ريما خشيش: الواقع الفني.. فوضى وقلّة إبداع وتجارة
تنتمي إلى بيت يحاكي الفن والطرب، فوالدها هو عازف القانون كامل خشيش. تربت على موسيقى فيروز وزكي ناصيف وأم كلثوم ومحمد عبد الوهاب. هي مطربة بكل ما للكلمة من معنى، غنت ريما خشيش الطرب والموشحات في زمن إبتعد كل مغنٍ أو مؤدٍ عن هذا النوع من الغناء لصعوبته وعدم شعبيته.
واحد وثلاثون عاماً من الغناء انعكست في رنين ضحكتها التي أطلقتها خلال اللقاء الذي أجرته معها «لها» بعد حدوث موقف طريف.
لافتٌ التباعد الزمني في إصدارات ريما لألبوماتها فقد صدر «قطار الشرق» عام 2002 وألبوم «يالللي» 2006، أما «فلك» ففي العام 2009 و«سحر عيونك» في 2012 وأخيراً «هوى» في الـ2013.
- لماذا اخترت هذا النوع من الغناء؟ وهل كان لوالدك دور للإتجاه نحو هذا النوع الغنائي؟
تربيت في عائلة تحب سماع فيروز والموسيقى القديمة الأمر الذي شجعني منذ صغري على التعلق بهذا اللون، واتجهت نحو الموشحات بعدما تقدمت في عمر الثماني سنوات لبرنامج الهواة «ليالي لبنان» على تلفزيون لبنان وقدمت موشحاً للمرة الأولى، وانضممت في سن الـ 9 سنوات إلى الكورال مع فرقة بيروت للموسيقى العربية بقيادة المايسترو سليم سحاب الذي يقدم موشحات وأغاني قديمة تراثية، وأكملت في فرقة بيروت ووجودي في هذا الجو جعلني أتجه نحو هذا النوع من الغناء.
- فرقة بيروت للموسيقى العربية، ماذا قدمت لحياتك الفنية؟
غنيت مع هذه الفرقة 18 سنة وأغنت لدي المخزون الغنائي لأني حفظت العديد من الأغاني التراثية، فكنت أغني أغنية أو اثنتين ككورال ولكن أفضل من كل البرنامج الذي كان يقدّم.
- لماذا تركت الفرقة؟
الفرقة توقفت وسليم سحاب ذهب إلى مصر، وأنا بدأت العمل منفردة وأقمت حفلات بمفردي.
- كيف تكوّنت فرقة «قطار الشرق»؟
الفرقة مؤلفة من ثلاثة عازفي جاز من هولندا، أتوا إلى لبنان في جولة فنية وطلبوا التعرف على صوت يغني الكلاسيك العربي ونضال الأشقر عرفتهم عليَ، وبعد سنة نظموا حفلات في هولندا ودعوني، من ثم إلتقينا موسيقيين من العراق يعيشان بين ألمانيا وهولندا، وبدأ المشروع هكذا وأصدرنا أول ألبوم، وبالتالي كوَنا الفرقة معاً.
- أعضاء الفرقة ينتمون إلى جنسيات مختلفة، كيف إستطعتم أن تجمعوا حضارات متعددة بموسيقى وكلام موحد؟ هل واجهتم صعوبة في هذا الموضوع؟
هناك صعوبة لأن هذا النوع من الموسيقى جديد على الهولنديين، ولكنهم يتمتعون بثقافة موسيقية عالية، كما أنهم عازفون مهمون في بلادهم وليسوا عاديين. وهناك قاسم مشترك بين الموسيقى العربية والجاز، ففي الإثنين الصوت مهم جداً وهناك مجال للحرية والإرتجال.
وما ساعد على إنجاح الفرقة هو أنني لم أجرب أن أغني الجاز وكذلك هم لم يجربوا العزف بالطريقة الشرقية الكلاسيكية. كل واحد منا قدم ما يتقنه من غناء وموسيقى وجربنا أن نجد نقطة إلتقاء مشتركة. أنا لم أغنِ ولا أدَعي أنني أغني الجاز ولكنني أغني طرب كلاسيك، وهم آلاتهم آلات غربية ويعزفون الجاز وبالتالي لم يجربوا العزف بالطريقة الكلاسيكية العربية، ولذلك نجح المشروع.
