تحميل المجلة الاكترونية عدد 1080

بحث

إضطرابات النوم عند الأطفال...

من الطبيعيّ أن يستيقظ الطفل الرضيع منذ ولادته وحتى الأشهر الأولى مُطالباً بالرضاعة. فيكون السبب البديهيّ هو الجوع والحاجة إلى الأكل. بيد أنّه سرعان ما يعتاد النوم لساعات أطول ويتوصّل بعدها إلى النوم خلال الليل بأكمله، إذ تنضج «ساعته البيولوجية» ويستقرّ هذا الروتين معه.
لكن في بعض الحالات الصعبة، لا يكون الجوع هو مسبّب الإستيقاظ، ولا يكون الطفل رضيعاً، فيقع الأهل في حيرة من أمرهم إزاء معالجة الموضوع، وتبدأ الأخطاء والهفوات من دون معرفة السبب الرئيسيّ ومحاولة حلّه! أطفال يستيقظون في منتصف الليل باكين، صارخين، قلقين، «مروبصين»... والأهل يحاولون تهدئتهم وإعادتهم إلى النوم، وقد يستغرق الأمر وقتاً وعناءً، فينعكس ذلك سلباً على نوعية النوم وبالتالي على الإنتاجية في اليوم التالي! متى يُحكى عن «إضطرابات» في النوم عند الأطفال؟ وما هي أسباب ذلك؟

أطفال لا ينامون ليلاً، وآخرون يتقلقون، أو يبكون، أو يرفضون النوم بمفردهم... حالات تسبّب توتراً عند الأهل وتمنعهم من مزاولة نشاطهم النهاريّ بسبب تدهور نوعية النوم وإنتقاص كمّيّته ليلاً. فماذا يحصل؟!
تشرح الدكتورة ساندرا صبّاغ، إختصاصية في أمراض الدماغ والجهاز العصبيّ عند الأطفال Pediatric Neurologist، ماهية هذه الإضطربات وأسبابها المباشرة وغير المباشرة.
كما يتكلّم الدكتور غسّان حميمص، إختصاصيّ في أمراض الدماغ والجهاز العصبيّ عند الأطفال Pediatric Neurologist، عن العلاج وطريقة التعامل السليمة مع الموضوع.
ويناقش الطبيبان إضطرابات واضحة المعالم، تمنع الطفل من التمتع بنوم هانئ وهادئ وكامل خلال الليل.
لعلّ المشكلة الأبرز التي تظهر للعيان هي بكلّ بساطة الإستيقاظ المتكرّر عند الطفل. وربّما ظننا أنه لا يشعر بالنعاس أو يريد اللعب أو الأكل أو أنه «مصدر إزعاج» وطبعه قلق! لكن هذه المقولات عارية تماماً عن الصحّة. فالإضطربات المتكرّرة هي نتيجة مشكلة قد تكون طبّيّة صحيّة، وتستوجب العلاج الدوائي أو سواه. وهي لا تمرّ مرور الكرام وتزول من تلقائها.

إضطرابات النوم
تفسّر الدكتورة صبّاغ أنّ «إضطرابات النوم هي أيّ خلل يحصل في طريقة النوم عند الطفل، أكان ذلك يتجسّد في حركة مفرطة أو كلام أو مشي أثناء النوم، أو قلق في مراحل عدّة أثناء النوم أو عند الإنتقال من مرحلة إلى أخرى.
بمعنى آخر، لهذه الإضطرابات إنعكاسات سلبية على نوعيّة النوم وكمّيّته، وتؤثّر بالتالي على الطفل وراحته، وحتى على الأهل وروتينهم».
النوم مقسّم إلى مراحل ، تختلف مدّة كلّ واحدة منها حسب سنّ الشخص. وأبرز مرحلتين كبيرتين هما مرحلة النوم المتقلّب حيث تكون حركة العين السريعة Rapid Eye Movement، ومرحلة حالة النوم العميق، حيث لا كلام ولا حركة ولا أحلام.
تؤكّد الدكتورة صبّاغ أنّ «لا سنّ محدّدة مشتركة لجميع الأطفال للتوصّل إلى النوم ليلة كاملة دون إستيقاظ متكرّر. فقد تنضج الساعة البيولوجية التي توقّّت الوعي والنوم ببلوغ الأربعين يوماً، أو تستغرق أشهراً أطول».


