فصل التوأمين السياميتين عزيزة وسعيدة
في نهاية عملية فصل التوأمين السياميتين المغربيتين عزيزة وسعيدة، أكملت المملكة العربية السعودية الرقم 21 من عمليات فصل التوائم السياميين كأكبر رقم عالمي لهذا النوع من العمليات، بعد مسيرة تسعة عشر عاماً بدأها الدكتور عبدالله الربيعة في مستشفى الملك فيصل التخصّصي عام 1991 لفصل طفلتين سعوديتين. ويعد الدكتور الربيعة - وزير الصحة السعودي - الأكثر شهرة وبروزاً في هذا المجال. يقول: «رغم ندرة حالات الأطفال السياميين التي تبلغ عالمياً واحدة لكل أربعين ألف حالة حمل، فإنها حالات إنسانية شديدة التعقيد تجعل من حياة الثنائي السيامي وأسرتهما جحيماً لا يطاق، الأمر الذي يلقي على كاهلنا نحن الاختصاصيين في هذا المجال مسؤولية عظيمة للقيام بكل جهد مستطاع لفصلهما بأقل الأضرار وبما يحفظ عليهما حياتهما».
وكانت الشقيقتان التوأمان السياميتان المغربيتان عزيزة وسعيدة قد وصلتا إلى المملكة في طائرة الإخلاء الطبي بناءً على توجيهات خادم الحرمين الشريفين لإجراء الجراحة في أقرب وقت.
أنهى الفريق الطبي في مدينة الملك عبد العزيز الطبية للحرس الوطني في الرياض عملية فصل السياميتين المغربيتين عزيزة وسعيدة التي أمر خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود بإجرائها على نفقته الخاصة. وقام الفريق الطبي السعودي خلال الجراحة برئاسة وزير الصحة السعودي عبد الله الربيعة بفصل التوأمين خلال سبع مراحل بدأت بمرحلة التخدير الكامل، ثم الإعداد والتعقيم، وبعدها مرحلة فتح منطقة الالتصاق، ثم مرحلة فصل الكبد والبنكرياس، ثم مرحلة فصل الأمعاء، ثم فصل التوأمين ونقلهما إلى طاولتين منفصلتين للبدء بعملية الترميم في المرحلة السابعة والأخيرة لتغطية الجروح ووضع الضمادات ونقل التوأمين إلى وحدة العناية المركّزة.
وكشفت الفحوص الدقيقة التي أجريت للتوأمين أنهما تتشاركان في الكبد والبنكرياس وقنوات الكبد وجزء من الإثني عشر والجزء الأعلى من الأمعاء الدقيقة، كما أن هناك عدم اكتمال في جدار البطن.
شارك في العملية طاقم طبي من أقسام جراحة الأطفال والقلب والتجميل والتخدير والأشعة مؤلّف من ثمانية أطباء.
وقال السفير المغربي في الرياض عبد الكريم السمار لـ «لها»: «إن مبادرة خادم الحرمين تعكس قوة العلاقات والتعاون بين السعودية والمغرب، وهي من الأمور غير المستغربة على الملك عبد الله خصوصاً لما تتمتّع به المملكة من كوادر طبية ذات كفاءة عالية». وأشار إلى أن هذه الجراحة «تعتبر الثالثة لسيامي من الجنسية المغربية»، وأوضح أنه كان موجوداً من ساعات الصباح الأولى في المستشفى لكون الطفلتين في سن كبيرة. وشرح له الفريق الطبي أن احتمال الإصابة بمضاعفات وإلتهابات أكبر بخلاف من يكونون في سن صغيرة. وأشار أن الدكتور الربيعة لم يتردّد ولم يفكر مرتين في قبول الحالة وتسهيل إجراءاتها.
وأضاف: «إن المغاربة تعودوا على هذه المبادرات الإنسانية من خادم الحرمين الشريفين، إذ إنه دائماً يقف بجانب إخوانه المغاربة، وأن ذلك يؤكد متانة العلاقة بين المملكتين الشقيقتين».
