تحميل المجلة الاكترونية عدد 1078

بحث

الطفل الأعسر

يُمسك سامر بقلم التلوين بيده اليسرى ويبدأ الخربشة، فتحاول أمّه أن تصوّب حركته وتُرغمه على امساك القلم بيده اليمنى، ولكن سامر يصرّ على إمساكه بيده اليسرى. فهل سامر طفل أعسر؟
تقلق بعض الأمهات حين يمسك أطفالهن القلم أو الملعقة باليد اليسرى خوفًا من أن يصبحوا عسراً، فيعملن جاهدات لجعل أطفالهن يمّناً ولكن عبثًا يحاولن. وهذا الخوف من أن يكون الطفل أعسر مردّه إلى المفاهيم الاجتماعية الخاطئة التي تقول إن استعمال اليد اليسرى غير مستحب أو أنه يؤثر في صحّة القلب أو انه مؤشر لأن الطفل أقلّ ذكاءً من أقرانه. فهل هذه المقولات الشعبية صحيحة وكيف يردّ عليها أصحاب الاختصاص؟
«لها» التقت طبيب الأعصاب اللبناني في مستشفى أوتيل ديو في بيروت سلام كوسى الذي أجاب عن عدد من الأسئلة المتعلّقة بالطفل الأعسر.

- ما أسباب ولادة طفل أعسر؟
من  المعلوم أن ٩٠٪ من الناس يولدون ويستعملون اليد اليمنى و ١٠٪ فقط يولدون عسراً. عادة عندما نتكلّم على مركز الحركة في الجسم نعني العين واليد والقدم ولكن ليس من الضروري أن يكون استعمال هذه الأعضاء متلازمًا. فمثلا إذا كان الطفل يكتب بيده اليمنى فهذا لا يعني أن العين التي يصوّب بها هي اليمنى والقدم التي يركل بها الكرة هي أيضًا اليمنى. ولكن عمومًا هذه الأعضاء تلازم بعضها في الحركة.
أما أسباب العسر فأوّلها وراثي، فهناك احتمال ١٥٪ أن يولد الطفل أعسر إذا كان أحد الوالدين أعسر.
وتزيد النسبة إلى  ٢٥٪ إذا كان كلا الوالدين أعسر. وتشكل نسبة الأطفال العسر ١٠٪ في المجتمع.
وفي المقابل هناك دراسات طبيّة تشير إلى أن وضع الجنين في رحم الأم له أثر في احتمال ولادة طفل أعسر، فإذا كان موضعه طوال شهور الحمل في الجهة اليسرى في رحم الأم قد يولد الطفل أعسر، لكن هذا ليس مؤكدًا. وهناك عوامل أخرى نادرة عندما تحدث مشكلة في تكوين الدماغ، إذ أنه وخلال تكوّن الجنين اذا تعرضت الجهة اليسرى من الدماغ لعطب لسبب أو لآخر فمن المؤكد أن يولد الطفل أعسر.
ذلك أن الجهة اليسرى هي التي تحرّك الجزء الأيمن من الجسم والعكس صحيح. وعندما تتعرض جهة الدماغ اليسرى للعطب فإن جهة الدماغ اليمنى هي التي تتحكم في حركة أطراف الجسم وبالتالي يولد الطفل أعسر. وكذلك التوائم إذا كان أحدهما أعسر فهناك احتمال أن يكون الشقيق التوأم الثاني أعسر.

- لماذا يخشى الأهل من أن يكون طفلهم أعسر؟
يفضّل الأهل استعمال اليد اليمنى نظرًا إلى المقولات الشعبية التي ترى أن استعمال اليد اليمنى فيه بركة. في الماضي كانوا يضربون الطفل على يده اليسرى إذا استعملها بدل اليد اليمنى، وهذا لا يجوز، لأن تكوين الدماغ تطوّر بهذه الطريقة ويجدر احترام التكوين الفيزيولوجي الطبيعي للدماغ.

