تحميل المجلة الاكترونية عدد 1079

بحث

ديور: بُعد جديد

بصفته المدير الإبداعي السابق لدى Jil Sander، يستعد راف سيمونز لاستلام الدفة في دار كريستيان ديور العريقة والتاريخية. نتحدث في ما يأتي عن ماضي الماركة، وحاضرها ومستقبلها، ونسأل عما ينتظر الماركة الشهيرة.

بعد سنة من التخمينات والتقديرات في عالم الموضة حول من سيستلم الدور المهيب في الإشراف على ماركة Christian Dior ، خلفاً للمبدع جون غاليانو الفريد من نوعه، تمت التسمية أخيراً في شهر نيسان/أبريل الماضي. جاء الإعلان على لسان برنار أرنو، صاحب LMVH ، الذي ذكر أن «ملك الملابس الرجالية» والمدير الإبداعي السابق لدى Jil Sander، راف سيمونز، سيستلم زمام دار الأزياء العريقة بصفته المدير الفني فيها. إنها خطوة جريئة من ماركة متأصّلة كثيراً في التقاليد مع طابع جمالي يسهل فوراً التعرف إليه، فقد تم وضع الإرث بين يديّ مصمم حقق شهرة في عالم الملابس الرجالية قبل أن يترك بصمته في أزياء النساء في ماركة مشهورة بالخطوط القوية والدقة والبساطة.

إلى حين تعيين سيمونز، تضاربت الشائعات كثيراً حول من سيملأ الفراغ الذي تركه الرحيل المفاجئ لجون غاليانو. هايدر أكيرمان، سارة بورتون، ستيفانو بيلاتي، جان بول غوتييه ومارك جاكوبس كانوا بين الأسماء المقترحة ليصبح واحداً منهم خليفة غاليانو، مع أحاديث حول تجميد أعمال جاكوبس في الأشهر السابقة لتوليّ سيمونز المنصب. وفي عرض مماثل ربما للدوافع التي أفضت إلى قرار Dior نفسه، شعر معاصرو غاليانو أن الشقاء أصاب مهمة ديور مما يجعل سيمونز أمام ما يمكن وصفه فقط بأنه عبء كبير.

من رماد فرنسا ما بعد الحرب، أسس كريستيان ديور داراً للأزياء كردة فعل على الأوقات العصيبة للحرب في أوروبا. وفي العام 1946، مع الدعم المالي من امبراطور القماش مارسيل بوساك، قام ديور، ومساعده الإداري جاك رويه، وفريقهما المؤلف من 85 شخصاً قوياً بتحويل الدار المتواضعة في 30 شارع مونتاين إلى دار أزياء مزدهرة خلال وقت قصير قبل أن تتواجد ماركة الأزياء كما نعرفها اليوم.

أراد ديور ابتكار ملابس فخمة وأنيقة وأنثوية فعلاً تذكّر بملابس أمه خلال الحقبة الجميلة (Belle Epoque) وذلك كردة فعل على أزياء تلك الأيام التي، بدافع العوز، تحولت إلى اقتصاد في الأقمشة مع ملابس مصممة بأشكال فضفاضة، وتنانير بطول الركبة وكتفين عريضين. في شهر شباط/فبراير 1947، كشف ديور النقاب عن «طلته الجديدة»، التي تألفت من سترات ضيقة مع طبقة متسعة حول الخصر، وخصور رفيعة، وكتفين ناعمين، وتنانير ممتلئة وطويلة حتى الأرض، وتنانير فضفاضة تتسع من الخصر وتتألف من طبقات عدة من أقمشة متدفقة. كانت التصاميم محترمة وفائقة الأنوثة تجمع بين الطابع العملي والتصميم المريح. الطلة الجديدة أو The New Look (مثلما أسماها محرر Harper's Bazaar ، كارميل سنوو) التي اشتملت على ما بات يعرف الآن «بالبذلة» بالترافق مع استعمال الخرز والدرز اليدوي والتطريز، أصبحت توقيع طلة ديور التي تمثل الطابع الجمالي للماركة هذه الأيام.

