الشجار بين الأختين المراهقتين
الاختصاصية في علم النفس ديزيريه قزّي
يبدو مشهد الشجار بين الشقيقات مألوفاً، خصوصاً إذا كان فارق السن بينهن ضئيلاً، وغالباً ما يكون سببه تبادل الملابس أو الأعمال المنزلية، أو استعمال الهاتف ... فمثلاً عندما تطلب الأم من إحدى بناتها مساعدتها في غسل الصحون، تعترض هذه بالقول لمَ لم تطلب من أختها فترد هذه الأخت بالاعتراض ويتوتر الحوار بينهما وينشب شجار يتصاعد إلى حد الصدام الذي قد ينتهي إلى حد القطيعة التي لا تستمر أكثر من أسبوع.
وأسباب الشجار بين الأخوات عديدة منها الاختلاف في وجهات النظر، وأحياناً الغيرة. فمتى يصبح الشجار غير مقبول؟ و ما هو دور الأهل في تخفيف حدة الخلاف بين الأخوات؟ وهل يجوز للأهل القيام بدور المتفرج أم عليهم التدخل لفض المشكلة؟
«لها» التقت الاختصاصية في علم النفس ديزيريه قزّي التي أجابت عن هذه الأسئلة وغيرها
ترى ديزيريه قزّي أن الشجار بين الأخوة غالباً ما يكون سببه اختلافاً في وجهات النظر فلكل واحد منهم شخصيته المستقلة ورأيه الخاص وهذا أمر طبيعي. وكذلك فإن الغيرة بين الأخوة أمر طبيعي ما دامت لا تتضمن نية لأذية الأخ أو الأخت، ولا تخرج عن حدودها المعقولة. والملاحظ أن نسبة الشجار بين الأخت والأخ أقل من نسبته بين الأختين، يعود سبب ذلك إلى أن العلاقة بين الأخوات تكون حساسة جداً لأنهن من الجنس نفسه ولديهن المطالب نفسها تقريباً، خصوصاً إذا كن في سن متقاربة مما يجعل العلاقة التنافسية بينهن تأخذ شكلاً عنيفاً في بعض الأحيان.
وتشير الاختصاصية إلى أن للشجار والغيرة، إذا كانا في إطارهما الطبيعي، نتائج إيجابية. ولأن لكل ابن شخصيته وميزته في التطور والنمو، على الأهل احترام خصوصية كل ابنة أو ابن من أبنائهم وتجنب المقارنة بينهم فيزيدون بذلك الحب والتعاون والإحترام المتبادل بينهم. فالغيرة تنمي روح المنافسة بين الأبناء وتجعلهم أكثر استقلالية. وللوالدين دور أساسي في تحويل الغيرة بين الأخوة إلى أمر إيجابي، فعندما ينال جميع الأولاد العاطفة ويشعرون بالعدل والمساواة, فهذا يعزز التفاهم والمحبة بينهم. أما الشجار فهو يعزز عند الأبناء قدرة التفاوض، وقبول مبدئي الخسارة والربح واختبار قدرتهم على نوال حقوقهم والأخذ في الاعتبار حقوق الغير. وكلها أمور تساعده على الانفتاح على المجتمع خارج إطار العائلة. ففي المدرسة مثلاً سوف يقابل المراهق نماذج مختلفة من الأتراب الذين يشكّلون بالنسبة إليه مصدراً للمنافسة.
أما إذا كثرت ظاهرة الشجار بين الأختين إلى درجة أنها أصبحت يومية، فهذا مؤشر لوجود مشكلة داخلية لدى إحداهما، وغالباً ما تكون الغيرة. وبالتالي يأخذ الشجار شكلاً آخر فيبدو عنيفاً. وفي هذه الحالة على الأهل التنبه لما إذا كانت إحدى الابنتين في حال غيرة دائمة مع شقيقتها. أما إذا كانت تواجه صداماً مع أختها بسبب اختلاف وجهات النظر فهذا شيء طبيعي تعيشه كل مراهقة مع أختها.
