التلميذ الصغير وعلاقته باللغة العربية
كثيرًا ما نسمع أمًا تقول: «ابني لا يحب اللغة العربية لأنه لا يفهمها»، وأخرى تعتز بإتقان ابنتها اللغة العربية في هذه السن، فيما تعمد ام ثالثة الى شراء قصص باللغة العربية لتحفز ابنها على اتقانها.
اللغة العربية وقواعدها قد تبدو طلسمًا بالنسبة إلى بعض التلامذة الصغار، فيما تكون لغة جميلة لبعضهم الآخر، ولكن لماذا؟ كيف يمكن تعليم الطفل اللغة العربية بطريقة سهلة؟ صحيح أن اللغة العربية المكتوبة تختلف عن اللغة المحكيّة ولكن الاختلاف بين المحكي والمكتوب موجود في لغات كثيرة.
ما الذي يجعل اللغة العربية وقواعدها صعبة بالنسبة إلى الأطفال؟ «لها» التقت معلّمة اللغة العربية في مدرسة الإنترناشونال كولدج في بيروت زينة دانا التي أجابت عن هذه الأسئلة وغيرها.
- لماذا يجد التلميذ في الروضة صعوبة في إتقان اللغة العربية؟
صعوبة إتقان اللغة ليست مقتصرة على العربية، بل كل اللغات تتطلب جهدًا ومتابعة من الأهل حتى يتقنها الطفل. لذا المطلوب من الأم أن تبذل مجهودًا لقراءة القصص باللغة العربية ولو نصف ساعة في اليوم، فلا يمكن إتقان أي لغة من دون قراءة قصة.
وأنا أسأل لماذا يطلب الأهل من اللغة العربية ما لم يطلبوه من اللغة الإنكليزية أو الفرنسية؟ لماذا نلزم أطفالنا قراءة قصة باللغة الأجنبية فيما لا نفعل الأمر نفسه بالنسبة إلى اللغة العربية؟
- ولكن بحسب الأهل أن اللغة العربية هي اللغة الأم وحكمًا سيتقنها الطفل في المستقبل؟
هناك فارق بين اللغة العامية واللغة الفصحى، وتكلم الطفل العربية لا يعني أنه سيتقن اللغة الفصحى في المستقبل، خصوصًا أن لدينا في العالم العربي لهجات عربية مختلفة مما يعني أن اتقان اللغة العربية الفصحى واجب فهي أساس الحضارة، فإذا أُهملت تزول حضارتنا وتندثر وهذا لن يصير بين ليلة وضحاها وإنما على مر السنوات. لذا صار من اللازم على الأهل في الوطن العربي تحفيز أبنائهم منذ الطفولة على إتقان اللغة العربية
- ولكن حجة الأهل أن اللغة التي نحكيها تختلف عن اللغة المكتوبة وهذه صعوبة يواجهونها مع أطفالهم، فهناك اختلاف في المفردة بين المحكي والمكتوب، فضلاً عن أن المفردة الواحدة لها عدة مرادفات؟
وكذلك في اللغة الأجنبية للكلمة الواحدة مرادفات عدة، ومع ذلك يولي الأهل أهمية لتعليم أطفالهم اللغة الأجنبية ويوفرون لهم كل الوسائل لإتقانها، عن طريق شراء الكتب والقصص ومساعدتهم في قراءتها.
ما أريد قوله أن تعليم اللغة بغض النظر عن أي لغة نتكلّم يحتاج إلى توفير الوسائل التي تساعد في إتقانها. واللغة العربية ليست صعبة كما يظن البعض، بل يكفي أن تقرأ الأم لطفلها قصة باللغة العربية نصف ساعة يوميًا ولا مانع أن يكرر الطفل قراءة القصة نفسها، ولكن بشرط أن تكون جملها قصيرة ولغتها سليمة، أي ألا تتعدى القصة خمس جمل أو سبع جمل وتكون مفرداتها سهلة وبسيطة ومترافقة مع الصور الجميلة مما يحفز الطفل على قراءتها.
