تحميل المجلة الاكترونية عدد 1077

بحث

نائب رئيس تطوير العطور عالمياً لـ Aramis وعطور المصممين ADF ترودي لورين...

فنانان مبدعان يتعاونان ويترجمان خبرتهما الطويلة ومهاراتهما في مجال فن ابتكار العطور وفن الخط والتصميم الغرافيكي  من خلال عطر عربي يجمع بين لمسة الغرب وجاذبية الشرق.

- ترودي، متى قررت أن تصبحي مبتكرة عطور، ولماذا؟
أصبحت مبتكرة عطور بالصدفة، فقد درست الكيمياء الحيوية  وكنت أبحث عن عمل في التحليل الكيميائي في إحدى الشركات المنتجة للعطور، وهناك خضعت لامتحان في الشم Smelling Test ونجحت. بداية، عملت في قسم مراقبة الجودة، ثم درست فن تصميم العطور على يد عطار كبير، وانطلقت في مهنتي التي أعشقها. وأنا سعيدة جداً بكوني اخترت مهنة تطوير العطور المشوّقة.

- أخبرينا عن أولى ذكرياتك العطرية ؟
أول عطر شممته في حياتي هو عطر أمي المفضل Chanel No.5 وكنت أجده أنيقاً للغاية. لكن أول عطر استخدمته كان Rive Gauche من Yves Saint Laurent  فقد اعتدت منذ نعومة أظافري على العطور الأنيقة. الروائح العطرية لها تأثير كبير على النفسيّة والمزاج، وهي تحيي الذكريات، وتسافر بك من مكان إلى مكان في لحظات معدودة. زهرة الياقوتيّة Hyacinth مثلاً تذكرّني بجدّتي لأنها كانت تحب هذه الزهرة وكنا نقدّم لها باقة منها في المناسبات الخاصة.

- ما هي المواد الخام التي تفضلينها عن سواها في صناعة العطور؟
أحب الكهرمان، اللبان الجاوي، الأخشاب، والتوابل لأنها تُثري العطور وتضفي عليها بعداً جذاباً.

- ما سرّ اهتمامكم بالعطور العربية؟ هل هي نزعة جديدة تعتمدها الشركات الغربية المصنّعة للعطور؟
العطور الشرقية ليست غريبة عن دار «أراميس» Aramis، واهتمامنا بالعطر العربي تحديداً سببه غنى منطقة الشرق الأوسط بالمواد الخام المترفة والنادرة. من ناحية أخرى، تملك منطقة الشرق الأوسط تاريخاً عريقاً في صناعة العطور، وتعتبر السوق العربية من أنشط الأسواق مبيعاً للعطور المحلية والعالمية لأن العرب يعشقون العطر ويتدثرون بأجمل العطور وأثمنها، وهم يقدّرون المواد الخام المترفة التي تُصنع منها العطور المميّزة. لهذا السبب، قررنا أن يكون عطرنا الجديد مخصصأً للشرق الأوسط. من ناحية أخرى، قريباً يحتفل عطر «أراميس» Aramis الكلاسيكي بمرور 50  عاماً على إنطلاقته الأولى، وصموده بين 20 عطراً من أكثر العطور مبيعاً في الأسواق العالمية، كما أنه لا يزال في بعض البلدان الغربية يتصدّر العطور الكلاسيكية الخاصة بالرجال. لهذا السبب، قررنا إطلاق عطر «الخط العربي» Perfume Calligraphy في هذه الفترة ليكون انبعاثاً جديداً لعطر نأمل أن يحقق نجاحاً مماثلاً في الشرق الأوسط حيث يوجد تقدير كبير للعطور المترفة وجودة النوعية.

