ألعاب الطفل الحربية
غمرت نائل السعادة عندما حصل على مسدس حربي لعبة ، وبدأ بتصويبه في كل الاتجاهات مردّدًا «با..با...» وكأنه في خضم معركة حقيقية يقتل فيها الأشرار. تبدو صورة المعركة الافتراضية هذه مألوفة عند الأطفال لا سيّما الصبيان. والطريف أن ذخيرة هذه المعركة أسلحة بلاستيكية والقتلى فيها يعودون إلى الحياة بعد ثوانٍ معدودة.
وفي المقابل، نجد أن بعض الأهل يتجنبون شراء الألعاب الحربية لأنها بحسب رأيهم تعزز العنف عند الطفل. فهل هذا الظن صحيح؟ «لها» التقت الاختصاصية في علم نفس الطفل غارين زوهرابيان التي أجابت عن هذا السؤال وغيره.
- هل صحيح أن الألعاب الحربية تعزّز العنف عند الطفل؟
لا يجوز حصر الألعاب الحربية في خانة الألعاب التي تعزز العنف عند الطفل. فالعدائية غريزة سلبية موجودة فينا منذ الولادة، وللمحيط العائلي دور إما في تعزيزها وتنميتها أو العكس.
فالطفل الذي يعيش في محيط عائلي سليم يحصل فيه على حب والديه واهتمامهما غير المشروطين ويشعر بأنه محبوب مهما فعل ومهما يكن، فإن غريزة العنف تتلاشى لديه تلقائيًا لأنه طفل سعيد.
ولكن تظهر غريزة العنف عنده عندما يريد الدفاع عن نفسه أو إذا اعتدى أحد عليه وهذا طبيعي جدًا. بينما الطفل المعنّف الذي يُعامل في شكل سيئ و لا يحصل على الحب والعاطفة ويشعر بالتوتر الشديد فسوف تكون غريزة العنف لديه واضحة وظاهرة، وبالتالي تكون الألعاب الحربية وسيلته للتعبير عما يشعر به من عدوانية خصوصًا في سن معينة بين الثالثة و الثامنة حين لا يكون قادرًا على التعبير عن عنفه لفظيًا.
فتكون لعبة المسدس مثلاً وسيلة مثلى بالنسبة إليه للتعبير عن الشعور بالعدائية تجاه الآخر الذي لا يحبه.
فيما الطفل السعيد الذي يعيش في محيط آمن لا يرغب في هذا النوع من الألعاب، ولا تعنيه كثيرًا، فهو سيلعب بها لفترة قصيرة ثم يهملها على عكس الطفل الذي يعيش في محيط عائلي عنيف فهو سيشعر بسعادة عارمة عندما يحصل على لعبة حربية.
- إذًا لا ضرر من حصول الطفل على ألعاب حربية؟
من المهم أن يكون لدى الطفل لعبة أو اثنتان من هذه الألعاب كي يتمكن من التعبير عن عدوانيته. شخصيًا أوفر في عيادتي هذا النوع من الألعاب لأنها مهمة وتساعدني في فهم ما يدور في خلد الطفل وما يشعر به.
فقد لاحظت من خلال تعاملي مع الأطفال، أن الأطفال غير العنيفين في طبعهم، والذين ليس لديهم مشكلة عنف أو مشكلة عدائية في داخلهم أو عدائية تجاه الآخرين أو غير معنفين في محيطهم العائلي لا يهتمون بالألعاب الحربية.
وفي المقابل الطفل الذي يختار لعبة المسدس أو أي لعبة حربية يحمل في داخله بعض العدائية ويحتاج إلى تنفيسها والتعبير عنها.
المهم ألا تكون اللعبة ممثلة في شكل واقعي جدًا، ففي الأسواق هناك ألعاب حربية تخرج منها عيارات أو أسهم أو كرات ألوان مما يسبب أذًى جسديًا كبيرًا جدًا، فضلا عن أنها تسمح بتحقيق الغريزة العدوانية بشكل واقعي.
بينما إذا كانت اللعبة رمزية فإنها تساهم في تنفيس الكبت والعدوانية من دون أن تؤذي، إذ يكتفي الطفل بالحركة الإيمائية والتعبير اللفظي.
فمثلا نرى طفل يمسك بالمسدس ويصرخ «با بابا..» ويقول لصديقه أو شقيقه «لقد قتلتك»، وهذه العبارة مؤشر لشعور الطفل ببعض العدوانية.
