تحميل المجلة الاكترونية عدد 1078

بحث

الغذاء السليم في أول ألف يوم من عمر الطفل...

د.خالد المدني

د.خالد المدني

من غير الممكن بناء بيت على أساس معطوب لأننا نعي تماماً عواقب هذا الفعل وما يترتب عليه من خسائر فادحة.
كذلك
هي صحة الطفل كونها تعتمد اعتماداً كبيراً على وضع حجر أساس سليم لضمان استمرار اكتمال صحته وسط تأكيدات من بعض الخبراء لأن معظم الأمراض التي يصاب بها الفرد تكون ناتجة عن اتباع أساليب خاطئة للتغذية في أول أيام عمره.

حجر الأساس الذي ينبغي وضعه بالشكل الصحيح يمثل أول 1000 يوم من حياة الطفل، والتي اختلف المختصون على حسابها، إذ أن هناك من يقول إنها تبدأ منذ تكوّن الجنين، في حين يرى آخرون أنها تكون منذ ولادة الطفل.
إلا أنه في كل الأحوال من الضروري اعتناء المرأة بتغذيتها في فترة الحمل والرضاعة باعتبارها ترتبط ارتباطاً وثيقاً بطفلها إما عن طريق الحبل السرّي وهو في أحشائها، أو ثديها أثناء إرضاعه.

الأمراض التي تصيب الإنسان لها علاقة بنمط تغذيته في فترة الرضاعة
يعتبر البروفسور في طب الأطفال في جامعة فيينا الطبية ورئيس أكاديمية نستله للتغذية فرديناند هاشكي أن أول 1000 يوم من حياة الطفل هي بمثابة اللبنة الأساسية لبناء جسم سليم وصحة جيدة في المستقبل، إذ أن أي خلل في أساليب التغذية خلال تلك الفترة سيصعب بعد ذلك تعديله مستقبلاً.
وأكد على هامش ندوة حوارية عقدتها أكاديمية نستله للتغذية بالشرق الأوسط أخيراً في جدة تحت عنوان «الأيام الألف الأولى: تمهيد الطريق لبناء جيل أكثر صحة»، أن الكثير من الأمراض التي تصيب الإنسان خلال حياته لها علاقة بنمط تغذيته في الفترة الأولى من عمره، ومن ضمنها البدانة والحساسية، لافتاً إلى أن زيادة وزن الطفل تبدأ ببدانة الأم التي تعرّض ابنها لأن يكون بديناً في المستقبل مقارنة بالأم ذات الوزن الطبيعي، خصوصا أن أطفال الأمهات البدينات يولدون بأحجام كبيرة كونهم قابلين للنمو بطريقة أسرع من أقرانهم العاديين مهما كان نوع التغذية.
ومن هذا المنطلق، يمكن القول إن زيادة وزن الطفل ليست بالشيء الجميل كما يعتقد كثر لأن ذلك يعرّضه لمشاكل صحية خطيرة.
وبما أن الأم تعد المفتاح الرئيسي لصحة أطفالها، عليها القضاء أولاً على بدانتها من خلال تغيير طريقة حياتها وأسلوبها الغذائي وممارسة التمارين الرياضية لتقليل وزنها وحماية طفلها في ما بعد.