- ما هي النفحات الرئيسية التي تدخل توليفة عطر Calligraphy؟
ينتمي هذا العطر إلى عائلة العطور الشرقية التي تعتمد في أساسها على الأخشاب والصموغ والورد. تتألف قاعدة عطر Calligraphy من مزيج خشبي دافئ مصدره العود، البتشولي، العنبر والمسك. أما جوهر العطر فمعزز بعبق المرّ وخلاصة الورد البلغاري المركزة  والثمينةRose Absolute تعانقها نفحات الزعفران، ويتوّجها عبق حب الهال، القرفة، والليمون الحامض الذي يضفي لمسة انتعاش وحيوية على هذا العطر الدافىء.

- هل واجهتك صعوبات أثناء العمل على تطوير العطر؟
بالعكس تماما. العمل على تطوير عطر Calligraphy كان ممتعاً وتجربته فريدة من نوعها لأنه كان العطر العربي الأول الذي ابتكره، وزيارتي للشرق الأوسط ، تحديداً دبي، ألهمتني كثيراً لأنني تعلمت من خبراء العطور المحليّين كيفيّة حرق العود وطرق استعماله في العطور العربية ما أكسبني مهارة جديدة. وخلال زيارتي هذه فهمت أكثر ما يحبّه المستهلك العربي، وما يتوّقعه من أي عطر جديد يريد اقتناءه. عندما عدت على دياري، نقلت ما خبرته إلى مصممي العطور الذين أتعاون معهم من باريس ونيويورك، وقمنا بتجارب كثيرة إلى أن حصلنا على التوليفة النهائية للعطر والتي أردتها أن تكون غنيّة وتستمر ساعات طويلة. لكن الصعوبات الوحيدة التي نواجهها عادة عند ابتكار عطر جديد، تكمن في إيجاد غلة جيّدة من الأزهار التي تدخل في جوهر توليفة العطر لأن التبدّلات المناخية تؤثر سلباً على نوعية الأزهار في مناطق معيّنة ما يؤدي إلى تبدّل في أريجها، أي أن رائحة الزهرة نفسها يختلف بين بلد وآخر، وهذا ما يدفعنا دائماً للبحث عن أجود النواع وأثمنها بما يناسب تركيبة العطر الذي نعمل على تطويره.

- ما الذي حرّك مخيلتك الإبداعية خلال زيارتك لدبي؟
الروائح التي تعبق بها الاجواء في المطار، والأسواق، والفنادق، والمنازل... هنا كل شيء أثيري، دافئ، غامض، وجذاب. لم أشعر إلا بأنفي يستنشق النسمات العطرية التي تحيط به من كل حدب وصوب. كنت أسير خلف المارة لأغذي أحاسيسي وأفكاري.. والنتيجة كانت ولادة عطر Calligraphy الذي آمل أن يعجبكم كما أعجبني.

- عطر Calligraphy  موّجه لكلا الجنسين ألا تعتقدين أنه قد يكون قوياً بعض الشيء بالنسبة الى النساء؟
لا، لأننا أضفنا إليه خلاصة الورود التي تمنحه لمسة أنثوية ما يجعله ملائماً للنساء أيضاً. عندما نعمل على عطر مخصص لكلا الجنسين نحرص على وجود توازن بين النفحات العطرية لكي لا يغلب الطابع النثوي على الذكوري والعكس بالعكس. التوازن ضروري جداً لإرضاء المستهلك وتحديد ما يلائمه.

- كيف تتدثرين بعطرك المفضل؟
أرشه على شعري لأن الشعر يحفظ رائحة العطر لساعات طويلة، وتفوح النفحات العطرية من خصلاته كلما وكيفما حركت رأسك. يكفي أن ترشي العطر في الهواء أمامك، وتمرّين تحته، ليغلف الرذاذ المتناثر في الجو شعرك بهالة عطرية فوّاحة.

-  أي عطر من العطور التي ابتكرتها تعتمدين يومياً؟
عطر Calligraphy لأنه يضم النفحات المفضلة بالنسبة إلي والتي أعتبرها أصدق تعبير عن شخصيتي.