امرأة ديور أصبحت أنيقة ومتكلفة وجذابة على يديّ معلّم الطلة عبر استعمال القوالب، والصدارات، والتنانير التحتية وحشو ة الوركين لزيادة الحجم. والواقع أن وصول تلك المرأة أحدث ثورة في أزياء النساء.
بعد موت ديور في مونتيكاتيني في إيطاليا عام 1957، استلمت الدار بعض أهم المواهب المميزة والبارعة في عالم الأزياء، والذين تركوا جميعاً بصماتهم في الطابع الجمالي للماركة بمن فيهم إيف سان لوران الذي أضاف تصميم الفستان المنحرف الشهير، ومارك بوهان في العام 1960، والمصمم الإيطالي جيانفرانكو فيري عام 1989 مع الإصرار على احترام تاريخ الدار وتقاليدها. في العام 1990، انضوت ماركة ديور تحت لواء ملكية LMVH التي قام صاحبها، برنار أرنو، بتعيين جون غاليانو المصمم الرئيسي لدار جيفنشي في منتصف التسعينات، وكان قد أعاد في ذلك الوقت ابتكار الفستان المنحرف القصة الذي راج في حقبة الثلاثينات، وقام بإضافة الطابع العصري والأنثوي على الخطوط عبر جعل القصة ضيقة.

في العام 1996، أصبح غاليانو المصمم الرئيسي في ديور. وبعد السنوات المحافظة تحت قيادة بوهان، قام غاليانو بحقن جرعة ضرورية من الألوان في ماركة ديور مستوحياً الأفكار من سفره إلى إسبانيا والذهاب إلى طنجة. مجموعته الأولى للأزياء الراقية لربيع وصيف 1997 أشارت إلى بداية مرحلة جديدة استمرت خمسة عشر عاماً في الدار وترافقت مع تطورات عالية جداً لتنتهي في إحدى كبرى النكسات في عالم الموضة خلال الأعوام الأخيرة.
لكن في تلك الأعوام الذهبية لدى دار ديور، كان غاليانو شخصاً بلا منازع وبلا نظير كمصمم أزياء راقية أضاف طابعاً مسرحياً فاتناً إلى مجموعاته وعروضه. فالعروض لم تكن مجرد تقديم للملابس. كانت استعراضات كبيرة وفريدة من نوعها مع الديكورات الأكثر تكلفاً وفخامة.

حضور عرض أزياء ديور كان بمثابة الدخول إلى عالم خيالي حيث الإمكانات تصبح لامتناهية، والحدود لا وجود لها، والأحلام في أوج ابتكارها. براعة غاليانو كمنت في قدرته على استخلاص الجواهر من الأرشيف ودمجها مع طريقته الخاصة المبتكرة في التصميم. امتلك غاليانو سحراً في أسرار عمل الأزياء الراقية، وأزياء حقبة الخمسينات ورومنسية وعظمة ما يمكن أن تكون عليه الموضة تماماً مثل ديور نفسه.
أعاد إحياء الدار مالياً وإبداعياً عبر تلبية طلبات الجمهور في امتلاك منتج واحد من ديور سواء تمثل ذلك في العطور والحقائب أو فساتين الأعراس الراقية، ولبّى بذلك رغبة LMVH في تجديد ديور وتحويلها إلى ماركة متعددة الأبعاد تماماً مثلما فعل طوم فورد مع ماركة غوتشي.

في العام 2007، كان جون غاليانو يقدم سبع عشرة مجموعة سنوياً لدار ديور، ويعمل في الوقت نفسه على مجموعته الخاصة. بدأت مهنته تتجه صعوداً بشكل مطرد وقد قالت عنه صناعة الأزياء الراقية أنه أحد أكثر المصممين تأثيراً وموهبة في عالم الأزياء.
مجموعته لربيع وصيف 2011 قدمت التحية لرسام القرن العشرين والمتعاون مع كريستيان ديور، رينيه غورو. استهلت العرض العارضة الأميركية كارلي كلوس وهي ترتدي معطفاً من التول الأحمر والأسود. استخدم غاليانو التطريز والخرز لمحاكاة ريشة غورو، وأوحت الفساتين الطويلة الفضفاضة بالخطوط المنسابة المرسومة، فيما جرى تقديم السترة ذات الطبقة الإضافية فوق الخصر بظلال ثنائية اللون، وتم عكس يديّ غورو الدقيقتين المغلفتين بالقفازات في وضع العارضات لقفازات طويلة. إنه عرض آخر كلاسيكي ورومنسي من ديور.

إلا أن النزول عن عرش الموضة كان سريعاً جداً ومشوشاً. بعد الادعاءات القائلة إنه استخدم إهانات معادية للسامية ضد أشخاص في حانات باريس الليلية، تم توقيف غاليانو عن عمله في أوائل العام 2011. جنّ جنون الصحافة الصفراء لمعرفة التفاصيل الكريهة للحوادث المزعومة. وقامت صحافة الموضة المذهولة بدعم المصمم وإدانته، بدعم مواهبه وإدانة أعماله التي بدت غير ملائمة بالنسبة إلى الأغلبية. وفي شهر آذار/مارس 2011، صدر الحكم وانتهت واحدة من أعظم الحقبات في عالم الأزياء بشكل مفاجئ ومأساوي. لقد تم طرد غاليانو.