- هل صحيح أن الطفل الأعسر أقل ذكاءً من الطفل الأيمن؟
لا. وهذا من المفاهيم الشعبية الخاطئة فالطفل الأعسر لديه نسبة الذكاء نفسها التي لدى الطفل الأيمن، غير أن  بعض الدراسات الطبيّة  بيّنت أنه من الممكن أن يواجه الطفل الأعسر مشكلات في القراءة والكتابة "ديسلكسيا" أي عسر القراءة  و"ديسغرافيا"أي عسر الكتابة. يعني إذا أخذنا ١٠٠ طفل يعانون عسرًا في القراءة والكتابة نجد أن هاتين المشكلتين موجودتان بنسبة أكبر لدى الأطفال العسر. ولكن لاحظت الدراسة  أن نسبة الأطفال العسّر البارعين في الرياضة البدنية أكبر من أقرانهم اليمّن.

- إذًا لا يجدر بالأهل أن يقلقوا إذا كان طفلهم أعسر؟
صحيح لا يجدر بهم القلق أبدًا. ولكن على الأهل أن ينتبهوا إلى الأمر حتى يساعدوا الطفل في تنمية قدرته على استعمال يده اليسرى وتطويرها، وألا يرغموه على استعمال يده اليمنى وإلا تأخر عن أقرانه إذا أصرّوا على ذلك.

- لماذا نجد أطفالاً عسراً لديهم القدرة على استعمال الجهة اليمنى واليسرى في الوقت نفسه؟
عندما يبدأ الطفل بإدراك الأشياء حوله، لا يهتم ما إذا كان عليه استعمال يده اليمنى أو اليسرى، وهذا طبيعي لأن الطفل قبل السنتين يبدأ باكتشاف حاسة اللمس لديه ويريد أن يكتشف كل ما تقع عليه يداه، ويبدأ بتنسيق حركة جسمه تبعًا لرغبته في الاكتشاف من دون أن يحصل تمركز في الحركة، فيستعمل يديه معًا. فإذا ناولته والدته شيئًا ما بيده اليمنى يتسلمه وكذلك يفعل إذا ما ناولته بيده اليسرى. وبعد الثالثة يبدأ ظهور علامات تحوّل الاستعداد الحركي نحو أحد الشقين، الأيسر أو الأيمن من جسمه، ويثبت مركز الحركة تدريجًا ويصبح مؤكداً تبعًا لاستعداد الطفل لاستعمال إحدى يديه. لذا على الأم أن تترك لطفلها حريّة التبديل في استعمال يديه ولا تحاول أن تعارض ميوله الطبيعية، وعليها أن تتركه يحدد بنفسه اليد التي يستعملها أكثر. وعمومًا قبل الثالثة يصعب الحكم ما إذا كان الطفل أعسر أم أيمن وأحيانًا لا يثبت هذا الأمر إلا عند بلوغ العاشرة.

- كيف يعرف الأهل ما إذا كان طفلهم أعسر؟
لمعرفة ما إذا كان الطفل أعسر أم أيمن هناك أمور كثيرة في حركته اليومية يمكن مراقبتها وتكون مؤشرًا لما إذا كان أعسر أم لا. لذا يمكن الأم أن تقوم باختبارات بسيطة تساعدها في ذلك. مثلاً عند صعود الطفل السّلم يمكنها ملاحظة ما إذا كان ينطلق من قدمه اليمنى أو اليسرى، وبالطريقة نفسها يمكنها أن تراقب بأي قدم يركل الكرة، كما يمكنها أن تبتكر له من الورقة منظارًا وتراقب بأي عين ينظر، وتعطيه منبهًا وتلاحظ بأي أذن يسمع دقّاته. وأخيرًا عليها التنبّه إلى حركته خلال النهار، بأي يد يمسك الملعقة، أو اللعبة والقلم وفرشاة الأسنان.
فإذا كان يستعمل الجهة نفسها من الجسم، في كل حركة يقوم بها  فإن هذا مؤشرًا لتثبيت مركز الحركة. ورغم ذلك لا يجوز أن يصلوا إلى حكم مبرم بأن طفلهم أعسر، إذ من المحتمل أن الطفل لم يحدد مركز حركته بشكل قاطع، وإذا كان أعسر لا يجوز إطلاقًا تغيير ميله الطبيعي، وإذا كان يقوم ببعض الحركات من الجهة اليسرى وأخرى من الجهة اليمنى يمكن إعادة الاختبارات التي ذكرناها بشكل دوري. فبعض الأطفال يتأخرون في تحديد مركز الحركة لديهم حتى السادسة وأحيانًا العاشرة. ويمكن أن يكون الطفل أضبط أي أنه قادر على استعمال يمينه ويساره بلا تمييز. وإذا لم يتأكدوا فهناك فحص يخضع له الطفل.

