العودة إلى المدرسة
مع اقتراب موعد العودة إلى المدرسة ينشغل الأهل والأبناء بالاستعداد للعام الدراسي على كل الصُعُد. فبعد إجازة صيف عاش فيها التلميذ بعض الفوضى، لم يتقيّد خلالها بساعات نوم واستيقاظ محددة، وتخلّى عن كل ما له علاقة بالدرس والمدرسة، يأتي فصل دراسي يتطلّب عملاً جادًا وطقوسًا يومية محددة عليه التقيّد بها، ليمرّ العام المدرسي بيسر ونجاح.
فكيف يمكن الأهل توفير انطلاقة مدرسية هادئة؟ وما هي الإرشادات التي ينصح بها اختصاصيو التربية الأهل؟«لها» التقت الاختصاصية في التربية الدكتورة نجوى جريديني لتجيب عن تساؤلات الأهل.
تقول جريديني: «تسبّب العودة إلى المدرسة توترًا طوال الوقت، فليس مفاجئًا أن يكون على رأس لائحة متطلّبات المدرسة القيام بالواجبات والفروض المدرسية، مما يُشعر الأهل بأنهم يسابقون الوقت. فضلاً عن القلق الذي تسببه مصاريف أبنائهم المدرسية وضرورة توفير المال، ليمرّ العام المدرسي من دون ضائقة مالية.
وفي المقابل تؤثر بداية العودة الجيدة إلى المدرسة في تصرّف التلميذ وفي ثقته بنفسه وأدائه الاجتماعي والمدرسي معًا. أمّا الأهل فينتابهم شعور مزدوج عندما يعود أبناؤهم إلى المدرسة.
فمن جهة هم سعداء خصوصًا الأم لأنها ستحوز بعض الهدوء خلال النهار، فأبناؤها ليسوا موجودين في البيت يطلبون منها أمورًا عدة خلال النهار سواء كانت ربة منزل أو موظفة يتصلون بها طوال دوام عملها يسألونها عن عودتها إلى المنزل، أو يتذمّرون من أمور أو يشكون لها المشاكل التي حصلت بينهم.
ولكن من جهة أخرى قد يواجه الأهل بعض صعاب قلق الإنفصال عن طفلهم خصوصًا إذا كان يذهب إلى المدرسة للمرّة الأولى».
وتضيف الاختصاصية: «هناك الكثير من التلامذة ينتظرون العودة إلى المدرسة بفارغ الصبر، فالعام المدرسي الجديد يشكل وقتا مهمًا بالنسبة إليهم، فهم مشتاقون إلى المدرسة و أصدقائهم وأساتذتهم.
ويضعون خطة تتضمّن ماذا يفعلون عندما يعودون إلى المدرسة وماذا سينجزون خلال العام المدرسي الجديد، ويتصورونه بتفاصيله. وفي المقابل، هناك بعض التلامذة يشعرون بالكسل للعودة إلى المدرسة لأنهم سيختبرون الأمور نفسها، فهم سيشعرون بالملل نفسه الذي واجهوه لسنوات، ويقومون بالنشاطات نفسها ويلتقون الأشخاص المملّين أنفسهم، وهذا طبيعي.
أما إذا كان التلميذ قد واجه صعابًا في السنة الماضية، ولم تجر أي تعديلات وتغييرات في المدرسة أو أنه لم يعمل خلال الصيف على حل مشكلاته سواء الأكاديمية أو الشخصية، فإنه من الطبيعي أن يواجه الصعاب نفسها التي واجهها العام الدراسي الفائت مما قد يعرّضه لاحتمال إعادة صفه.
إذاً كلما تلقّف الأهل هذه المشكلة في وقت مبكر وعرفوا أسباب الصعاب المدرسية التي واجهها ابنهم وعملوا على إيجاد حل لها، تحسن أداؤه المدرسي واجتاز سنته المدرسية بنجاح».
- ماهي الصعاب التي تواجه التلميذ؟
لكل تلميذ مشكلة مختلفة عن قرينه وبدرجات متفاوتة. فهناك صعاب خاصة تحدث للتلميذ سببها تقويمه الذاتي الذي قد يكون متدنيًا جدًا وعدم الثقة بالنفس ، مثلا الخوف من شيء ما، الشعور بالخجل أو التوتر.
وهناك صعاب يكون سببها الآخرون وعلى الأهل أن يسألوا ابنهم عن التفاصيل، فإذا لم يعرفوا الأسباب فإن التلميذ قد يحمل معه المشكلة إلى سن الرشد مما يؤثر سلبًا في مستقبله.