«يالللي» تجربة صعبة
- «يالللي» أول ألبوم منفرد في العام 2006، كيف كانت التجربة المنفردة الأولى؟
كان هناك صعوبة كبيرة، كنت أقوم بكل شيء، ومسؤولة عن كل شيء وكذلك الإنتاج، وكانت التجربة الأولى لي في الإستوديو... اعتدت الغناء على المسرح وعلى الحفلات المباشرة ولكن لم أعتد على التسجيل في الإستوديو، وأن أتابع تفاصيل التسجيل والميكساج والألبوم والغلاف والتصميم والحقوق، وتعرفت إلى هذه التفاصيل في «يالللي» لأنه الألبوم الأول لي، ولكن «قطار الشرق» فكان تسجيل حي لحفلة في هولندا وأنا وجدته جاهز لأن الفرقة هم من اهتموا بكل شيء.
- شارك معك زياد الرحباني...
صحيح لأني قمت بعملية الميكساج للألبوم في إستديو زياد وهو عزف بيانو لـ»سُليمة».
- كيف كان التعامل مع زياد؟
رائع، أكيد رائع وأتمنى أن يكون هناك تعاون آخر.
- لماذا لم يجمعكما عمل آخر؟
لا يوجد أسباب ولربما لم يكن هناك مجال للعمل مجدداً، لا يوجد سبب مباشر.
- «هوى» ألبوم موشحات كامل، ألا تجدين مغامرة أو مخاطرة في إصدار عمل كهذا؟
هو خيار صعب، ليس مغامرة ولكنني أعلم أنه ليس ألبوماً شعبياً وأعلم أنه لا يسير في السوق الغنائي، لأنه ألبوم موشحات ومصطلحاته صعبة جداً، ولكن هذا الألبوم كان يجب عليَ أن أقوم به لإضافته إلى مسيرتي الفنية.
غنيت الموشحات وكنت أراعي فيهم نوع الآلات التي كانت معي، لكن بهذا الألبوم اخترت الموشحات من ثم تمرنت مع الموسيقيين عليها وأصدرنا هذا الألبوم.
وهذا الشيء أريده أن يكون في حياتي وتاريخي. كما أن «هوى» كان مدعوماً من «آفاق»، صندوق الدعم العربي للثقافة والفنون، وكنت سعيدة كونها المرة الأولى التي يدعم فيها أحد أعمالي، إضافة إلى أن «هوى» هو إنتاج مشترك مع المخرج إيميل سليلاتي وهو صديقي وآمن بي وبعملي علماً أنه لا يعمل في مجال الإنتاج.
أحياناً هناك أشخاص يصبحون جزءاً من حياة الفرد ويساعدونه، وهو أمر جميل جداً أن نجد في حياتنا أناساً يؤمنون بنا ويساعدوننا.
- إلى أي مدى يتفاعل الجمهور مع هذا النوع من الغناء؟
عادةً حفلاتي لا تكون كلها موشحات، بل تكون مختلطة مع أغانٍ أخرى سهلة الإستماع. ولكن «هوى» صعب لأنه بأكمله موشحات، والمصطلحات لا يمكن فهمها إلا بمساعدة المعجم.
- هذا النوع من الغناء، هل هو تمرّد على الواقع أم على «السوق الغنائي»؟
لا يشبه الواقع وبعيد عنه، لكنني لا أعتبره تمرداً، فالتمرد ممكن أن يكون جديداً لا يشبه أعمالي السابقة، ولكن كل أعمالي لا تشبه الواقع الغنائي اليوم ويمكن إعتبارها تمرداً من هذه الناحية.
- كيف تصفين الواقع الفني اليوم؟
فوضى، وقلة إبداع، وتجارة، مع أن هناك بعض المبدعين وهناك تجارب مهمة ولكنهم أقلية، في حين أن الأكثرية تعتمد على الموسيقى التجارية من أجل الشهرة من دون الأخذ في الإعتبار القيمة الفنية للعمل، والغد هو الذي يبرهن هذا الشيء.
- لماذا هذا التباعد الزمني في إصدار ألبوماتك؟
باستثناء آخر ألبومين، صدر «من سحر عيونك» الذي كان تسجيلاً لسهرة حية تكريماً للشحرورة صباح في الجامعة الأميركية في بيروت في العام 2012 وصدر «هوى في الـ2013.
