نفور الأقران ومعارضة الطفل أهله وتأثير تلفزيون الواقع
تقلق الأمهات من المشكلات التي يواجهنها مع أطفالهن، ويحرن في إيجاد أسباب سلوك أبنائهن الطارئ. فيكون الحل في عرض الأمر على الاختصاصي.
هذه بعض المشكلات المطروحة وحلولها الممكنة التي يقدّمها الاختصاصي.
- أظن أن المشكلة نفسها تتكرر مع ابني ( ٨ سنوات) فعندما كنت في سنّه واجهت الصعوبة نفسها إذ ليس لديه أصدقاء ويظنّ ألا أحدًا يحبّه وأنه شرير. كيف يمكن أن أساعده؟
في البداية عليك التخلّي عن هذا التفكير وتشبيه مشكلة ابنك بمشكلتك عندما كنت في سنّه، أي ما نسميه في علم النفس حتمية تكرار طباع الأهل عند الأبناء، مما يعني أنه إذا كان الآباء يتميزون بطباع خجولة أو قلقة أو عنيفة. فهذا يعني أن الأبناء سيكونون كذلك. صحيح أن تاريخ الأهل يؤثر في الأطفال ، ولكن ليس بالضرورة كما تظنين.
فابنك مثلا عندما ذهب إلى الحضانة أو المدرسة للمرة الأولى واجه بعض المشكلات مع الآخرين، ولكن ليس لأنك تعرضت للصعوبة نفسها عندما كنت في سنه، بل لأن جميع الأطفال يواجهون هذا النوع من المشكلات. وكما كل الأطفال يجعلك من دون شك جزءًا من خيبته عندما تسمعين شكواه «سامي لا يريد أن يلعب معي أو علي يراني قبيحًا....». لذا عليك التخلي عن الأحكام المسبقة، أي أن ما حدث معك في الطفولة يتكرر مع ابنك، بل عليك أن تناقشي ابنك في ما يواجهه وتعرفي الأسباب التي تدعوه إلى التفكير على هذا النحو بأن تشرحي الأمور بهدوء وسوف يتخطى الصعوبة.
أنت تعيدين، وعن غير قصد، شبح طفولتك إلى ابنك، أي أنك تجعلين ابنك يتصرّف كما كنت تتصرفين، بسبب اعتقادك أن الصعاب تنتقل إلى طفلك وتشعرين بالذنب، وعن غير قصد تجعلينه يشعر بأن وضعه كارثة، فيقع في المشكلة نفسها من حيث لا يدري ويقول عن نفسه «أنا لست محبوبًا».
لذا عليك سيدتي أن تشرحي له ما يحدث واطلبي مساعدة زوجك الذي يبدو كما ذكرت في الرسالة أنه يتمتع بشخصية اجتماعية، فهو سوف يؤثر في ابنكما بشكل إيجابي، فالابن يقلّد أباه.
- عندما كان ابني( ٥ سنوات) يعارضني في كل شيء تحدثت إليه بلطف وعادت الأمور إلى مسارها الطبيعي، إلا أنه يظهر معارضته حاليًا بالتبرّز في سرواله. و لا أفهم ما يحدث معه. ماذا علي أن أفعل؟
بداية معارضة الطفل لوالديه أمر طبيعي، فهو عندما يبدأ المشي ويصبح قادرًا على الكلام في شكل واضح، يبدأ بإدراك أنه كيان مستقل عن والديه وأن في إمكانه اكتشاف العالم حوله، فيميل إلى القيام بأفعال تعبّرعن توقه إلى هذه الاستقلالية و لا يعود يقبل أن يقال له «ممنوع عليك» من دون أن يعرف سبب هذا المنع. وفي أحيان كثيرة يبدأ بمعارضة «لا» الأم كي يختبر قدرتها على إلزامه بالقوانين التي تضعها. ولكن في الوقت نفسه هذه الـ«لا» بالنسبة إليه ترافقها «لماذا لا»، فهو يحتاج إلى أن يفهم أسبابها. وأحيانًا كثيرة تكون معارضة الطفل لوالديه محاولة للفت انتباههما وتشتد و تيرتها عندما يعاني مشكلة أو يواجه صعوبة. إذًا لمعارضة الطفل أسباب كثيرة لا تحصى.
يبدو لي أن ابنك يعيش في محيط عائلي جيد، ولكن يبدو لي أيضًا أنك تملين عليه تصرّفاته، وفي الوقت نفسه لا تصغين إليه جيّدًا. فأنت قلت أنك تحدثت إليه «وعادت الأمور إلى مسارها الطبيعي» ولم تذكري الأسباب التي تدفعه لمعارضتك، أي أنك لم تستعلمي عنها. فمثلاً هل يعاني مشكلة في الصف؟ هل حدث أمر طارئ في العائلة، مثلاً ولادة أخ له ويريد لفت الانتباه إليه؟ هل كان يعبّر عن معارضته بالكلام أم بالفعل؟ إذ يبدو أن ابنك لم يقتنع بالأسباب التي تبيّن لمَ عليه ألا يتصرّف على هذا النحو أو ذاك، كما يبدو لي أيضًا أنك لم تتيحي له فرصة التعبير عن مشاعره، مما جعله يجد طريقة جديدة للتعبير عن معارضته لك. وفي المقابل لم تذكري رد فعلك على تصرفه هذا، أي التبرز في سرواله.