- هل يكفي أن تقرأ الأم أو الأب قصة للطفل حتى يحب اللغة العربية؟
من الضروري أن تشرح له الأم المفردات وتفسر له المعاني التي تبدو له غامضة وإن لم يطلب منها ذلك. كذلك يمكن اتباع نظرية «فكر بصوت عالٍ» وهي طريقة فعالة لتطوير قدرة الفهم عند الطفل.
فمثلاً إذا وردت عبارة في النص «نظر سامي إلى هاني وبدأ بالضحك» يمكنها أن تعلّق قائلة» لا تظهر الصورة هاني! لِمَ يضحك سامي؟ لا بد أن نعرف السبب الذي جعله يضحك بهذه الطريقة، في الصفحة التالية».
فمن المهم أن يتعلم الطفل الربط بين تسلسل الأحداث و تحديد هوية أبطال القصة، ويتمرن على حل الألغاز الموجودة فيها. وبعد القراءة يمكن الأم أو الأب سؤال الطفل عما فهمه ولا مانع في التحدث معه بالفصحى أثناء مناقشة أحداث القصّة، والطلب منه أن يرويها أثناء تناول العشاء.
ويجب أن يظهر الوالدان للطفل أنهما فخوران به لأنه تكلّم بالفصحى، شرط ألا يضحكا إذا تعثّر في الكلام بل ينبغي تحفيزه والاشادة به كي يشعر بالثقة وبأنه قادر على التعبير باللغة الفصحى. فالضحك عليه لأنه تعثر يؤدي إلى خجل الطفل وزعزعة ثقته بنفسه وبأن اللغة العربية صعبة ولن يمكنه اتقانها.
- ماذا عن القواعد العربية؟ كيف يمكن الأهل مساعدة طفلهم على تعلّمها؟
تغيّرت طرق تعليم القواعد، فلم نعد نعطي القاعدة ثم نطلب من الطفل تطبيقها على النص، بل نجعله يكتشف القاعدة بنفسه عن طريق اللعب.
في الصف الأوّل الإبتدائي لا يعرف التلميذ أنه يدرس القواعد بل نطلق عليها تسمية اللعبة، وأسمع التلامذة الصغار يقولون «غيرنا اللعبة... أحببت هذه اللعبة ولم أحب تلك».
مثلاً ليعرفوا الفرق بين «هذا وهذه»، عندما أقول كلمة قبلها «هذه» تقف البنات وعندما أقول كلمة قبلها «هذا» يقف الأولاد.
عندما يعود الطفل إلى البيت لا يوجد ما يدرسه، كل ما أطلبه من الأم أن تسأل ابنها عن يومه وماذا فعل في صف اللغة العربية، وقراءة القصة أو تلاوة الشعر الذي حفظه في المدرسة. الطفل يريد اهتمام والدته، وإذا أرته اهتمامها، سوف يسرد كل ما حدث معه في الصف، وهي بذلك تشجعه من دون بذل مجهود.
فهو يريد إسعاد أمه ومعلمته، مثلا «ماذا تعلمت من شعر اليوم»، تطلب منه تلاوته لأنه حفظه في الصف. في التربية الحديثة لا يعود تلميذ الإبتدائي إلى البيت مثقلاً بالواجبات المدرسية مما يصيب الأم والطفل معًا بالتوتر والقلق، بل يعود إلى البيت ويكون قد استوعب وفهم وحفظ كل ما تلقاه في المدرسة.
- ولكن أحيانًا الأهل لا يرتاحون إذا لم يكن لدى طفلهم واجبات مدرسية؟
من الأخطاء الفادحة عندما تقول الأم سوف أكتب جملة وأنت انسخها، عليها مجاراة التطور. هذا الجيل مختلف، ولا يمكنها أن تدرسه كما تعلمت في الماضي، بل الطفل يحب الإكتشاف لا التلقي، وعلى الأهل تعزيز روح الباحث في طفلهم، كأن تقرأ الأم لطفلها قصة وتطلب منه مثلاً ان يجد حرف جيم في القصة الذي يأتي بأشكال عدّة مختلفة، كما يمكن الأب أثناء التجول أن يلعب مع طفله لعبة البحث عن الكلمات أو الحروف في الإعلانات أو اللافتات الموجودة في الشارع.