أسباب الإضطراب
فسّر الدكتورة صبّاغ: «تختلف الأسباب بإختلاف الأطفال، ولكن النتيجة واحدة، وهي ذات أعراض مشتركة: تقلّق، إستيقاظ متكرّر، وربّما بكاء.
أمّا أبرز الأسباب فهي إمّا وراثيّة من إحدى العائلتين، أو تكوينية وعائدة إلى طبع الطفل، أو نفسية، أو بسبب نوعية ساعات النهار.
فالليل نتيجة النهار. وعندما يكون الطفل خمولاً ونائماً طوال اليوم، فلا يكون قد صرف طاقة وبالتالي لا حاجة له إلى النوم لتعويضها».
ويمكن إعادة أسباب الإستيقاظ المتكرّر عند الأطفال إلى طريقة الأهل الخاطئة في التعامل معهم، من حيث إطعامهم الحليب أثناء النوم، وخلال الليل، وهو مرفوض بعد سنّ الستة أشهر، ومن حيث تربيتهم على عادات النوم الخاطئة، في سرير الأهل أو على التلفزيون، أو في حضن الأم.
وهذا يعني تغيير الإطار الثابت الذي يجب أن ينام فيه الطفل كي لا يخاف إذا إستيقظ.
إضطرابات أخرى
يقول الدكتور حميمص: «هناك إضطرابات أخرى هي ال Parasomnias والتي لها أعراض جسدية حسّيّة غير مرغوبة وذلك أثناء النوم، مثل الكلام أو المشي أو الحركة الدائمة أو الرعب الليلي والصراخ والهلوسات والكوابيس.
وغالباً ما يكون الطفل في حالة ما بين الوعي واللاوعي، فلا يُدرك ماذا يفعل ولا يتذكّر ذلك صباحاً، ولو ظنننا أنه مستيقظ وعيناه مفتوحتان».
عندما تتكرّر هذه الحالات مراراً وتكراراً، يمكن الكلام عن «إضطراب» في النوم. قبل سنّ السنتين، قد يستيقظ الطفل باكياً، طالباً وجود الأهل.
وبعد هذه السنّ، يصبح الإستيقاظ بمثابة إطمئنان إلى المحيط الطبيعي فقط. مع العلم أنّ كلّ إنسان يستيقظ بين مراحل النوم، لكنه يتقلّب في السرير فحسب، ويعاود النوم، من غير أن يبلغ مرحلة الوعي التام.
كما تجدر الإشارة، حسب الدكتور حميمص إلى «وجود حالات صحّيّة وأسباب طبّيّة بحتة تسبّب إضطرابات في النوم، ولعلّ أبرزها الكهرباء في الرأس Epilepsy أو أمراض في الجهاز العصبيّ Neurological .
ويبقى العامل النفسي ذا تأثير كبير أيضاً. فالطفل المرتاح والفرح والذي يشعر بالعطف والحنان لا يكون قلقاً أو متوتراً أو مكبوتاً في النهار، فينعكس ذلك نوماً هانئاً في الليل. والعكس صحيح بالنسبة إلى الطفل التعيس والحزين والمتوتر والمحروم من عطف الأهل والمفتقد للحنان.

تمهيد للنوم وتدابير وقائية
لا بدّ من خلق روتين يوميّ للطفل، للتمهيد لساعة النوم. يقول الدكتور حميمص: «يجب أن يعتاد الطفل على نظام معيّن يحثّه على النوم بكلّ سلالة.
فيجب خلق عادات متسلسلة وتطبيقها روتينياً يومياً، لتحضير الطفل نفسياً وجسدياً، للنوم. لكن الأهم من الإستحمام والأكل، هو الجوّ العام والغرفة.
بمعنى أنه يجب الإنتقال تدريجياً من حالة النشاط واللعب والحركة، إلى الهدوء والراحة ثمّ إلى النوم! كما يجب أن يعتاد الولد النوم في سريره الخاص وفي غرفته المزوّدة بضوء خفيف كي لا يخاف من الظلام الدامس.
فمن أجل الصحة الجسدية والنفسية ولتعزيز الإستقلالية، لا بدّ من الفصل ما بين الأهل والطفل».

علاجات شتى
يشدّد الدكتور حميمص على وجوب «فحص الطفل سريرياً ومراقبته. فيكون التشخيص حسب وصف الأهل. وقد يتمّ تصوير حالات الإضطرابات أثناء النوم.
ويلجأ الطبيب المختصّ إلى تقنية تخطيط للدماغ وللقلب Sleep Monitoring، حيث ينام الطفل مع خوذة خاصة للمراقبة، بغية كشف أيّ لغط في تسلسل مراحل النوم، أو عدم بلوغ مرحلة النوم العميق أو وجود مشكلة في الجهاز العصبيّ».
يضيف: «قد يكون العلاج بسيطاً ويستدعي مثلاً تغيير وقت النوم أو تقنيّة معيّنة. كما قد نلجأ إلى العلاج النفسي-التصرّفي لتخفيف وطأة القلق.
وفي الحالات المرضيّة، يتمّ إستخدام أدوية مستخرجة ومصنّعة، شبيهة بالمواد التي يفرزها الدماغ طبيعياً. ذلك أنّ بعض الأدوية والعقاقير التي كانت تُستخدم لحثّ الطفل على النوم، هي الآن ممنوعة لأنها تحتوي على مادّة مخدّرة».

نصيحة للأهل
تختم الدكتورة صبّاغ مؤكّدة أنّ «إضطرابات النوم عند الأطفال متشعّبة، لذلك لا بدّ من تحليل كلّ حالة على حدة. لكن الأهمّ هو معرفة أنّ الطفل لا يتقصّد ذلك لإزعاج الأهل، بل الأمر خارج عن قدرته وإرادته».
ونحو 90% من الحالات هي من جرّاء تعامل الأهل الخاطئ مع الإضطراب، عبر الإستسلام وإطعام الولد ليلاً، أو نقله إلى سرير الوالدين، أو تلبية الرغبة في اللعب أو مشاهدة التلفزيون في منتصف الليل... وذلك بسبب التعب المفرط والحاجة إلى النوم.
وبالنسبة إلى الإضطرابات التكوينية، فالطبّ قد وُجد لعلاج هذه الحالات ريثما يكتمل نموّ دماغ الطفل، فيتمّ الإستغناء عن الدواء».

 

المجلة الالكترونية

العدد 1080  |  كانون الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1080