الزئبق الأحمر قاد سيدة الأعمال إلى السجن
منذ طفولتها وهي تعشق قراءة الكتب عما يسمى «لعنة الفراعنة»، كانت تذوب عشقاً في كتب الآثار القديمة التي تأخذها إلى الماضي القديم، حتى أن مها تمنت لو عاشت في هذه الأجواء المثيرة. لم يفلح عملها في مجال البيزنس في إبعادها عن العالم الذي تعشقه، والذي دمر حياتها في ما بعد، فلم تكن سيدة الأعمال الشابة تدرك أن حبها للآثار وشغفها بما يطلق عليه «لعنة الفراعنة» سيقودانها إلى السجن.
كانت تملك الملايين وتعيش حياة مرفهة، إلا أن طموحها وحبها للمغامرة قاداها إلى الجحيم. وكان زوجها آخر من يعلم عن حياتها الشخصية وعالمها السري الذي أخفته عن أقرب الناس إليها
المشهد في قسم شرطة السلام لم يكن في حاجة إلى تعليق: سيدة أنيقة الملبس، التوتر يكسو ملامحها، كانت تدخن السيجارة تلو الأخرى، بدت العصبية في نبرات صوتها وهي تسأل عن محاميها، وبحسم أكد لها ضابط المباحث أن التحقيقات لن تبدأ إلا في حضور محاميها.
قبل ساعات كان المشهد مختلفاً، السعادة كانت تكسو قسمات وجه سيدة الأعمال الشابة، التي كادت تطير فرحا بنجاح أهم عملية في حياتها، لم تكن صفقة تجارية تتعلق بمجال الاستيراد والتصدير الذي تعمل فيه، بل صفقة ضد القانون تتعلق بعالم الآثار السري الذي تعيشه مها بكل حواسها. كانت متأكدة أنها ستحقق المليارات من تجارتها الحرام، وكانت على أبواب تحقيق الحلم، لكن رجال الشرطة ظهروا أمامها في لحظة غير مناسبة لها، وكانوا أشبه بالكابوس الذي أيقظ صاحبه من أجمل حلم. ضاع منها الحلم، ولم يعد أمامها إلا الفضيحة والسجن. ما نجحت في إخفائه عن زوجها وأسرتها سيكون خبراً في صفحات الجرائد... انهارت سيدة الأعمال وهي تطلب من رجال المباحث أن يراعوا ظروفها، طلبت منهم أن يتركوها لحال سبيلها، وأن يكتفوا بالقبض على أفراد عصابتها والعثور على القطع الأثرية النادرة التي لا تقدر بثمن. لكن ضابط المباحث رد عليها بحسم: «فات الوقت يا سيدتي، فلقد ألقينا القبض عليك بعد الحصول على إذن من النيابة والجميع يعرفون حكايتك، من الممكن أن ترأف المحكمة بحالتك».
«محكمة؟»، ظلت مها تردد الكلمة والذهول لا يفارقها... المشهد كان يتراءى أمامها، صورتها وهي في القفص والقيود الحديدية تحيط معصمها وهي ترتدي الرداء الأبيض، وعدسات الكاميرات تلتقط لها عشرات الصور التي ستملأ الصحف في اليوم التالي، ووكيل النيابة يجتهد في مرافعته ليطالب لها بأقصى العقوبة، فيما تبدو حجة محاميها ضعيفة أمام الأدلة التي قدمتها النيابة. وتبدو في المشهد صور أطفالها وهم يحتضنون والدهم ويجلسون في أحد أركان المحكمة يراقبون المشهد... لا يوجد أبشع من كلمة كابوس لتوصيف هذا المشهد الذي لم تتخيله سيدة الأعمال مطلقاً.
ربما كانت «مها» تعتقد أنها تمارس لعبة لم تلبث أن تتركها، ولم تتوقع أنها ستدمر حياتها يوماً ما، كان زوجها يعاتبها على انهماكها يومياً في قراءة كتب الآثار، ولم تكن تملُّ من الحديث عن أسرار الفراعنة ولعنتهم.
عالم مثير
كانت تذهب بشكل شبه يومي إلى المناطق الأثرية وتمضي جزءاً من الليل. خلال تلك الأثناء تعرفت على العديد من الخفراء الذين يعملون في هذه المهنة، وتجاذبوا معها أطراف الحديث واكتشفوا أن سيدة الأعمال تعيش بعقلها في هذا العالم المثير، وبدأ أحد الخفراء يدق على وتر الملايين التي من الممكن أن تربحها سيدة الأعمال في حالة تجارتها في الآثار.
