عمليات تجميلية غير شائعة
التجميل مطلب الجميع، والجمال مبتغى السيدات والرجال على حدّ سواء. فما إن تدقّ علامات الشيخوخة الباب وتبدأ ملامح الكِبر بالظهور، حتى يهرع المرء إلى الإستعانة بشتى الوسائل التي من شأنها أن تُعيد النضارة والصبا والحيوية. فمن الكريمات والمستحضرات الخاصة بالعناية بالبشرة والعينين والشعر والأظافر والجسم، إلى جلسات التجميل في المنتجعات وعند الإختصاصيين، إلى عمليّات التجميل الشائعة. ولعلّ أبرز الجراحات التجميلية المطلوبة هي عمليات تحسين شكل الأنف وشفط الدهون وتكبير حجم الصدر وشدّ البطن وشدّ الوجه. لكن يبقى أنّ تقدّم الطبّ-التجميليّ قد ساهم في نشوء أنواع جديدة من عمليّات التجميل التي قد لا تخطر في بالنا للوهلة الأولى. فهذه الجراحات ليست أصعب من الناحية التقنية وإنّما هي غير شائعة بعد، وغير مطلوبة بكثافة لسبب ما. اعتمد الإختصاصيون في جراحات الترميم والتجميل تقنيات حديثة لشفط الدهون من الركبتين والمرفقين وبطتي الرجلين والرقبة. كما يمكن إجراء عمليات لإعادة الصبا إلى اليدين اللتين تكشفان العمر وتشيخان باكراً وتفضحان المستور بسبب إهمال العناية بهما وتعرّضهما لشتى العوامل الخارجيّة.
يتحدث الدكتور أنطوان أبي عبّود، الإختصاصيّ في جراحة الترميم والتجميل عن العمليّات التجميلية التي بات بالإمكان الخضوع لها الآن، لتحسين الشكل إلى أقصى حدّ. كما يتناول الحاجة إلى إجراء عمليّة تجميل بالمطلق. ومن جهتها، تشرح الإختصاصية في علم النفس سحر عبيد أسباب إجراء التجميل على أنواعه، والفرق ما بين حبّ الجمال والرغبة في التحسين، والهوس بالشكل!
مع التقدّم في السن ومواصلة إهمال العناية الصحيحة بالذات والتعرّض لمختلف العوامل الخارجية المسيئة وإعتماد نظام حياتيّ غير مدروس، سرعان ما تتكاثر الدهون ويترهّل الجلد وتظهر التجاعيد وتبهت نضارة البشرة. لذلك لا بدّ من عكس ذلك عبر طلب مساعدة الإختصاصيين. وُجدت جراحة الترميم لخدمة الإنسان وقد تلتها جراحة التجميل كي يصبح المستحيل ممكناً. فما هي كلّ هذه الجراحات الممكن إجراؤها؟
ترميم وتجميل
عند بداية الإستعانة بجراحة الترميم، لم يكن بعد قد بدأ مفهوم التجميل. فبحسب الدكتور أبي عبّود «نشأت جراحة الترميم بسبب الحاجة إليها. فمنذ القدم ومنذ آلاف السنين وفي مناطق عديدة ومنها بلاد الهند، كانت تتمّ معاقبة المجرم أو المذنب بقطع أنفه. وقد بدأت المحاولات لإعادة لتحسين شكل الوجه، وهكذا وُلدت تقنيّة ترميم الأنف. وكان ذلك يتمّ عبر أخذ خزعة جلديّة موصولة من منطقة الجبين مثلاً Flap، ووصلها بالأنف. ولا تزال هذه التقنية مُستخدمة ولكن مع تعديلات وإضافات. بعدها، إنتشرت العمليات الترميمية في البلدان العربية وأخذت تتطوّر في أوروبا ومن ثمّ الولايات المتّحدة. ومع نشوب الحروب، أصبح الترميم حاجة لإعادة ما قُطع أو تكسّر أو حُرق أو بُتر. وبعد إنتهاء الحروب، بدأ البحث عن التحسين، فنشأت جراحة التجميل منذ عام 1940. وها هي الآن في القمة ولا تزال تتطوّر وتتفوّق على ذاتها لتقديم الأفضل وحتى لتطويع المستحيل ليصبح حقيقة».
