تحميل المجلة الاكترونية عدد 1079

بحث

الزوجة المعنفة: إلى مَن ألجأ وكيف أستردّ أبنائي؟

هي أم لثلاثة أطفال أكبرهم ابنة تبلغ من العمر 11 سنوات، وابن في الثامنة من عمره، والصغير يبلغ الخامسة. منذ ما يُقارب 13 عاماً وهي تعاني بطش زوجها، وتعنيفه، وضربه لها ولأبنائها دون سبب، وبأي أداة تقع عينه عليها، حسب ما حكت. فتارةً بالعصا، وتارةً بيده، وتارة بالركل في أجزاء مختلفة من أجسادهم، وكأنهم ليسوا بشراً. لم تسلم الزوجة (تحتفظ «لها» باسمها) من هذا العذاب طوال هذه السنوات، وكان صمتها يرجو بإصلاحٍ الحال، أو صحوة ضمير. لكن العذاب استمر يوماً تلو الآخر دون كللٍ أو ملل.


تفاعل المجتمع السعودي عبر موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» مع الزوجة المُعنفة، واتفقت الآراء في هاشتاغ (#قاضم_ أنف_ زوجته)، على أن هذه الزوجة لا بد من الالتفات إليها، ومد يد العون والمساعدة، من الجهات المختصة، لتوفير حماية كاملة لها ولأبنائها، ومنحها حق حضانتهم، وضرورة أخذ الإجراءات اللازمة بحق الزوج، وعدم الإفراج عنه، وإصدار الحُكم المناسب بحقه.
ولم تحسم القضية بعد، فالجهات المختصة ما زالت تحقق في ملابساتها لحفظ حقوق الطرفين وكشف أسباب الاعتداء، وما إذا جاء طعن الزوجة لزوجها بعد قضم أنفها كدفاع عن النفس أم قبل ذلك.

«لها» التقت الزوجة في مستشفى الملك عبد العزيز في جدة الذي خضعت فيه إلى وقت إعداد المادة، لعمليات تصحيحية وتجميلية لأنفها المجدوع، فحدثتنا عن المعركة التي دارت بينها وبين زوجها، والتي انتهت بقضم أنفها وطعنة منها في كتفه دفاعاً عن النفس، لتخرج إلى الشارع وهي تنزف، وتطلب المساعدة من أهل الخير الذين أوصلوها إلى المستشفى...
في البداية امتنعت الزوجة عن الحديث، وما أن أحست بالقليل من الراحة حتى بدأت بسرد قصتها، قائلة: «منذ أن تزوجت به وهو يُعنّفني ويضربني ويضرب أبنائي، لكنه لم يكن بهذه الوحشية التي وصل إليها في السنتين الأخيرتين، فقد بدأ يمارس العنف معنا بطريقة قاسية ووحشية، بسببٍ أو بدون سبب. حتى أنني أذكر أنه قبل فترة بسيطة افتعل مشكلة كبيرة وتدخلت عائلتي في الأمر. وهناك حادثة أخرى ضربني بها أمام أبنائي، وخرج بعدها من المنزل، ليغيب عن الحادثة الأخيرة لمدة خمسة أيام، ليعود إلى المنزل في اليوم السادس،  وكنت حينها مع ابني الصغير فقط. كان مضطرباً، ومُصاباً بحالة هيجان غريبة، وهستيرية لا تُطاق، وبدأ بالصراخ، والضرب دون أي مقدمات، و راح يشتمني، ويتهمني في عرضي وشرفي، وأخبرني بأنه كان بالأمس عند من أخبره بأن زوجته قد سحرته، ودفنت هذا السحر في المنزل».

راح الزوج يبحث في أرجاء المنزل وبين الغُرف عن السحر الذي يدعيه، ويُحطم الأغراض، ثم سحب زوجته إلى المطبخ وبدأ يضربها، حتى ارتخت قواها وسقطت على الأرض. واستمر بضربها بكل ما أُوتي من قوة، لتحاول الدفاع عن نفسها، لتتمكن من الإمساك بذراعيه، فلم يجد أمامه سوى الهجوم بوحشية عن طريق فمه ليقضم أنفها، بكل قوته: «عندما حاولت أن أسحب أنفي من بين أسنانه، انتزع جزءاً كبيراً منه، وفقدت الجلد الخارجي من الجهة اليُسرى. ثم توجه إلى خزانة المطبخ، وكانت تحوي مطرقة ومفكاتٍ فشعرت بالخطر على حياتي، فكانت بجانبي سكين صغيرة ضربته بقاعدتها من الخلف بظهره، دفاعاً عن نفسي، وأحسست بالدم المتدفق من أنفي، وأثناء ذلك خرج زوجي من المنزل، آخذاً معه طفلي الصغير، وأغلق باب المنزل من الخارج».

لحسن حظ الزوجة، كانت تملك مفتاحاً آخر ففتحت الباب، وخرجت إلى الشارع، علّ أحد المارين يستجيب لاستغاثتها، ليلحق بها الزوج في الشارع. وأمام الملأ، ترجل من سيارته وراح يسحبها من شعرها، محاولاً إدخالها السيارة بالقوة، لكنه لم يستطع بسبب مقاومتها، فسحب منها حقيبة يدها بالقوة، وسرق محتوياتها من مال وبطاقات سحب مصرفية، وأوراقها الثبوتية. ليتدخل  بعدها عدد من الرجال، محاولين إبعاد الزوجة من بين يديه. بقيت الزوجة على الأرض، إلى أن وصلت الشرطة والهلال الأحمر وتم نقلها إلى المستشفى.


