عندما يرفض المراهق أن يكون شغفه الرياضي مهنة المستقبل...
لا تزال في سن المراهقة تحب رياضة السباحة وتسعى لأن تصل إلى الأولمبياد، رغم أنها حولت شغفها بالسباحة من هواية إلى إحتراف وفازت ببطولات عدة عن فئة سباحة الصدر فإنها لا تفكر في السباحة مهنة لها في المستقبل.
هذا حال ربما الكثير من المراهقين الرياضيين في لبنان، الذين يدركون أن شغفهم الرياضي والبطولات التي يحوزونها مجد زائل، ينتهي مع دخولهم الجامعة واختيارهم الإختصاص الجامعي الذي يوفّر لهم مستقبلاً ماديًا ومعنويًا مميزًا في المجتمع.
«لها» التقت لين دوغان بطلة السباحة اللبنانية ووالدتها نايلة أبو ملهم دوغان، وكان هذا الحوار.
- تمارسين رياضة السباحة منذ كنت في الثامنة، هل ستحترفينها مهنة المستقبل؟
لا، للأسف مقوّمات الإحتراف ليست متوافرة، والرياضة عندنا في لبنان وخصوصًا السباحة تبقى على مستوى الهواية والمبادرات الفردية، لذا نادرًا ما نسمع عن سبّاح لبناني احترف السباحة كمهنته الوحيدة، بل لديه عمل ثان يكون مصدر رزقه.
فضلاً عن أنني عندما سافرت إلى فرنسا للمشاركة في لوهافر لاحظت أن السبّاحين المحترفين ليس لديهم حياة أخرى، فكل حياتهم التمارين والماء وأنا لا أريد أن أكون كذلك، فضلاً عن أننا في لبنان ليس لدينا المعايير التي تجعل السباحة مهنة، رغم أن البعض وصلوا إلى الاحتراف.
- ما المشكلات التي تواجهينها كسبّاحة محترفة؟
هناك مشكلات عدة. فنحن كرياضيين لا يتابعنا سوى مدرب السباحة في حين إذا تكلمنا على السبّاحين في الخارج في أوروبا وأميركا مثلا، فإضافة إلى المدرّب هناك اختصاصي تغذية وطبيب وفريق عمل كامل يتابع أداءه.
النادي يرشدنا ضمن إمكانياته فهم أيضًا ليس لديهم دعم حكومي أو من قبل الإتحاد اللبناني لرياضة السباحة. والمشكلة الأخرى أننا كمراهقين لدينا واجبات مدرسية وفي الوقت نفسه تمارين رياضية، فيما إذا كنا في بلد آخر يمكننا أن نقوم بالإثنين دون أي صعوبة، فالمدرسة توفر كل ما يدعم الرياضيين الموهوبين فيكون لديهم صف خاص بهم.
هناك لا يشعرون بالتوتر الذي نشعر به لأنهم معتادون على المسابقات الدولية، فضلاً عن أنه متوافر لهم كل التسهيلات في التدريب وتعلُّم التقنيات منذ نعومة أظافرهم، فيما هنا لا، نحن مثلاً نتدرب في حوض 25 مترًا فيما نشارك في سباحة ال 50 مترًا وهذا يؤثر في أدائنا، ليس لدينا حوض خاص شتوي، بل تابع لنادٍ ويكون لرواده أيضًا.
- هل تشعرين بأن المجتمع يتعامل بجدية مع رياضة السباحة؟
ما ينقصنا هو جدية النظرة إلى رياضة السباحة من جانب الإتحاد. حتى الميداليات التي نفوز بها والبطولات لا تؤخذ بجدية، في لبنان ليس هناك من رعاة لهذه الرياضة وجمهورها هم الأهل والأصدقاء.
ليس هناك مشجعون خارج العائلة والأصدقاء للأسف، فيما رياضات أخرى ككرة القدم وكرة السلّة تجد أن لديهما جمهورًا كبيرًا من المشجعين. إلى الآن الأهل هم الذين يتكفلون مصاريف التدريب والسفر والمشاركة في بطولات. والإتحاد إمكاناته محدودة.
- كم ساعة تتمرنين في اليوم؟
أتدرب مرتين في اليوم وأرتاح يومًا واحدًا في الأسبوع.
- هل تتحملين إنتقادات المدرّب وقسوته أحيانًا؟
نادرًا ما يمدح المدرّب أداءنا وطوال الوقت يقول إنه في إمكاننا أن نعطي الأفضل علمًا أننا نكون قد بذلنا جهدنا، وهذا كي يشجعنا على الأداء الأفضل، ولكن أحيانًا لا نتحمل أكثر.
- هل تمارسين رياضة أخرى؟
أمارس رياضة الجري لأنها تساعدني في تطوير قدرة التحمل وفي تقوية عضلات الساقين وهذا ضروري للسباحة.
- كم كانت سنك عندما فزت بميداليتك الأولى؟
كنت في الثامنة عندما فزت في مباراة نظّمتها مدرستي ووقتها لم يتمكن والداي من حضور المباراة ولكن كنت برفقة أختى الكبرى. وحزت أول ميدالية ذهبية عام 2007 عن فئة سباحة الصدر.
- هل شاركت في مسابقات خارج لبنان؟
شاركت في اثنتين، الأولى عام 2010 في لوهافر في فرنسا وكانت أولى مسابقة دولية أشارك فيها ولم أسبح جيدًا. كان في إمكاني الفوز .
