تحميل المجلة الاكترونية عدد 1078

بحث

المحادثة الهاتفية...

علت صرخة أبي عمر عندما رأى فاتورة الهاتف الشهرية، فالمبلغ كبير جدًا مقارنة باستعماله الهاتف، ولا يمكن أن تكون شركة البريد والاتصال قد أخطأت في الحساب. إنها نهى الابنة المراهقة التي تتحدث لفترات طويلة مع صديقاتها عبر الهاتف.
وتنهال الأسئلة والتعليقات على نهى: ما القضية المهمة التي تجعلك تتحدثين مع صديقتك كل هذه الفترة؟ ألم يكفك لقاؤك بها طوال النهار؟... والطريف أننا أحيانًا نسمع أمًا لا تريد أن تدخل في شجار مباشر مع ابنها بسبب محادثاته الطويلة على الهاتف، فتقول: «حاولت جدّتك الاتصال مرات عدة هذا اليوم، ولكن الخط كان مشغولاً. هل كنت تتحدّث عبر الهاتف؟».

ينصح الاختصاصيون الأهل بطول الصبر فظاهرة التحدّث المستمر عبر الهاتف قد تدوم لفترة طويلة، وتبلغ ذروتها بين الثالثة عشرة والسادسة عشرة، وتتقلص عندما يبدأ المراهق بالخروج مع أصدقائه الذين بفضلهم يبدأ بتكوين هويته الخاصة وشخصيته المستقلّة، لذا للصداقة حيز مهم جدًا في حياة المراهق.
فمع الأصدقاء يتبادل الأحاديث ويشاطرهم أحلامه، ويعبّر عن أحلامه ويكوّن علاقات تواصل. ففي مرحلة المراهقة يكتشف أنه من الأفضل ألا يشعر بأنه وحيد، أي أنه ليس كائنًا  غريبًا في محيط العائلة. لذا من الملاحظ أن معظم المراهقين، بعد عودتهم من المدرسة مثلاَ، لا يستغنون عن التحدّث مع أصدقائهم ساعات طويلة ولو كانوا قد أمضوا معظم النهار معهم.

- لماذا لا يمكن المراهق الاستغناء عن الهاتف؟
يحتاج المراهق إلى البقاء على تواصل مستمر مع أصدقائه لا سيّما صديقه الذي يثق به ويخبره أسراره. والهاتف يقصّر المسافات ويحل مكانها، فعندما تواجهه مشكلة جدّية من الضروري بالنسبة إليه أن يكون قادرًا على إخبار صديقه عن قلقه الذي لا يمكنه إخفاؤه، فهو بحاجة إلى نصيحة، إلى أن يتحدث، ويتصل لأنه يشعر بالوحدة.
إذًا كل الحجج موجودة ليستعمل الهاتف. كما يعتبر الهاتف وسيلة خاصة جدًا للتواصل، فالمراهق يشعر من خلالها  براحة كبرى إذا أراد التحدث في مواضيع لا يجرؤ على تناولها وجهًا لوجه حتى مع أصدقائه.
فمن خلال الهاتف لن يرى صديقه احمرار وجهه، أو خوفه، وهو أيضًا وسيلة للهروب من الإطار العائلي في مكان مريح في غرفته التي تعتبر مملكته الخاصة.

- ماذا على الأهل القيام به لتقليص فاتورة الهاتف؟
من المعلوم أن المراهق غالبًا ما يتبادل الأحاديث مع أصدقائه أكثر مما يتحدث مع أهله، فهو يخبر صديقه القريب ما لا يستطع قوله لأهله. وهذا السلوك قد يغيظ أهله، لأنهم يريدون أن يثق بهم  من جهة، وتقليص فاتورة الهاتف من جهة ثانية. وإذا لم يكن في مقدور الأهل منع المراهق من الاتصال بأصدقائه، يمكنهم أن يضعوا حدودًا  وقواعد لاستعماله الهاتف.
وذلك بجعله مسؤولاً بتحديد الوقت، أي عليه أن يقول ما يريد قوله لصديقه ضمن المدة التي حددها أهله، مثًلا أن يقولوا إن المسموح له التحدث عبر الهاتف 15 دقيقة فقط وبعدها عليه إغلاقه. وهناك وسيلة جيدة وهي الحصول على فاتورة مفصّلة بحيث يمكن الأهل أن يُروه كلفة المخابرات التي أجراها مما يجعله يدرك أنه يبالغ في استعمال الهاتف العائلي.

