تحميل المجلة الاكترونية عدد 1078

بحث

إستقلالية الطفل

«هيا ارتدِ ملابسك»، «اذهب واغسل يديك»... تطلب الأم من طفلها تنفيذ بعض الأمور وحده حين يبدأ سنته الثالثة، غير أن تدبر أموره وحده مهمة لا يستطيع تنفيذها من دون مساعدة أهله. فدور الأهل هو أن يبيّنوا للطفل كيف يمكن تنفيذ الأمور وعليهم أن يكونوا صبورين وعدم إنجازها بدلاً منه. فتعويد الطفل على الاستقلالية يبدأ في سن صغيرة ويستمر حتى المراهقة. وكما يقول المثل «العلم في الصغر كالنقش في الحجر». عن الأسئلة التي تطرحها الأمهات يجيب الاختصاصيون.

- في أي سن يجب تعليم الطفل المسؤولية؟
بين السنتين والثلاث سنوات حين يصبح الطفل قادرًا على القيام بطقوس الحياة اليومية، أي الأكل وارتداء الملابس والذهاب إلى الحمام والاغتسال... وهذه المرحلة رئيسية لتعليم الطفل الاستقلالية في التصرّف وتستمر حتى سن المراهقة.

- لمَ هذه السن أساسية؟
لأن الطفل في هذه السن يبدأ بإدراك أن له كيانًا مستقلاً ويصبح قادرًا على مواجهة ما يقابله في الحياة من صعاب، كما يصبح قادرًا على التفكير وواثقًا بنفسه. وبمساعدة الأم طفلها على تدبر أموره وتحفيزه على الاستقلالية، تمنحه أجنحة الحرية.

- كيف يمكن الطفل أن يتعلّم اكتساب الحرية ويحترم القوانين المنزلية في الوقت نفسه؟
خلال مرحلة تعويد الطفل على الاستقلالية يصبح كياناً إنسانيًا يشعر بوجوده في هذا العالم. فيصبح بمقدوره أن يضع نفسه مكان الآخرين ويشعر بآلامهم، فمثلاً سوف يشعر بألم صديقه إذا أخذ منه لعبته المفضلة، ويمنع نفسه من جعله يتألم.

- إذا لم يكن الطفل قد تعوّد على الاستقلالية وتحمل المسؤولية ما هي المشكلات التي قد تواجهه؟
إذا لم تعامل الأم طفلها ككيان إنساني مستقل له شخصيته، قد يواجه صعوبة في التعلم، فلا يستطيع أن ينضج في المدرسة ويطوّر قدراته الذكائية. وقد يؤدي عدم تعويد الطفل على المسؤولية إلى نتائج لا تحمد عقباها، فمثلا إذا طلبت الأم من طفلها القادر على التصرف باستقلالية عدم لمس باب الفرن لأنه يحرق يديه فإنه سيحترم هذا الطلب لأنه يفهم ما تقوله والدته ولأنه تعلّم كيف يسيطر على تصرفاته. بينما الطفل غير المسؤول والذي لم تعلمه أمه كيف يفكر فإنه لن يقدّر خطر لمس باب الفرن الساخن جدًا أو أي أخطار أخرى يتعرّض لها.

- كيف يمكن الأهل مساعدة طفلهم على تعلّم الاستقلالية؟
يحتاج الطفل إلى أهله ليصبح مستقلاً، فمثلاً لا يمكن الطلب من الطفل ارتداء ملابسه من دون أن تريه والدته الطريقة، وإذا أراد أن يغسل أسنانه تريه كيف يمسك بالفرشاة وتشرح له الأخطاء في التنفيذ وتطمئنه إلى أنه سيتعلّم تدبر أموره. ولكن في الوقت نفسه عليها أن تستمر في تعليمه إلى أن يصل إلى درجة الاعتماد على نفسه في تدبير شؤونه.

- ما الذي يوقف الطفل عن الاستمرار في تعلم الاستقلالية؟
إذا كان الأهل يقومون بكل الأمور بدلاً من الطفل، فإنه يظن أنهم لا يرغبون في أن يصبح كبيرًا وقادرًا على الاستقلالية. في البداية يطلب مساعدتهم باستمرار ظنًا منه أنه يسعدهم بذلك، وفي الوقت نفسه يدرك في قرارة نفسه  أنه قادر على تدبر أموره وحده. وفي المقابل يميل الأهل إلى المبالغة في حماية طفلهم  لأنهم قلقون عليه. فمثلا كثيرًا ما نرى طفلاً في الرابعة لا يزال يضع المصاصة لأن أهله يظنون أنها تشعره بالأمان، بينما الطفل في هذه السن يكون لديه رغبة قوية في اكتشاف العالم حوله.  