نريد التلميذ الباحث. مثلاً نطلب البحث عن حرف الجيم مثلاً في الصف أين يجده أو خارج الصف في رواق الصفوف، والأم كذلك يمكن أن تطلب الأمر نفسه. من الضروري أن يتحوّل الطفل إلى باحث لا متلقٍ، ومن الضروري أن يشعر باهتمام المعلمة والأهل.
من السهل جدًا أن نلقن الدرس وهذا الأسلوب في التعليم أنشأ جيلا لا يقرأ. أما الجيل الجديد الذي ننمي فيه روح الباحث فيحب المطالعة، لأننا منذ نعومة أظافره نعلمه أهمية القراءة.
تطوير ملكة القراءة
القراءة بصوت عالٍ هي إحدى الوسائل المهمة ولكنها ليست الوحيدة بل هناك أمور أخرى يحتاج إليها الطفل كي يتمكن من القراءة بطلاقة. إليك بعض الإرشادات التي يمكنك اتباعها لتطوير هذه الملكة:
- علّمي طفلك فهم الكلمات في سياق قراءة الجملة. فمثلاً حينما يقرأ كلمة «تلا» التي هي مرادف لكلمة «قرأ» و يسألك عن معناها اطلبي منه قراءة الجملة كلها، وأكدي له أنه سوف يعرف معناها. وإذا لم يفهم المعنى اطلبي منه أن يعيد القراءة وبذلك سيدرك معناها من خلال فهمه للمضمون.
- اطلبي منه أن يلفظ أول حرف وآخر حرف من الكلمة ليدرك معناها، إذ من المحتمل أن يكون طفلك يواجه صعوبة في استيعاب الحروف الليِّنة، أو الحروف المتقاربة اللفظ.
- اطلبي منه تهجئة الكلمة وليس تهجئة الحروف، وساعديه في لفظها بصوت عالٍ. فمثلاً عندما يقرأ كلمة «أشرب» لا تقولي له أن يلفظ كل حرف على حدة أي «أ» و«ش» و«ر» و«ب» بل «أش» أشر «أشرب».
- اسأليه ماذا تعني الجملة التي قرأها. فكثيراً ما يقرأ الطفل الجملة من دون أن يفهم معناها، ما يجعل القراءة مملة بالنسبَة إليه. ولكن عندما يفهم معنى ما يقرأه سوف تصير القراءة متعة.
- اقترحي عليه أن يقرأ الكلمة الجديدة دون تحريكها، ومن ثم اطلبي منه أن يعيد قراءة الجملة كي يفهم معناها. فسوف تلاحظين أنه في المرة التالية سيتمكن من تحريك الكلمة.
- أشيري بإصبعك إلى الكلمة الجديدة لتظهري لفظاً جديداً.
- اطلبي منه أن يشير إليك إذا كان يحتاج إلى مساعدتك في لفظ كلمة جديدة. فهذا يشعره بتطور قدرته على القراءة.
- زوِّديه الكلمات الصعبة من حين إلى آخر واجعلي من هذا الأمر كأنه لعبة، فأنت بذلك تجعلين المطالعة نشاطاً ترفيهياً بالنسبة إلى طفلك.
شارك
الأكثر قراءة
أخبار النجوم
ياسمين عبد العزيز تضع حدّاً لتعليقات منسوبة إلى...
أخبار النجوم
خبيرة أبراج تثير الجدل بعد تنبؤاتها لمصير ثلاث...
أخبار النجوم
أمل كلوني تثير الجدل بنحافتها بالشورت القصير
أخبار النجوم
بعد حديثها عن ارتداء الحجاب... صور جديدة لحلا...
أخبار النجوم
فاتن موسى تتذكر لحظات ممتعة مع الراحل مصطفى...
المجلة الالكترونية
العدد 1080 | كانون الأول 2024