تحميل المجلة الاكترونية عدد 1079

بحث

الجلوس إلى المائدة تقليد عائلي...

يرافق إيقاعَ العصر السريع تغيرٌ في نمط عيش العائلة في معظم المجتمعات، لا سيما العائلة التي يكون فيها الوالدان موظّفين يعملان بدوام كامل، مما يجعل التواصل بين الأهل والأبناء في بعض الأحيان غير متاححٍ طوال الوقت نظرًا إلى انشغال الوالدين واحتمال عدم استطاعتهما الجلوس مع أبنائهما بشكل دائم. فكم مرّة نسمع أمًا تتحدّث على الهاتف مع ابنها العائد من المدرسة طالبة منه تناول الطبق الذي حضّرته له للغداء، والشروع في إنجاز واجباته المدرسية إلى أن تصل إلى المنزل. ولعلّ مشهد العائلة مجتمعة إلى المائدة أصبح تقليدًا أسبوعيًا أكثر منه عادة يومية. إذ لم يعد لبعض الأمهات العاملات الوقت والطاقة  لتحضير وجبة عائلية والجلوس معًا إلى مائدة الطعام. وفي بعض الأحيان قد يقرر كل أفراد العائلة طلب وجبة جاهزة يتناولونها أمام التلفزيون أثناء مشاهدة فيلم. حل لا بأس به، ولكن يبقى لتقليد جلوس العائلة مجتمعة إلى مائدة الطعام نكهته الخاصة.

- فما أهمية جلوس العائلة مجتمعة إلى مائدة الطعام؟
يرى الاختصاصيون أن جلوس العائلة مجتمعة إلى مائدة الطعام يحب أن يكون من أولويات الحياة العائلية، نظرًا إلى ما له من  فوائد على صعيدي الصحة الجسدية والنفسية على الأبناء.

الفائدة الصحية
لجلوس العائلة  إلى مائدة الطعام دور في الحصول على نظام الغذائي صحّي وله أثر إيجابي كبير في توازن غذاء الطفل وسلوكه، مما يعني أثرًا إيجابيًا في وزنه. فقد أظهرت الدراسات في أوروبا وأميركا أن أكثر من 16 في المئة من الأطفال، يعانون مشكلة الوزن الزائد وأوعزت الأسباب إلى اللقمشة بين الوجبات، ونقص في النشاطات البدنية وكذلك إلى غياب تناول الطعام الصحي الذي يتبع الهرم الغذائي. فالمائدة العائلية تسمح للطفل والمراهق بالحصول على غذاء صحي ومتنوع. إذ يرافق تناول الطعام ضمن العائلة تناول كميات كبيرة من الفواكه والخضر ومشتقات الأجبان والألبان، واستهلاك أقل للمقالي والسكريات والمشروبات الغازية.
تجنب الاضطرابات الغذائية يكاد طقس جلوس العائلة مجتمعة إلى مائدة الغداء أو العشاء يتعدى كونه يوفر نظامًا غذائيًا صحيًا يضمن سلوكًا غذائيًا طبيعيًا. فتناول الطعام ضمن إطار العائلة والتحلّق حول مائدة الطعام يعني تبادل الأحاديث ويشير إلى أن أفراد العائلة يحتاجون إلى بعضهم. فعندما  يُجرّد تناول الطعام من معانيه الرمزية و العائلية فإن الإنسان يخضع لاضطرابات غذائية مثل البوليميا، يزيد خطورتها الشعور بالوحدة وغياب المرجع في العائلة. فالوجبة العائلية بمعنى التكوين النفسي تطمئن المراهق والطفل، إذ أن لقاء الوالدين، خصوصًا العاملين، أبناءهما حول طاولة الطعام يترك انطباعًا جيدًا عندهم بأن والديهم حاضران وأنهما مرجع لهم وإن كانا لا يمضيان الكثير من الوقت معهم.

