تحميل المجلة الاكترونية عدد 1080

بحث

عندما يتعرّض الصغار للتحرّش

يبدو أن ظاهرة التحرش بالأطفال لم تعد من المواضيع التابو التي تنكرها المجتمعات أو لا تعترف بها، بل أصبحت من المسائل التي يتناولها الإعلام بكل مجالاته، نظرًا إلى تزايدها وخطرها على صحة الطفل النفسية والجسدية، وأثرها السلبي على جميع أفراد العائلة.
خصوصًا أن الشخص المعتدي يكون في غالب الأحيان من المقرّبين من العائلة او ضمن دائرة المحيط الإجتماعي للطفل مثل المدرسة أو النادي الرياضي أو الجيران أو الحضانة، مما يجعل الأهل يعيشون صدمة نفسية تؤدي إلى إنكارهم لتعرض طفلهم للتحرش، فهم عاجزون عن استيعاب هذه المأساة.
كيف يمكن مساعدة الطفل الذي تعرض للتحرش؟ كيف على الأهل مواجهة هذه المأساة؟ ولماذا يرفضون تصديق حدوثها؟ ما هي الإشارات التي على الأم التنبّه لها والتوقف عندها والتحقق منها، وما إذا كان طفلها قد تعرّض للتحرش؟
«
لها» حملت هذه الأسئلة وغيرها إلى الإختصاصية في علم نفس الطفل والمراهق كالين عازار التي أجابت عن هذه الأسئلة وغيرها.

- كيف يمكن الأهل تجنيب أطفالهم التحرش؟
نحن لا نريد إرهاب الأهل، فالطفل قد يكون عرضة للتحرش أو قد لا يكون، ولكن درهم وقاية خير من قنطار علاج. لذا من الضروري الإنطلاق من الأسلوب التربوي الذي على الأهل اتباعه، خصوصًا التربية المتعلّقة بالجسم أي كيف تعرّف الأم طفلها إلى جسمه وتعلّمه كيفية احترامه.
فالأم هي الشخص الأقرب إلى الطفل، فهي التي ترعاه عاطفيًا وجسديًا وهي التي تقوم بتحميمه وتبديل ملابسه وتغيير حفاضه... إذاً هي الشخص الوحيد الذي يمكنه معرفة ما إذا كان هذا الطفل يتعرض للأذى الجسدي أم لا من خلال مراقبتها اليومية له.
كلما كانت في حياته اليومية قريبة منه اكتشفت تعرضه لأي حادث أو عنف جسدي. لذا من واجبات الوالدين مساعدة الطفل في معرفة جسمه، وتعليمه تسمية كل أعضاء جسمه.
فمثلا أثناء الاستحمام يمكن الأم التحدث عن خطوات الاستحمام، «الآن سوف نغسل رأسك سوف نفرك اليدين، سوف ننظف الإبطين وهكذا»، كي يتآلف مع جسمه ويتعرّف إليه. فإذا تحدث شخص آخر خارج نطاق العائلة، أو خارج دائرة الأشخاص الذين يهتمون به عن هذا الموضوع معه يدرك أن هناك مسألة غريبة تحدث.
إضافة إلى ذلك على الأم أن تعزز لدى الطفل، خصوصًا الذي يدخل الحضانة أو المدرسة، تحمل مسؤولية نفسه وإدارة أموره الخاصة المتعلّقة بجسمه، أي يعرف كيف يدخل الحمام وحده، وكيف يرتدي ملابسه من دون مساعدة أحد، وكيف لا يسمح لأحد بملامسته أثناء غياب والدته، فالطفل الواثق بنفسه لديه قدرة على المقاومة ولا يكون فريسة سهلة.
في المقابل الطفل الاتكالي الذي لا يعرف تدبير أموره و لا يعرف شيئًا عن جسده يكون أكثر عرضة للتحرش.
ولا بد من تنبيه الأهل إلى ضرورة أن يشرحوا لطفلهم أهمية احترام الجسم وعدم السماح للآخرين برؤيته مثل عدم السماح بالظهور عاريًا أمام الآخرين، خصوصًا عندما يصبح الطفل في سن الاستقلالية، ويكون ذلك مثلا عن طريق الفكاهة كأن تقول الأم: هل رأيت أحدًا منا يسير عاريًا في المنزل أو أمام الناس على الطريق؟ نرتدي الثياب في الغرفة لأنه من الضروري أن يكون الأمر مسألة خاصة.
دائمًا أقول للأطفال إن عليهم التعلم قول كلمة لا لمن يريد أن يلمس أجسادهم.