- ماذاعلىالأهلالقيامبهلعودةمدرسيةناجحة؟
روتين النوم: سواء كان التلميذ يدخل إلى المدرسة للمرة الأولى أو يعود إلى المدرسة للمرة الأخيرة أي في الثانوية العامة، فإن كلا التلميذين عليه أن يحوز قسطًا وافرًا من النوم وبشكل روتين.
فقلة النوم تؤدي إلى صعاب مدرسية هذا ما أثبتته الدراسات التربوية والنفسية والطبية، وتقود إلى مشكلات في التركيز وفي السلوك، لذا من الضروري جدًا وضع روتين محدّد للنوم للأبناء مهما كانت أعمارهم.
أما إذا كان التلميذ يواجه صعوبة في النوم، كأن يبكي من دون سبب، متمسك بشئ ما أكثر من المعتاد، فهذه مؤشرات لتوتر شديد.
لذا يمكن الأهل مساعدة أبنائهم وتسهيل الانتقال عليهم من إجازة صيفية فوضوية بعض الشيء إلى عام مدرسي جدي، وهذه بعض الاقتراحات:
- وضع برنامج واضح وواقعي والتصرف بإيجابية. فالتلميذ يطوّر سلوكه الإيجابي تجاه المدرسة عندما يرى أن أهله يقدّرون أهمية العلم.
- تفهّم مخاوفه وتقبّلها على أنها أمور طبيعية، فكل التلامذة لديهم خوف، بل حتى الأساتذة أنفسهم يشعرون بالتوتر مع بداية الفصل المدرسي.
- الاطلاع على كل المعلومات المتعلّقة بالمدرسة، كالتعرّف إلى المعلّمة المسؤولة عن الصف، موقع الصف، متطلبات المدرسة الإضافية، النشاطات الرياضية بعد الدوام ، روزنامة المدرسة الأسبوعية، المواصلات عبر الباص المدرسي...
- شراء القرطاسية والكتب قبل الدخول إلى المدرسة.
- منح الطفل ثقة كبيرة بالنفس، ومدحه إذا كان يستحق ذلك دون المبالغة، وعلى الأهل ألا يجعلوا ابنهم يخاف من المعلمة إطلاقًا كالقول له: «معلمتك ستغضب جدًا إذا كنت تلميذًا شقيًا في الصف»، بل يمكنهم القول «معلمتك تحبك إذا كنت تلميذًا مجتهدًا».
- تجنب جعل التلميذ يفكّر في أن المدرسة الجديدة ومحيطها مليئان بالغرباء غير اللطيفين، بل عليهم ان يقولوا له أنه سيحصل على أصدقاء جدد ومحيط جديد فيه الكثير من المرح والأشخاص اللطيفين جدًا.
- إعادة التأسيس لروتين النوم وتناول الطعام خصوصًا الفطور قبل أسبوع من العودة إلى المدرسة.
- إعادة روتين المطالعة قبل النوم والمشاركة في الأعمال المنزلية إذا كان هذان الأمران توقفا خلال الصيف.
- التحدث إلى الطفل عن منافع الروتين المدرسي.
- محاولة تخليص التلميذ من قلق العودة إلى المدرسة. فشعور الأهل بالقلق ينتقل إلى ابنهم، لذا عليهم أن يكونوا نموذج التفاؤل والثقة بالنفس بالنسبة إليه. فمن الضروري أن يعرف الطفل أنه من الطبيعي أن يكون متوترًا بعض الشيء عندما يبدأ القيام بشيء جديد، ولكن هذا القلق سيزول عندما يتآلف مع زملاء الصف والمعلمة وروتين المدرسة.
- فتح قنوات تواصل مع إدارة المدرسة.
- زيارة المدرسة مع التلميذ قبل موعد العودة. فإذا كان التلميذ لا يزال طفلاً أو انتقل إلى مدرسة جديدة، على الأم زيارة المدرسة ولقاء الأساتذة فيها والتعرّف إلى مكان الصف.
- الاطلاع على كتب المدرسة والتحدث إلى الابن عن المواضيع التي يدرسها خلال العام، وإبداء الحماسة للمواضيع التي سيدرسها ومنح التلميذ الثقة بنفسه وبقدرته على استيعابها والنجاح فيها.
- جعل اليوم المدرسي الأول سهلاً. تذكير التلميذ أنه ليس وحده من يشعر ببعض الارتباك في اليوم الأول من المدرسة. فضلاً عن أن الأساتذة يعلمون أن التلامذة قلقون في هذا اليوم ويفعلون ما في وسعهم لجعل الأمور سهلة على كل التلامذة ويتأكدون أن الكل يشعر بالراحة.
