تحميل المجلة الاكترونية عدد 1077

بحث

Chanel Métiers d'Arts لما قبل خريف 2013...

ساحرة ومحيّرة وأثيرية كلّها كلمات ملائمة لوصف مجموعة Chanel Métier d'Arts لما قبل خريف 2013. بين أنقاض ما كان قبلاً قصر لينليثغو الكبير، مكان ولادة ماري ملكة اسكوتلندا، نفخ كارل لاغيرفيلد وفريق Chanel حياة جديدة في المبنى الذي يذكرنا بأجواء القصور في القرنين الخامس عشر والسادس عشر، فتم الدمج بين القديم والعصرية الفائقة للإبقاء على طابع الماركة.

قال لاغيرفيلد عن الفكرة التي استوحاها إنها «الرومنسية القاسية لاسكوتلندا واللقاء المتصور بين ماري ملكة اسكوتلندا وكوكو شانيل- أي ملكتين في الموضة». العرض الذي أطلق عليه ببساطة اسم باريس-إديمبورغ جرى في فناء خلفي يمكن أن يصلح بسهولة كمسرح لمسرحيات شكسبير أو لمقارعة بالسيوف من حقبة القرون الوسطى نظراً للمقاعد الموزعة على شكل مدرّج روماني، والموقع في الهواء الطلق والنار المشتعلة. بالفعل، وبعيداً عن مجموعة المشاهير، حضر ثاين وكونتيسة كاودور وكذلك شيوخ من عشائر اسكوتلندية مختلفة.

ظهرت القساوة ربما في الطقس الذي كان ماطراً وبارداً جداً وسط شتاء ديسمبر القارس، لكن دار Chanel قدمت للمدعوين قطع خبز بالسلمون وحقائب هدايا تحتوي على بطانيات مطرزة بشعار شانيل المألوف (حرفيّ C) للتخفيف من وطأة البرد. لمسات مثل هذه قد تبدو ثانوية وعرضية، لكنها الطريقة الفنية التي اختارتها دار شانيل للترويج لعلاقة الدار مع البلاد الاسكوتلندية ولفت الانتباه إلى فن الملابس الصوفية المحبوكة، الذي ينقرض ببطء، فيما انتبه المدعوون جيداً إلى الهدف الرئيسي للعرض، الذي هو إلقاء الضوء بشدة على المهارة اليدوية الأصلية في هذا البلد بالترافق مع مهارات أخرى أصبحت أساسية في تصاميم شانيل بعد استلام لاغيرفيلد زمام الأمور.
الروابط بين كوكو شانيل واسكوتلندا تعود إلى علاقتها العاطفية مع دوق ويستمينستر، الذي يقول عنه لاغيرفيلد إنه «عرّفها على التويد الاسكوتلندي، وصيد سمك السلمون، وأصدقائه، والحياة الاجتماعية الأنيقة». الوقت الذي قضته كوكو شانيل في تلك البلاد عزز شغفها بالقماش الصوفي الذي اعتمدته ودمجته في تصاميمها التي باتت الآن شهيرة جداً. فاحترام شانيل للتقنيات التقليدية والحفاظ عليها هو الذي جعل الماركة تستمر إلى اليوم.