لذا حين يشتري الأهل هذا النوع من الألعاب عليهم أن يتنبهوا إلى الطريقة التي يستعملها الطفل ومع من، وما العبارات التي يقولها أثناء اللعب بها، وما هي اللعبة الافتراضية التي يقوم بها أي الموقف أو الحدث الافتراضي الذي يدّعي.
فإنهم سوف يكوّنون فكرة عن عدوانية طفلهم، لأن في اللعب إشارات. فمثلاً إذا كان هناك أخوان أحدهما يغار من الآخر، و تناول الأخ الأكبر المسدس ووجهه إلى شقيقه وقال له: «با با با ...» فهذا أقل خطرًا مما لو لم يكن لديه ألعاب ينفّس من خلالها هذه الغيرة، لأنه قد يؤذي شقيقه مباشرة في هذه الحالة، لأن في داخله مشاعر عدائية يحتاج إلى التعبير عنها. ففي هذا المعنى أرى أن الألعاب الحربية مفعولها إيجابي.
- متى على الأهل أن يقلقوا؟
عندما لا يلعب الطفل إلا بهذه الألعاب رغم أن لديه كل أنواع الألعاب، وهذا مؤشر لوجود مشكلة لديه فهو متوتر ومعنف وقلق. وطالما اللعب الحربي لا يزال على المستوى الرمزي فليس هناك مشكلة.
ولكن أشدّد على الأهل أن يراقبوا أبناءهم أثناء اللعب، وينتبهوا إلى العبارات التي يقولونها لبعضهم.
- يقلق الأهل عندما تلعب البنت بالألعاب الحربية ويظنون أن لديها ميلاً ذكوريًا. فهل هذا الاعتقاد صحيح؟
يميز المجتمع بين ألعاب الأولاد وألعاب البنات، ويخصّص الألعاب الحربية للصبيان والدمى للبنات، في حين أن كل الألعاب الرمزية يمكن أن تكون للبنت والصبي على حد سواء، فهما في حاجة إلى تنفيس غريزة العنف لديهما. لذا نرى بعض البنات يحملن الألعاب الحربية، فهن في حاجة إلى إخراج العدوانية الموجودة فيهن.
وللأسف نادرًا ما يسمح الأهل للبنت باللعب بالألعاب الحربية ويعود هذا إلى صورة الأنثى في المجتمع الذي يرى أن البنت لا يجوز أن تتصرّف بعدوانية، فيما هي في حاجة إلى العدوانية للدفاع عن نفسها. وإذا رغبت البنت في هذه الألعاب عليهم أن يعرفوا لماذا، فالبنت بين الثالثة والسادسة تحاول تقليد الصبي في الكثير من الأمور ومنها اللعب، نظرًا إلى أن الطفل الذكر أقوى منها وتريد منافسته، وهذا طبيعي.
وعلى الأهل أن يمنحوها الثقة بنفسها وبقدراتها وبأنها قوية ويؤكدوا لها أنها ليست في حاجة إلى أن تتصرف كالصبي كي تكون قوية.
وفي المقابل يجب تقنين العدوانية من خلال الرياضة والفنون والموسيقى، فهذه الأمور تساعد الأطفال في التنفيس بطريقة مقبولة اجتماعيًا.
وفي رأيي يجوز السماح للبنت باللعب بألعاب شقيقها الحربية من وقت إلى آخر، كما يجب السماح للصبي في الوقت نفسه للعب بألعاب شقيقته، فهذا لن يجعله أنثويًا.المهم هو الانتباه إلى الحاجة التي قادت الطفل إلى استعمال هذا النوع من الألعاب ومع من يلعب وضد من.
- من الملاحظ أن الطفل يشعر بسعادة عندما يشاركه والده اللعب الحربي. لماذا يصر على هذا النوع من اللعب مع والده؟
هذا يعود إلى سن الطفل. فمن المعلوم أنه بين الثالثة والسادسة يمر الطفل بالمرحلة الأوديبية ويشعر بالمنافسة مع والده ويحب كل الألعاب التي يمكن أن تكون عنيفة لأنه يريد الفوز عليه. المهم ألا يسمح الأب لابنه بالفوز طوال الوقت، لأنه عندما يسمح بذلك ، فإنه يبعث برسالة إلى طفله مفادها: «معك حق أنت الأقوى وأنا ضعيف» وبالتالي فإن الطفل يفكر أن والده ضعيف ولا يمكنه تنفيذ قانونه المنزلي، ويمكنه أن يحل مكانه.
