إيمان بن حسين: فيلمي عن أرييل شارون سيكشف حقائق ووقائع
إيمان بن حسين مخرجة في الإنتاج الوثائقي السياسي، في ظل المتغيرات والظروف المصاحبة للحروب والثورات ومعاناة الأمم والشعوب. وهي توظف الرؤية الجمالية في التعبير من خلال الصورة والحوار المصاحب لها.
قدمت فيلم «المختفون» لتظهر معاناة من كانوا خلف الأسوار لحقبة طويلة من الزمن، ولم تكتفِ بذلك بل قدمت فيلم «سري للغاية» الذي يفضح مخططات أميركا وإسرائيل مما أدى إلى منعه من العرض في العديد من المهرجانات العالمية... حالياً تعمل على إطلاق فيلمها العالمي الذي يظهر الجرائم الدموية في حق أبناء الشعب الفلسطيني. «لها» التقتها فكان هذا الحوار..
- كيف تنظرين إلى مستوى الوعي السائد في هذا العصر للغة السينما العربية؟
الحالة التي وصلت إليها السينما العربية في عصرنا الحالي هي نتاج متغيرات اجتماعية وأيدلوجية مرت عليها على مدى أكثر من 50 عاما، وكانت الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وحتى الحالة الدينية، هي المحرك الرئيسي في توجهات السينما.
اليوم لدينا مساحة أكبر من التعبير وحرية الرأي فرضتها المتغيرات السياسية وحجم الوعي لدى المتلقي قبل القائم على العمل الفني، مما أوجب احترام العقليات وتقديم العمل السينمائي الحقيقي بلغة العصر. نعم هناك لغة سينمائية مختلفة ومتباينة في عدد من الدول العربية، تعكس في مجملها الواقع، وهذا ما تعمل عليه صناعة السينما التي تعكس حقيقة المجتمع.
إلا أن بعضهم يختلف في الطرح وطريقة تعامله مع الواقع من جانب سياسي أو اجتماعي أو اقتصادي، ومن هنا تختلف الرؤية وتتعدد.
لدينا وعي أكبر اليوم لأهمية لغة السينما التي كانت بالأمس وسيلة ترفيه في جانب كبير، وباتت اليوم تشكل وسيلة وأداة للتعبير عن الواقع بشكل قوي وحقيقي.
- ما مدى ارتباط الأديب والروائي بصناعة الفيلم السينمائي الوثائقي؟
صناعة الفيلم السينمائي الوثائقي من أصعب الأمور على الروائي والأديب، فهو ينسج بين مشهدين، الأول حقائق تاريخية يجب ألا يحيد عنها، والثاني رؤية بصرية ونصية لتحويل تلك القصة إلى خيوط درامية تتناسب مع حقيقة المشهد وطريقة إيصالها إلى المشاهد، ومن هنا فإن خياله الذي يستخدمه في الرواية الخاصة به سيكون محصورا في رسم خطوط من الواقع المعتمد عليه في الرواية الوثائقية، وأن يلتزم الصدق والحياد.
- الرواية العربية هل تعد المعضلة الحقيقية لعدم مقارعة السينما العربية للمشهد السينمائي الأوروبي؟
أتفق معك. لدينا مجموعة كبيرة من الأدباء في العالم العربي وهم رائعون، إلا أنهم لا يكتبون للسينما ولا يبحث معظمهم عن ذلك، ويجسدون بأعمالهم أيدلوجيات المرحلة المعاشة أو ينسجون من أفكارهم قصصاً محكية لبيئة أو حالة مروا بها، ليكون البحث من المنتج أو المخرج عن الرواية التي تلائم في طرحها ومضمونها فيلما من أي نوع.
وهنا يختلف هذا المنطق في الغرب إن جاز التعبير، فهناك يعملون في ورش عمل مشتركة بين الأديب والمخرج والمنتج، لإخراج عمل سينمائي مكتمل العناصر ضمن شراكة واضحة في الرؤية والأهداف.
إن التقارب بين الكاتب الروائي والمخرج يجب أن يكون في المراحل الأولى من العمل، وضعف الإنتاج الروائي للأدباء في العالم العربي بكل تأكيد سينتج نصوصاً هزيلة.
