رحيل أحمد فؤاد نجم 'سفير الفقراء'
وصفه الشاعر الفرنسي أراغون بأنه صاحب قوة تُسقط الأسوار
هو واحد من الشعراء الحقيقيين الذين تمردوا على كل أوجه الظلم والفساد والنفاق في مجتمعنا، ودفع ثمن ذلك غالياً، من تشريد وسجن لفترات طويلة. لكن اسمه خُلّد، ليس فقط في الضمير المصري والعربي، بل أيضاً في الضمير الإنساني.
رحل الشاعر الكبير أحمد فؤاد نجم، صباح الثلاثاء 3 كانون الأول (ديسمبر)، عن عمر يناهز 84 عاماً، بعد رحلة نضالية ضد الاحتلال البريطاني والفساد في كل العصور، لذا قال عنه الشاعر الفرنسي الشهير أراغون: "إن ما فيه من قوة تسقط الأسوار". وأطلق عليه الناقد الدكتور الراحل علي الراعي "الشاعر البندقية"؟
سيرته جزء من سيرة وطن، وقد نشرها كاملة في كتابه الفاجومي، مشيراً إلى مولده في 22 أيار/مايو 1929 في كفر نجم بمدينة أبو حماد في الشرقية. وبعد وفاة والده اضطر للعمل في أكثر من مهنة، منها كواء، عامل في سكك الحديد، موظف في الشؤون الاجتماعية، ثم البريد، ونظراً لجرأته، سواء في أشعاره أو آرائه، كان يعاقب دائماً بالتنقل الوظيفي من مكان لآخر، وقد نقل من البريد إلى النقل الميكانيكي، وذلك في عام 1959، وهناك لفقوا له تهمة، يرويها قائلاً: "وفي يوم لا يغيب عن ذاكرتي، أخذوني مع أربعة آخرين من العمال المتهمين بالتحريض والمشاغبة، إلى قسم البوليس، وهناك ضُربْنا بقسوة حتى مات أحد العمال- وما زالت آثار الضرب واضحة على جسد نجم حتى الآن- وبعد أن أعادونا إلى المصنع طلبوا إلينا أن نوقع إقراراً يقول إن العامل الذي مات كان مشاغباً، وأنه قتل في مشاجرة مع أحد زملائه، ورفضت أن أوقع, فضربت". وبعد ذلك عاش نجم فترة شديدة التعقيد من حياته، إذ وجهت إليه تهمة الاختلاس, ووضع في السجن لمدة 33 شهراً.
لكنه من داخل السجن أصدر ديوانه الأول "صور من الحياة والسجن"، الذي فاز بجائزة المجلس الأعلى للآداب والفنون، وقد قامت بتقديم الديوان الدكتورة سهير القلماوي.
ارتبط اسمه بالشيخ الراحل إمام، وكونا ثنائياً غنائياً، وكانا بمثابة الصوت الاحتجاجي الشعبي ضد نكسة 1967.
كان الراحل الكبير أحمد فؤاد نجم، من أكثر الأصوات المعارضة لفترة حكم الرئيس الأسبق مبارك، لدرجة أنه كان دائم المنع من أمسيات معرض القاهرة الدولي للكتاب، وله الكثير من القصائد الممنوعة في هذه الفترة، لذا كان من الداعمين الحقيقيين لثورة 25 يناير 2011، ولم يشعر بخوف بعد الأحداث التي مرت بنا عقب الثورة، وكان يقول: "رغم كل اللخبطة والألم والغموض الذي نعيشه في وطن تايه، فإن أولاد البلد يثبتون كل يوم أن عودها لن ينكسر، وإن لا أحد سيقدر أن "يلف دماغها"، وإن غداً الذي لم يأت رغم الدم الذي دُفع فيه لابد أن يأتي مهما كان الثمن".
وفي الفترة الأخيرة كان من كتاب جريدة "الوطن" المصرية، ولأنه لاعب كرة قديم فلم يسكت على الهزيمة التي لحقت بالمنتخب القومي من غانا، فكتب لوزير الرياضة طاهر أبوزيد يقول:
"لك الحمد أن الرزايا عطاء/ وأن المصيبات بعض الكرم، وكأن شاعر العراق الخالد بدر شاكر السياب، كان يقدم رسماً تفصيلياً لموقعة استاد كوماسي بين مصر وغانا، حين كتب هذه القصيدة الأليمة في مرضه الأخير، ومن أجل ذلك لم أجد سوى هذا المطلع لأستهل به حديثي عن هذه المصيبة الأليمة، وحديثي أتوجه به إلى معالي الكابتن الوزير طاهر أبوزيد، وزير الرياضة، الذي تولى هذا المنصب في التوقيت المناسب، وكأن الله -جلت قدرته- شاء أن ينهي هذا الحادث الجلل عهداً من الفساد الأسود عاشته المنظومة الرياضية في مصر المحروسة، وفي مقدمتها إدارة كرة القدم المصرية، اللعبة الشعبية الأولى عند المصريين، منذ أن انتقلت من بريطانيا العظمى، بلد المنشأ، إلى مصر المحروسة، ثاني بلد لعب كرة القدم بعد الإنجليز الذين اخترعوها!"
له العديد من القصائد التي يحفظها الشباب عن ظهر قلب، منها قصيدته "زيارة لضريح عبد الناصر، التي يقول فيها: "على الضريح/السكة مفروشة/تيجان الفل والنرجس/والقبة صهوة فرس/عليها الخضر بيبرجس والمشربية عرايس/بتبكي/والبكا مشروع/ من ذا اللي نايم وساكت/ والسكات مسموع" وقد صدرت، عقب ثورة يناير، أعماله الكاملة في طبعة شعبية في مشروع مكتبة الأسرة.
ونظراً إلى تاريخه المعلن للانحياز إلى الفقراء والدفاع عنهم، فقد اختارته المجموعة العربية في صندوق مكافحة الفقر التابع للأمم المتحدة سفيراً للفقراء.
شاركالأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024