شوارع بيروت

- طارق، هل تستوحي أفكارك من العالم العربي الذي تنتمي إليه، أم من المحيط الغربي الذي تعيش فيه؟
أنا متأثر بعالمنا العربي وهذا جليّ من خلال أعمالي الفنيّة. مصدر إلهامي الكبير يأتي من شوارع بيروت حيث كبرت وترعرعت ودرست. هناك كنت أرى الخط العربي مكتوباً بألف شكل ولون في الشوارع وعلى جدران المدارس واللوحات الإعلانية المختلفة. وكنت أجد أشكال الخط المختلفة جذابة جدا. الآن، أعيش وأدرّس في الجامعات الأوروبية، وأغذي مخيّلتي الإبداعية من خلال مراقبة أعمال المصممين الأوروبيين  وكيفية تطويرهم لتراثهم الفنّي. أحاول دائماً إيجاد توازن بين حضارة الشرق والغرب لابتكار أسلوب خاص ومميّز في رسم الخط والتصميم الغرافيكي.

- هل جاء إسم العطر قبل تطويره أم ولد العطر بوحي من الخط العربي؟
أظن أن فكرة العطر مستوحاة من المخطوطة العربية لذا سميّ العطر «الخط العربي». تبع ذلك عملية توليف العطر، وتصميم اسمه وعبوته.

- هل هذا العمل هو تجربتك الأولى مع عالم العطور؟
لقد عملت مسبقاً على تصميم عبوات توضيب العطور، لكنها المرّة الأولى التي أخط بها اسم العطر على القارورة. تخصصي واسع الآفاق، وهذا ما يجعل طبيعة عملي ممتعة، فهي تحمل لي الكثير من التجارب الجديدة التي تجعل خبرتي أعمق وأنضج. كل عمل جديد يحمل تحديات كثيرة تشجعك على الإبداع، وتعاوني مع خبراء شركة Estée Lauder العريقة علمني الكثير. كل واحد منا أضفى من خبرته في المجال الفني الذي يبرع فيه أكثر،  فكانت التجربة مفيدة ونتيجة التعاون بيننا مثمرة جدا.

- هل ستساهم لمستك الفنيّة في تسويق العطر في شكل أفضل؟
آمل ذلك، ففكرة العطر كما ذكرت سابقاً تقوم على «الخط العربي»، وهو موّضب في زجاجة فاخرة تحمل شعاراً مخطوطاً بأسلوب فنيّ جذاب يعكس التراث العربي. فن الخط  أو «الخط العربي» Calligraphy باللغة العربية مؤلف من كلمتين، لهذا السبب، حرصت على أن تكون كل كلمة منهما مخطوطة بأسلوب مختلف. الأولى هندسية الشكل  والثانية تقليدية وفنيّة. هذا التباين يوضح مبدأ العطر المصمم لكلا الجنسين، كما يعكس صورة التقاليد الممزوجة بالفن المعاصر.

- ترودي، ما هو القاسم المشترك بين الخط العربي وفن صناعة العطور والذي بنيتم فكرة العطر حوله؟ 
 فن صناعة العطور قديم جداً لكنه بقي وسيلة للتعبير عن الذات. كلمة  عطرPerfume مشتقة من المصطلح اللاتيني «Per Fume» أي من «خلال الدخان»،  واليوم لا يزال دخان العود المحروق كالبخور يُمرر عبر الضيوف كتعبير عن حسن الضيافة. فن الخط المؤرخ يعود أيضاً إلى زمن بعيد وهو أساسيّ في الفن الإسلامي، وشكله التصويري في الكتابة يسمح للمبدع بتحويل الأحرف إلى شكل فني جميل. يمكن لكلمة أن تعطي شكلاً مميّزا، أو لحرف واحد أن يتطور إلى عقدة مزخرفة. تداخل هاتين الحرفتين القديمتين مع البشرية بات اليوم مغلفاً في ابتكار واحد  هوعطر Calligraphy الذي يشكل تحفة تراثية- فنيّة عصرية  مصممة للذوّاقة في الشرق الأوسط الذين يقدرّون النفحات العطرية المترفة والتصميم الأنيق.

 

المجلة الالكترونية

العدد 1077  |  آب 2024

المجلة الالكترونية العدد 1077