هاتف جوّال وآي باد وآي فون وآي بود...
«كفاك جلوسًا إلى الكمبيوتر، بابا أريد آي باد، كل رفاقي لديهم هذه الجهاز، ففيه امتيازات رائعة»... يحتلّ عالم تكنولوجيا الاتصالات حيّزًا مهمًا من حياة الطفل والمراهق، فمشهد الأطفال والمراهقين الذين يتعاملون مع هذه التكنولوجيا أصبح مألوفاً ويتكرر في المنزل والمدرسة والسيّارة.
إنه الجيل الرقمي الذي يواكب عصره، وينهل من تقنياته التي تسمح له بالتواصل مع أشخاص من مختلف بقاع الأرض، والوسيلة سهلة: كتابة اسم وضغط زر.
وفي مقابل هذا النهم التكنولوجي، يفقد الأهل صبرهم ويعلو صياحهم من مطالب أبنائهم التكنولوجية التي لا تنتهي، فضلاً عن التصاقهم بالشاشة مهما كان حجمها سواء كانت لهاتف جوّال أو أي بود أو آي فون أو آي باد أو كمبيوتر محمول.
- لماذا هذا الشغف بتكنولوجيا الاتصالات عند الأطفال والمراهقين؟ متى يكون التعامل مع هذه التكنولوجيا نعمة ومتى يصبح نقمة؟ إلى ماذا يشير الإفراط في استعمالها عند الطفل والمراهق؟ ومن المسؤول عن هذا الشغف الذي يصل أحيانًا إلى الإدمان؟
«لها» التقت الاختصاصية في علم النفس في بيروت دانا عبجي التي أجابت عن هذه الأسئلة وغيرها.
في البداية تقول عبجي: «إن اهتمام الطفل والمراهق بتكنولوجيا الاتصالات، من هاتف جوّال وآي باد وآي فون وآي بود وغيرها أمر طبيعي جدًا، وهذا مؤشر لأنهما على تواصل بالمجتمع ومتكيفان معه، فهما مواكبان لعصرهما وعلى اطلاع على ما يحدث في عالم التكنولوجيا.
فضلاً عن أن الترويج الإعلاني الكثيف يساهم بشكل كبير في تحفيز الطفل والمراهق وحتى الراشد على اقتناء هذه التكنولوجيا.
بل على العكس إذا لم يطلب الطفل أو المراهق أي باد مثلاً فهذا مؤشر لأنه غير مطّلع على ما يحدث حوله في المجتمع.
وقبل الحديث عن سلبيات هذه التكنولوجيا، لنتحدث عن الإيجابيات. فالطفل الذي يعرف كيف يستعمل هذه التكنولوجيا ويعرف كيف يتعامل معها، مثل تنزيل موسيقى أو صور أو معلومات من الإنترنت على الآي بود، يكون في المستقبل راشدًا يعرف كيف يدبر أموره وتكون لديه مرونة في التفكير، مثلاً يعرف كيف يقدم طلب توظيفه من خلال الإنترنت... عندما ينتج عن الاهتمام بالتكنولوجيا الإنفتاح والتواصل مع الآخر بهدف ثقافي أو تربوي أو علمي فهذا جيد.
ولكن رغم أن هذه التكنولوجيا تسمح لنا بالإنفتاح على العالم والتواصل معه، فإن لها سلبيات. فقد يؤدي الإفراط في استعمالها إلى الانعزال ومشكلات أخرى.
وهذا سبب ندم الأهل وتذمرّهم ولوم أنفسهم أحيانًا لأنهم وفّروها لأبنائهم، ونسمعهم يرددون: اشتريت هذه الآلة لينفتح ابني على العالم، و للأسف صارت مصدر تسلية ولعب طوال اليوم، لا يدرس ولا يتواصل مع من حوله».
