تحميل المجلة الاكترونية عدد 1080

بحث

كالين عازار: البيئة الاجتماعية هي التي تعزز إما انفتاح الطفل أو انزواءه

كثيرًا ما نسمع أمًا تقول لطفلها الذي يرفض أن يسمح لطفل آخر باللعب معه « كن لطيفًا واسمح له باللعب بسيارتك». أن تتفهّم الآخر يعني القدرة على الشعور بما يمرّ به، كالحزن لحزنه والفرح لفرحه أي أن يضع الإنسان نفسه في كثير من المواقف التي تواجهه مكان الآخر.
وهذا السلوك ليس فطريًا، بل مكتسب ويتطلب من الأهل أن يعلّموا أطفالهم كيف يمكن تغيير وجهة نظرهم إلى الآخر، وقبوله ومساعدته أحيانًا وقبول المساعدة منه أحيانًا أخرى.

ويبقى السؤال في أي سن يمكن تعليم الطفل ملكة الانفتاح على الآخرين؟ وما الوسائل التربوية المثلى لتعزيز هذا السلوك عند الطفل؟
«لها» التقت الاختصاصية في علم نفس الطفل كالين عازار وطرحت عليها هذه الأسئلة وغيرها...

- هل الانفتاح على الآخر في طباع الإنسان أم مهارة يتعلّمها؟
الانفتاح ملكة يكتسبها الطفل، فإذا نظرنا إلى طفلين في السن نفسها أحدهما منفتح على الآخرين والثاني منزوٍ، نجد أن البيئة الاجتماعية التي ينشأ فيها الطفل هي التي تعزز عنده إما الانفتاح أو الانكفاء. وللمثيرات التي يوفّرها الأهل لطفلهم دور كبير لأنه يتعلم منها الكثير وهذه مسألة نسبية. فالأهل الذين يبالغون في توفير كل ما يثير فضول طفلهم ويشبعه ليس جيدًا، وكذلك الأهل الذين لا يعيرون لهذه الأمور أهمية فإنهم يحرمون طفلهم من اكتساب قدرات ضرورية لنموه الذكائي. مهما يكن الوضع المادي للأهل ففي إمكانهم توفير مثيرات للطفل تنمي عنده القدرات الذكائية وتساعده في الانفتاح على الآخرين.

- في أي سن على الأهل تعزيز ملكة الانفتاح عند الطفل؟
منذ الولادة يكون لدى الرضيع فضول للتعرف إلى الآخر ويجذبه كل ما يحيطه. صحيح أنه في شهوره الأولى لا يتكلّم، ولكنه يراقب كل ما يدور حوله ويشعر به، فهو يسمع الكثير من الأمور، وفي أحيان كثيرة يفهم مواضيع محددة. لذا ننصح الأم دائمًا بأن تتحدّث إلى طفلها عما تقوم به. مثلاً أثناء تحضيره للحمام يمكنها أن تخبره عن خطوات الحمام.« سوف أحممك، الآن سنضع الشامبو». المهم أن يعرف الطفل الخطوات التي تقوم بها.
وعندما تكون الأم متوترة، يشعر الطفل بما تمر به، لذا فمن المهم أن تخبره بذلك بالكلمات. والأهل قد يقولون ما الفائدة من ذلك؟ هل سيفهم ما نقوله ؟ ولكن الطفل فعلاً يفهم. فحتى سن الخامسة أو السابعة يكون مثل الإسفنج يمتص كل ما يتلقاه من معلومات خصوصًا في علاقته مع أهله. وكل ما تتعرض له الأم يؤثر بطريقة غير مباشرة في الطفل. لذا كلما استطاعت الأم التعبير عن مشاعرها بكلمات واضحة، يستوعب الطفل أكثر ويستفيد على المدى الطويل، أي يصبح قادرًا على فهم ما يدور حوله، وكذلك تفهم مشاعر الآخرين. وهنا أشير إلى أهمية دور الأب أيضًا في تكوين شخصية الطفل المنفتحة، فمن الضروري أن يكون الوالد حاضرًا في حياة الطفل، وقد لا يكون ذلك في مقدوره لذا نشدّد على نوعية الحضور. فمن الضروري أن تكون فترة وجوده مع طفله بعيدة عن الضغوط اليومية، كي يشعر هذا الطفل بهذه العلاقة وبوجود والده الذي يمكن أن يوفر له ألعابًا تثير فضوله لا أن يجلس معه أمام التلفزيون من دون أن يكون هناك تواصل بينهما.