جراحة الترميم هي وسيلة تصحيحيّة لإعادة الشكل السابق أو لتصحيح الشائبة، وذلك إثر حادث أو حرق او تشوّه خلقيّ. فيما جراحة التجميل هي لتحسين الشكل بسبب نقص جماليّ تنبّه له المرء عبر ملاحظة ذاتية أو عبر الآخرين. وقد لا تكون الحاجة ملحّة إلى القيام به، لكنّه تلبية لرغبة معيّنة وإرضاء لصورة الذات.
لماذا جراحات التجميل؟
قد يتداخل الشقّ الترميميّ العمليّ مع ذلك التجميليّ التحسينيّ وقد يكون الإثنان منفصلين. لكن الأبرز هو أنّ الشخص هو الذي يقرّر ما يريد، بالطبع من خلال الإستشارة المتخصّصة لإتخاذ القرار الصائب. ترى عبيد أنّ «إجراء جراحة تجميل هدفه ببساطة إرضاء الصورة الذاتية للحصول على الإكتفاء النفسيّ والراحة مع النفس. فالإقتناع بالشكل أمر جوهريّ ولا عيب من محاولة تحسين الشكل. ولكن الأهمّ هو عدم إلغاء الفرادة والسحر الخاص الذي يتمتّع به كلّ شخص منعاً للإستنساخ والتقليد». فالجمال يجب ألا يكون مبتذلاً، وإنما هو نعمة من لدن الله ولا يجوز الإستهتار به.
تضيف: «من جهة أخرى، قد يكون الخضوع للعمليّات التجميلية هدفه جذب الشريك أو إرضاؤه. ويطبّق ذلك على الرجال والنساء معاً. فالشريك يبغي دائماً أن يكون عند حُسن ظنّ الآخر، إمّا بسبب حبّه له ورغبته في رؤيته في أحسن حالاته وإمّا غيرة من نظرات الآخرين وإمّا خوفاً من فقدانه! كما أصبح رائجاً إجراء جراحات تجميل بهدف العمل والإستمرار في النجاح. ونرى ذلك خاصة في صفوف المشاهير من مطربين ومطربات وفنانين وممثلين وحتى إعلاميين».
الإهتمام بالشكل ليس عيباً ويجب ألا يكون محطّ خجل أو موضع نكران. لكن الأهمّ هو معرفة الخضوع للتجميل عند الجرّاح المؤهّل كي لا ينزلق ليصير مبالغة أو حتى تشوّهاً.
جراحات غير مألوفة
يقول الدكتور أبي عبّود إنّ «نحو 20 في المئة من الرجال يخضعون أيضاً للتجميل، فلم يعد ذلك حكراً على السيدات، وإن كنّ يشكّلنَ الشريحة الكبرى بإمتياز. وأمّا أكثر الجراحات المطلوبة، فهي عالمياً شفط الدهون. وأمّا في لبنان والمنطقة، فهي عمليات الأنف تليها تلك الخاصة بشفط الدهون ومن ثمّ تكبير الصدر وشدّ الوجه والبطن».
يضيف «تتوافر جراحات تجميلية غير شائعة كثيراً بعد، لكنها مطلوبة وتنفّذ. وأبرزها تجميل الركبتين وبطتي الرجلين والمرفقين من خلال شفط الدهون، وشدّ اليدين وحقنهما، وشفط الدهون من الرقبة والذقن وشدّ المنطقة، وتعديل شكل الأذنين وتكبير الأرداف والمؤخّرة، وحتى تحسين شكل الأعضاء التناسلية عند النساء والرجال».
عملية تكبير حجم المؤخرّة معقّدة بعض الشيء وتستدعي فترة نقاهة طويلة، وهي مطلوبة للتمثّل بشكل راقصات السامبا البرازيليات والمطربتين الشهيرتين جنيفر لوبيز وبيونسيه. وأمّا جراحة شفط الدهون من الركبتين، فهي نتيجة تكدّس الشحوم حولهما بسبب العمر والتغذية الخاطئة. يفسّر أبي عبّود «يتمّ شفط الدهون والترسّبات الدهنية الموجودة على يمين الركبة ويسارها وتحتها وفوقها وصولاً إلى الفخذين والردفين أحياناً وقد تترافق مع عملية شدّ لتحسين الشكل. وتتبعها جلسات لتصريف الماء ولتحسين الدورة اللمفاويّة».