عامل اجتماعي
من الضروري أن يشارك الطفل في تحضير وجبة الطعام، مما  يعزز الشعور بوحدة العائلة وتماسكها. فالجلوس إلى المائدة العائلية يرمز إلى اكثر من ملء المعدة، وهو يتيح المجال للحوار وملء الفراغ العاطفي، فكثيرًا ما يبعث الأبناء أثناء الجلوس إلى مائدة الطعام مع ذويهم برسائل مبطنة وإن كانت تظهر على شكل مزاح أو طرفة، وبذلك يكون له دور ممتاز في تربية الأبناء. كما أن الجلوس مع الوالدين إلى مائدة الطعام  يعلم الأبناء آداب السلوك، مثلاً الإنصات إلى الآخر أثناء تحدّثه وتناول الطعام بشكل لبق...  . وهذا التقليد العائلي له أثر إيجابي في تطور اللغة عند الطفل، فخلال الجلوس، يتواصل ويعبّر ويروي أمورًا حدثت معه. وهو بالنسبة إلى 80 في المئة من الأمهات العاملات مكان لقاء عائلي، يشارك فيه الأبناء  ويستمعون إلى حياة الراشدين ومشكلاتهم، وبذلك تصبح الروابط العائلية واضحة ومتينة.

- هل يجوز إجبار الطفل على الجلوس إلى المائدة؟
نعم ولا في الوقت نفسه. فهذا أمر معقد بعض الشيء. فالطفل مثل المراهق في حاجة إلى التكرار. فإذا دعته أمه إلى تناول الطعام يستجيب ولكن أحيانًا عليها أن تناديه مرات عدّة حتى يستجيب، فهو يُظهر أنه ملّ الجلوس، ويتذمر، ولكنه يجلس إلى المائدة ليعلن هويته واختلافه، لأنه في حاجة إلى إظهار اعتراضه. وما على الأم إلا تحمّل تذمّره. 

- ولكن كيف يمكن الجلوس إلى مائدة الطعام وجعل الكل ممتنًا وسعيدًا؟
لكي يتحوّل الجلوس إلى المائدة فترة راحة واسترخاء ولحظات عائلية مميزة، يمكن تحضير الأطباق التي يحبّها الأبناء، لذا من الضروري أن تسأل الأم أبناءها عما يريدونه للعشاء ولغداء اليوم التالي، فهذا سلوك رمزي يشعرهم بأن أمهم تهتم لأمرهم مما يجعل الجلوس إلى مائدة الطعام متعة لكل أفراد العائلة.
أما لكي يستفيد الطفل الصغير من هذه اللحظات العائلية، فمن الضروري أن تهتم الأم بأن يجلس بشكل مريح وبارتفاع يناسب حجمه. وفي السوق كراس مخصصة للأطفال يمكن تعديلها بحسب حجم الطفل وتلبي كل متطلبات الأمان مما يجعله سعيدًا أثناء الجلوس عليها ومشاركته أهله وأخوته الطعام.

- ماذا عن الطفل الذي يرفض الطعام؟
يبدي بعض الأطفال عدم صبر أثناء تناول وجبة الطعام، فيما يتسمّر بعضهم  أمام طبقه ويرفض ابتلاع أكثر من لقمتين. وفي كل الأحوال على الأم التحلّي بالصبر. وهذه بعض الإرشادات التي يمكن الأم اتباعها لتجعل طفلها يتناول عشاءه:

  • زيارة طبيب الأطفال والتأكد من أن نمو طفلها سليم. فقد يكون نموه سليمًا رغم تناوله القليل من الطعام. أما إذ كان يعاني مشكلة ما فعلى الأم استشارة إختصاصي تغذية ليرشدها إلى طريقة الحصول على الغذاء السليم.
  • السماح للطفل بالمشاركة في إعداد وجبة العشاء, واختيار الأطباق المفضلة لديه, فهذا يضطره لتذوقها لأنها من اختياره.
  • السماح له بترتيب المائدة وتنسيقها.
  • جعل وقت تناول العشاء ممتعاًَ, فمن المهم جداً إجراء الحوارات الطريفة حول المائدة والتي تجعل الأولاد يناقشون أموراً عدة, كالسماح لهم بإبداء رأيهم في وجبة العشاء وماذا يفضلون في المرة التالية مثلاً.

