني سوف أرسل مجموعة من الشبان ينغّصون عليه حياته».
إذًا صورة العنف موجودة في العائلة، ويفتخر أفرادها بها بل هي ميزة، وليس لديهم مشكلة في هذا التميز. إذا هذا الطفل ينشأ في محيط يختلف في قيمه الإجتماعية عما هو متعارف عليه ومقبول به في المجتمع. ولكن يبقى السبب النفسي هو الأرجح.

- هل من الممكن أن هذا الطفل أو المراهق المتنمّر خارج المنزل أن يكون مُعنّفًا في محيطه العائلي؟
هذا أحد الاحتمالات، ففي بعض الأحيان يكون في البيت شخص يسيطر عليه يمكن أن يكون الأخ أو الأخت أو أحد والديه وربما الخادمة.
أي يوجد في العائلة من يعامل الطفل في شكل عنيف، مما يضطر هذا الطفل أن ينفّس عن الكبت أو الغضب الموجود في داخله، وبالتالي يتنمّر في المحيط الإجتماعي خارج إطار العائلة، في المدرسة أو في النادي الرياضي... وهنا لا بد من الإشارة إلى أنه ليس بالضرورة أن يأخذ التنمّر صورة العنف الجسدي بل يمكن أن يكون أيضًا معنويًا.

- هل التنمّر موجود عند الفتيات والصبيان بالنسبة نفسها؟
نعم ولكن بطرق مختلفة، فقليلاً ما نسمع أهلا يشتكون أن ابنتهم ضربت بنتًا أخرى، وإنما يشتكون من محاولتها تحريض رفيقاتها على فتاة بعينها، فيتفقن على انتقادها والاستهزاء بها طوال الوقت.
مثلاً يتفقن على أن هذه البنت لا تعتني بنفسها أو أن مظهرها مضحك، وهن شلة البنات العصريات بما يعرف بمصطلح «الكول» cool girls. فيما الصبيان لا يحرضون على هذا النحو، بل يرتكز تنمّرهم على عرض العضلات والقوة الجسدية، مثلاً تجدين شلة يتفقون على ضرب أحدهم.

- من هم أتباع المتنمّر؟
عمومًا المتنمر يكون له صديقان أو ثلاثة على أبعد تقدير، ويكون هو القائد وهم الأتباع. هؤلاء الأتباع يلحقون المتنمّر لأنهم يتأثرون به ويعتبرون أن قيم القائد المتنمّر مهمة جدًا، فيتبعونه ليستمدوا منه قوتهم، لأنه يجرؤ على فعل ما لا يستطيعون فعله.
وعمومًا الأتباع هم أطفال لا يوجد تواصل دائم بينهم وبين أهلهم، فالحوار شبه غائب، ولا يعرفون الفرق بين الخطأ والصواب لذا يسهل انجرارهم.
مثلاً طفل يعرف أن يقول «لا» إذا طلب منه أصدقاؤه القيام بتصرّف ما يرفض لأنه يعرف أن ما يطلب منه خطر. فيما طفل آخر لا تكون لديه مشكلة في أن ينفذ مقلبًا في الأستاذ مثلاً.
هذا النوع من التلامذة لا يكون لديهم ثقة كاملة بالقيم التي تعلموها من أهلهم.

- من هو الضحية؟
الضحية هو أيضًا مثل المتنمّر شخص معذب في داخله، ويقبل أن يتنمر أحدهم عليه لا شعوريًا. هو طفل يشعر بألم عميق في داخله. هناك من يعنّفه في المنزل أو أنه مهمل لا أحد يهتم لوجوده.
كما من الممكن أن يكون طفلاً عانى أمراضًا كثيرة في طفولته وبالتالي حُرِم الكثير من الأمور بسبب مرضه، لأن أهله يخافون عليه كثيرًا وبالتالي أصبحت ثقته بنفسه وبقوته الجسدية ضعيفة جدًا.

- على أي أساس يختار المتنمّر ضحيّته؟
في غالب الأحيان يختار ضحيته على أساس المظهر الذي يوحي له أنه يستطيع استغلاله والتنمّر عليه. ومظهر الطفل الضحية يكون دائمًا لافتًا، كأن يكون ضعيف البنية أو خجولاً جدًا أو نحيفاً أو سميناً أحيانًا.

- كيف يمكن الأهل معرفة ما إذا كان ابنهم متنمرًا؟ وماذا عليهم أن يفعلوا؟
من خلال تجربتي لم يأت أهل إلى العيادة ليقول لي ابننا متنمر ويحتاج إلى مساعدة، عمومًا يأتي الأهل بناء على طلب المدرسة. إذ يصعب عليهم اكتشاف صفة التنمر عند ابنهم، لذا دور المدرسة أساسي وهي التي تُعلم الأهل من خلال رسالة تفيد أن ابنهم مطرود.
هذه في حال التلميذ المراهق، بينما بالنسبة إلى الطفل فيتم استدعاؤهم من المدرسة. فالأهل لن يكتشفوا التنمّر في شخصية ابنهم وحدهم ، وربما في لا وعيهم لا يريدون اكتشاف ذلك، وينكرونه، لأنهم إذا اكتشفوا الأمر يضطرون لمساءلة أنفسهم ليعرفوا سبب تقصيرهم، ويتنبهون إلى أنهم ربما أفرطوا في تدليله، مثلاً لم يكن يجوز لهم أن يعطوه هذا الكم من النقود ليشتري ما يشاء ويتنمّر على أقرانه ويستهزئ بهم... مما يفرض عليهم تغيير أمور كثيرة في حياتهم، لذا يحاولون إنكار شخصية ابنهم المتنمر و هنا نتكلم على الأهل الغائبين عن حياة ابنهم.
بالنسبة إلى الأهل الفعليين، يمكن الأم أن تعرف ما إذا كان ابنها شخصية متنمرة أم لا من خلال مراقبته الدائمة، مثلاً عندما يأتي أصدقاؤه إلى المنزل تراقب كيف يتصرفون معه والأحاديث التي تدور بينهم، مثلا عندما يودّعونه بماذا يلقبونه؟ المهم أن تراقب محيط ابنها وهذا مهم، إذا عاد من النادي الرياضي، هل كان يرتدي ثياب طفل آخر أم لا؟ هل ثيابه ممزقة؟ مظهر الطفل وسلوكه مؤشران للأهل.

