من الإبتدائي إلى المتوسط
بالأمس كانت المدرسة بالنسبة إلى عمر فروضاً بسيطة، و مجموعة صغيرة من المعلّمات، ورفاق صف يلعب معهم. أما راهناً فتغيّر الأمر، عمر نفسه لم يعد عمر.
جسده بدأ يتحوّل وتفكيره أيضاً. انقسمت الرياضيات إلى جبر وهندسة، وتشعّبت العلوم وصارت فيزياء وكيمياء وعلوماً طبيعية، وصار لكل واحدة منها مدرّس. إنها بداية المرحلة المتوسطة.
مرحلة صعبة على الصعيدين النفسي والأكاديمي على التلميذ اجتيازها بنجاح. الأهل يسألون والإختصاصيون يجيبون.
- لماذا تعتبر المرحلة المدرسية المتوسّطة صعبة؟
لا يخلو الانتقال من المرحلة الابتدائية إلى المرحلة المتوسطة من صعاب، نظراً إلى ما يرافقها من تغيرات أكاديمية وجسدية ونفسية. فالتلميذ يجد نفسه فجأة وسط عالم غريب ، تغيّر مظهر المبنى المدرسي ، لم تعد جدران غرفة الصف مليئة بالصور والرسوم الزاهية، اختلف ترتيب المقاعد، وغابت عنه المعلّمة التي تلقّنه العلم "بالملعقة" إذا صح التعبير.
اليوم أصبح لكل مادة أستاذ مختص وعليه استيعاب أسلوب كل واحد منهم وأخذ الملاحظات بنفسه، والتركيز المتواصل، وتحمّل مسؤولية القيام بواجباته من دون مساعدة أهله الذين اعتادوا الإشراف عليه مباشرة. يرافق كل ذلك تغيّرات جسدية ونفسية.
إنها بداية مرحلة المراهقة التي يتم فيها تشكيل هويّته الذاتية وتحمّل المسؤولية والاستقلالية. يربكه حدوث كل هذه الأمور دفعة واحدة، وهي قد تتحوّل إلى مشكلات صعبة تنتج عنها أزمة نفسية قد تنعكس سلباً على أدائه المدرسي. كل شيء جديد بالنسبة إليه.
- ما هو دور الأهل خلال هذه المرحلة المدرسية لا سيّما إذا كان التلميذ في بدايتها؟
التغيرات التي تحدث للتلميذ على المستوى الأكاديمي والنفسي والمظهر الخارجي، تلزم الأهل تحضير الطفل لهذه المرحلة من خلال تنمية قدرته على التحليل والمراقبة والإصغاء، وتعزيز شعوره بأنه كيان مستقل، عبر تعويده على تحمل مسؤولية أمور بسيطة كترتيب سريره أو ألعابه وغيرها من الأمور.
كل هذا يجعله يخطو نحو الاستقلالية بخطى ثابتة. وفي المقابل يبدي بعض الأهل قلقهم عندما يبدأ التلميذ المرحلة المتوسطة خوفاً من الصعاب التي قد يواجهها.
فيستمر بعضهم في التعامل معه كما لو أنه لا يزال طفلاً صغيراً غير قادر على الاهتمام بشؤونه الأكاديمية. مثلاً تسأل الأم ابنها كيف كان يومه وتطلب منه الاطلاع على برنامج الغد وتقرأ الملاحظات التي دوّنها في الصف، فيشعر بأنه يواجه مرحلة صعبة جداً لن يتمكن من اجتيازها وحده، مما يفقده الثقة بقدراته وذكائه.
وحتى من الناحية الفيزيولوجية الصرف، يؤدي التوتر المبالغ فيه إلى زيادة إفراز مادة الكورتيزول التي تؤثر سلباً في الذاكرة.
- هل يجوز تدّخل الأهل في تدرريس ابنهم في هذه المرحلة، كما كانوا يفعلون حين كان في المرحلة الابتدائية؟
ليس غريباً أن يشعر التلميذ ببعض التوتر عند بداية المرحلة المتوسطة. ففي هذه المرحلة توزّع المواد على أيام الأسبوع. فمثلاً يتلقى درساً في قواعد الفيزياء عند مطلع الأسبوع وعليه تطبيقها يوم الخميس، وتتطلب منه الرياضيات تفكيراً فرضياً استدلالياً.
كل هذا يتطلب تركيزاً وقدرة عالية على الاستيعاب. ولا ضير في مساعدة التلميذ شرط أن يكون ذلك بناء على طلبه.
هناك فرق بين المساعدة والتدخل في كل شاردة وواردة. فالتلميذ الذي اعتاد تحمّل المسؤولية يجد سهولة في القيام بواجباته وتنظيم أوقات درسه.