- ماذا عن تناول العشاء في المطعم مع الأبناء؟ أليس جزءًا من التربية؟
اصطحاب الطفل إلى المطعم ليتعرف إلى مختلف أنواع المطابخ العالمية ويتعلم "إتيكيت" الأكل فكرة رائعة  لتطوير سلوكه الاجتماعي. ولكن على الوالدين أن يكونا متأكدين من أنهما  لن يضعا أبناءهما، خصوصًا إذا كانوا صغارًا، في موقف يفوق قدرتهم. فهما يصحبانهم من أجل المرح وتمضية لحظات جميلة معهم خارج المنزل. لذا على الوالدين اختيار المطعم الذي يناسبهم وفي الوقت المناسب. وهذه بعض الإرشادات:
إختيار مطعم يمنح الأبناء شعوراً بالابتهاج. التأكد مثلاً هل علو الكراسي يناسب طولهم؟ هل يتعامل الندّل مع الأطفال بطريقة ودودة؟  كما أن اختيار المطعم الذي يعج بالناس هو اختيار جيد لأن صوت الأبناء لن يشوش على الآخرين. ويجب الانتباه إلى عدم اختيار  مطعم معظم زبائنه من رجال الأعمال أو أشخاص يريدون الهدوء.
الذهاب باكراً إلى المطعم قبل أن يعج بالزبائن، فهكذا ستجد العائلة فوراً طاولة تجلس إليها وتكون الخدمة أسرع. وإذا لم تكن الخدمة سريعة يمكن طلب بعض المقبلات، فهذه كفيلة أن تشغل الأطفال وتجعلهم أكثر صبراً في انتظار الوجبة الرئيسية.
عدم اصطحاب الأبناء  إلى المطعم وهم يتضورون جوعاً. قد يبدو هذا غريباً لكن اصطحاب الطفل وهو جائع يحرمه متعة هذه التجربة. لذا بإمكان الأم السماح له بتناول وجبة خفيفة قبل اصطحابه إلى المطعم فهذا لن يفقده شهيته إلا أنه يخفف جوعه. وفي كل الأحوال، نادراً ما ينهي الطفل الوجبة الرئيسية كاملة واصطحابه جائعاً لن يحثه على تناول الطبق كاملاً.
عدم السماح للطفل بالالتفاف حول الطاولات، فهذا قد يسبب له حادثاً مؤسفاً، كأن يتعثر النادل به وهو يحمل طبقاً ساخناً مثلاً. ومن المفضّل الجلوس إلى طاولة بين مقعدين طويلين مرتفعي الظهر ، والتأكد  أنها مريحة بالنسبة إلى الأبناء مهما كانت سنهم وحجمهم. كما يجدر بالأهل ألا يصحبوا أبناءهم إلى المطعم  قبل موعد نومهم.
أخذ  بعض الألعاب المفضلة لدى الأبناء إذا كانوا صغارًا كدفتر الرسم وأقلام التلوين، فهذا الأمر يمنعهم من اللعب بالطعام، ويجعل اصطحابهم إلى المطعم مناسبة جميلة ينتظرونها.
طلب الحساب والانصراف  فور ملاحظة الأهل أن أبناءهم بدأوا يتصرّفون في شكل غير لائق.

 - هل صحيح أن الأهل يؤثرون في عادات أبنائهم الغذائية؟
تؤثر عادات الأهل الغذائية في الطفل. فالأم تقدّم أو تحضّر لطفلها الوجبات الغذائية التي تحبها فقط، وإذا امتنع الطفل عنها لا يكون لديه خيار آخر مما يضعف إمكانية تطوير ذوقه الغذائي. وقد أثبتت الدراسات المتعلقة بهذا الموضوع أنه كلما وفرنا للطفل غذاء متنوعاً نسمح له بتطوير ذوقه الغذائي.
من هنا تكمن أهمية اجتماع كل أفراد العائلة حول مائدة الطعام، حيث يلاحظ الطفل استمتاع أهله بالأطباق المحضّرة التي لا يحبها، ولكن ينتهي الأمر إلى أنه يندمج مع فكرة الاستمتاع بالطبق الموجود أمامه، فالطفل يميل إلى إعادة إنتاج ما يراه على طريقته الخاصة. كما أن أصدقاءه في مطعم المدرسة يكونون النموذج الآخر الذي يقلّده.