وفي المقابل قد يخاف الأهل من عبارة «بابابا مت مت» غير أن الطفل لا يعرف معنى الموت إلا بعد التاسعة، لذا فالقتل بالنسبة إليه قبل هذه السن يعني الاعتداء فقط. لذا نجد الطفل يقول لوالده بعد دقيقتين من الموت الافتراض: «هيّا قم»، لأنه في حاجة إلى منافسة والده مجدّدًا. المهم خلال اللعب، أن يقول الأب لابنه «حسنًا، يمكنك أن تنافسني في هذه اللعبة، وما تشعر به أمر طبيعي. فلنرَ من سيفوز».
ويمكن الأب أن يلعب مع أبنائه ألعابًا متنوعة ولا يكتفي باللعب الحربي، فهو في إمكانه أن يشاركهم الرسم و كرة القدم ... ولا بأس أن يكون اللعب الحربي ضمن هذه الألعاب فالتركيز على هذا النوع من اللعب يعطيه قيمة مهمة.
- ولكن لماذا نجد أحيانًا طفلاً يميل إلى الألعاب الحربية رغم أنه يعيش في محيط عائلي سليم؟
للإعلام ومشاهد الحروب التي تعرض على التلفزيون وحوارات الأهل حول هذه المواضيع ورد فعلهم، دور كبير في جعل مفهومي الحرب والقتل أمرًا سهلاً بالنسبة إلى الطفل. فيظن أن الحرب والقتل والعنف أمور طبيعية يمكن ممارستها بسهولة.
فنحن نعرض عليه مشاهد القتل والأفلام العنيفة، إضافة إلى شراء الألعاب الحربية، فيظن أن العنف أمر طبيعي، ويتلقى رسالة مؤدّاها أن «العنف مقبول وإيذاء الآخرين والتعدي عليهم مقبولان». لذا نلاحظ أنه عندما نقدم له لعبة حربية يفضل اللعبة التي تحتوى على عيارات وتسبب أذى، لأنها تعني تحقيق غريزة العنف في شكل واقعي.
لذا أنصح بالألعاب الحربية الرمزية التي لا تحقق العنف في شكل واقعي. وعلى الأهل تفادي مناقشة مواضيع الحرب والقتل في حضور أطفالهم وتجنيبهم مشاهدة صورها على التلفزيون.
- ماذا عن الألعاب النارية؟
تثير الألعاب النارية بصورة عامة الطفل خصوصًا الضجيج الذي تحدثه، ولكنها لا تساعد في تنفيس غريزة العنف لديه. وأظن أنها تشبه الألعاب القوية في مدينة الملاهي. ففي مدينة الملاهي الآلة هي التي تتحرّك وليس الطفل مما يزيد توتره ويولّد لديه مشاعر قوية جدًا يحتاج في ما بعد إلى تنفيسها من خلال ألعاب أخرى تساعده في إخراج التوتر. وكذلك الألعاب النارية تثير الطفل.
الألعاب المرعبة في مدينة الملاهي
ترى الاختصاصية غارين زوهرابيان أن العاب مدينة الملاهي التي ترتكز على الإثارة تسبب للطفل قلقًا وتوترًا قويًا وهو في حاجة إلى تفريغهما. لذا نلاحظ أن الطفل بعد انتهائه من اللعب في مدينة الملاهي يطلب من والديه السماح له باللعب بألعاب هادئة لأنه في حاجة إلى تفريغ كل طاقته التي شحنها خلال ركوبه الألعاب القوية، كالدولاب العملاق أو القطار السريع الـ«Roller coaster»، في حين يظن الأهل أن ابنهم لم يكتف فنسمع عبارة «مش معقول لا يشبع لعب». صحيح أن ألعاب مدينة الملاهي تعزز قدرة الطفل على السيطرة على مشاعر الخوف ولكنها في الوقت نفسه تشحنه بكثير من التوتر والإثارة،لأن الآلة هي التي تتحرك وهي التي تسيطر على اللعب. لذا تنصح الاختصاصية الأهل باصطحاب أبنائهم إلى أماكن لعب هادئة بعد مدينة الملاهي لأنهم في حاجة إلى تفريغ ما شحنوه من طاقة.
شارك
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024