- شاهدنا العديد من الأفلام السينمائية التونسية تنحصر في مشاكل اجتماعية وأسرية مثيرة للجدل. لماذا؟
السينما في تونس استطاعت كسب المشهد الاجتماعي على مدى السنوات الماضية بشكل متباين بين السلبية والإيجابية. إن عكس الصورة الاجتماعية وترجمة الواقع المعاش في المجتمع إلى لغة سينمائية يعد من أبرز جوانب السينما في تونس.
أما كونها مثيرة للجدل فأنت لا تستطيع التحكم في آراء النقاد والمتابعين، وأتفق معك في أن البعض كان يستخدم وسائل في طرحه السينمائي للإثارة أكثر منه للمضمون، إلا أن تلك الحالة سرعان ما تنتهي ولا تعطي البصمة الحقيقية التي يبحث عنها مخرج أو منتج حقيقي.
- هل تفجر الثورات التعبير الإبداعي؟ وما مدى تأثير الثورات العربية الأخيرة على السينما؟
في الثورة الحديثة للعالم العربي، أغلب ما قدم في السينما هو انفعالات وردود فعل سريعة على المشهد السياسي، فالحالة لم تستقر وعمر الثورات حتى الآن منذ بدايتها في تونس قارب السنوات الثلاث والمشهد السياسي والاجتماعي غير مستقر.
هنالك تركات ثقيلة تركتها الأنظمة البائدة وبعض الحاضرين للمشهد السياسي الجديد لا يملكون أجندة حقيقية للمستقبل، وهنا بات الصراع في المشهد السينمائي بين استنكار الماضي وكشف جرائمه وبين التعامل مع الواقع الجديد الذي لا يقف على أرضية صلبة حتى الآن... إن الإبداع في هذا الجانب لن يتوقف ويجب أن تحمل السينما رسالة الشعوب فقط وأن تدير ظهرها لأي أيدلوجيا سياسية على حساب الوطن، السينما يجب أن يكون لا دين لها أو مذهب أو طائفة، إنها تعكس صرخات المواطن وحقوقه وواقعه.
- قدمت أفلاماً وثائقية، حدثينا عن أهمها.
كل ما قدمت من أفلام وثائقية وروائيه أتصور أنها أحد أبنائي، له حالته الخاصة ومرحلته العمرية التي ولد فيها وتعاملت معها حسب الوقت والزمن، لكن تعاملي بنضج مع السينما والأفلام كان يتطور من مرحلة إلى أخرى، وأعتقد أن فيلمي الأخير «المختفون» كان صرخة حقيقية لواقع من الظلم والاستبداد السياسي والاجتماعي في عهد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي في تونس.
كما أن فيلم «سري للغاية» حقق الكثير من النجاحات وكان نقطة تحول لي على الصعيدين المهني والإعلامي، من خلال الضجة الذي أحدثها في الأوساط الفنية في ذلك الوقت.
أيضا فيلم «جريمة دولة» الحائز الجائزة الذهبية في مهرجان الخليج للإذاعة والتلفزيون يعتبر نقلة في حياتي المهنية واكسبني ثقة كبيرة بعملي.
وأخيراً قدمت «وتستمر الثورة» برؤية مختلفة تحكي في دقائق رواية الثورة التونسية. لا أنكر أن العمل في مجال الأفلام الوثائقية هو تحدٍ للنفس، ورسالة تحمل أمانة تاريخية لتوثيقها للمجتمع، وإبراز الجوانب الخفية والحقائق هو من أهم مهمات الأفلام السينمائية.
- هل ستنهض السينما العربية في المستقبل خاصة أن الجيل الحالي ولد في ثورة التقنيات والأحداث العربية الثائرة؟
الجيل الحالي قادر أكثر من أي وقت مضى على التعامل مع التقنيات والثورات الرقمية الحاصلة في السينما، إلا أن المسألة متوقفة على الإبداع والتكيف مع الواقع بلغة جديدة ومبتكرة.
ومن المفترض أن تفرز الثورات العربية جيلاً أكثر حرية في الفكر والمضمون، إلا أننا يجب ألا نتجاهل الخبرات والتعامل معها.
حيوية الشباب ورغبات التغيير كانت يوما أيضا موجودة في تاريخنا العربي وعبر ثورات مختلفة، البعض أنتج دساتير كانت وما زالت تشوه حقوق شعوبها، اليوم يجب أن نكون أقرب محاكاة للواقع وأبعد عن لعنات يمكن أن تلاحقنا في سنوات مقبلة إن نحن تنازلنا عن حقوقنا.