- هل يكفي أن يوفّر الأهل الأدوات أو الألعاب التي تثير الفضول وتشبعه حتى يصير الطفل منفتحًا على الآخرين؟
بالطبع لا، إذا أراد الأهل أن يعززوا سلوك الطفل في أن يهتم بالآخرين ويكترث لمشاعرهم عليهم أن يظهروا له اهتمامهم به أوّلاً، إذ كثيرًا ما نسمع أمًا يجلس طفلها إلى التلفزيون من دون أن يقوم بأي حركة، تقول« ابني هادئ» في الوقت الذي ينبغي أن تقلق من هذا الهدوء. فالطفل لا يتعلّم ملكة التواصل مع الآخرين وهو جالس مثلاً أمام شاشة التلفزيون، أو يجلس وحيدًا في غرفته يلعب بألعابه، بل من الضروري أن يكون هناك تواصل وإن لم يكن كلاميًا مع والدته، فيمكن أن يكون حركيًا، فالطفل يراقب والدته التي تهتم به ويصبح في مقدوره أن يشعر بما تمرّ به ويتوقع ردود فعلها. وبدءًا من الثانية من المهم أن توفر الأم لطفلها ألعابًا مناسبة لسنه ومن غير المفيد أن تربي الأم طفلاً عبقريًا بأن تعلّمه الأرقام والأحرف أو اللعب بألعاب الكمبيوتر، فالطفل يتعلّم أكثر مفهوم «وضع أنفسنا مكان الآخر» عن طريق لعب دور المعلّمة أو الأستاذ أو الطبيب، ويخترع الأدوار. فمن الضروري احترام نمط الطفل وحسب السن التي هو فيها وتوفير مثيرات أو ألعاب تناسب سنه.

- ماذا عن الحضانة؟ ألا تساعد في تنمية شعور التعاطف مع الآخرين والاكتراث لهم؟
كاختصاصية أنصح بعدم إرسال الطفل إلى الحضانة إذا كان دون السنتين، ولكن هذا لا يعني أن تبقى الأم معه من دون أن يكون هناك تواصل بينهما، كأن تكتفي بأنها تؤمن له احتياجاته البيولوجية والصحية وتتركه وحيدًا في غرفته من دون أن يتحدّث إليه أحد، عندها من الأفضل أن يكون موجودًا مع أطفال في سنه في الحضانة وضمن فريق عمل تربوي يلبي احتياجاته الفكرية وينميها من خلال النشاطات التي تناسب سنه.

- ولكن تفضل بعض الأمهات أن يذهب طفلهن إلى الحضانة ليكون مع أترابه ويتعلّم المشاركة وطريق تكوين صداقات في سن صغيرة؟
هذه وجهة نظر صحيحة ، فهو سيتعلم الاستماع إلى الآخرين وانتظار دوره والعمل أو اللعب ضمن الفريق، واحترام نمط الآخرين، وتعلّم الاستقلالية. لذا كما ذكرت سابقًا إذا كان خيار الأم أن تبقي طفلها في المنزل عليها أن توفر له كل النشاطات التي تعزز لديه الانفتاح لا أن تتركه في غرفته وحيدًا، لأنه من الطبيعي أن يؤدي هذا إلى شعور الطفل بالعزلة وبالتالي عدم تقبل الآخر وإن كان في سنه نفسها.

- ألن يشعر الطفل بالانزواء عندما ينتقل من الحضانة التي كوّن فيها أصدقاء إلى مدرسة ربما لا يعرف أحدًا فيها؟
في البداية قد يبكي وبعد ذلك يعتاد على الفكرة ولن يبقى متكلاً عاطفيًا على أهله لأنه يكون قد تعوّد على مفهوم التغيير مما يجعل تآلفه مع الأقران الجدد سهلاً . وأشير هنا إلى أنه إذا كان لديه أصدقاء في الحضانة قد يتعلق بأحدهم، ولكن يكون الانفصال عنه أسهل مما يكون في المدرسة، التي متى أصبح لديه فيها أصدقاء يجد صعوبة في الانفصال عنهم. لذا أنصح الأهل بعدم تغيير المدرسة.