منذ العام 2002، نجحت مجموعات Métier d'Arts من شانيل في إلقاء الضوء على حرفيّي الأزياء الراقية الذين يتعاونون مع الماركة أو ينضوون تحت لوائها بما في ذلك ديسروس  للعمل المعدني، وماسارو للأحذية المعدّة على الطلب، وغوزنز للذهب والفضة، وميزون ميشال للقبعات النسائية، ولوساج وأتولييه مونتكس للتطريز، ولوماري للريش والأزهار، وغييه لأكسسوارات الأزهار، وباري للملابس المحبوكة (صانعو سترات الكاشمير الثنائية اللون). والواقع أن شانيل اشترت المعمل الصوفي في شهر أكتوبر بعد علاقة عمل استمرت خمسة وعشرين عاماً، فأنقذت بذلك المعمل من الإغلاق أو من الاستيلاء الصيني عليه. عملية الشراء هذه تعني أن معمل باري للملابس المحبوكة سينضم إلى مجموعة نخبة الموردين المعتمدين من قبل شانيل والذين ينضوون جميعاً تحت لواء مشروع «بار أفيكشن» (‹Par Affection›) من شانيل، الذي يعني «من أجل الحب». صحيح أن معمل باري يختلف قليلاً إذ يمكن رؤية إنتاجه جلياً في ملابس شانيل الجاهزة. رئيس الموضة في الماركة، برونو بافلوسكي، قال عن عملية الشراء: «عبر ذلك، نعيد تأكيد التزامنا بالخبرات التقليدية والحرف اليدوية، ورغبتنا في الحفاظ على مستقبلها ودعم تطورها». وجدت الملابس المحبوكة نفسها مهملة في أغلب الأحيان لناحية الموضة ولناحية الحرفة اليدوية ذات القيمة، رغم أنها ليست أقل أهمية وتعقيداً من الحرف اليدوية الأخرى التي تفوقها لناحية الرواج عند العديد من عشاق الموضة. لطالما كان لها فئتها الخاصة، رغم أنه في الأعوام الأخيرة، شهدت صناعة النسيج الاسكوتلندية تدهوراً كبيراً مع إغلاق المصانع، وانكماش كميات الإنتاج وضياع المهارات بسبب تقدم الحرفيين في العمر من دون أن ينقلوا الخبرات إلى أجيال جديدة. لذا، عبر ضمّ منتجي هذه الفنون المنقرضة تحت لوائها، تساعد شانيل في الحفاظ على إرثها قبل أن نخسرها إلى الأبد. مع كل هذه الموارد الغنية، كان بوسع شانيل أن تتيه بسهولة عن تقديم التحية الواضحة، لكن الإشارات إلى الملكة الاسكوتلندية والبلاد بقيت بمثابة تلميحات ضمن ما كان مجموعة انسيابية عصرية شكلّت مزيجاً من التكلف والطابع الشبابي. كانت المجموعة رياضية، وحالمة، وقاسية وناعمة مثل العارضات، وبينهن ستيلا تينانت، وكارا دولوفين وإيدي كامبل، اللواتي اختلن على المنصات بطلات شملت فساتين من عصر النهضة، وسراويل قصيرة فرنسية فيما الأطواق المكشكشة بالطراز الإليزابيثي والصدارات المخرمة والزخارف المعدنية منحت طابعاً مهيباً وفخماً للطلات. افتتحت العارضة تينانت العرض واختتمته، لكونها اسكوتلندية، ومنح ظهورها حماسة للاحتفال بالأجواء الاسكوتلندية.

التزام شانيل بالبراعة اليدوية العالية الجودة سطع جلياً في السترات البوكليه، والتطريزات الدقيقة، والتخريم المعقد الذي برز خصوصاً في القمصان البيضاء ذات الكشاكش على الياقات وأطراف الأكمام والأكمام. ولا شك في أن الأقمشة المقلّمة والمطبعة بالمربعات برزت أيضاً في الأكسسوارات وبمثابة زخارف على طيات ياقة معطف أو قبعة أنيقة. كما تم استعمال النسيج في التنانير والسراويل والأوشحة وكذلك الكنزات والحقائب اليدوية الاسكوتلندية التقليدية.
كان يحتمل أن يكون العرض محافظاً وتقليدياً وعادياً جداً، لكن قصة الجينز الضيق، وتنانير الشيفون المنتفخة والمثناة المستوحاة من الملكات الأفريقيات، والسترات الفضفاضة الهابطة عن الأكتاف والمزج بين الجلد والتويد نجحت في إبقاء الأمور نضرة ومسترخية وعلى الموضة.

لم تقع فرنسا طيّ النسيان في هذا التبادل الثقافي إذ بقي إرث شانيل على حاله ومن دون أي مساس في المعطف المنخفض الخصر، والمجوهرات المتكلفة، وقبعات الريش، والأهم من كل ذلك، طلة التصاميم وهيبتها. وبدا أن المدعوين، وبينهم تيلدا سوينتون وبوبي دولوفين، كانوا مفتونين خصوصاً بالاستعراض النهائي للفساتين ذات اللون الأبيض المغبّر التي فاحت منها رائحة الملوكية الصرف، وكشفت تماماً عن الشغف والمهارة اللتين تجعلان من عمل محترفات الأزياء الراقية محط الكثير من الإعجاب.
على رغم الإحساس بفرط الأفكار ضمن هذه المجموعة (إذ لم يتم نسيان أي شيء على ما يبدو)، ظهرت من قلبها رسالة قوية وواضحة عن قيمة الإرث والتقاليد. وفي النهاية، تملك هذه المجموعة شيئاً لكل واحد، الكلاسيكي والجديد، والتقليدي والمتمرد. ولو لم تكن دوماً صالحة للارتداء، فإنها حتماً جذابة جداً.

المجلة الالكترونية

العدد 1077  |  آب 2024

المجلة الالكترونية العدد 1077