الرضاعة الطبيعية تحمي طفلك من البدانة والحساسية
ويرى هاشكي أن الرضاعة الطبيعية في المرحلة الأولى من عمر الطفل تعد الغذاء الأمثل لحمايته من البدانة، إلا أنه في حال عدم توافر كميات كافية من حليب الأم فإنه يمكن اللجوء إلى البدائل من الحليب الصناعي شريطة أن تكون خالية من البروتين الذي يسرّع عملية نمو الطفل.
ويضيف أنه في حال إصابة أحد الوالدين بأي نوع من أنواع الحساسية ينبغي مراعاة ذلك عند تغذية الطفل، إذ يجب إرضاعه بحليب صناعي منخفض التحسس، خاصة أن الحساسية قد تظهر على الأطفال خلال الأشهر الخمسة الأولى من حياتهم، غير أن الرضاعة الطبيعية تحمي الرضيع من إصابته بالحساسية.
الأغذية المدرّة للحليب في فترة الرضاعة عادة خاطئة تكلّف المرأة الشيء الكثير وفي ظل انتشار معتقدات سائدة خاصة بين الأوساط النسائية العربية حول ضرورة تناول كميات كبيرة من الدهون والسكريات بهدف إدرار الحليب وزيادة كميته خلال فترة الرضاعة، يحذر البروفسور فرديناند هاشكي من هذه السلوكيات، إذ أن الحالة الطبيعية للحمل تجعل جسم المرأة يخزن ما بين كيلوغرام إلى اثنين من الدهون شهرياً طوال فترة حملها، والتي تذوب تلقائياً من خلال الرضاعة الطبيعية، وإذا تناولت المرأة بعد الولادة أغذية غنية بالكربوهيدرات والدهون فإنها ستتراكم في جسمها وبالتالي يصعب رجوع وزنها إلى معدله الطبيعي.


علا قرمان

بسبب اعتمادها على ما تسمعه من السيدات حول طرق تغذية الطفل، أخطأت علا قرمان في تنشئة ابنها الأول بشكل صحيح من الناحية الغذائية خلال أول عامين من عمره، الأمر الذي أدى إلى اختلاف أنماط غذائه كلّياً عن شقيقته الثانية.

وتقول علا إن أبرز الأخطاء التي وقعت فيها هي بداية إعطائه الأكل منذ أن كان في الشهر الرابع، مما أدى إلى إصابته بانتفاخات، إلا أنها لم تكرر ذلك الخطأ مع ابنتها الثانية، بل بدأت إعطاءها الطعام بعد أن أكملت شهرها السادس.
كما أنها أخطأت في تعويد ابنها أولاً على الفواكه بطعمها المحلى، وهو ما جعله يعزف عن تناول الخضر.

ولأن علا كانت تعاني من عدم تقبّل ابنها للأكل بشكل عام، فإن ذلك جعلها تعوّده أيضاً على الوجبات السريعة فقط كي يأكل، مما جعله يكتسب هذه العادة حتى بعد أن بلغ 7 سنوات، إذ أنه لا يفضّل سوى أصناف معدودة من أكل المنزل، بينما يعتمد في تغذيته على المأكولات السريعة.

وبالنسبة الى طريقة تغذية ابنتها، تفيد علا بأنها تختلف اختلافاً جذرياً عن شقيقها الأكبر، إذ أنها بدأت بإعطائها الخضر ثم الفواكه، إضافة إلى منعها من التعلق بالوجبات السريعة في أول سنوات عمرها، الأمر الذي جعلها تعتاد على أكل المنزل بشكل سليم.

أخطاء التغذية لم تطل ابنها وابنتها فحسب، بل حتى هي أيضاً وقعت فيها عندما نفذت نصائح من حولها بشأن تناول مأكولات مخصصة لإدرار الحليب في فترة الرضاعة، ولكنها تؤكد أن تلك الأطعمة لم تؤثر مطلقاً على كمية الحليب، وإنما لاحظت أن شرب كميات كبيرة من الماء مفيد جداً لإدراره.


إيمان الذاري

أثناء فترة حملها، كانت إيمان الذاري تقيم مع والدة زوجها التي اعتنت كثيراً بتقديم العديد من أنماط التغذية لها، والمتضمنة حليباً كامل الفيتامينات، مع الخضر والفواكه وغيرها من الأطعمة المغذية للمرأة الحامل، وهو ما جعلها تنجو من العادات الغذائية الخاطئة خلال حملها بابنتها.

وبمجرد الوضع، انتقلت إلى منزل والدتها بحسب الأعراف والتقاليد، فبدأت والدتها تقدّم لها المأكولات الدسمة كالبيض البلدي والسمن والعسل واللحوم، إلى جانب تناول بعض الأعشاب الطبيعية التي يعتقد أنها مفيدة للمرأة خلال فترة الأربعين بعد الولادة.