- هل هذا يعني أنه مسموح أن يشتري الأهل لأطفالهم الآي بود أو الآي باد... وما هي السن المناسبة لهذا النوع من التكنولوجيا؟
من حيث المبدأ من الأفضل ألا يشتري الأهل هذه التكنولوجيا لأبنائهم في سن الطفولة، ولكن بواقعية يصعب على معظم الأهل تطبيق هذا المبدأ، لذا لا يمكن أن أحدد سنًا، فهناك عائلات تشتري في سن الخامسة، وهناك عائلات لا تسمح لأطفالها حتى بمشاهدة التلفزيون.
في النهاية الوالدان هما من يقرران وبحسب نظرتهما إلى الأمور، الأسلوب التربوي الذي اختاراه لتربية أبنائهما.
لذا يجب أن تكون هناك نظرة موحدة بين الوالدين الى كل ما يتعلّق بتربية الأبناء إذ لايجوز أن يكون هناك اختلاف في الرأي كأن تقرر الأم شراء الآي باد بدون موافقة الأب أو العكس، بل عليهما أن يتفقا على الأمر مثلا: «اتفقنا على أن نهدي ساري آي بود في عيد ميلاده».
ولكن هذه الهدية لا تقدّم من دون وضع شروط مسبقة، فمن المهم جدًا أن يشرح الوالدان لطفلهما حسنات هذه الآلة وسيئاتها وشروط استعمالها، كأن يقولا له: «نحن نحضرها ليس فقط للعب بها، إذا أردت أن تلعب يمكنك ذلك ولكن استعمالها لا يجوز أن يتعدى مثلا الساعة»، فضلاً عن أن تقديم هدية كهذه يجب أن يكون خلال مناسبة مهمة وليس كيفما اتفق.
- ولكن ألا يؤدي توفير هذه الآلة طفل إلى إدمانه إياها؟
كما ذكرت سابقًا على الأهل وضع شروط استعمالها قبل شرائها. المشكلة أن الأهل لا يشرحون أسباب الممنوع والمسموح للطفل، فالـ«لا» يجب أن تبرر أسبابها قبل إلزامه بها، والطفل ذكي ويستوعب الأمور ولكن في الوقت نفسه على الأهل الإلتزام هم أيضًا بالقانون الذي وضعوه، إذ لا يجوز أن تسمح الأم لطفلها باستعمالها مدة ساعة في اليوم وتتهاون معه في اليوم التالي وتغض النظر حين يستعملها ساعتين لأنها مشغولة واستسلمت لتذمرّه، بل عليها أن تكون حازمة وواضحة في القانون الذي وضعته.
علمًا أنه في بعض الحالات لا سيّما في زحمة السير يخفف وطأة تذمرّ الطفل الذي يربك والده أثناء القيادة. أما إذا سمح الأهل لطفلهم باستعمال الآي بود أو الـ دي أس وهي آلة خفيفة وأشد خطرًا من التلفزيون والآي بود والاي باد لأن في إمكان الطفل أن يضعها في جيبه ويحملها أينما ذهب، من دون ضوابط وشروط، فمن الطبيعي أن يدمن الطفل استعمالها. كل عائلة تستعمل هذه التكنولوجيا بحسب نمطها، المهم ألا يتجاوز الطفل الوقت المسوح باستعماله.
كما لايجوز منع الطفل بقسوة كأن تقول الأم لطفلها: «أطفئ التلفزيون الآن» بل عليها أن تحضّره لهذا الأمر كأن تقول له: «سوف نذهب إلى التسوق». وفي السيارة يمكن أن تفتح حديثاً حول أضرار استعمال التكنولوجيا بكثرة كأن تتحدث عن أثرها في العيون والذاكرة والدماغ، بذلك تكون قد رسّخت في لاوعي طفلها أن هذه الآلة مفيدة إلى حد معين إذا تخطاه تصبح مضرة.
