عندما يغار الأخ الصغير من الأخ الكبير !
الغيرة بين الأخوة رد فعل عفوي ومن الطبيعي أن يشعر بها الطفل عند قدوم مولود إلى العائلة، لأنه يخاف على موقعه، خصوصاً إذا كان الابن البكر. فهو الطفل الذي منح الزوجين مشاعر الأبوة والأمومة للمرة الأولى، وهو الذي كان مركز اهتمامهما وكأنه ملك لا يشاركه أحد في عرش الحب والعاطفة اللذين حازهما مدة طويلة من دون منافس، وفجأة جاء من يزاحمه. ومهما كانت شخصية الطفل قوية ومهما حضّره والداه لقدوم أخ له سيبقى لديه رغبة في المحافظة على موقعه في العائلة لأنه الأقدم. ولكن يحدث أحيانًا أن يغار الأخ الأصغر من شقيقه الأكبر. فما هي أسباب هذه الغيرة؟
«لها» التقت الاختصاصية في علم نفس الطفل دانيال بيشون التي أجابت عن هذا السؤال وغيره.
- كيف يحدث أن يغار الأخ الصغير من أخيه الكبير؟
في البداية الغيرة لا سن محددة لظهورها. عندما يغار الصغير من الكبير هناك عوامل عدة لهذه الغيرة. وليست كلها سببها الغيرة. بل يمكن أن تكون نوعاً من التماهي بالشقيق الأكبر، أي من الممكن أن ينظر الصغير إلى شقيقه الأكبر نموذجًا يرغب في تقليده في كل شيء. وهنا على الأهل أن يحددوا الاختلاف بينهما، هو يفعل كذا وكذا، أنت ماذا تريد؟ وقد تنشأ لدى الأخ الأصغر غيرة، لأنه غالبًا يحوز عناية مفرطة من والدته، بينما يجد أخاه الكبير يفعل ما يريد فيحاول التخلص من اهتمام أمه المفرط. لذا نجد الكثير من الأخوة الصغار يغارون من أخوتهم الكبار.
وتذكر بيشون موقفًا حصل أثناء وجودها في الطائرة وتقول:« كنت في الطائرة وكانت تجلس بقربي أم مع طفليها فتاة في حوالى الخامسة وصبي في الثالثة. كانت الفتاة لطيفة، والصبي الصغير كان مزعجًا إلى درجة لا تحتمل. كان يريد كل شيء لنفسه، ولم يتوقف لحظة عن إزعاج أخته إما بشد شعرها أو بركلها. وبدا لي كمعالجة نفسية أنه يغار من أخته ، وهي لم يكن لديها أي رد فعل، إذ لم تكن تدافع عن نفسها، بل على العكس كانت تبكي لتحصل على الحماية الكاملة من والدتها، بينما الطفل الصغير لم يكن يخضع لأي قانون. فخلال ثلاث ساعات لم أسمع الأم تقول له كفى. وبدا لي أنها قبلت توصيفه بالصبي السيئ الذي لا يمكن فعل شيء معه، أما البنت فهي الأخت اللطيفة التي يجب حمايتها من شقيقها السيئ. ومن الطبيعي أن يكون هذا الطفل الصغير غيورًا، فهو لا يحوز حماية والدته ورعايتها، بل اكتفت بنعته بالصبي السيئ ولم تعطِه فرصة ليعامل على أساس طفل لطيف. فطوال الوقت كنت تردد الأم على مسمع ابنتها عبارة «أنت عاقلة» وشقيقها الصغير يزداد غضبًا فيعبّر عنه بإزعاج شقيقته طوال الرحلة».
- ماذا كان على الأم فعله في هذا الموقف؟
في البداية كان على الأم أن تتدخل وتوقف هذا التصرف العنيف، ولا تكتفي بحماية البنت لأنها لطيفة، والتصرف على أساس أنه لا يمكن القيام بأي شيء مع الأخ المضطرب لأنه صعب جدًا. ففي بعض العائلات يكون الابن الأكبر محط إعجاب الوالدين وتقديرهما ويفضلانه على أخوته. وهذه الحال ربما أدت إلى شعور الأخ الأصغر بالغيرة والتوتر اللذين قد يعبر عنهما بسلوك عدائي تجاه شقيقه كتمزيق كتبه أو إزعاجه أثناء قيامه بواجباته المدرسية محاولاً بذلك جذب انتباه أهله. وردود الأهل السلبية مثل معاقبته أو نهره أو إجباره على عدم إزعاج أخيه أو تجاهله والاكتفاء بإعطائه صفة تلازمه ، قد تزيد سلوكه العدائي. لذا عليهم أن يحاوروا الابن الغيور بهدوء ويشرحوا له أن هذا السلوك يؤذي أخاه الذي يحبه، بدل أن يقولوا إنه ليس في مقدورهم القيام بشيء. كما لا يجوز القول أبدًا فعلنا كل ما في وسعنا، لأنه من الواضح في هذه الحالة أنهم لم يفعلوا كل شيء.