وفي كل الأحوال عليك سيدتي في البداية أن تعرفي الأسباب الكامنة وراء المشكلة وتستمعي إلى ابنك وتكوني حازمة معه وتعاقبيه إذا لزم الأمر وتؤكدي له أنه من غير المسموح له التبرز أينما كان وحيثما وُجد. قد يبدو هذا الحل قاسيًا ولكن أحيانًا يكون مفيدًا. كما عليك أن تعيدي النظر في تصرفاتك أنت لأنها مرتبطة بسلوك ابنك، فهل يشعر بأنك تهتمين به؟ فالطفل عمومًا يصبح قلقًا عندما يشعر بأن والديه يهتمان بالتصرّفات التي تصدر منه أكثر مما يهتمون به شخصيًا.
- كيف يمكن مساعدة الأبناء على أن تكون لهم شخصيتهم الخاصة بهم؟
في البداية من الضروري أن يتخلى الأهل عن قلقهم لأنه في كل الأحوال لا يوجد أهل كاملون. ثم من الضروري التحقق من محتوى الأمور التي ينقلها الأهل إلى أبنائهم وتؤثر في تكوينهم النفسي، وهذا ليس بالأمر السهل، مما يعني أن عليهم التحقق بما يؤمنون به، لأنه في هذا العالم المليء بالتعقيدات، يحتاج الأطفال إلى راشدين يبيّنون لهم الطرق الصحيحة ويضعون لهم الحدود التي لا يجوز لهم تخطيها.
وأخيرًا على الأهل الإصغاء إلى أطفالهم، لأنه لا يوجد طفل من دون هويّة خاصة به، فبعضهم يحتاجون إلى أن يعيشوا في إطار محدد أي أن يعرفوا ما لهم وما عليهم، في حين أن بعضهم يحتاجون إلى أن يدفعهم الأهل نحو الاستقلالية في الأفعال التي يقومون بها.
- كيف يمكن تفسير الشغف بتلفزيون الواقع؟ ما هي محاذير ترك الأطفال يعيشون عواطفهم من خلال تلفزيون الواقع؟
تلفزيون الواقع هو مرآة غريبة تجذبنا ونحب النظر إلى أنفسنا من خلالها لنعرف الجيد والسيئ في شخصيتنا. فالمسألة هي معرفة ما إذا كانت هذه النظرة إلى أنفسنا تجعلنا نعيد النظر في شخصيتنا وتصرفاتنا، أو تجعلنا نستمر في إثبات تصرفاتنا «أنا هكذا» أو «أنا لست كذلك».
أما إذا كان يعتبر ترك الأطفال يتعلّمون دروس الحياة من خلال برامج الواقع تهورًا، فأنني أجزم بالقول نعم، لأن هذه البرامج تؤثر سلبًا في الطفل خصوصًا إذا لم تكن لديه اختيارات أخرى أي أنه لا يشاهد برامج أخرى ولا تتوافر له وسائل إعلامية تربوية أخرى، كالمطالعة،أو نماذج إنسانية مختلفة، كالمناقشات العائلية الغنية والمتنوّعة. فتلفزيون الواقع يعرض صورة مصطنعة ومزيفة عن الوجود والعلاقات الإنسانية (أخوّة غير حقيقية، دموع مصطنعة، وتصرفات محسوبة أمام الكاميرا)، وكل المشاعر التي تظهر على الكاميرا معدّة مسبقًا ومصنوعة خصيصًا للمشاهد.
إذا كان من ضمن القوانين والعادات المنزلية ترك الطفل يشاهد هذا النوع من البرامج التلفزيونية، فمن الضروري في الوقت نفسه أن تتوافر له اختيارات أخرى تسمح له بالتعرف إلى نماذج أكثر واقعية تسمح له بتبادل الآراء والأفكار. ومن الأفضل أن يناقش الأهل أبناءهم في محتوى هذه البرامج والأكاذيب الموجودة فيها وتعليمهم نقد الصورة والمحتوى في آن واحد.
-عندما أوبّخ ابني، يرد علي بشكل آلي قائلاً «أنا نكرة»، ثم يلطم وجهه ويطلب مني أن أضربه على مؤخرته. هل ابني يتألم؟ هل يجدر بي أن أجعله يهدأ بالقول له إنه ليس نكرة وأتوقف عن معاقبته؟
أنت تسألين عن عبارة محدّدة يقولها ابنك «أنا نكرة»، ولكن يبدو أنك لم تلاحظي أمرًا رئيسيًا وهو الموقف الذي يقول خلاله ابنك هذه العبارة، والتي يبدو أنه يقولها في كل مرة توبخينه، ثم يبدأ بلطم نفسه ويطلب منك ضربه. لذا عليك التحقق من هذا السلوك. والواقع أن نظرية «المازوشية» في علم النفس قد تنطبق على ابنك ، وهي أن يشعر باللذة عندما يضرب، بسبب تعوّده على هذا التصرّف. لذا عليك أن تعيدي النظر في تاريخ طفلك: هل اعتدت على ضربه. وإهانته إلى درجة أصبح فيها يجد متعة في الإهانة؟ عليك أن تتحققي من الأسباب الكامنة وراء رغبته في أن يضرب ويهان، والتجارب التي عاشها، فمن الممكن أن يفتعل الطفل موقفًا يعرّضه للإهانة من دون أن يتنبّه الراشدون إلى هذا الأمر. لذا عليك أن تشرحي له أن البحث عن السعادة عن طريق الألم لن يساعده في النمو. وحاولي أن تتجنبي توبيخه حتى لو استفزك إلى أقصى الحدود. فالتوبيخ والضرب ليسا الحل، بل النقاش والحوار مع الطفل واكتشاف ما يخزّنه من مشاعر سلبية كانت أو إيجابية هي الطريق الأمثل لمساعدته. وإذا لم يكن في مقدورك ذلك اطلبي مساعدة اختصاصي، فهو يقدر على تحديد الصعوبة التي يعانيها ابنك، لأن هذا السلوك قد يؤثر في تكوين شخصيته في المستقبل.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024