السينما العربية إن لم تكن اليوم مرآة للشعوب عليها أن تصمت طيلة العمر، اليوم لديها فرصة حقيقية لتعبر عن نفسها بحياد وبعيدا عن أيدلوجيات السياسة، فإما أن تكون سينما حقيقة أو أن نسقط.
- في السينما العربية هل أخذت المرأة حقها، لأن هناك آراء متناقضة في هذا الشأن؟
إذا كنت تقصد في مجال التمثيل وتجسيد الأدوار، فإن الصورة لم تكن بالشكل المطلوب. وتناول المرأة في السينما كان أغلبه سلبياً وبعضه مبتذلاً... في السينما المرأة هي المسؤولة عن تقديم نفسها سواء في مجال الإخراج أو إدارة الإنتاج أو العمل بشكل كامل.
والتنافس في السينما ليس بالضرورة بين الرجل والمرأة، بل هو مجال إبداعي بين من يملك أدوات حقيقية ورؤية سينمائية وبين من يدخل المجال لمجرد الظهور.
- ما هي الدوافع التي تم من خلالها ترشيحك لرئاسة مهرجان عالمي للسينما بحجم مهرجان «سلام بلا حدود» رغم صغر سنك؟
عندما اتصل بي السيد سيف الدين الشيحي من الإمارات قال بالحرف الواحد: «إيمان هل تقبلين ان تكوني مديرة مهرجان سلام بلا حدود السينمائي الدولي؟».
حقيقة كانت مفاجأة لي ولم أجاوبه، وواصل حديثه قائلا: «أنا أتابعك وأتابع أعمالك ومعجب بتوجهك، لذلك رشحناك أنا واللجنة التنفيذية لتكوني مديرة المهرجان». وفعلا تم ذلك وأتى إلى تونس ووقعنا العقد.
وأظن أنه لا علاقة للسن بتولي هذه المناصب، بل المهم أن يكون الإنسان قادرا على تحمل مسؤولية موكلة إليه. وأنا شخصيا بذلت جهدي في المهرجان واجتهدت لتوفير كل الظروف لمهرجان بمقاييس عالمية، لكن للأسف انسحبت لأسباب أعلنها في الوقت المناسب.
- رغم الصعوبات التي واجهتِها لتنفيذ فيلمك الذي يحكي سيرة الشيخ العلامة الطاهر بن عاشور، هل تتوقعين نجاحه؟
الشيخ الطاهر بن عاشور هو رمز من رموز تونس وهو علامة عربي يمتد إشعاعه في كل الدول العربية، ومن الضروري تسليط الضوء عليه بعد ما يقارب أربعين عاماً على وفاته.
ومع أن الفيلم سيكشف حقائق تعرف للمرة الأولى، حافظنا على الحقائق التاريخية وسيرته بالشكل المطلوب وفي قالب درامي وثائقي.
- هل يعد البحث عن صحة المعلومة أكبر ما يواجهك من مشاكل في الفيلم الوثائقي؟
هناك العديد من العوائق التي تواجه إخراج فيلم وثائقي، منها صحة المعلومة التي تعتبر ركيزة أساسية في مضمون الفيلم ونجاحه، لأن الناقد والمتلقي سيكون لكل منها رأيه بعد خروج الفيلم إلى النور، ولا يرى من الأفلام الوثائقية في جانب كبير إلا نوعية المعلومة التي قدمتها ومحتواها، وبالطبع الرؤية الإخراجية التي تعاملت مع الشخوص.
نبحث وندقق في أكثر من مصدر لنصل إلى معلومة صحيحة وحقيقية، وتلك أمانة يجب أن نتعامل معها ونحفظها أنا وفريقي الفني للإخراج والإنتاج.
- كيف توثقين الأحداث السياسية العربية في أفلامك في ظل وجود خطوط حمراء تمنع الوصول إلى بعض الوثائق التاريخية؟
صدقني أن الخطوط الحمراء موجودة بداخلنا قبل أن تكون موجودة في الواقع. إن التعامل مع السينما بلغة راقية وواقعية وبعيدا عن المبالغة وبصدق، سيجعلك تتعامل مع الخطوط الحمراء وتحويلها إلى خضراء يتقبلها من هم في السلطة قبل المشاهد، وهذا ما أسعى إليه بمفهوم الحياد.