- ولكن أحيانًا نجد أن الأهل قد استعملوا كل الوسائل للحد من الغيرة، وفشلوا. فما السبب؟
عندما أسمع وأرى كيف يربي الأهل أبناءهم، أجد أن هناك مفهومًا غائبًا عن بال الأهل. فهم للأسف لا يربون أبناءهم على مفهوم المشاركة، بل يربونهم، في بعض الحالات، كما لو أنهم أطفال وحيدون ويتجنبون القيام بأي شيء جميل مع الابن الأصغر كي لا يغضب الكبير. وهذا يعزز الغيرة لأنه لو أدرك الأبناء معنى المشاركة في الحياة الأخوية، سوف يستوعبون لاحقًا أنه واقع وعليهم المشاركة فيه. أما سلوك الأهل فيجب أن يكون تجاه الأبناء سلوكًا يعزز معنى الاختلاف وليس على أساس أن كلهم لديهم الطباع نفسها والشخصية نفسها. فقد اعتاد الأهل القول: «أتصرف مع جميع أبنائي بالأسلوب نفسه ومع ذلك توجد غيرة».
الغيرة أمر طبيعي ولكن على الأهل معرفة تصويبها ووضعها في إطارها الصحيح، خصوصاً أن الطفل ذكي وقادر على فهم الأمور واستيعابها. ولأن لكل طفل شخصيته وميزته في التطور والنمو, على الأهل احترام خصوصية كل ولد من الأولاد وتجنب المقارنة بينهم فيزيدون بذلك الحب والتعاون والاحترام المتبادل بينهم.
لذا على الأم مثلا عندما تحضن أحد أبنائها، أن تقول للثاني: «أنت أيضًا تريد قبلة!»، ويجب منح الطفل الوقت ليجيب: «نعم»، عندها ترد «مثل أخيك أو تريد شيئًا آخر، في إمكاني إعطاؤك قبلة مثل أخيك ودغدغة كما تحب أنت»، بحيث يفهم الطفل أنه مختلف عن أخيه في الطباع والرغبات والأمنيات. فعلى الأهل التصرّف مع كل ابن بحسب طباعه وشخصيته، مع التأكيد أن الحب والعاطفة تجاه الأبناء لا لبس فيهما، فهما واحد بالنسبة إلى كل الأبناء.
- أحيانًا نجد أن أقارب الطفل مثل الجد أو الجدة أو العمة أو الخالة يعززون هذه الغيرة. فماذا على الأم أن تفعل في هذه الحالة؟
صحيح أحيانًا يفضل الجد أو الجدة الأخ الأكبر، ويعبّران عن هذه المفاضلة بطريقة عفوية أمام الأخ الأصغر، مما يزيده نقمة على أخيه ويعزز غيرته منه. فإذا كانت الأم تواجه هذه المشكلة يمكنها أن تناقش طفلها الغيور وتحدثه عن اختلافه عن أخيه في الشخصية والطباع التي ربما لا تنسجم مع شخصية جدته، ولكن هذا لا يعني أنها لا تحبه.
وتقول له مثلاً: «جدتك تفضل شقيقك، في حين لا أفهم الفرق بينكما. هل تشعر بأن جدتك تفضل عمر؟»، يجيب «لأنها لا تحبني».
عندها على الأم أن تقول لا ليس لأنها لا تحبك بل ربما لأنها تجد سهولة في التواصل معه أكثر منك، وهذه طبيعي فلكل واحد منكما شخصية مختلفة. ففي الصف لديك أصدقاء بعضهم تتعامل معهم وتلعب معهم وبعضهم لا، ليس لأنك تكرههم بل لأنك لا تجد شيئًا مشتركًا بينكم، والأمر نفسه يحدث مع جدتك. إذ كيف تفسّر قلقها وخوفها عليك عندما تمرض؟ وقد يجيب «لأنها تحبني». وفي المقابل على الأم التحدث إلى الجدة أو الجد وتطلب منها أو منه عدم المقارنة أو إظهار المفاضلة على مرأى الأخوة ومسامعهم.
- يرى البعض أن الغيرة بين الأخوة قد تتحول إلى أمر إيجابي إذا عززت روح التنافس بينهم. فهل توافقين هذا الرأي؟
ليست هناك غيرة إيجابية وأخرى سلبية. وماذا نعني بالتنافس؟ هل هو التنافس على حب الوالدين الذي يؤدي بدوره إلى التصرّف بحسب رغبة الوالدين وما يتوقعان من أبنائهما! فالرغبة في أن يكون الابن الأفضل مسألة شخصية ولكن ليس ضروريًا أن يكون أفضل من أخيه، بل المهم أن يكون مختلفًا عنه . فالشعور بأنه الأفضل لا يكون على المستوى الأكاديمي، وإنما على المستوى النفسي أي أن يكون مرتاحًا نفسيًا. أما المنافسة المدرسية فتضع الطفل أمام صعاب، فهي تعني أنه إذا لم يكن الأفضل وإذا لم يكن لطيفًا وعاقلاً فلن يسعد أهله، لذا عليه أن يكون الأفضل ليستحوذ على حبّهما وعاطفتهما. المهم تعزيز مهارات الطفل وتطوير قدراته بتشجيعه على التقدّم والنجاح، لا الطلب منه أن يكون الأفضل بين أخوته.