وتقول إيمان إن تلك الأطعمة المليئة بالدهون سببت لها زيادة كبيرة في الوزن، إضافة إلى اضطراب هرمونات جسمها جرّاء السمنة التي أصابتها، الأمر الذي حتم عليها متابعة حالتها مع اختصاصية للتغذية والالتحاق بنادٍ رياضي للتخلّص من الوزن الزائد.

أما بالنسبة إلى ابنتها، فقد جرت العادة أن تبدأ الأم بإطعام طفلها في الشهر الثالث من عمره، إذ يجب عليها إذاقته كل أنواع المأكولات حتى لا يعتاد في كبره على أكل أنواع معينة من الأطعمة ونبذ أنواع أخرى.
تقول إيمان: «كنت مستمرة على الرضاعة الطبيعية لمدة 4 أشهر، وحين بدأت تطبيق نصائح من حولي في إطعامها أصيبت بحساسية في صدرها، وهي تعاني منها حتى الآن بعد أن وصلت إلى سن السادسة عشرة».


د.خالد المدني

قال استشاري التغذية العلاجية ونائب رئيس الجمعية السعودية للغذاء والتغذية الدكتور خالد المدني إن أهمية تغذية الطفل تبدأ من وقت تكونه كجنين، وذلك من خلال اهتمام الأم بتناول الغذاء الصحي المتوازن الذي يوفر كل احتياجاتها من العناصر الغذائية باستثناء الحديد، إذ لا بد أن تحتوي الوجبات على الحليب ومنتجاته والخضر والفواكه والبقوليات واللحوم والحبوب.

وإضافة إلى التغذية السليمة، لا بد أن تكون هناك فترة كافية من الوقت بين الحمل والذي يليه، وذلك من أجل صحة الأطفال بعد الولادة واستعادة الأم لصحتها أيضاً، إذ أن تأخير حدوث الحمل سنتين أو ثلاثاً، من شأنه أن يساعد الأم على استعادة مخازنها الغذائية التي فقدتها خلال الحمل والولادة، كما أن لهذا التأخير فائدة كبيرة جدا بالنسبة إلى المولود الثاني.

ويشير المدني إلى أن الرضاعة الطبيعية مهمة جداً في بناء جسم سليم للطفل، وتمتد تغذية الرضيع من حليب الأم ما بين أربعة وستة أشهر بعد الولادة ثم تضاف الأغذية التكميلية مع الاستمرار في الرضاعة الطبيعية، شريطة أن تكون هذه الأغذية ملائمة لتلبية حاجات الطفل ونموه مع الاستمرار في الرضاعة الطبيعية حتى سن عامين أو إلى ما بعد هذه السن.


السمنة خطر يهدد حياة الأطفال في السعودية

وعن أبرز الأمراض المنتشرة في السعودية على خلفية اتباع أساليب خاطئة في تغذية الطفل، يبيّن المدني أن السمنة تعد الأكثر انتشاراً بين الأطفال والتي تظهر أعراضها منذ المراحل الأولى من نمو الطفل.

ولخّص مضاعفات السمنة عند الأطفال في جانبين أحدهما بدني والثاني نفسي، و يتمثل الأخير في الانعزالية والخجل الاجتماعي وانخفاض الروح المعنوية والثقة بالنفس والخمول والكسل والتعب من أقل مجهود وسرعة الانفعال وزيادة السلوك العدواني وعدم الراحة في النوم وانخفاض القبول في المظهر والاكتئاب وعدم القدرة على المشاركة في الألعاب المختلفة.

كما أن السمنة تزيد احتمال الإصابة بالأمراض المزمنة التي تتضمن النوع الثاني من داء السكّري، وارتفاع الشحوم وضغط الدم، إلى جانب كل ما يتعلق بآلام المفاصل على خلفية الوزن الزائد الذي تتحمله عظام الأطفال جراء البدانة.