- لماذا يبدو على بعض التلامذة عدم الإكتراث بنجاحهم المدرسي في هذه المرحلة؟
من الملاحظ أن بعض التلامذة في هذه المرحلة لا يبدون اهتماماً كبيراً بأدائهم المدرسي بقدر اهتمامهم بالمسائل الأخرى المتعلّقة بعلاقاتهم الاجتماعية، وتكوين المعارف والصداقات والاستقلال عن أهلهم وتحديد هويتهم.
لذا نجدهم يعملون على كسب رضى شلّة الأصدقاء كأن يتحوّل التلميذ إلى مهرّج الصف ليحوز محبّتهم أو الزعيم، أو الموالي، وأحياناً يبدو منزوياً لا يكترث لما يدور حوله. كل هذه الأمور تشعره بالتوتر.
لذا من الضروري أن يتفهّم الأهل حدة التوتر والقلق اللذين يمرّ بهما المراهق من جراء التغيّرات الفيزيائية والفكرية ورغبته القوية في الاستقلال عنهم كأن لا يكون لديه رغبة في الخروج معهم. ودور المدرسة أن تقدّم الإرشادات التربوية والتوجيهية التي تساعد التلميذ على فهم ما يجري له.
- ماذا عن الأهل الذين يوجّهون انتقادات سلبية لإبنهم المراهق بقصد تحفيزه على النجاح؟
يظن بعض الأهل أن توجيه الانتقادات اللاذعة إلى ابنهم المراهق يحفّزه على تطوير أدائه المدرسي وهذا غير صحيح، لأن الانتقاد السلبي يفقده الثقة بالنفس ويقلل من نظرته إلى ذاته، مما ينعكس سلباً على أدائه المدرسي والاجتماعي.
لذا يجدر بالأهل توجيه المديح قبل النقد وأن يعرفوا قدرات ابنهم ويساعدوه على تطويرها. إذا حصل النقد يجب أن يكون إيجابياً وليس هدّاماً. فالتلميذ المقبول في البيت كما هو، لن يكون عنده ضغط، لأنه واثق من نفسه ويستطيع تحليل الأمور في شكل جيد.
وفي المقابل الأهل يجب أن يكونوا فخورين بابنهم مهما كانت نسبة ذكائه. فمن الخطأ تقويم التلميذ تبعاً لعلاماته المدرسية لأن ذلك يعني أن قيمته الإنسانية تتحدد بها، وهذا خطأ.
- هل تعيين مدرّس خصوصي مفيد للتلميذ في هذه المرحلة؟
يلجأ بعض الأهل إلى تعيين مدرّس خصوصي عند بداية المرحلة المتوسطة، تحسباً للصعاب التي قد يواجهها التلميذ، وهذا لا يجوز لأنه يفقده ثقته بنفسه وبقدراته. وقد يعوّده على الكسل والاتكالية.
فكل تلميذ في هذه المرحلة المدرسية قادر على القيام بواجباته وحده، وإذا عانى صعوبة ما عندها يمكن تعيين مدرّس خصوصي ولفترة محددة.
- هل يجوز للأهل منع ابنهم من القيام بنشاطه الرياضي في هذه المرحلة المدرسية؟
يرفض بعض الأهل مشاركة ابنهم في نشاط رياضي بحجة أنه مقصّر في دروسه، وهذا خطأ. فمن المعلوم أن التلميذ المراهق عنده طاقة جسدية قوية يحتاج إلى تفريغها، لذا من الضروري تشجيعه على ممارسة نشاط رياضي خارج الصف.
- كيف يمكن التلميذ الذي يدخل المدرسة المتوسطة للمرة الأولى أن يبني علاقات صداقة جديدة خصوصًا إذا لم يكن معه أحد من رفاق الإبتدائي؟
يواجه بعض التلامذة صعوبة في بناء علاقات صداقة خصوصاً إذا تغيّر المحيط المدرسي. لذا للمدرسة دور في تنمية العلاقات الاجتماعية بين التلامذة من خلال البرامج الترفيهية التي تنظمها كالرحلات المدرسية أو حفلات التعارف السنوية وغيرها.
ويمكن توفير الفرص التي تسهّل على الولد بناء علاقات اجتماعية، كمشاركته في نشاطات خارج الصف، وفتح المجال أمامه لتبادل الزيارات مع أترابه.
لذا ليس من الضروري أن يقلق الأهل إذا كان ابنهم (أو ابنتهم) لديه صديق أو اثنان لأنه من الممكن أن يكون ممن لا يفضلّون كثرة الأصدقاء. ومن الضروري التعاون بين الأهل والمدرسة لمساعدة التلميذ على جميع الصُعُد. فالتوتر النفسي والضغط الاجتماعي المستمر قد يعيقان تقدّم التلميذ الأكاديمي.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024