وبعد المرحلتين الأولى والثانية بالتخدير والتعقيم ووضع الأغطية، جاء في المرحلة الثالثة شقّ الجلد باستخدام مشرط الليزر الحراري للتقليل من النزف وإجراء فتحة في المنطقة الأمامية من الإلتصاق وفصل الجلد وعضلات الصدر والبطن وغشاء القلب المشترك. المرحلة الرابعة كانت فصل الكبد، وهي أكبر منطقة اشتراك في القنوات الصفراوية والقولون وهي أدقّ مرحلة، واستمرّت أربع ساعات متواصلة وشارك فيها جرّاح الأطفال في مدينة الملك عبد العزيز الطبية الدكتور محمد النمشان.
من جهة أخرى، أكد اختصاصي التخدير عبد العليم العطاسي أن مدّة التخدير لابد أن تستمرّ طوال فترة الجراحة، وهي من متطلّبات المراحل السبع الأساسية لنجاح العملية. وأشار إلى أن الخطة التي حدّدها الأطباء لم تتغير حتى في المرحلة الصعبة من الجراحة وهي الفصل النهائي، وقال: «شاركت للمرة الأولى الطبيبة السعودية اختصاصية تخدير الأطفال عواطف فادن من مستشفى الملك خالد الجامعي».
وأوضح استشاري التخدير في مستشفى الملك فهد بالحرس الوطني رئيس فريق التخدير في عملية فصل التوأمين الدكتور محمد الجمال أنه تمّ استعمال نوعين من التخدير، الأول التخدير النصفي الذي يوفّر عدم الإحساس بالألم إطلاقاً ومن ثم يتمّ التخدير الكلي الذي يجعل التوأمين في حالة قريبة جداً من النوم الطبيعي وهو يعطي أفضل النتائج. وأوضح أن مرحلة التخدير مرّت بخطوات عدّة تمّت جميعها كما خطّط لها، بل أن عملية التخدير انتهت في وقت أقل مما خطّط له حيث كان من المتوقّع أن تنتهي خلال ساعتين ونصف الساعة. وأضاف أن عملية التخدير تمّت بناءً على الفحص الإكلينيكي والإشعاعات والتحاليل التي أجريت للتوأمين قبل العملية.
وقال: «واجهنا صعاباً عدّة أمكن تجاوزها بنجاح، وهي نابعة من أن العمود الفقري لم يكن مستقيماً، وكانت الكبد واحدة كبيرة، مع اعتقادنا في السابق أنها عبارة عن جزئين. واستمرّت عملية فصل الكبد أكثر من أربع ساعات تمّ توزيعها بشكل متناسب بين الطفلتين. واستمرّ التخدير 45 دقيقة، واستخدمنا التخدير الجزئي الذي يوفّر عدم الإحساس بالألم مطلقا والتخدير الكلي الذي يجعل التوأمين في حالة قريبة من النوم ليعطي أفضل النتائج». وأوضح أنه لم يتمّ استخدام البالون الذي يساعد في تمدّد الجلد وارتخائه للإستفادة منه في تغطية الجرح لأن منطقة البطن متمدّدة ولا تحتاج إلى وضع بالون.
من جهة أخرى، قال والد الطفلتين عمر باعلي عقب انتهاء العملية: «أشكر الله بعد تحقّق حلمي برؤية سعيدة وعزيزة وهما منفصلتان بعد معاناة امتدّت عامين». وأضاف أنه منذ ولادتهما لم تغادرا المستشفى، «وكنا نضطرّ لأن نسافر لزيارتهما مرّة كل أسبوعين والإنتقال إلى المستشفى في مدينة تارودان المغربية التي تقع على مسافة بعيدة من مكان إقامتنا».
وأضاف: «لقد غمرنا خادم الحرمين بمكرمته بعلاج ابنتيّ وأشكره الآن وأنا أراهما وقد تمّ فصلهما... فمنذ وصولنا والجميع مهتمّون بنا».