إن الوثائق التاريخية ليس من السهل الوصول إليها ونسج خيوطها لإخراج عمل متكامل، إلا أن ثمة مجموعة من الطرق والأدوات والوسائل التي يجب أن أتعامل معها للوصول إلى ما أبحث عنه وتقديم رؤيتي الإخراجية من خلال محتوى الفيلم.
للأسف هنالك واقع معاش تصطدم به ويجب أن تتعامل معه، أنظمتنا العربية لها أجندات سياسية لا تتقاطع في معظمها مع إرادة الشعوب، والحقائق التي لا تخدم مصالحها تكون مغيبة.
إلا أنني لا أرى الحقيقية بتلك الصورة القاتمة ولدى إيمان بأن ما أقدمه من رؤية إخراجية وأفلام وثائقية، يجب أن يتجاوز تلك الأسوار الزجاجية، فما خلفها مكشوف للعالم وهي وهم كبير لمن أقامها.
وما تعرض له «سري للغاية» من منع زاده نجاحا مثله مثل الكثير من الأفلام الوثائقية التي صنعها كبار المخرجين من الذين سبقوني ومُنع عرض أفلامهم.
- كيف تصفين اقتناع القائمين على مهرجان أغادير بعرض فيلم «سري للغاية» ومنحه جائزتين؟
القائمون على مهرجان أغادير يملكون من الوعي والحياد ما مكنهم من رؤية الفيلم بعيون تبحث عن الإبداع، وأكن لهم كل التقدير والاحترام لما كان منهم من إنصاف وانحياز إلى الفن الحقيقي، وتلك هي رسالة المهرجان والقائمين عليه الذين يقدمون في كل دورة منه ما يضيف إلى السينما وصناعتها.
- عرفت أفلامك بالجرأة والوضوح وصحة المعلومة وطرح أدق التفاصيل، فماذا ستقدمين في فيلمك المقبل الذي أثار الجدل قبل ظهوره؟
فيلمي المقبل عن أرييل شارون السفاح الإسرائيلي سيشكل منعطفاً مهماً لي في الأفلام الوثائقية السياسية والاجتماعية، وسيكشف وقائع وحقائق تقدم للمرة الأولى.
- كيف استطعت جمع المعلومات عن رئيس وزراء إسرائيلي سابق؟
هناك خيوط تتبعتها وفريق عمل من المعنيين بتلك القضية، من محامين وسياسيين وسواهم. وثقت العديد من الوقائع والأحداث لهذا الفيلم وحفاظاً على مصلحة العمل لا استطيع التحدث أكثر في هذا الموضوع.
- إيمان حسين مبدعة تثير الجدل وتحرك أحاسيس الشعوب، ألا تخشين على نفسك؟
علمني والدي رحمه الله ألا أخشى إلا الخالق، أنا أؤمن بما أقدمه في السينما ولدي رسالة يجب أن أحققها وأصل إليها، وأي محاربة لأعمالي هي شهادة على أني موجودة وأقدم أعمالاً تصنع الفرق.
درست الإخراج ومارسته، وبداخلي انتماء عربي صادق وحقيقي أترجمه من خلال ما أقدم من أعمال، وحولي أهلي وفريق عملي وأصدقاء مخلصون يؤمنون بالمخرجة إيمان بن حسين. لا أبحث عن إثارة الجدل إلا أن الحقيقة دائماً تؤلم الكاذبين.
- هل اقتربت من البحث عن شخصية رابعة العدوية أم مازلت في طور الإعداد؟ وكيف ستكون خطوط الفيلم ولغة الطرح؟
رابعة العدوية هو حلم لي كمخرجة سينمائية، العمل ضخم والاستعداد له يحتاج إلى العديد من الجوانب الفنية والمادية.
شخصية بحجم رابعة العدوية يجب أن تخرج إلى النور بما يليق بها، وأعتقد أنني أعمل بجد لاستيفاء كل الجوانب التي تساعد على إنجاح هذا العمل وظهوره إلى النور بالشكل المطلوب.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1078 | تشرين الأول 2024