- هل للثقة بالنفس دور في قدرة الطفل على التواصل مع الآخرين؟
أكيد وللوالدين دور أساسي، فالطفل الواثق بنفسه لا يخشى التواصل مع الآخرين على عكس الطفل المتردد أو الخجول. وهنا أشير إلى رد فعل الأهل المازح من عدم قدرة الطفل في بداية قيامه أموره بنفسه على إنجاز عمل ما بالشكل المطلوب، فهذا يجرح مشاعره ويفقده الثقة بنفسه، فمثلاً عندما يريد أن يرسم ويمسك القلم بطريقة خاطئة، فبدل أن تقول له والدته مثلاً «ليس هكذا نمسك القلم» وبالتالي تفقده ثقته بنفسه، عليها أن تشجعه وتقول له:« برافو بدأت تمسك القلم» فبهذه العبارة تساعده في تعزيز ثقته بنفسه، وهذا الشعور بالأمان يتعلّمه منذ شهوره الأولى، ويشعره بالراحة أثناء وجوده مع الآخرين. فيما السخرية منه أو إنجاز الأمور عنه يشعره بالقلق ويفضل أن يكون مجرّد مراقب لما يحدث حوله على أن يكون مشاركًا.

- ماذا يمكن أن يحدث إذا كان الطفل يعيش في بيئة يشعر فيها بأنه مركز العالم؟
قد يكون يؤدي إلى تخطّي مراحل عمر الطفل، فمثلاً قد يرفض اللعب مع أطفال في سنه لأنه يمل منهم فهو اعتاد على وجود الراشدين حوله أو حتى أطفال أكبر منه سنًا. واللافت اليوم أن الأهل يعلمون الطفل منذ الصغر استعمال الهاتف والكمبيوتر وغيرهما من الوسائل التي تثير فضوله، لا مانع في ذلك ولكن شرط ألا يسمحوا له بتخطي سنه، كأن يصبح في مقدوره استعمال بريد والده الإلكتروني، فعندما نبالغ في تعزيز فضول الطفل بتوفير أمور تتخطى سنه قد يملّ ممن هم في سنه لا سيّما أقرانه في الصف لأنه يحتاج إلى معرفة المزيد. لذا من الضروري أن يوجد في محيط يكون فيه أطفال من سنه، وهذا لا يمنع جلوسه مع الراشدين، ولكن ليس طوال الوقت ولفترة طويلة.
أن توفر الأم لطفلها ألعابًا مناسبة لسنه ومن غير المفيد أن تربي الأم طفلاً عبقريًا بأن تعلّمه الأرقام والأحرف أو اللعب بألعاب الكمبيوتر، فالطفل يتعلّم أكثر مفهوم «وضع أنفسنا مكان الآخر» عن طريق لعب دور المعلّمة أو الأستاذ أو الطبيب، ويخترع الأدوار. فمن الضروري احترام نمط الطفل وحسب السن التي هو فيها وتوفير مثيرات أو ألعاب تناسب سنه.

- ماذا عن الحضانة؟ ألا تساعد في تنمية شعور التعاطف مع الآخرين والاكتراث لهم؟
كاختصاصية أنصح بعدم إرسال الطفل إلى الحضانة إذا كان دون السنتين، ولكن هذا لا يعني أن تبقى الأم معه من دون أن يكون هناك تواصل بينهما، كأن تكتفي بأنها تؤمن له احتياجاته البيولوجية والصحية وتتركه وحيدًا في غرفته من دون أن يتحدّث إليه أحد، عندها من الأفضل أن يكون موجودًا مع أطفال في سنه في الحضانة وضمن فريق عمل تربوي يلبي احتياجاته الفكرية وينميها من خلال النشاطات التي تناسب سنه.