- كيف يمكن الأم معرفة ما إذا كان طفلها يتعرض للتحرش؟
للأسف لا تظهر في كثير من الأحيان على جسد الطفل الذي يتعرض للتحرش أي آثار، ولكن تغير سلوك الطفل بشكل مفاجئ ومختلف تمامًا عن المعتاد إشارة مهمة للأهل لا يجوز إهمالها.
فإذا لم يكن سبب هذا التغير صعوبة تعلّمية أو مشكلة مع أحد زملائه في الصف، عليهم أن يفكّروا في احتمال تعرّضه للتحرّش. فالاضطراب الشديد في سلوك الطفل الذي يصاحبه إنفعال شديد، وإنطواء على نفسه بشكل لافت، وشعور مستمر بآلام في المعدة ورؤية كوابيس اثناء الليل وعدم رغبة في تناول الطعام، وتراجع أداء الطفل المدرسي بشكل كبير، كلها إشارات يجب التنبّه لها.
أما بالنسبة إلى الطفل الصغير جدًا الذي لا يعرف الكلام بعد، فتظهر عليه اضطرابات يعبّر عنها من خلال جسده فهو يتوتر ويصرخ بشكل حاد إذا ما لمسه أحد غريب.
والطفل الأكبر سنًا يمكنه إعادة إنتاج فعل التعدي وتقليده وتنفيذه على أطفال آخرين أو على دميته، كأن يضرب لعبته أو يتعدى على طفل آخر من دون سبب وأحيانًا يتحدث إلى دميته ويضربها ويقول لها «أنت شريرة». فهذه الأعراض التي تظهر في مواقف محددة تعبّر عما يحدث للطفل وهي إشارات على الوالدين التنبه لها، شرط استمرارها لفترة طويلة وليس لمرة عابرة.

 

- كيف يمكن الأهل تشجيع طفلهم على إخبارهم عما يحدث له؟
إذا شكّت الأم بإمكان تعرض طفلها للتحرش، عليها مساعدته في التحدث عن المشكلة من دون أن تطرح عليه أسئلة مباشرة تجعله يخاف ويتردد في إخبارها، خصوصًا أنه يتعرّض للتهديد من الشخص المعتدي الذي يعرف كيف يخيف الطفل ويرهبه إما من خلال تهديده بالقتل أو من خلال إثارة عطف الطفل مثلا كأن يكون يقول له، «سوف يسجونني إذا أخبرت أحدًا». لذا من المفضل أن تتحقق من الأمر بطريقة غير مباشرة كي لا تشعره بالذنب وفي الوقت نفسه تشجعه على الكلام بشكل عفوي.
كأن تسأله مثلاً: «أريد أن أفهم لماذا عدت تبلل الفراش؟» أو لدي انطباع بأن هناك أمرًا سيئًا يحدث لك وهناك شخص يؤذيك، وتعرف أنني قادرة على حمايتك منه»، أو «قد يكون من الصعب عليك التحدث عن المشكلة لأنني اعرف أنك أحيانًا تحب هذا الشخص كثيرًا ولكن أحيانًا أخرى تكرهه».
وفي المقابل على الأم ألا تتوقع أن يخبرها طفلها فورًا لذا عليها أن تتحلى بالصبر وألا تجبره على البوح بما يعانيه خصوصًا إذا كان قد وعد المعتدي بأن ما يحدث يجب أن يبقى سرًا بينهما. أما إذا باءت محاولاتها بالفشل وكان لديها شكوك فعليها استشارة اختصاصي نفسي.