- ماذا على الأهل القيام به إذا كان طفلهم يكتب باليد اليسرى؟
احترام اختياره. فكون الطفل أعسر لا يشكّل مشكلة، ولا سبب لمنعه من أن يكون أعسر. صحيح أن المحيط الاجتماعي والأشياء التي نستعملها في حياتنا اليومية مصممة لليمّن، لكن الطفل الأعسر يتكيف مع هذا المحيط من دون أن يسبب له ذلك مشكلة. ولمساعدته في التعلّم على الأهل ان يختاروا له الأدوات المصممة للطفل الأعسر، مثلاً مقص للعسر. وأشير هنا إلى أن المشكلة قد تظهر إذا عارض الأهل ميل الطفل الأعسر الطبيعي عندما يرغمونه على الكتابة أو الرسم باليد اليمنى، مما يجعله لا يدرك مفهوم المساحة، ويواجه مشكلة في تعلّم الكتابة وأحيانًا يبدو خطه شبيها بـ"خربشة الدجاج" كما نقول بالعامية. واليوم تحترم معظم المدارس التوجه الطبيعي للطفل الأعسر وهناك تعليمات للمعلّمات بالتعامل مع التلميذ الأعسر بشكل علمي.

- يبدو على بعض الأطفال التردد في أي يد يستعملونها. ماذا يجدر بالأهل القيام به؟
إذا بدا طفل في السادسة أنه متردد بين أي يد يستعملها فقد يؤثر ذلك سلبًا في أدائه الأكاديمي، لذا على الأهل في هذه الحالة استشارة اختصاصي نفس حركي يحدد اليد الصحيحة.

- هل تتأثر حركة الطفل الأعسر سلبًا؟
لا. هناك نوعان من الطفل الأعسر: الذي يكون ١٠٠ في المئة أعسر، أي مركز حركته كله يدور من خلال أطرافه اليسرى أي العين والقدم واليد. والأعسر بين - بين أي الذي يستعمل فقط يده اليسرى، وهذا النوع الغالب بين الأطفال العسّر فقد يكتبون بيدهم اليسرى ويأكلون بيدهم اليمنى، وهؤلاء في حاجة إلى التمارين قبل القراءة والكتابة.

- لماذا نكتب باليد اليمنى؟
لأن الجهة اليسرى من منطقة الدماغ خاصة بقدرة الكلام والكتابة القراءة، وكما ذكرت سابقًا فإن وظيفتي منطقتي الدماغ تعملان باتجاه معاكس مع مركز الحركة في الجسم.

- هل صحيح أن استعمال اليد اليسرى يؤثر في عمل القلب؟
لا كل هذه مفاهيم لا أساس لها من الصحة على المستوى الطبي.


نصائح عملية تساعد الطفل الأعسر
١- وضع الدفتر بالاتجاه المناسب. عندما يريد الطفل الأعسر الكتابة أو الرسم يمكن الأم أن تضع له الورقة أو الدفتر باتجاه يده اليسرى مما يسهّل عليه البدء بالكتابة.
٢- مساعدته في تركيز يده على الصفحة والقلم. الطفل الأعسر عادة يمسك القلم بشكل سيئ خصوصًا إذا لم يتوافر لديه قلم يأخذ في الاعتبار أنه أعسر. ويلاحظ أن يده تدفع القلم ليكتب بدل جره بانسياب. وإذا كانت يده تخفي ما يكتبه على الأم أن تحاول معه إيجاد الوضع الأفضل ليده أثناء الكتابة.
مساعدة الطفل على الاسترخاء. قد يستغرق تعلّم الطفل الأعسر الكتابة وقتًا أطول من قرينه الأيمن. لذا لا يجوز استعجاله بل مساعدته، ويمكن تعليم أوضاع الكتابة عن طريق اللعب، وجعله يدرك أي وضع يناسبه.

ملاحظة لا بد منها
أحيانًا يطوّر الطفل الأعسر نظام كتابة مرآة، فتأتي الأحرف و ترتيب الكلمات في الجملة بشكل معاكس تمامًا. إذا لاحظت الأم هذه الظاهرة عند طفلها من الضروري جدًا استشارة اختصاصي نفس حركي.

 

المجلة الالكترونية

العدد 1078  |  تشرين الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1078