وتشير عبجي إلى أنه قبل لوم التكنولوجيا علينا أن ننظر إلى النشاطات التي يوفرها الأهل لأبنائهم. فمن المهم جدًا أن يقوم الطفل بنشاطات عدة وتكون التكنولوجيا جزءا منها وليس محور كل نشاطه، فهو في حاجة إلى أن يقوم بنشاط يصرف من خلاله طاقته الجسدية مثل الدراجة أوكرة القدم او مشاهدة السينما، هناك الكثير من النشاطات التي يمكن أن يقوم بها.
كما من الضروري مشاركته في النشاط، مثلا الرسم معه، أو مشاركته في الألعاب الاجتماعية. فمن الضروري منح الطفل المتعة بالنشاطات الأخرى غير التكنولوجيا، يجب أن يتعرّف إلى النشاطات الأخرى ويستمتع بها لتصبح مطلبه.
كما أن الأهل هم النموذج الذي يقلّده الطفل، إذا كان يرى والده بعد عودته إلى المنزل يجلس إلى الكمبيوتر ولايكترث لغيره، فمن الطبيعي أن يصبح مهتمًا بالكمبيوتر فهو يقلّد والده وهذا ما يسمى التربية الصامتة، يرى الصورة أو النموذج ويقلّده، إذا رأى والديه يهتمان بالنشاطات أخرى يصبح مثلهما.
لذا لا يمكن الأهل أن يتذمروا لجلوس ابنهم إلى الكمبيوتر فيما هم يجلسون لساعات طويلة أمامه، فهذا السلوك يشعر الطفل بالتناقض.
- ماذا عن المراهق الذي يصعب على الأهل السيطرة على شغفه بالتكنولوجيا أو التحكّم فيه؟
من المعلوم أن المراهقة مرحلة عبور من الطفولة إلى سن الرشد، مما يعني أن المراهق يمرّ عبر جسر فيه الكثير من الاهتزازات والتناقضات والقلق.
فمن المعلوم أن التغيرات البيولوجية التي تصاحبها تغيرات ذهنية تجعل المراهق يشعر بالقلق والتوتر، وهذا طبيعي، فقد بدأت تظهر علامات النضج على مظهره وبدأ ينظر إلى العالم من حوله بشكل مختلف، فهو لم يعد ذلك الطفل الصغير الذي عليه النوم باكرًا، أو يكتفي بعلاقاته مع والديه والعائلة أو الأقران الذين يكونون في غالب الأحيان مقبولين إلى حد كبير من الأهل أو هم الذين حدّدوا له صداقته بهم.
لقد بدأ هذا المراهق بالتعرّف إلى معنى الصداقة بعيدًا عن مقاييس الأهل، وبدأ يسأل عن معنى الوجود ويحاول تحديد هويته ويسعى للإستقلالية، كما أصبح المظهر أمرًا خاصًا به يعكس شخصيته هو، فيحاول بشتى الوسائل الإعلان عن وجوده ككيان مستقل.
يخرج من دون أن يطلب الإذن، و تتحوّل غرفته إلى مساحة خاصة به يفعل فيها ما يحلو، فإما يغيّر ديكورها ويرتبها أو يترك الفوضى تعمّ فيها. وفي بعض الحالات يتعلّق المراهق بالتكنولوجيا لأنها تسمح له بالهروب من واقعه وصورته الجديدين، وهذا السلوك ليس سيئاً ولكن بشروط، لا يمكن أن تجلس طوال الوقت إلى المحادثة عبر الفيسبوك أو واتس أب، هنا الأهل يتدخلون بطريقة سلسة كأن يقول الوالد «أتذكر عندما كنت صغيرًا لم أكن أسمح لك بالجلوس إلى التلفزيون أكثر من ساعة»، لا يمكنه أن يمنعه بالقسوة بل عليه تحفيزه ومصادقته.
وهنا دور الأب أساسي، «نذهب إلى الغداء أرجو ألا تأخذ معك الآي باد». المهم المراقبة غير المباشرة والتوعية ومنحه الثقة بالنفس بالعبارات الجميلة وتحميله مسؤولية أموره.