- إذا تأكد الوالدان أن طفلهما يتعرض للتحرّش ماذا يفعلان؟
غالبًا ما يكون وقع الصدمة قويًا على الوالدين اللذين تعرّض طفلهما للتحرش، ويشعران بالذنب لأنهما يظنان أنهما قصّرا في واجباتهما تجاه طفلهما، فإذا لم يستطيعا تحمل الخبر عليهما اللجوء إلى اختصاصي نفسي يساعدهما في تخطي هذه المعاناة كي لا يصابا بالاضطراب. فهناك أهل لا يستطيعون إدارة صدمتهم، وبالتالي لا يعرفون كيفية التصرف.
وأحيانًا لصعوبة وقع الصدمة قد يرفضون تصديق الأمر ويقنعون أنفسهم بأنهم يتخيلون، أو أنها أوهام من صنع مخيلة طفلهم، لذا ردة فعلهم تكون رفضًا تامًا، فعقلهم وعاطفتهم لا يستوعبان الأمر، خصوصًا إذا كان الشخص المعتدي قريبًا من العائلة أو من المحيط الاجتماعي الذي يعيش فيه الطفل، فغالبًا ما تكون الأماكن التي يحدث فيها التحرش مألوفة بالنسبة إلى الطفل والأهل يشعرون بالطمأنينة لوجود طفلهم فيها أو مع هذا الشخص.
لذا على الأهل في كل الأحوال استشارة اختصاصي يساعدهم في تخطّي الصدمة والعمل في الوقت نفسه على مساعدة الطفل على تخطيها.

- ما هي النصائح التي تسدينها إلى الأهل لتجنيب أطفالهم أن يكونوا عرضة للتحرّش؟
من المهم توفير الوسائل التربوية التي تساهم في تعزيز فكرة احترام الجسم عند الطفل. وفي المكتبات العديد من الكتب المصوّرة التي تساعد الطفل على فهم جسمه وكيفية احترامه وحمايته من الآخرين.
فضلاً عن دور المرشدة الاجتماعية والاختصاصية النفسية في المدرسة التي تساعد الطفل في فهم رعاية الجسم وحمايته ففي السن الصغيرة لا نتحدث عن العلاقات الجنسية وإنما عن ضرورة احترام الجسم ومنع الآخر من التعدي عليه.
كما يمكن الأم أن تنبّه أطفالها الى عدم التحدّث إلى الغرباء وألا يسمحوا لأحد بملامستهم. المفتاح قدرة الأهل على تفسير الأمر للطفل، وعدم التصرف بشكل متناقض، إذ لا يمكن أن تقول للطفل «لا تسمح لأحد بلمسك» وفي الوقت نفسه تسمح للنادل مثلاً أثناء وجودهم في المطعم بحمله واحتضانه.


-
كيف يمكن مساعدة الطفل على تخطي هذه المأساة؟
العلاج النفسي والمتابعة عند الاختصاصي ضرورة لا بد منها. كإختصاصية ارتكز في الجلسات الأولى مع الطفل على إزالة شعوره بالذنب لأن معظم الأطفال والمراهقين الذين يتعرّضون للتحرش يصابون بعقدة الذنب ظنًا منهم أنهم السبب.
وأعمل على إعادة الثقة بالنفس وبالآخرين، ومن خلال المتابعة والجلسات التي تستمر لفترة طويلة. كما على الأهل أيضًا استشارة الاختصاصي لأنهم هم أنفسهم يتعرضون لصدمة ويحتاجون إلى مساعدة كي يتمكنوا من مساعدة طفلهم. فالصراع النفسي الذي يصيب الأهل قاس جدًا خصوصًا إذا كان المتعدي أحد الأقارب.

 

المجلة الالكترونية

العدد 1080  |  كانون الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1080