- تحديد الأمور الإيجابية لبداية العام المدرسي: كأن يقول له الأهل سيكون يومك الأول مرحًا، سوف ترى كل أصدقائك القدامى وتلتقي أصدقاء جددًا. وتذكيره بالأمور الإيجابية التي حدثت معه العام الماضي، وكيف كان سعيدًا لأنه استمتع بوقته في المدرسة عندما عاد من المدرسة في اليوم الأول.
- التعرف إلى تلميذ في الجوار يذهب إلى المدرسة نفسها التي يذهب الابن إليها ليترافقا في باص المدرسة.
- مرافقة الابن إلى المدرسة في اليوم الأول.
- التحدث عن ذكريات العودة إلى المدرسة الخاصة بالأهل، والشرح للابن أن الأمور لا تبقى جديدة إلى الأبد، وتذكيره بأمور واجهها في الماضي واعتاد عليها في ما بعد.
- الاطلاع على منهج المدرسة قبل بداية العام، فالمدارس قد تختلف في أسلوب تعاملها مع التلامذة وإن كانت تتبع المنهج نفسه، وعلى الأم ألا تستند إلى معلومات الأهل الذين لديهم أبناء فيها فقد يكون لأبنائهم احتياجات تختلف عن احتياجات ابنها.
- اللعب «لعبة المدرسة في البيت»، وترك الطفل يؤدي دور المعلمة ودوره في الوقت نفسه.
- القيام بفحص طبي.
وتضيف الاختصاصية: «هذه الإرشادات التي على الأهل اتباعها في الأسبوع الأول للمدرسة يجب أن يرافقها اتباع نمط تربوي في الفصل الأول المدرسي يشارك فيه الأهل والمدرسة. فمن الضروري أن تكون هناك مرحلة انتقالية بين فترتي العطلة الصيفية والمدرسة.
فعلى المدرسة في الفصل الأوّل اتباع منهج مبسّط أي ألا تعطي كمّاً كبيراً من الواجبات المدرسية دفعة واحدة، بل يجب أن يكون فصلاً تمهيدياً للفصول اللاحقة.
كما على الأم ألا تبالغ في حثّ ابنها على الدرس، فهناك بعض الأمهات ينتهزن فرصة أن المدرسة لا تعطي واجبات كثيرة لأبنائهن، فيعملن على تدريس أبنائهن الدروس اللاحقة ظناً منهن أنهن يسبقن المنهج المدرسي، وهذا خطأ لأن التلميذ سيشعر بالضغط خصوصاً أنه يعرف أنه ليس مطلوباً منه القيام بها، وبالتالي سينفر من الدرس والمدرسة.
لذا من الضروري أن تتقيّد الأم بمنهج المدرسة وألا تخشى من الواجبات القليلة لأن التكيّف مع الفصل الدراسي يتطلب وقتاً تمهيدياً لذلك. وعلى الأم في الفصل الأول من المدرسة الالتزام بالإرشادات التي ذكرتها حول الروتين اليومي».
- ماذا عن التلميذ الذي يعيد صفه؟
قد تسبب العودة إلى المدرسة قلقاً عند التلميذ الذي يعيد صفه، فأصدقاء الصف قد تغيروا، وربما يخشى مقابلتهم في الملعب لأنهم أصبحوا في صف أعلى منه مما يجعله حزيناً ويبدو عليه التوتر وعدم الرغبة في العودة.
في هذه الحالة، على الأهل أن ينظروا إلى الأمر في شكل إيجابي وألا يزيدوا همّاً فوق همّ ابنهم الراسب ويحاولوا تجنب إلقاء اللوم عليه، ويتحدثوا معه عن الأمور الجيدة التي قام بها. فمثلاً يمكن الأب أن يقول له: «إعادة الصف ليست نهاية العالم.
كان عندك صعوبة في بعض المواد ولكنك بارع في مواد أخرى وهذا جيد، ودليل على أنه في إمكانك تخطي أي صعوبة إذا عرفت السبب ومن المؤكد أنك ستنجح هذا العام»، أو «أعلم أنك ستفتقد أصدقاءك القدامى ولكن أنا أكيد أنك ستتعرف إلى أصدقاء جدد».
فنظرة الأهل إلى الأمر في شكل إيجابي تمنح التلميذ الثقة بالنفس، وأن أهله إلى جانبه ليمنحوه الحب والأمان اللذين يحتاجهما، مما يحفزه على العودة إلى المدرسة بروح متفائلة.
وهناك أيضاً المدرسة التي ينبغي أن تتعامل مع التلميذ الراسب في شكل إيجابي وتتجنب العبارات السلبية، مثلاً نعت التلميذ بالكسول أو الفاشل، بل عليهم مساعدته حتى يجتاز مشكلة الرسوب بأمان. ويتحقق كل هذا بالتعاون بين المدرسة والأهل.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1078 | تشرين الأول 2024