- عمري ثلاث عشرة سنة وعندي مشكلة هي عدم رغبتي في تناول وجبة الفطور، فأنا لا أشعر بالجوع عند الصباح. وقد لاحظت أخيراً أني صرت أعاني ألمًا في الرأس كما أن علاماتي في المدرسة بدأت تتراجع. هل تظنين أن سبب ذلك عدم تناولي وجبة الفطور. وما الحل؟
عدم تناول الفطور ربما هو جزء من المشكلة إذ تساهم وجبة الفطور مساهمة رئيسية في النجاح المدرسي. ذلك أن عمل الدماغ في شكل سليم يحتاج إلى كمية كبيرة من السكر في الدم لتزويده الطاقة. وعند عدم تناول الفطور تكون نسبة السكر في الجسم ضئيلة ولا يستطيع الدماغ أن يعمل في شكل سليم.
وقد أثبتت الدراسات التي أجريت على عدد من التلامذة أن الأولاد الذين يتناول وجبة الفطور يكون أداؤهم المدرسي أفضل بكثير من أولئك الذين لا يتناولونها، إذ تميزت الفئة الأولى بالتفوق المدرسي إضافة إلى أنهم يتمتعون بذاكرة جيدة. كما برهنت هذه الدراسات أن هؤلاء التلامذة لا يعانون أي توتر أو قلق أو حركة مفرطة. ونتج عن هذه الدراسة توصية بضرورة فرض تناول وجبة الفطور، في حين يعاني الأولاد الذين لا يتناولونها آلاماً في الرأس وشعوراً دائماً بالتعب. كما أن نقص السوائل في الجسم يسبب ذلك.
وتأكد أن وجبة الفطور لا تساعدك فقط في تحسين أدائك المدرسي بل تجعل نظام غذائك جيداً إذ لا يكفي تناول وجبتين خصوصاً أنك في مرحلة المراهقة وتحتاج إلى اتباع نظام غذاء صحي يرافق نموك الجسدي والنفسي. وعليك تفادي تناول الوجبات الخفيفة لأنها لا تحتوي على الكالسيوم الضروري لتقوية عظامك، ولا على الفيتامينات والمعادن التي تحتاجها في هذه المرحلة. ولكي تعتاد على تناول الفطور ابدأ بتناول كوب من عصير الليمون المليء بالكالسيوم الذي يفتح شهيتك على الطعام، وشيئاً فشيئاً ستجد أنك في حاجة إلى تناول الفطور.

- ابنتي ( 8 سنوات) تشعر دائماً بالجوع. ماذا يمكنني أن أفعل لها؟
إبدأي بمعرفة مستوى النشاطات التي تقوم بها. فالجلوس الطويل أمام التلفزيون واحد من الأسباب التي تؤدي إلى السمنة عند الأطفال لأنهم لا يقومون بأي حركة. لذا عليك الحد من مشاهدة التلفزيون والجلوس إلى الكمبيوتر أو ألعاب الفيديو. وشجعيها على ممارسة نشاطات بدنية  في أوقات فراغها.
ومن ثم أعيدي النظر في نوع الطعام الذي تتناوله. هل الفاكهة والخضار موجودة لتتناولها كوجبة خفيفة؟ هل طعام الحبوب مشبع بكل أنواعها؟ هل الألبان قليلة الدسم أو خالية منه؟ هل تتبعين في المنزل نظاماً غذائياً يتضمن وجبات رئيسية ووجبات خفيفة؟ هل الحلوى والوجبات الخفيفة المشبعة بالأملاح هي جزء من النظام الغذائي؟ وإذا كان جوابك لا على كل هذه الأسئلة عليك أن تجري بعض التغييرات في النظام الغذائي في المنزل.
فإذا كانت ابنتك تأكل أي ساعة تشاء وما تشاء عليك أن تحدي من هذا الأمر وتجعليها تتقيد بمواعيد وجبات الطعام، على أن لا تتناول وجبة خفيفة في الفترة التي تفصل بين الوجبات الرئيسة. فقد أثبتت الدراسات الطبية أن الأطفال الذين لا يتناولون الوجبات الخفيفة  أنحف من الأولاد الذين يتناولونها. وأخيراً بما أنك لم تشيري إلى نوع الطعام التي تتناوله ابنتك  فمن الصعب إعطاؤك اقتراحاً محدداً. وعلى كل فإن شعورها الدائم  بالجوع قد يكون سببه أنها لا تتناول الكمية المناسبة من الدهنيات، فالقليل منها في الطعام ضروري لنمو الطفل، لأن الدهنيات تحتاج إلى وقت أطول من البروتين والكربوهيدرات لهضمها، مما يزود طفلتك الطاقة مدة أطول وتصير شهيتها بين الوجبتين أقل.
وتذكري سيدتي أن النظام الغذائي السليم للعائلة يجب أن يتبع تعليمات الهرم الغذائي. ويمكنك أن تشجعي ابنتك على اتباعه أيضاً من خلال إعطائها نسخة منه مما يجعلها تراقب طريقتها في الأكل ويحفزها على اتباعه.

المجلة الالكترونية

العدد 1079  |  تشرين الثاني 2024

المجلة الالكترونية العدد 1079