وفيما كانت الصناعة مضطربة نتيجة الخبر، توجب على LVMH تحديد ما ستكون عليه مجموعة خريف وشتاء 2011 لناحية التقرير ما إذا كان العرض سيستمر.
أقيم العرض في الجهة اليسرى من متحف رودين، داخل خيمة، أمام 1200 مدعو بينهم آنا وينتور وناتاليا فوديانوفا. وفي ما تم وصفه بمناسبة كئيبة وحزينة، ألقى رئيس دار كريستيان ديور للأزياء الراقية، سيدني توليدانو، كلمة أبعد فيها الدار بوضوح عن ابنها السابق وأدان أعماله رغم أن العديد من المشاهير المجتمعين قرروا ارتداء ملابس من ديور دليل تضامن مع المصمم النجم الفريد من نوعه. خيّم طيف غاليانو بقوة على العرض، وكانت كل معالمه البارزة موجودة، من فساتين البروكاد، إلى التصاميم المتفاخرة، وسترات الفرو والتويد. لكن عندما أضيئت الأنوار، كشفت عن الأفراد الثلاثين لمحترفات ديور. إنه دليل للعالم المتفرج بأن ديور هي مجموعة العديد من الأجزاء وليست محمية عبقري واحد. إلا أنهم يحتاجون إلى شوط طويل لإقناع الحشود المجتمعة أن الحال هي فعلاً هكذا. فقد ترك رحيل غاليانو فراغاً كبيراً يجب ملؤه وسادت الثرثرة حول من سيملأ ذلك الفراغ.

بحلول العام 2012، عرضت مجموعتان تحت إدارة اليد اليمنى لغاليانو، بيل غايتن. وفيما حظيت مجموعته الأولى من الأزياء الراقية بتقارير غير ممتازة، حققت مجموعته الثانية لربيع وصيف 2012 تقديراً كبيراً لناحية العودة إلى القيم الأساسية لدى ديور. وقد قال غايتن نفسه عن المجموعة إنها «أشعة إكس ديور». لا وجود للتطرف، الذي تم تحاشيه لصالح المضمون الملطف لمبنى ديور في شارع مونتاين. لقد كان العرض قديم الطراز. نظر بعينين دامعتين إلى العصر الذهبي لأناقة ديور الراقية، أي إلى الطلة الجديدة New Look مع عارضات ارتدين فساتين ذات تنانير ممتلئة، والبذلة التقليدية مع ياقة أعرض، والخصور الرفيعة، وأقمشة الشيفون، والأورغنزا، والعقد والكشاكش. صحيح أن تصاميم غايتن كانت محترفة، لكنها افتقدت إلى السحر واللمعان والحماس الذي عهدناه في عمل سلفه.

ماذا سيضيف إذاً المصمم البلجيكي، رايف سيمونز، إلى الأزياء الراقية عند ديور؟ هل سيتمكن من إضافة بعد جديد إلى الماركة مثلما فعل عند جيل ساندر؟ مفهومه الجمالي مخالف لمفهوم غاليانو وديور. ففيما قيّم أسلافه الرومنسية والطبقات المتعددة والفائض والفخامة، نجد ملابس سيمونز النسائية أكثر عصرية وبساطة، تركز على الدقة مع عين على المستقبل. إلا أنه يشاركهم التزامهم بالخياطة الراقية، مع مراعاة الشكل الأنثوي والقدرة على استخدام الأفكار القديمة ودمجها مع الأفكار الجديدة.

وفي بلاغ صدر بعد تعيينه، شرحت LMVH خيارها أمام وسائل الإعلام العالمية المعنية بالموضة. لقد تم تعيين سيمونز ليضيف لمسته العصرية إلى مجموعات ديور للأزياء الراقية والأزياء الجاهزة للنساء. وقالوا إن رحلة راف سيمونز مع دار ديور ستدفع الأسلوب الرمزي للدار إلى القرن الحادي والعشرين. بدا سيمونز متحمساً ومتفائلاً حيال مستقبله الوشيك عند ديور. وقال: «أنا مفتون بما يمكن أن يكون تجسيد لغة الأزياء الراقية في القرن الحادي والعشرين». عندما يبدأ سيمونز العمل في تصميم الأزياء الراقية للدار في شهر تموز/يوليو، سوف ينتظر عالم الموضة بأنفاس مقطوعة ما سيحاول إيصاله وتقرير ما إذا كانت ماركته الخاصة مما يسميه «عصرية منتصف القرن» قادرة على تجديد ماركة تشهد ركوداً في الوقت الحالي.

 

المجلة الالكترونية

العدد 1079  |  تشرين الثاني 2024

المجلة الالكترونية العدد 1079