- هل نحن بإنتظار ألبوم جديد في الـ2014؟
صعبة، الصعوبة في الإنتاج لا في الموسيقى.
- ما جديد الألبوم المقبل؟
«من سحر عيونك» كان إعادات لأغاني صباح، و»هوى» كان إعادات لموشحات، لكن الألبوم المقبل سيكون أغاني خاصة بي والكلمات أصبحت جاهزة لكنني لا أعلم متى سأبدأ التسجيل، ربما السنة المقبلة.
- بعد تجربة يتيمة في كليب «حفلة ترف»، هل سنرى كليباً جديداً للألبوم المقبل؟
أتمنى ولكن الكليب يحتاج إلى إنتاج ضخم.
- هل هناك شركة إنتاج تدعمك في العمل الجديد؟
لا، ولو كان ثمة شركة إنتاج تدعمني لبدأت اليوم الألبوم الجديد، هناك مشكلة دائمة بالإنتاج، ولكن أتمنى أن يكون هناك كليبات في المستقبل، وأيضاً في حال تصوير الكليب إحتمال أن لا يُعرض على شاشات التلفزة وخصوصاً أن خمسين كليباً يظهر يومياً على الشاشات.
- ليلة إصدار ألبوم «هوى»، أهديتِ الحفلة لعازفة القانون وصديقتك إيمان حمصي، كما أهديتها أغنية «شمس المساكين»، لماذا هذه الأغنية؟ وكيف يمكننا أن نصف العلاقة التي ربطتك بها؟
«شمس المساكين» لأننا كنا على موعد أنا وإيمان لإقامة حفلة في مونستر في ألمانيا، وكان المطلوب أن تكون الحفلة ثنائية أي تجمعنا أنا وإيمان فقط، وكان موضوع الحفلة «الدين والفن»، وكانت إيمان في فترة علاج متواصل بسبب مرضها، وكنا نجهز الأغاني وإحداها «شمس المساكين».
وزّعت إيمان الأغاني على القانون وتمرنّا كثيراً للحفلة، ولكن دخلت إيمان المستشفى قبل ليلة واحدة من السفر، وذهبت إلى ألمانيا وبالصدفة إستطاع طوني أوفرووتر أن يكون معي في الحفلة، وأحييت الحفلة معه بينما كان الإعلان يجمعني يإيمان، وهي حزنت لأنها لم تستطع أن تكون لأنها كانت متحمسة جداً.
- هل شعرت بأنها كانت موجودة معكِ في الحفلة؟
هي معي بشكل متواصل، هي جزء من حياتي الفنية، وكانت صديقة مقربة جداً مني ولم نستطع أن نقيم حفلة معاً مجدداً.
هي خسارة كبيرة لي وخسارة كبيرة لآلة القانون والمشهد الموسيقي في المستقبل، لن يكون المشهد الموسيقي في لبنان على المنوال نفسه من دون إيمان.
وحياتي المهنية أيضاً لن تكون نفسها من دون إيمان، هناك شيء ناقص، تنقصه إيمان.
زكي ناصيف جزءٌ من تراثنا
- هل لديك حفلات قريبة؟
آخر حفلة كانت في 29 أيلول/سبتمبر في الجامعة الأميركية في بيروت، لمناسبة مرور 10 سنوات على وفاة الفنان زكي ناصيف وكان الإفتتاح معي وستستمر هذه الحفلات إلى حزيران/يونيو 2014، وفي كل شهر سيكون هناك إحتفال.
- ذكرت أن ألبوم «من سحر عيونك» كان إعادة لأغاني صباح وتكريماً لها، كما أن الحفلة الأخيرة كانت تكريماً لزكي ناصيف، إلى أي مدى أنت متأثرة بالعمالقة؟
زكي ناصيف هو جزء من حياتنا جميعاً، وهو أحد أعمدة المؤلفين والموسيقين في لبنان وتربينا على أغانيه، حتى عندما علَمت في الكونسرفتوار لمدة 13 سنة، شكلت أغاني زكي ناصيف جزءاً كبيراً من برنامج الدراسة الذي كنت أعطيه لتلاميذ الغناء الشرقي. كما أن ألحانه محببة وأوصلها من خلال صوتَي فيروز وصباح، فهو موجود في الذاكرة كما أنه جزء من تراثنا اللبناني الذي نفتخر به.