في المستشفى...

عندما وصلت الزوجة إلى المستشفى، استقبلها الأطباء وباشروا علاجها، ليتبين بعد الكشف أتها فقدت الجلد الخارجي وتحرّك الغضروف، وحدث شق غائر في الأنف بسبب القضم. وتقرر إخضاعها لثلاث عمليات تجميلية، لتبقى في المستشفى 17 يوماً.
استُدعي الزوج وأوقف لدى شرطة محافظة جدة، وتم ضبط إفادته الأولية وإطلاق سراحه بعد أن وقّع تعهداً بعدم التعرض لزوجته مرة أخرى.

 وأشارت الزوجة إلى أنه عندما تم إبلاغها بإطلاق سراح الزوج، طلبت من لجنة العنف في المستشفى التواصل مع حقوق الإنسان، فأوفدوا مسؤولة إليها أخبرتها بأنه لا يجوز إطلاق المتهم ولو بكفالة، إن كانت حالة الشفاء أكثر من  21 يوماً لأن هذه القضية تعتبر جنائية. تقول: «سألت حقوق الإنسان عن حقي، وكيف يتم الإفراج عن زوجي بهذه السهولة، وأنا أخضع لعلاجٍ في المستشفى منذ 17 يوماً وهو حر طليق، سرق مالي، ومجوهراتي، وحطّم جهاز الكمبيوتر الخاص بي، وهواتفي النقالة، كما انه استغل فرصة وجودي في المستشفى، وبدّل مفاتيح المنزل وحرمني رؤية أبنائي».

ولفتت الزوجة إلى أن من زارها من الحماية الاجتماعية وحقوق الإنسان، وعدوها بالمساعدة وتوفير محامٍ خاص لها ولأبنائها، وحق حضانتها لهم، إلا أنها لم تر أحداً بعد يوم وصولها إلى المستشفى: «تواصلوا معي في يوم الحادثة فقط، من خلال مسؤولة في حقوق الإنسان، ومن بعدها لم أجد أياً منهم، ولا أعرف كيف هي مجريات القضية، وليس لي محامٍ،  خاصة أن عائلتي تقطن خارج مدينة جدة. كما أن المستشفى يطالب بإخراجي، فأين أذهب وأنا لا أملك مأوى يحميني، وأبنائي لم أرهم إلا بعد أن قام والد زوجي مشكوراً، بإحضارهم لي في المستشفى، فهو إنسان طيب معي، ومع أبنائي، لكنه لا يستطيع مواجهة زوجي بسبب عنفه وقسوته الدائمة معه».

وتابعت حديثها:» آلمني كثيراً أنه يتهمني بضربه بالسكين أولاً، وأن قضمه لأنفي ما هو إلا ردة فعلٍ من طرفه، وهذا مخالف للحقيقة، فالتقارير الطبية تؤكد تعرضي للضرب الوحشي، والاعتداء الهمجي، وجسدي وأنفي يشهدان على ما فعله بي.  إضافة إلى ورقة التعهد التي وقعها قبل هذا الحادثة بخط يده بعدم التعرض لي أو ضربي مرة أخرى».
طالبت الزوجة  المُعنفة بحمايتها، وحماية أبنائها من زوجها، واسترداد حقها في حضانة أبنائها «ولو مؤقتاً إلى أن يصدر الحكم. وسأقيم دعوى خُلع، لأتمكن من استرجاع كافة أغراضي الشخصية وحضانة أبنائي». 


من جانبه وعد مدير وزارة الشؤون الاجتماعية في منطقة مكة المكرمة عبد الله بن أحمد آل طاوي بدرس القضية وحماية السيدة المُعنفة مُعتبراً المسألة «جنائية، وتتطلب الحماية اللازمة لها». فيما نشرت الصحف أن هيئة حقوق الإنسان تباشر التحقيق في القضية، كما تواصلت مع الجهات المختصة بحماية المرأة من الإيذاء. يُذكر أن شرطة جدة كانت قد ألقت القبض على زوج  المعنفة، بعد تقديم شكوى ضده بسبب قضمه لأنفها، وضربها ضرباً مُبرحاً ووحشياً. كما أوضح المتحدث الرسمي في شرطة الملازم أول نواف البوق أنه قد تم تلقي البلاغ بضبط الواقعة عبر تدوين إفادة المُدعية، وإرسالها إلى المستشفى لتلقي العلاج، وصدور التقرير الطبي. وفي الوقت نفسه تم ضبط إفادة الزوج الأولية، فيما وجه له من ادعاء زوجته، وما حصل من خلاف عائلي بينهما. ليتم إيقافه وإرساله إلى جهة الاختصاص إلى حين اتخاذ الإجراءات اللازمة.

المجلة الالكترونية

العدد 1079  |  تشرين الثاني 2024

المجلة الالكترونية العدد 1079