- هل يمكن تقديم هاتف خلوي له؟
يمكن ذلك، إذا لم يبذل مجهودًا في تخفيف استعمال الهاتف، عندها على الأهل بداية اقتطاع مبلغ من مصروف الجيب الخاص به وإلزامه بالمشاركة في تسديد كلفة مخابراته. وإذا لم تجدِ هذه الطريقة نفعًا يمكن الأهل عندئذ تقديم هاتف خلوي بنظام البطاقات المسبقة الدفع شرط أن يشتريها من  مصروف الجيب الخاص به، وهذه وسيلة جيدة ليشعر بالمسؤولية، وتجعله يفكر في وضع ميزانية لمصاريفه.
فإذا نفدت وحدات التخابر وفي الوقت نفسه نفد مصروف جيبه لم يعد في إمكانه الاتصال بأصدقائه، ولكن شرط ألا يستعمل الهاتف المنزلي. كما أن الهاتف الخلوي قد يعلّم المراهق أسلوب التفاوض، فمثلاً حين تنفد منه الوحدات قبل الوقت المحدد يتفق مع والده على أن يحسم من مصروف جيبه للشهر المقبل، وأحياناً يطالب بزيادة المصروف نظراً إلى أنه لا يكفي لتسديد كل مصاريفه.
وإذا واجه عبارة «كنا في سنك ولم يكن هناك هاتف خلوي وكنا نعيش في أحسن حال»، فإنه يفكر في إقناع والده بأهمية الهاتف الخلوي اليوم. وهذا كله يساعده في علاقاته الاجتماعية والمهنية في المستقبل.

- هل صحيح أن الهاتف الخلوي يعزز الاستقلالية عند المراهق؟
من المعلوم أن المراهقة هي مرحلة البحث عن الذات وتحديد الهوية، والتوق إلى الاستقلالية أحد مظاهرها. وكما أن الراشدين يمكنهم ملاقاة بعضهم أو يتحدثون إلى بعضهم ساعة يشاؤون ، كذلك المراهق في حاجة إلى حرية الحركة من دون رقيب يسأله، وإلى وسيلة خاصة يتصل بواسطتها بأصدقائه.
ويرمز المحمول إلى هذه الاستقلالية، فالهاتف المنزلي هو ملك للعائلة وبالتحديد للوالدين، فضلاً عن أن استعماله يكون في شكل محدود، بينما يكون الهاتف المحمول ملكاً للمراهق يمكنه استعماله ساعة يشاء. فضلاً عن أنه يمنحه بعض الخصوصية، ففي إمكانه الاتصال بصديقه في غرفته من دون أن يستمع إليه الآخرون.

- لماذا يتعلّق المراهق بهاتفه الخلوي؟
يمكن أن يشكّل الهاتف الخلوي بالنسبة إلى المراهق بديلاً من لعبته التي اعتاد أن يحضنها عندما كان طفلاً، فهو رغم ميله إلى الاستقلالية قد يشعر ببعض التوتر والقلق لأنه يخرج من حضن والديه، والهاتف قد يشعره بالطمأنينة لأن في إمكان والديه الاتصال به أينما كان. فالمراهق يطمئن إلى استمرار رقابة الأهل له رغم أنه يبدي في كثير من الأحيان عكس ذلك.

- هل صحيح أن اختيار نوع الهاتف الخلوي يعكس شخصية المراهق؟
اختيار ماركة الهاتف ورنّته والاشتراك في خدمات المجيب الصوتي أو خدمة الرسائل المصوّرة أو الفيديو ... كلها أمور تعكس شخصية مالك الهاتف  وتحتاج إلى المشاركة مع الآخرين ومن دونها لا يكون الهاتف الخلوي ذا قيمة. فكما أن اختيار المراهق للثياب أو تسريحة شعره يعكس شخصيته أو رغبته في تحديد هويته المستقلة.
كذلك فإن هذه الخدمات المتوافرة في الهاتف الخلوي إضافة إلى ماركته قد تكون إشارة إلى التعرّف إلى شخصية المراهق ووسيلته للتعبير عن ذاته والتي تسمح له بالاندماج مع شلة الأصدقاء.
فمن الملاحظ مثلاً أن الأصدقاء يختارون رنة هاتف محددة تكون كلمة السر بينهم. كما أن الهاتف الخلوي يحفز المراهق للتعرّف إلى أحدث أنواع التكنولوجيا الرقمية فيتبادل المعلومات مع أصدقائه.

 

المجلة الالكترونية

العدد 1078  |  تشرين الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1078