وشاركت في دبي حيث فزت بالمرتبة الثالثة وكنت سعيدة بذلك لأن المنافسة كانت صعبة، فالذين شاركوا خصوصًا الإنكليز خضعوا لكثير من التمارين وهم أكثر حرفية. وكان المجمع بمعايير دولية واجتمع فيه سباحون من كل دول العالم، وأثناء انتظار دوري كنت متوترة جدًا.
كان يجب أن أكون متيقظة فإذا لم أسمع نداءهم لي سوف ينادون على متسابق آخر وبالتالي أفوّت دوري. حصلت على فرصة لأشعر بما يشعر به المتباري عندما يفوز في بطولات كهذه. عندما قرأت اسمي على الشاشة الكبيرة والوقت الذي استغرقته لم أصدق أنني في المرتبة الثالثة.
- هل تتعبك التمارين اليومية؟
على العكس، فالتمارين تساعدني في التخلّص من التوتّر، فأنا بطبعي أحب الكمال في كل شيء مما يسبب لي توترًا وعندما أتمرن أنسى كل شيء، وهذا يساعدني في الاسترخاء.
- بماذا تنصحين المراهقين؟
إذا كانت لديهم موهبة في مجال ما أنصحهم بأن يعرفوا كيف يديرون وقتهم، فتجربة أن تكون بطلاً رياضيًا رائعة، في النهاية إذا لم تكن حياتي كذلك لن تكون مميزة، وإذا كان في إمكانهم المشاركة في المسابقة ولم ينجحوا عليهم الاستمتاع بالتجربة.
أما الأهل إذا لم يكن ابنهم يحوز درجات مرتفعة في المدرسة وينجح عليهم أن يكونوا فخورين بموهبته، وتقول لي والدتي إن العلامات لا تقوّم الشخص بل قدرته على التميز في المجتمع.
والدة لين السيدة نايلا دوغان
- نادرًا ما نرى في المجتمع الشرقي أهلاً يشجعون أبناءهم على تحويل هوايتهم الرياضية إلى احتراف. ما الذي دفعك وزوجك الى تشجيع لين؟
عندما بدأت لين السباحة لم نكن نخطط لأن تكون سبّاحة محترفة، ولكن الفضل يعود إلى مدرستها «الجمهور». عام 2005 أرسلوا لنا رسالة تعلمنا أن هناك مسابقة في السباحة للمدرسة، ومن المعلوم أن المدرسة تشجع كل أنواع الرياضة، ولكن قبل عام 2005 لم يكن يوجد لديها حوض سباحة.
سألنا لين إذا كانت تريد تجربة رياضة السباحة فلم تمانع. وهكذا كان، ولكن صادف وقت مباراة «تراي أوت» أننا ووالدها كنا مشغولين أنا أدرّس في الجامعة ووالدها في العيادة، فذهبت برفقة أختها الكبرى، وفازت لين بالمرتبة الثانية رغم أنها لم تكن محترفة.
من بعد هذه المباراة اختاروا التلامذة الذين يكوّنون فريق السباحة التابع للمدرسة وكانت لين من بينهم. في البداية كانت تتمرن خلال الفصل المدرسي مرة واحدة في الأسبوع وفي الصيف أصبحت التمارين مكثفة أكثر.
- كيف اكتشفت موهبة لين؟
مع بدء البطولات اكتشفنا عالمًا رياضيًا جديدًا، تعرفنا إلى عالم رياضة السباحة في لبنان، وتعرفنا إلى السبّاحين وقدراتهم ومهاراتهم وحرفيتهم. أعدنا النظر في الموضوع، كيف يمكن مساعدة لين في تطوير مهارتها والفوز.
كانت لين تحزن عندما لا تربح فهي تكره الخسارة، حتى في المدرسة عليها أن تأتي بمعدلات مرتفعة. تحسّن أداؤها بعدما انتسبت إلى نادي الجزيرة، وفازت بست ميداليات في بطولة لبنان تراوحت بين ذهبية وبرونزية وفضية.
واكتشفنا من خلال المباراة والتمارين أن لين بارعة في سباحة الصدر وموهوبة فيها.
- ألم تخشيا أن تأخذ التمارين كل وقتها خصوصًا الدروس والواجبات المدرسية؟
مثل كل أهل لدينا مخاوف، ولكن لين فتاة منظمة وتوفق بين دروسها وتمارين السباحة. ففي الصف تركز جدًا، مما منحها امتيازًا وعند عودتها يكون سهلاً عليها القيام بواجباتها المدرسية خصوصًا هذه السنة صعبة قليلا لأن لديها الشهادة المتوسطة بريفيه الرسمية، والحمد لله توفق بين الإثنين، وهي تتحضر للبطولات والتمارين مكثفة.
- بماذا تنصحين الأهل الذين لديهم ابن لديه هواية؟
أنصح الأهل الذين يلاحظون أن ابنهم لديه موهبة بتطويرها، أنا أقوم بواجباتي مع ابنتي حتى لا أقول يومًا من الأيام أنني قصرت في حقها.
ولاحقًا هي التي تقرر أولوياتها، هناك أولاد ربما في الرياضة أفضل بكثير من الدرس، المشكلة أن الأهل يريدون أبناءهم أن يكونوا الأفضل في كل شيء ولكن في إمكانهم إظهار طاقاتهم في الرياضة فعوضًا عن لوم التلميذ وتوبيخه بأنه لا يفهم وغير جيد في الدرس فقد يكون بارعًا في الرياضة ويحقق له ذلك توازنا يساعده في تطوير مهارته في الدرس. لاحظت أن كل السباحين من هم في سن لين الذين يأتون للتدريب أنهم ناجحون في مدرستهم.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024