لم تنم مها ليلتها من فرط التفكير في هذا الأمر. لاحظ زوجها حالة الغياب عن الواقع التي عاشتها زوجته، لكنه فشل في انتزاع سر هذه الحالة منها، فسيدة الأعمال كانت كتومة بحكم طبيعة عملها.
كانت مها تدرك أنها على أعتاب القيام بعملية ستنقلها نقلة كبرى، فقد خططت لاستخراج كمية كبيرة من الكنوز الأثرية وبيعها بملايين الدولارات في إسبانيا، وساعدتها قراءاتها العديدة في مواقع الإنترنت على إيجاد سوق رائجة لبضاعتها.
استيقظت في أحد الأيام على رنين متواصل لهاتفها المحمول، على الطرف الآخر كان محمود خفير الموقع الأثري الذي اعتادت مها زيارته، فأبلغها أنه يريد أن يلتقيها بشكل عاجل، وحاولت مها أن تسأله عن سبب هذا الطلب، لكنه أكد لها أنه لا يستطع التحدّث هاتفياً.
غلبها الفضول وهي تفكر في مضمون هذه المكالمة، وحددت لمحمود موعداً للقاء بعد ساعة واحدة فقط، وفي الطريق إلى الموقع الأثري كانت تراودها أفكار متلاطمة، وتتخيل حارس المقابر وهو يتفق معها على موعد لشراء مجموعة من القطع الأثرية النادرة.
توقفت سيارتها أمام المنطقة الأثرية ولم تمض ثوانٍ حتي وجدت الحارس العجوز أمامها، فطلب منها توفير مئة ألف دولار. ظهرت الدهشة على وجه سيدة الأعمال التي سألته عن سبب المطالبة بهذه الأموال، فأجاب أن هذه الأموال ستدرّ عليها ثروة هائلة، موضحاً أنه سيشتري بها الزئبق الأحمر الذي يحبه الجان، ويكتشف من خلاله مقابر نادرة وكنوزاً ذهبية.
سال لعاب سيدة الأعمال، خاصة أن الحارس استغل رغبتها العارمة في العثور على آثار وبيعها، ولم تتردد وأكدت له أنها ستوفّر المبلغ خلال ساعات.
لم تضيّع وقتها، بل اتجهت إلى البنك وسحبت من رصيدها هذا المبلغ، واتجهت إلى الحارس وقدمته له. ابتسم الحارس وهو يقول لها إن موعدهما غداً في منتصف الليل، واحتبست أنفاس سيدة الأعمال طوال تلك الفترة، وباتت تحلم بالمقبرة الأثرية الذهبية التي ستكتشفها، وبالملكة الفرعونية وهي تمنح مها تاجاً مرصّعاً بالجواهر.
الموعد المرتقب
مضت الساعات ثقيلة حتى حان الموعد المرتقب، واصطحبها الحارس إلى أطراف المنطقة الأثرية في منطقة الأهرام، وكان بصحبتهما أحد مساعديه. وتوقف الحارس محمود في نقطة معيّنة، وأشار إلى سيدة الأعمال مؤكداً أن الجان أرشده إلى هذا المكان الذي يضمّ مقبرة أثرية. كادت سيدة الأعمال تجن من الفرحة وهي تدلف إلى المقبرة وتحصد منها القطع الأثرية، وتوقفت أمام تمثال كبير لملكة فرعونية، وقالت للحارس إنها تريد أن تحصل على هذا التمثال، لكنه قال لها إنهم لا يستطيعون سوى الحصول على مجموعة من التماثيل الصغيرة بشكل موقت، وذلك حتى لا يغضب الجان حراس المقبرة!
ووافقت سيدة الأعمال، وحصلوا على مجموعة من التماثيل واتجهت إلى سيارتها، وأكدت لشريكيها أنها ستبيع القطع الأثرية وتقدم لهما نصيبهما، ولم تكن تعرف أن الشرطة رصدت تحركاتها ومكالماتها مع الحارس، وفي طريقها إلى منزلها تم القبض عليها ومعها التماثيل الأثرية، وأرشدت إلى مكان شريكيها وتم القبض عليهما...
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024