- ولكن تفضل بعض الأمهات أن يذهب طفلهن إلى الحضانة ليكون مع أترابه ويتعلّم المشاركة وطريق تكوين صداقات في سن صغيرة؟
هذه وجهة نظر صحيحة ، فهو سيتعلم الاستماع إلى الآخرين وانتظار دوره والعمل أو اللعب ضمن الفريق، واحترام نمط الآخرين، وتعلّم الاستقلالية. لذا كما ذكرت سابقًا إذا كان خيار الأم أن تبقي طفلها في المنزل عليها أن توفر له كل النشاطات التي تعزز لديه الانفتاح لا أن تتركه في غرفته وحيدًا، لأنه من الطبيعي أن يؤدي هذا إلى شعور الطفل بالعزلة وبالتالي عدم تقبل الآخر وإن كان في سنه نفسها.

- ألن يشعر الطفل بالانزواء عندما ينتقل من الحضانة التي كوّن فيها أصدقاء إلى مدرسة ربما لا يعرف أحدًا فيها؟
في البداية قد يبكي وبعد ذلك يعتاد على الفكرة ولن يبقى متكلاً عاطفيًا على أهله لأنه يكون قد تعوّد على مفهوم التغيير مما يجعل تآلفه مع الأقران الجدد سهلاً . وأشير هنا إلى أنه إذا كان لديه أصدقاء في الحضانة قد يتعلق بأحدهم، ولكن يكون الانفصال عنه أسهل مما يكون في المدرسة، التي متى أصبح لديه فيها أصدقاء يجد صعوبة في الانفصال عنهم. لذا أنصح الأهل بعدم تغيير المدرسة.

- هل للثقة بالنفس دور في قدرة الطفل على التواصل مع الآخرين؟
أكيد وللوالدين دور أساسي، فالطفل الواثق بنفسه لا يخشى التواصل مع الآخرين على عكس الطفل المتردد أو الخجول. وهنا أشير إلى رد فعل الأهل المازح من عدم قدرة الطفل في بداية قيامه أموره بنفسه على إنجاز عمل ما بالشكل المطلوب، فهذا يجرح مشاعره ويفقده الثقة بنفسه، فمثلاً عندما يريد أن يرسم ويمسك القلم بطريقة خاطئة، فبدل أن تقول له والدته مثلاً «ليس هكذا نمسك القلم» وبالتالي تفقده ثقته بنفسه، عليها أن تشجعه وتقول له:« برافو بدأت تمسك القلم» فبهذه العبارة تساعده في تعزيز ثقته بنفسه، وهذا الشعور بالأمان يتعلّمه منذ شهوره الأولى، ويشعره بالراحة أثناء وجوده مع الآخرين. فيما السخرية منه أو إنجاز الأمور عنه يشعره بالقلق ويفضل أن يكون مجرّد مراقب لما يحدث حوله على أن يكون مشاركًا.

-
ماذا يمكن أن يحدث إذا كان الطفل يعيش في بيئة يشعر فيها بأنه مركز العالم؟
قد يكون يؤدي إلى تخطّي مراحل عمر الطفل، فمثلاً قد يرفض اللعب مع أطفال في سنه لأنه يمل منهم فهو اعتاد على وجود الراشدين حوله أو حتى أطفال أكبر منه سنًا. واللافت اليوم أن الأهل يعلمون الطفل منذ الصغر استعمال الهاتف والكمبيوتر وغيرهما من الوسائل التي تثير فضوله، لا مانع في ذلك ولكن شرط ألا يسمحوا له بتخطي سنه، كأن يصبح في مقدوره استعمال بريد والده الإلكتروني، فعندما نبالغ في تعزيز فضول الطفل بتوفير أمور تتخطى سنه قد يملّ ممن هم في سنه لا سيّما أقرانه في الصف لأنه يحتاج إلى معرفة المزيد. لذا من الضروري أن يوجد في محيط يكون فيه أطفال من سنه، وهذا لا يمنع جلوسه مع الراشدين، ولكن ليس طوال الوقت ولفترة طويلة.

المجلة الالكترونية

العدد 1080  |  كانون الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1080