- كيف يمكن الأم معرفة أن طفلها ضحية متنمر؟
إذا كان في الخامسة يقول المتنمر للضحية «إذا قلت لأحد لن أعود صديقك»، وفي سن كبيرة يهدده بالضرب، فلكل سن تهديدها خاص.
هناك نوع آخر من التنمر هو التحكم في الآخر، مثلاً يطلب منه أن يفعل كذا وكذا وإلا! قد تكون مشاركة طعام أو نقود أو غش في الإمتحان.
والأهل لا يعرفون بهذه الأمور. أحيانًا يلفت أهل آخرون نظر الأهل. ولكن يمكن الأم اكتشاف ما إذا كان ابنها ضحية متنمّر من خلال الحديث معه، مثلاً يرفض أن يأخذ سندويتش شوكولا إلى المدرسة.
وأذكر أما لا حظت أن طفلها في السادسة يعيد دائمة زجاجة اللبن التي تعطيه إياها ليتناولها في المدرسة. راقبت المسألة ثلاثة أيام، وعندما سألته أجاب أن صديقه يمنعه من تناولها. دعت الأم هذا الصديق إلى البيت، واكتشفت أن هذا لا يحب اللبن وبالتالي لا يريد لابنها أن يتناوله.
هناك أهل يظنون أنها حركات أطفال وهذا خطأ لأن عليهم الانتباه إلى أدق التفاصيل في حياة أبنائهم لتنمية شخصية قوية واثقة بنفسها. فالتفاصيل مهمة كثيراً.

- هل للتلفزيون تأثير في شخصية المتنمر؟
أكيد للتلفزيون أثر في تعزيز المتنمر فقد يتأثر ببطل يشاهده في فيلم أو مسلسل، وأيضًا بطل قرأ عنه في رواية أو قصة. والتأثر سببه أن ليس لديه علاقة صحية مع الواقع ومع أهله. الفراغ المقلق يجعله يتشبث بأمور غير واقعية. أي عندما لا يجد شيئًا يفعله، يبحث عن أمور أخرى.

- ما دور الإختصاصي؟
شخصيًا المساعدة التي أقدمها للمتنمّر لا يمكن أن تكون بمعزل عن الأهل، بل يجب أن يكون هناك تعاون بيني وبين الأهل والمدرسة.
تحت سن 14، أؤسس لعقد مع الأهل ينص أن على الأب أن يضع قوانين المنزل ويلزم الابن بها وكذلك هو والأم.
وأهم شيء إعادة تعريف الطفل على قوانين المجتمع من خلال والديه. من جهة أخرى، أحاول أن أتحرّى عن الأمور التي تزعجه وتسبب له ألمًا داخليًا.
من خلال تجربتي، أرى أن غياب الأب له أثر كبير خصوصًا عند الصبي، فإذا كانت سلطته المعنوية غائبة فهذا يعني أنه لا توجد مرجعية بالنسبة إلى الصبي.
عند البنت غياب الأب كذلك ولكن الأكثر غياب محبة الأم التي دورها مساعدة البنت لتصبح شابة، فيكون لديها نقص في نظرة الأم إليها كأنثى.
كذلك صورة الأم المتنمرة، فمثلاً إذا كانت الأم تجتمع وصديقاتها ويتحدّثن عن سيدة بعينها وينتقدنها، تسمع البنت كلام أمها وتعيده بالطريقة نفسها.

- هل العقاب من الوسائل التي تساعد في التخفيف من التنمر؟
أهم أمر أن يلتزم الأهل عقاب المدرسة، وألا يتدخلوا في تخفيفه، شرط ألا يعاقبوه في الوقت نفسه. ويرافق عقاب المدرسة حوار مع الإبن، إذ لايجوز أن يهملوا الأمر، لأن المتنمّر قد يعجبه ألا يذهب إلى المدرسة، لذا على الأب محاورته ومعرفة أسباب سلوكه ليتحقق مما إذا كان ابنه يعاني شعورًا حزينًا. أما إذا لم يلتزم المتنمّر عقاب المدرسة فعلى الوالدين معاقبته أيضًا، مثلاً تقليص نقود الجيب ومنعه من الخروج مع أصدقائه.
وقد يصعب تطبيق هذا النوع من العقاب على المراهق لذا من الضروري أن يكون حوار بينه وبين أهله.

- ماذا يحدث للمتنمر في المستقبل؟
المتنمر ليس إنسانًا سيئًا، عندما يكون لديه حاجة عاطفية إلى الاستهزاء من شخص آخر ليس بالضرورة ألا يكون لديه قيم اجتماعية.
ومع الوقت يخف ميله إلى التنمر إذا كان هناك تعاون بين المدرسة والأهل والاختصاصي بشكل جيد، فخلال شهر ينتهي سلوك التنمّر. من المهم جدًا التركيز على دور المدرسة والتواصل بينها وبين الأهل.

المجلة الالكترونية

العدد 1078  |  تشرين الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1078