في مواجهة التحرّش وللتعبير عن آرائهن مصريات يرفعن سلاح 'الغرافيتي'!
بعيداً عن وسائل التعبير التقليدية، اتجهت الكثير من الفتيات أخيراً إلى التعبير عن آلامهن وآمالهن من خلال رسوم الغرافيتي في الشوارع، التي ازداد انتشارها، حتى أن هناك من يستخدمنها سلاحاً في مواجهة ظاهرة التحرّش. «لها» التقت بعض رسامات الغرافيتي لنعرف حكاياتهن مع هذا الفن، وإلى أي مدى يجدنه مؤثراً في إيصال رسائلهن إلى المجتمع؟
في البداية تقول شيرين ثابت، 21 سنة، طالبة في كلية الآداب جامعة القاهرة، ومنسقة حملة «قطع إيدك» لمواجهة التحرّش الجنسي: «فن الغرافيتي هو أحد الفنون التي دخلت إلى مصر بعد ثورة 25 يناير، بهدف التعبير عن أفكار الشباب والفتيات، ونقل آرائهم للرأي العام ببساطة شديدة. ويتم استخدامه في الأماكن العامة، وكان في أول الأمر يستخدم للتعبير فقط، لكنه الآن يستخدم أيضاً في تجميل المنظر العام في الشارع، ونحن نعتمد بشكل أساسي في حملتنا ضد التحرش على استخدام الغرافيتي للتعبير عن رفضنا لظاهرة التحرّش، التي أصبحت سائدة في كل شوارع مصر تقريباً».
وأضافت: «الغرافيتي أول أداة اعتمدنا عليها في حملتنا، ونحن نرسم في كثير من شوارع القاهرة تحديداً لتعريف المجتمع بخطورة هذه الظاهرة. ولعل المجتمع يدرك أضرار هذه الظاهرة ويعمل على نبذها ومحاولة معاقبة المتحرش، ليكون هناك عقاب اجتماعي إلى جانب العقاب القانوني».
وأنهت شيرين كلامها قائلةً: «حملة الغرافيتي مستمرة، فهي سلاحنا ضد التحرّش الجنسي، وقد بدأت من ميدان عابدين في وسط المدينة، وفي شوارع عديدة، وفي مناطق عدة في القاهرة الكبرى، ولاقت ترحيباً كبيراً من المجتمع. ونحن نستعد لحملة كبيرة أخرى على مستوى كل محافظات مصر، لأن الظاهرة لم تختف بعد، لكنها للأسف في تزايد مستمر، ونحن مستمرات في مواجهتها بكل الطرق».
وسيلة مؤثرة
وتعبر آية ونس، 22 سنة، طالبة في كلية العلوم، عن رؤيتها للغرافيتي وتعبيرها من خلالها عن قضايا ومشكلات المرأة فتقول: «أشارك في رسم الغرافيتي لرفض كثير من الأشياء والعادات السيئة إلى جانب التحرش، لكنه إلى حد ما غير منتشر في الأقاليم، لكننا نقوم برسمه في الشوارع الرئيسية، وهو وسيلة ناجحة جداً للتعبير عن رفض التحرش، وقد وجدت الفكرة قبولاً حسناً من كثيرين، لكن الغرافيتي وحده لا يكفي، فالتحرّش أصبح مستشرياً في مجتمعنا بصورة كبيرة، لكن الرّسم على الجدران جزء من وسائل مقاومته». وأضافت: «أهم ما يميّز الغرافيتي عن غيره من الوسائل التي تعمل على إيصال رسالتنا إلى الرأي العام، أنه يوصل الفكرة إلى أماكن ومناطق كثيرة، يكون فيها التحرش من الموضوعات المسكوت عنها، ولا يجوز لأي فتاة أن تتحدث عنه للعامة، لكننا في بعض الأحيان ننفّذ الرسوم على الجدران في وقت مبكر جداً من الصباح، فعندما يستيقظ الناس يفاجأون بها».
وأشارت إلى أن رسوم الغرافيتي المهتمة بقضايا المرأة «تساعد على فتح باب النقاش في هذا الموضوع في كثير من المجتمعات، كما أنها وسيلة غير مكلفة، مقارنة بالوسائل الأخرى، وفن الغرافيتي يعتبر فناً جديداً على مجتمعاتنا، وبالتالي فإن الناس تلتفت إلى كل ما هو جديد وغريب». واستدركت أن هذا الفن «يُستخدم في بعض الأحيان بشكل سيِّئ، وتُستخدم ألفاظ خارجة من جانب بعض الشباب، وهذا طبعاً ينفر الناس منه ويقلل من قيمته».