من جهة أخرى، يمكن إجراء شفط شحوم من منطقة بطّة الرجل، كما يمكن، بحسب أبي عبّود «وضع Implants لإعطاء الشكل الصحيح اذا لم يكن الشكل موجوداً أصلاً». وفي ما خصّ المرفقين، يرى أنّه «بسبب وجود تشوّهات خلقيّة أو ترهّل وتجمّع للدهون، يتطلّب الأمر إختصاصياً للشفط والشد، كون المنطقة حسّاسة وفيها أعصاب كثيرة». وممّا لا شك فيه أن اليدين عُرضة للشيخوخة أيضاً، فعندما يصبح الجلد المحيط باليدين أقلّ سماكة، تظهر التجاعيد وتبدو الأوتار والشرايين وترتخي البشرة. فلا بدّ من إعادة صنع سماكة جلديّة عبر الحقن أو عبر إستعمال الليزر لتحفيز إنتاج الكولاجين وتجديد الخلايا. وقد يُصار إلى شدّ جلدة اليدين أيضاً.
وكتقنية حديثة أيضاً، يمكن إجراء عمليات تجميلية تحسينية في منطقة الأعضاء التناسلية». إضافة إلى العمليات التي تُجرى في الحالات المتطرّفة أي عند المعاناة من مشكلات في الهوية الجنسية وإثر التحوّلات الجنسيّة.
ليس الجسم وحده الذي يخضع للتجميل والتحسين، وإنّما للوجه أيضاً حصّة لا يُستهان بها. ومن أبرز الجراحات التجميلية غير المألوفة بكثرة بعد هي عمليات تحسين شكل الأذن. يقول أبي عبّود: «أصبح بإمكاننا إعادة وصل الأذن أي «لصقها» عندما تكون مقوّسة كثيراً ونافرة إلى الأمام، كما يمكن صنع شكل للغضروف في حال غيابه، ويمكن تصغير حجم الأذن من المنطقة السفلى أو المنطقة العليا. وفي حالات التشوّه الخلقي، يمكن زرع أذن من الضلع ولكن على مراحل عديدة». فلا حاجة بعد اليوم الى الخجل من شكل الأذن الخاطئ أو النافر أو الكبير.
وأمّا في حال إكتناز الدهون في منطقة الرقبة وبروز ترهّل جلديّ، فيعمل طبيب التجميل على «شفط دهون موضعية وإعادة شدّ البشرة إلى مكانها وإخفاء الإرتخاء. وأحياناً، قد يتطلّب الأمر جراحة كاملة للرقبة في حال الإرتخاء الفاضح».
نصيحة للتجميل
يختم أبي عبّود «الموضوع برمّته خاضعاً للنظرة الذاتية والحاجة النفسيّة. فلا مانع من القيام بالتجميل ما دام لا يتعارض مع الهوية والتميّز والشخصية. ولا حاجة إلى التطرّف. ضمن المعقول، هدف العملية هو التحسين والتجميل، فلمَ لا؟ تجدر الإشارة إلى أنه يمكن عكس بعض نتائج العمليات التجميلية ولكن ليس تماماً لأنها تكون أحياناً صعبة، ولا بل مستحيلة. لا عواقب جانبية صحيّة تُذكر، خاصة عند مراعاة القوانين والوثوق بجرّاح متخصص نزيه وأمين».
رغبة أم هوس؟
محاولات التحسين هي أمر طبيعيّ وحاجة تنبع من الإنسان. أمّا أن يكون الهدف الوحيد في الحياة هو الخضوع لمختلف الجراحات التجميلية، فهذا هوس بحدّ ذاته.
تقول عبيد: «إنّ حبّ الجمال ليس خطأ، وإنما الهوس به والإكثار من العمليات العشوائية وغير المدروسة والتي تهدف إلى إبدال شكلنا بآخر مختلف تماماً، هما دليل قاطع على المعاناة من مشكلة نفسية وأزمة ثقة بالذات. فالشخص الذي لا يرى أنّ فيه شيئاً من الجمال ولا يكون راضياً أبداً عن شكله يعاني مشكلة مع ذاته أوّلاً وقد تتحوّل إلى نظرة إضطهاد -برأيه- من الآخرين. إنّ تصحيح شائبة خلقية أو تعديل مظهر منفر للعين أو حتى القيام بعملية بسيطة لتأمين الراحة النفسيّة أمر مقبول وطبيعيّ ومنطقيّ. وإنما الخضوع للجراحات كما نخضع لتصفيف الشعر، أي بوتيرة عالية ومن دون سبب وجيه، فهو خاطئ بالتأكيد». في الختام، إن إستشارة الطبيب المختصّ أمر مُلزم وضروريّ ولا يجوز الإستهتار أبداً بنصيحة المؤهلين لأنها السبيل الوحيد إلى النجاح.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024