وأخيرًا تؤكد بيشون أن لا وصفة يمكن تطبيقها بشكل جازم لإزالة الغيرة بين الأخوة، «بل يمكن القول إن علينا مناقشة الطفل ومحاورته ومساعدته في التعبير عما يشعر به، لا التحدث بدلاً منه. فمن الطبيعي وجود غيرة بين الأخوة. وعندما يزعج أخ أخاه وإذا كنا متأكدين أن الغيرة هي السبب، علينا أن نسمح له بالتعبير عن هذه الغيرة بالكلام كأن نقول له: «أعلم أنك لا تشعر بالسعادة، ولست ملزمًا بحب أخيك»، فمن المهم جدًا ألا يشعر الطفل بأنه مجبر على حب شقيقه. والمفارقة أن الأهل يفعلون العكس، فنسمعهم يقولون: «عليك أن تحب أخاك ، فهو لطيف». حب الشقيق أمر طبيعي، وفي كل الأحوال سوف يحبه و هذا الأخ الموجود في حياته سوف يعتاد عليه مع الوقت وسوف يشاركه في الكثير من الأمور. وعلى الأهل النظر إلى حاجات كل ابن والتعامل مع أبنائهم بحسب شخصية كل واحد، وتجنب المقارنة بينهم، ومحاورتهم في كل الأمور والسماح لهم بالتعبير عما يشعرون به مهما كان».
ابنتي تضرب أخاها
سؤال من جمانة-الشارقة : تضرب ابنتي ( 3 سنوات) باستمرار أخاها الأصغر (سنتان) ومن دون سبب. أغضب كثيراً عندما تضرب أخاها خصوصاً أنه اعتاد الأمر بل صار يتقبل الأمر دون أن يقاومها. حاولت معها كل الأساليب لمنعها عن هذا السلوك لكني عبثاً أحاول. أفكر في إرسالها إلى الحضانة لكني لا أعلم ما إذا كان هذا التدبير سوف يساهم في تغيير سلوكها العدائي. هل من نصيحة؟
جواب: من المعلوم أنه من الصعب على الأخ الأكبر التصرف بلطف مع شقيقه الأصغر خصوصاً إذا كان أحدهما يلقى اهتماماً من والديه أكثر من الآخر. والتعبير عن الغيرة والغضب بالضرب هو الطريقة المثلى بالنسبة إليها لتلفت انتباهك، ولتعبر أيضاً عن السخط الذي تشعر به تجاه شقيقها. لذا يمكنك معالجة هذه المشكلة بطريقتين:
1- أمضي معها وقتاً خاصاً وحدها، وربما قمت بذلك في السابق لكن عليك أن تؤكدي لها أن هذا الوقت مخصص فقط لها لأنها الكبيرة. فهي في حاجة لأن تشعر بأهمية البنت الكبرى وميزاتها. على سبيل المثال يمكنك اصطحابها إلى السوق للتبضع وأكدي لها أن هذا اليوم هو لكما وحدكما. أو يمكنك اصطحابها إلى المسرح وقولي لها لأنها الأكبر يمكنها الذهاب. فهذه الأمور تمنحها شعوراً لطيفاً كونها الأخت الكبرى.
2- تحدثي إليها عن مشاعر الغضب التي تعتريها. فإذا كانت غير قادرة على التعبير حاولي أن تقولي أنت العبارات التي يمكن أن تقولها مثلاً" لا بد أنه من الصعب أن يكون لدي شقيق أصغر لطيف يجذب انتباه الجميع أليس كذلك؟" فعندما تدرك أن الشعور بالغضب أمر طبيعي، سوف يخف لديها الشعور بالذنب ويصير من السهل إقناعها بعدم ضرب شقيقها.
وقد تحتاجين إلى بعض الوقت كي تصلي إلى النتيجة الإيجابية لهذين الإقتراحين. أما في ما يتعلق باقتراح إرسالها إلى الحضانة، فهو جيد وحل لطيف بالنسبة إلى طفلة في عمر الثلاث سنوات لكنه لن يحل المشكلة الموجودة في المنزل. فإذا قررت أن ترسيلها إلى الحضانة لا تقولي لها أن شقيقها السبب فهذا يجعلها تظن أن الحضانة عقاب لها.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1080 | كانون الأول 2024