الشارع يتجاوب
وتحكي سلمى الجمل، طالبة في الصف الثالث الثانوي، 21 سنة، رحلتها مع الغرافيتي قائلة: «لم أبدأ برسم الغرافيتي منذ فترة طويلة، لكنني مهتمة بالفن التشكيلي بصفة عامة، وقررت أن أمزج الفن التشكيلي بالغرافيتي. وطبعاً استخدام الغرافيتي للتعبير عن أي شيء، وخاصة القضايا التي تخصّ المرأة والفتيات، لأنني أرى أنه أسلوب متحضر، ويعبر عن الفكرة المراد نقلها من دون مجهود كبير».
وأشارت إلى أن عدد البنات القائمات بالغرافيتي في تزايد مستمر، لأنه يعتبر وسيلة فعالة جداً.
وعن ردود الفعل التي لمستها عن رسوم الغرافيتي الخاصة بالمرأة، تقول سلمى: «الفكرة قوبلت بترحيب كبير من جانب الناس في الشارع، والغالبية ترى أن الغرافيتي وسيلة لتعبير الفتيات عن رأيهن بكل جرأة وحرية، والبعض الآخر يرى أنها تتسم بالجرأة الزائدة التي لا يستحب للفتاة أن تتحلّى بها. لكني أرى أن الغرافيتي أفضل طريقة تعبّر عن آرائي، وسوف أستمر في هذه الأعمال حتى لو اختلفت الآراء حولها، لأنني مقتنعة بها وبتأثيرها، وأعتزم إقامة حملة غرافيتي عن ضرورة احترام المرأة، وستنطلق في الصيف المقبل».
الشباب يشاركون
تؤكد رسامة الغرافيتي هناء السعيد، 22 سنة، أن هذا الفن «يعمل كرسالة ليعبّر عن إحساس معيّن بداخلنا. وبدلاً من أن نظهر في وسائل الإعلام التي لا تتسع لكل هذا العدد من الفتيات اللواتي تعرّضن للمضايقات بكل وسائلها، لجأنا إلى الغرافيتي ورسمنا ما يعبر عما في داخلنا، وما يحمل من رسائل للمجتمع كله بمختلف فئاته، لأن فهم رسالته ليس صعباً».
وأشارت إلى أنه من الأمور الإيجابية أن «هناك رسامي غرافيتي من الشباب يشاركون الفتيات في رسم الغرافيتي المعبّر عن هموم المرأة، وذلك لأن هذا الشباب لديه إحساس نبيل، ويدرك أن المرأة التي يتم التحرّش بها قد تكون أمه أو خطيبته أو زوجته أو أخته، لهذا يقف مسانداً لهن في التعبير عن رفضه لأوضاع أو أفعال معينة ضد الجنس الناعم». وتضيف: «نعمل على رسم غرافيتي يعبّر عن رفضنا للتحرش في كثير من شوارع القاهرة، كما نوزّع منشورات عليها رسوم غرافيتي، وذلك لتوسيع دائرة من يشاهدون الأعمال».
صرخة أنثى
عن التحليل النفسي للجوء المرأة إلى الغرافيتي كوسيلة للتعبير عن مشكلاتها، تقول الدكتورة سناء سليمان أستاذة علم النفس في جامعة عين شمس: «»تعبير المرأة عن مشكلاتها من خلال الغرافيتي يعدّ وسيلة عصرية مقبولة اجتماعياً، وليس فيها ما يجرح الحياء، بل إنها «صرخة أنثى» في وجه مجتمع ذكوري يلتمس العذر للشباب في ارتكاب الأخطاء، في حين يتصيد الأخطاء للفتيات، حتى أنه يلقي اللوم على المرأة في أنها سبب التحرش، فيؤكد أن المرأة مكانها الطبيعي البيت ولا يجوز خروجها للعمل. ولهذا لا بد أن تكون إرادة المرأة أقوى من تلك التقاليد الذكورية الظالمة، بالتعبير عن نفسها من خلال الغرافيتي وغيره من وسائل التعبير». وطالبت سليمان المجتمع بـ «مساندة رسامات الغرافيتي وتشجيعهن على تصحيح أوضاع خاطئة، والتعبير عن أنفسهن ومشكلاتهن والتجاوب معها. ولا بد أن يركز الإعلام على إبراز دور هذه الوسيلة المعبرة عن آلام المرأة وآمالها، في مختلف مراحل عمرها».
شارك
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1078 | تشرين الأول 2024