ولهذا، يشدد مدني على ضرورة التقويم الجيد للأطفال الذين يعانون من زيادة الوزن في ما يتعلق بعامل الوراثة، والهرمونات ، والحالة النفسية ، أو وجود مضاعفات مثل ارتفاع ضغط الدم ، أو ارتفاع شحوم الدم، أو صعوبة التنفس أثناء النوم، أو آلام المفاصل.
فإذا كانت المضاعفات حادة وتؤدي إلى مشكلات صحية فإنه يجب خفض الوزن من خلال زيادة النشاط الحركي وتحسين العادات والسلوكيات الغذائية، وقد تحتاج الحالة إلى مراجعة طبيب أطفال متخصص في السمنة.


د.حنان أنور

أنيميا نقص الحديد والكساح على خلفية نقص فيتامين «د»، إلى جانب البدانة والسمنة، كلها أمراض شائعة ومنتشرة بين الأطفال في منطقة الشرق الأوسط عموماً والسعودية على وجه الخصوص، ويصاب بها الأطفال خلال أول 1000 يوم من حياتهم نتيجة الأساليب الخاطئة للتغذية.

وتقول المديرة الطبية في أكاديمية نستله للتغذية في الشرق الأوسط الدكتورة حنان أنور إن نحو 17 في المئة من الأطفال في المنطقة يعانون أنيميا نقص الحديد، ونحو 14 في المئة مصابون بنقص فيتامين «د»، إضافة إلى أن ما يقارب 20 في المئة أصابتهم البدانة.

وبما أن هناك علاقة وطيدة بين غذاء الأم أثناء فترة الحمل وجنينها، فإن من أكثر العادات الغذائية السيئة التي تتبعها الأمهات خلال هذه الفترة تتمثل في الإكثار من الأغذية ذات السعرات الحرارية المرتفعة والتي لا تحوي أي فوائد غذائية، إضافة إلى الأطعمة المقلية والسريعة.

ودعت أنور المرأة الحامل إلى تناول الأغذية المفيدة المتضمنة الخضر الطازجة واللحوم والدواجن والأسماك، والألبان القليلة الدسم، مع مراعاة الإقلال من الدهون المشبعة والحلويات والالتزام ببرنامج غذائي متوازن خلال فترة الحمل والإرضاع.


هل تعلمين؟
 تتلخص فوائد الرضاعة الطبيعية في النقاط التالية

  • يحتوي حليب الأم على كل العناصر الغذائية الأساسية اللازمة للطفل في أشهره الأولى.
  • يعتبر حليب الأم جاهزاً للرضاعة ولا يحتاج إلى تحضير، ودرجة حرارته مناسبة للرضيع، وسهل الهضم.
  • يحتوي حليب الأم على الأجسام المضادة للعديد من أنواع العدوى الشائعة، كما يحتوي على مادة تمنع نمو  بعض أنواع البكتيريا الضارة في الأمعاء والتي تحدث الإسهال.
  • تعتبر الرضاعة الطبيعية اقتصادية.
  • توفّر الرضاعة الطبيعية للطفل الإحساس بالحنان والشعور بالطمأنينة، كما تقوي الرابط بين الأم والطفل.
  • تباعد الرضاعة الطبيعية بين الولادات وهذا لمصلحة كل من الأم ، والطفل ، والأسرة.
  • لا يحدث عادة حليب الأم أي حساسية غذائية.
  • تساعد الرضاعة الطبيعية في تكوين فك سليم، وفي تطوير الأسنان.
  • لا تؤدي عادة الرضاعة الطبيعية إلى زيادة في الوزن أو البدانة للرضيع.
  • تساعد الرضاعة الطبيعية المرضع على استرجاع حجم رحمها الطبيعي وكذلك العودة إلى وزنها الطبيعي كما كان قبل الولادة.

 

المجلة الالكترونية

العدد 1078  |  تشرين الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1078