- ذكرتِ أنك درَستِ في الكونسرفتوار لمدة 13 سنة، لماذا تركتِ الكونسرفتوار؟
تركت قبل 4 سنوات، وكانت مشكلة الوقت هي الأساس وأحياناً عدم السماح بالسفر، لذلك فضّلت ترك الكونسرفتوار لأتفرغ لعملي في مجال الفن.
- ما رأيك في برامج الهواة؟
من كثرتها «ضعنا»، لا أتابع وبرأيي لا يستطيع أن يصبح الهاوي فناناً في ثلاثة أشهر وحتى لو امتلك موهبة كبيرة وصوتاً عظيماً، فالصوت وحده لا يكفي من دون دراسة، وثلاثة أشهر فترة غير كافية، فالفنان يبقى طيلة حياته يدرس ويحسِن ويجهد نفسه ويبقى مقصّراً.
بصراحة أنا لدي مشكلة مع هذه البرامج التي تُخرّج فنانين في ثلاثة أشهر. علماً أن هناك أصواتاً مهمة جداً ومواهب مهمة تظهر من خلال هذه البرامج.
- هناك إزدحام في برامج الهواة، ما مدى إستمرار نجاح الفائز باللقب في البرنامج في ظل وجود برنامج آخر وفي الفترة نفسها؟
هناك عوامل كثيرة تتداخل للوصول إلى النجاح غير الموهبة، كالعلم، الشخصية والذكاء بهدف الإستمرارية وكيفية إختيار الأغاني، فالصوت والموهبة هما أحد العوامل ولكنهما غير كافيين.
- مَن مِن الجيل الصاعد لفتك صوته؟
هناك أصوات جميلة لكنني لن أسمّي.
ماذا عن مشاركتك في برنامج Arabic Music Retreat؟
«آرابيك ميوزيك ريتريت» هو ورشة عمل تُقام كل صيف في ماساتشوستس في الولايات المتحدة الأميركية، مدتها أسبوع لتعليم الموسيقى العربية بشكل مكثف، ويأتي طلاب من مختلف بلدان العالم ومن ثقافات متعددة، كما يأتي عرب يعيشون في أميركا وذلك بهدف تعلم الموسيقى العربية. وأنا أعلم الصوت وأشارك بهذا البرنامج منذ سنة 2000، وهذا برنامج يجري تحت إشراف الموسيقي عازف العود والكمان سيمون شاهين.
- هل هناك صعوبة في التعامل مع طلاب أجانب وخصوصاً أنهم لا يعرفون اللغة العربية؟
هناك متعة، لأننا نتعرف على مواهب من كل العالم وعلى ثقافات متعددة، فقد درّست طلاباً هنوداً وإيرانيين وإيرلندين.
هناك غنى ثقافي رائع، والكل يريد أن يتعلم الغناء العربي. وحتى أنهم لا يتعلّمون الغناء السهل بل يتجهون نحو الموشحات والأغاني الكلاسيكية والمقامات العربية.
هناك صعوبة في اللغة العربية أولاً وفي المقامات ثانياً. وهذه التجربة تعطيني نوعاً من الإكتفاء والمتعة، خصوصاً عندما نرى الغرب مهتماً بالموسيقى العربية أكثر من إهتمام العرب بها.
- لماذا الوجود الرئيسي الدائم لآلة الكونترباص على مسرحك؟
عندما تعرفت على الهولنديين وعازف الكونترباص طوني أوفرووتر، بدأنا بفكرة أغنية ثنائية مشتركة لنقدمها معاً، ولاحقاً تطور العمل بيننا، وأنا أحب هذه الآلة وأشعر بأنها تكمل صوتي، وطريقة عزف طوني وإحساسه مميزان، الأمر الذي دفعني لإقامة جولات غنائية ثنائية معه.
ولم أكن أشعر أنني بحاجة إلى آلةٍ ثانية بل كنت مرتاحة وسعيدة، وهذا أيضاً يعود إلى مهارة العازف إلى جانب جمال الآلة.
- عندما تكونين على خشبة المسرح وتنتهين من الغناء، بماذا تشعرين عند تصفيق الجمهور وتفاعله معك؟
أشعر بالسعادة لأنني أوصلت الرسالة التي كنت أود إرسالها، وأنني في المكان الذي أحب أن أكون فيه أي على المسرح وفي إتصال مباشر مع الجمهور، هي أجمل لحظات.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024