وتضيف الاختصاصية: «نحن كاختصاصيين في علم النفس ننظر في الأسلوب التربوي للأهل وتصنيفهم لبناتهم عندما تكثر حدة الشجار بينهن. فالشجار بين الأخوات في سن المراهقة يعكس تنافسهن على مكانتهن في المنزل وعلى اكتساب عاطفة أهلهم. هنا نسأل هل الأهل عادلون في عاطفتهم ونظرتهم إلى بناتهم؟ هل الأهل ينظرون إلى الأختين النظرة نفسها أم أنهم يشجعون بطريقة غير مباشرة على الخلافات ويعززونها عندما يفضلون ابنة على أخرى أو يمدحون ابنة وينتقدون أخرى؟
مثلاً تقول الأم «تسلم لي إبنتى رلى تفهمني من كلمة، بينما منى لا تفهم ولا تشعر بالآخرين». فالأم بهذه العبارة والتي من المؤكد لا تقصد بها أذية ابنتها، تصنف ابنتيها في شكل غير عادل مما يعزز الغيرة عند الابنة المصنفة بأنها أنانية. وأحياناً يعطي الأهل السلطة للأخت الكبرى ولو كان فارق السن لا يتعدى السنة، وفي هذه الحالة قد تدافع الأخت الصغرى عن مكانتها في المنزل لأنها تعامل وكأنها غير موجودة عموماً هناك أهل يفضلون ابنة على أخرى، في الوقت الذي من الطبيعي أن يكنّ الأهل لأبنائهم العاطفة نفسها، وعليهم أن يكونوا عادلين في عواطفهم وتعاملهم مع أبنائهم حتى لو كان عددهم عشرة، فلكل واحد من أبنائهم شخصيته المستقلة، وقدراته ومواهبه وحقه في الاختلاف، لذا لا يجوز المقارنة بين الأبناء مهما تفاوتوا بالشخصية».
وتشير قزّي إلى أنه إذا تشاجرت الأختان ولم تعودا تتكلما مع بعضهما مدة أسبوع فهذه ليست مشكلة في سن المراهقة، المهم أن لا تضمر إحداهما للأخرى الشر أو تنصبا المكائد لبعضهما والمهم أيضاً أن تبقى عاطفة الأخوة قائمة بينهما. فإذا تعرضت إحداهما لمشكلة تقف الأخرى إلى جانبها مهما كانت حدة الشجار بينهما. وهذه هي الرابطة الأساسية في الأخوة.
ماذا على الأهل القيام به خلال لحظات الشجار؟
على الأهل ألا يتدخلوا أو يقفوا بجانب إحدى الابنتين حتى لو كان الحق معها، بل عليهما إبعاد الأختين عن بعضهما ويطلبوا منهما التفكير في ما حدث حتى لو استغرق الأمر ساعة أو ساعتين، فخلال الشجار لا يستمع أحد إلى الآخر. بعد ذلك عليهم الجلوس معاً ومناقشة ما حدث بهدوء، ولو تطلب ذلك تدوين الملاحظات على ورقة. ويمكن الأهل القيام بدور كاتب الملاحظات، ليعرفوا ما هي كانت نقطة الخلاف، والتي في كثير من الأحيان تكون تافهة. فعندما يصرخ الواحد في وجه الآخر يكون لديه شعور داخلي من الغضب والغيظ ، والخلاف ليس سببه مشاهدة التلفزيون أو الرد على الهاتف أو جلي الصحون، ولكن قد تكون هذه الأمور هي التي أشعلته بين الأختين. فكثيراً ما تطلق خلال الشجار عبارات «لا علاقة لك بي، لا يحق لك أن تحكمني...» وهذا يعني أنها تقول لأختها أريد مكاني في المنزل لأنك تحتلين مكاني. كل أم عليها الاستماع إلى ابنتها وليس ضرورياً أن تكون محللة نفسية ولكن عليها أن تحاول معرفة ماذا تريد الابنة التي تبدأ بالشجار. فعندما تقول إحداهما «اتركيني» والأخرى ترد «لا أنا من يقرر» فهذا يعني أنها منحت السلطة في المنزل. لذا فخلال الجلسة الحوارية يجب أن يؤكد الأهل أن السلطة تعود إليهما وحدهما وهما سيدا المنزل، أما الابنتان فمتساويتان في الحقوق والواجبات. صحيح أن لديهما مكانتهما في المنزل، ولكن لا يحق لإحداهما السيطرة على الأخرى.
ومن خلال الحوار تظهر أسباب المشكلة. ولا يجوز للأهل الانحياز إلى إحداهما حتى ولو كانت محقة لأن ستشعر البنت الأخرى أنها مظلومة مما يعزز الغيرة عندها وتزيد العدائية والعناد والانطواء على نفسها...
ما هي مؤشرات الغيرة المرضية؟
الانطواء على الذات الشعور بالنقمة على الآخرين وأفراد العائلة نصب المكائد والنية السيئة تجاه الأخت الرسوب المدرسي عدم قدرة على بناء علاقات صداقة التركيز على عالم أختها، خرجت لبست أكلت.... الفشل في كل عمل تقوم به.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024