من جانبها، رفعت والدة الطفلتين فاطمة أحمد شكرها لخادم الحرمين وقالت: «أدعو ربي سبحانه أن يطيل في عمر هذا القائد الإنسان. وإن فرحتي كبيرة بما رأيته من اهتمام منذ قدومنا إلى المملكة وحتى اليوم، هذا الذي أسعدنا وكان فيه فرحة غامرة بنجاح فصل ابنتي سعيدة وعزيزة على يد الجرّاح العالمي الدكتور عبدالله الربيعة والفريق الطبي الذي ساعده».
استقرار سعيدة وعزيزة بعد مرور 24 ساعة على الجراحة
وصف الدكتور عبد الله بن عبد العزيز الربيعة الحالة الصحية للتوأمين سعيدة وعزيزة بأنها مستقرّة ولا يوجد لديهما أي مضاعفات.
وجاءت تصريحات الربيعة بعد مرور نحو 24 ساعة على إنهاء عملية فصلهما التي استغرقت 13 ساعة و20 دقيقة. وقال إن الطفلتين تخضعان للمراقبة المشدّدة في غرفة العناية المركزة للأطفال وجميع الوظائف الحيوية والقلب والكبد تعمل بشكل طبيعي وجيد، وسيعمد الفريق الطبي المعالج إلى تخفيف الاعتماد على التنفّس الصناعي حتى السماح لهما بالتنفس الذاتي بعد أيام قليلة.
وتوقع بقاء الطفلتين في غرفة العناية المركزة لمدّة ثلاثة أسابيع تقريباً للتأكّد من شفائهما تماماً واستعداداً لمراحل التأهيل. وأشار الربيعة أن الحالة النفسية لوالدي الطفلتين في وضع جيد.
المسيرة الحافلة لفصل التوائم السياميين في المملكة العربية السعودية التي امتدّت على مدى عقدين من الزمان إحدى وعشرين عملية هي:
- فصل توأمين سعوديتين في أواخر عام 1991.
- فصل السودانيتين سماح وهبة، وذلك في شباط/فبراير من 1992.
- فصل توأمين سعوديين في العام 1995.
- فصل التوأمين السعوديين حسن وحسين في كانون الثاني/يناير 1998.
- فصل التوأمين السودانيين نجلاء ونسيبة في كانون الثاني/يناير 2002.
- فصل التوأمين الماليزيين أحمد ومحمد في أيلول/سبتمبر 2002.
- فصل التوأمين المصريتين تاليا وتالين في تشرين الأول/اكتوبر 2003.
- فصل التوأمين الفيليبينيتين برنسس ان وبرنسس ماي في آذار/مارس 2004.
- فصل التوأمين البولنديين أولغا وداري في كانون الثاني/يناير 2005.
- فصل التوأمين المصريتين آلاء وولاء في حزيران/يونيو 2005.
- فصل التوأمين المغربيتين حفصة وإلهام في آذار/مارس 2006.
- فصل التوأمين العراقيتين فاطمة وزهراء في أيلول/ديسمبر 2006.
- فصل التوأمين الكاميرونيتين فينبوم وشيفوبو في نيسان/أبريل 2007.
- فصل التوأمين السعوديين عبدالله وعبدالرحمن في تموز/يوليو 2007.
- فصل التوأمين العُمانيين صفاء ومروة في تشرين الأول/أكتوبر 2007.
- فصل التوأمين المغربيين الصفا والمروة في تموز/يوليو 2008.
- فصل التوأمين العراقيين إياد وزياد في تشرين الأول/أكتوبر 2008.
- فصل التوأمين المغربيتين عزيزة وسعيدة في حزيران/يونيو 2009.
كما أُجريت خلال السنوات الماضية أربع عمليات لفصل توائم طفيلية، والتوأم الطفيلي. هو الذي يفصل عن شقيقه الميت غير المكتمل النمو. وتُعدّ هذه العمليات استكمالاً للعمليات السابقة التي أُجريت لفصل توائم في المملكة. وبذلك يكون عدد العمليات الجراحية التي أجريت في السعودية لفصل توائم سياميين قد بلغ إحدى وعشرين عملية، تمت جميعها بنجاح.
شاركالأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024