- لماذا يصعب على الأهل أحيانًا قبول فكرة أن طفلهم أصبح قادرًا على تدبر أموره وحده؟
ليكبر الطفل عليه أن يتخطى مراحل عدة: تناول الطعام بالملعقة بدل الرضّاعة، والمشي على قدميه بدل الحبو... وفي المقابل على الأهل التخلي عن مرافقة ابنهم والإمساك به أو حمله أثناء تنقله والتعبير عن مشاعرهم وحنانهم بالكلمات، وهذا ليس بالأمر السهل. وقد يعرقل الأهل هذه المراحل عن غير قصد بسبب تجربة مروّا بها في طفولتهم، فربما تعرّضت الأم مثلا لحادث خطير في طفولتها المبكرة وتخشى على طفلها أن يتعرّض للأمر نفسه.

في المنزل
- ما هي الإرشادات التي يجدر بالأم اتباعها لتعزيز استقلالية طفلها؟
يساعد تجهيز الأثاث المنزلي ببعض الأدوات التي تسهل حركة الطفل على تعزيز استقلاليته. فمثلاً يمكن الأم وضع منصة صغيرة تحت المغسلة بحيث يصعد عليها الطفل  لغسل يديه أو أسنانه. وكذلك يفضّل شراء ألعاب ملائمة لسنّه يستطيع التعامل معها بسهولة، فإذا كانت الألعاب معقّّدة تحبطه.

تعليم الطفل المهارات الحركية
من الضروري تحفيز الطفل على القيام بالأمور البسيطة وحده. يتطلب ذلك صبر الأم وطول بالها. لا يجوز مثلاً منعه من استعمال الملعقة لأنه يأخذ الكثير من الوقت أو أنه يلوّث ثيابه. فهذا يجعله يعزف عن القيام بذلك. كما يمكن الأم تعليمه طريقة ارتداء زوج جوراب وتمييز القدم اليسرى عن القدم اليمنى، والإمساك بالكوب دون إيقاعه. ويمكنها أن تقول له مثلاً: «إذا كنت تريد أن ترتدي ثيابك وحدك سوف نخرج حين تنتهي». ويمثّل تعليم الطفل هذه الأمور الخطوة الأولى نحو الاستقلالية والثقة بالنفس.

يتوتر الطفل إذا وجد صعوبة في إنجاز عمل ما يبدو سهلاً بالنسبة إلى الراشد. لا يشكّل  تدخّل الأم أحياناً الحل الأمثل، بل عليها أن تحاول في البداية ألا تنتقده. إذا أراد تكرار المحاولة يمكنها أن تمدحه بالقول: «عافاك لقد حاولت كثيراً»، و يفضّل ألاّ تلح عليه بالمحاولة إذا عزف عن الأمر، بل عليها أن تظهر تفهمها للتوتر الذي يشعر به. كأن تقول له مثلاً إذا كان يلعب بلعبة بناء المكّعبات: «حاولت جاهداً أن تقوم بذلك، وأتفهم لمَ أنت غاضب».
من غير المستحسن تدخّل الأم قبل أن يطلب الطفل مساعدتها، وإذا تدخلت عليها أن تقوم بدور المشاركة في البحث معه وليس دور العالمة بكل شيء. فإذا ساعدته عليها أن تكتفي بتسهيل الأمر عليه وليس القيام به عوضاً عنه. فمثلاً يمكن الأم أن ترشده إلى طريقة تركيب الأحجية، أو وضع الحذاء بحيث يسهل انتعاله. فالطفل في حاجة إلى الشعور بأنه نجح في إنجاز عمل ما يفتخر به.

إرشادات بسيطة تعزز الاستقلالية:

  • أيقظي طفلك باكراً حتى يتسنى له الوقت الكافي لارتداء ملابسه قبل الذهاب إلى المدرسة.
  • ساعدي طفلك في ارتداء الملابس عن طريق اللعب كأن تقترحي عليه أن يعقد زراً وأنت الآخر.
  • اسمحي له باختيار الملابس التي يريد ارتداءها لليوم التالي مساءً وضعيها في شكل منظم، مما يسهّل عليه ارتداءها صباحًا.
  • ضعي علامتين متعاكستين داخل حذاءيه تشيران إلى القدم المناسبة، مما يجنّبه انتعال حذاءيه بالمقلوب.

 

المجلة الالكترونية

العدد 1078  |  تشرين الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1078