يتعلق المراهق بالتكنولوجيا عندما يشعر بالفراغ سواء العاطفي أو العائلي كأن لا يعطي الأهل قسطًا من وقتهم لأبنائهم، هذا الفراغ يؤدي إلى إدمانه هذه الأمور.
- ولكن أليس لشلّة الأصدقاء تأثير في طلباته التكنولوجية؟
لشلّة الأصدقاء تأثير كبير، والحديث عن أحدث ما توصّلت إليه التكنولوجيا والميّزات التي تتوافر في النسخة الجديدة مثلا من الآي بود، وتباهي أعضاء الشلّة في ما بينهم بما لديه، يدفع المراهق لأن يكون متماشيًا مع الشلة وبالتالي يطالب والديه بأن يوفرّوا له ما لدى رفاقه.
أحيانًا يرضخ الأهل لطلباته وأحيانًا لا، وفي كلا الحالتين على الأهل أن يكونوا حازمين أمام مطالب أبنائهم المراهقين بأن ليس كل ما لدى الآخرين يجب أن يكون لديهم، فلكل عائلة نمطها وقوانينها الخاصة بغض النظر عن إمكاناتها المادية.
أما إذا طلب الابن أمرًا جديدًا وكان السبب أن فيه أمورًا يستعملها، فعلى الوالدين مناقشته الأمر. من المهم أن يكون الأهل قريبين من أبنائهم لا أن يكونوا بعيدين عما يدور في عالمهم، أن يشاركوهم في كثير من الأمور.
وعندما يكون هناك تواصل مستمر بين الأهل والمراهق يثق المراهق بأهله وبرأيهم: أعرف أنك تريد سيارة ولكن سأوفر لك هذا النوع لأنها مناسبة لعمرك.
- إلى ماذا يشير جلوس المراهق أو المراهقة إلى الكمبيوتر فترة طويلة يتحدث عبر الفيسبوك من دون كلل أو ملل؟
ذكرت سابقًا أن المراهق تقلقه صورة جسده الجديدة مما يجعله يتمنّى ألا يرى من حوله هذه الصورة، لذا نجد أحيانًا أن بعض المراهقين لا يحبون أن يراهم الشخص الذي يتواصلون معه عبر الشبكة العنكبوتية ويفضلون الغموض في التواصل، فصورتهم الجديدة لا يحبونها أو هم خائفون من الآخر ومن انطباعاته.
والفيسبوك يضع هذا الفاصل الذي لا يعرّف الآخر إليهم، لذا يحاولون الحفاظ على شخصيتهم الغامضة، فالغموض يساعد المراهق على الحلم والبعد عن الواقع. وفي المقابل على الأهل ألا يخافوا كثيرًا فهذه مرحلة عابرة، فهناك من لديه فوبيا من التكنولوجيا، مما يجعل المراهق يستغرب هذا التصرف، في الوقت الذي عليه أن يشعر بثقة والديه به.
ولكن هذا لا ينفي أن جلوس المراهق بشكل مبالغ فيها إلى الكمبيوتر يضع حوله علامة استفهام كبرى. فهو إما يشعر بفراغ عاطفي أو عائلي كبير، وأحيانًا هذا دليل على أنه يذهب إلى مناطق أو مواقع أخرى تشكل خطرًا على نمط تفكيره. لذا من الضروري في كل الأحوال أن يكون هناك اتفاق بين الأهل وابنهم المراهق حول مدة الجلوس إلى الكمبيوتر.
- هل هذا يعني أن على الأهل مراقبة المواقع التي يدخلها المراهق؟
التنصت على المراهق ليس محببًا، بل يمكن الأهل التحقق مما إذا كان ابنهم يتواصل مع أشخاص غريبي الأطوار من خلال سلوكه وتصرفاته ومن مظهره وتراجع أدائه المدرسي، ماذا يقرأ؟ ماذا يرتدي؟ ماذا يأكل. فمن خلال فيلم شاهده وحديث قاله، يمكن أن يكتشف الأهل مع من يتواصل ابنهم ومع أي شلّة أصدقاء يخرج.
شارك
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024