تحميل المجلة الاكترونية عدد 1079

بحث

الشيخة لبنى القاسمي تروي مشوار نجاحها

تعد الشيخة لبنى القاسمي وزيرة التجارة في الإمارات نموذجاَ لما حققته المرأة الإماراتية من منجزات، وهي دائماً حريصة على أن تروي قصة نجاحها مؤكدة أن والدتها كانت تردد لها ولكل من حولها: «سأعدّ أبنائي وأؤهلهم لزمن غير زمننا»، وأنها بدأت العمل من نقطة الصفر دون استخدام لنفوذ أسرتها أو الاعتماد على وضعها الاجتماعي.


«لم أكن أقبل بأقل من المراكز الأولى بدعم كامل من والدي ووالدتي، وكان التراجع الدراسي وانتقاص درجة في الامتحان بالنسبة إلي من الكوارث و كنت أقيم الدنيا على ذلك ولا أقعدها... بدأ ذلك منذ المراحل الدراسية الأولى وحتى التخرج من الثانوية في القسم العلمي، وكان هدفي الأول النجاح والتفوق. وقد اخترت دراسة تقنية المعلومات التي لم يكن لها وجود في دولة الإمارات في تلك الأيام، وسنحت لي الفرصة أن أُبتعث إلى الولايات المتحدة بمكرمة من الدولة وقائدها المغفور له الشيخ زايد».

وتستعرض الشيخة لبنى القاسمي شريط تجربتها منذ مراحل التعليم الأولى: «مكونات النجاح والتفوق والتميز لا تأتي مصادفة بل تكون نتاج عمل وجهد ومثابرة، تضاف إليها المهارات الاستثنائية التي تكون عديمة النفع إذا لم نملك الشخصية المناسبة والدافع لتحقيق كل أهدافنا. كما أن الإنسان يتعلم من أخطائه أكثر من تعلمه من نجاحه، فجوهر الموضوع التعلم من الأخطاء لتفاديها في المستقبل. وقد تعلمت هذا الدرس جيداً من والدي وأخوتي الذين علموني قيم المثابرة والاجتهاد والتخطيط للمستقبل، فوالدتي كانت تحضني على السعي نحو تحقيق أحلامي وطموحاتي دون المساس بهويتي وتراثي. أما والدي رحمه الله فقد شجعني على اكتشاف العالم والتعلم المستمر وكان كثير الاهتمام بتعليم بناته. حقاً إنني فخورة بما تعلمته منهم والذي كان له عظيم الأثر في حياتي العلمية والعملية».
وزادت: «لعل استعراض شريط تجربتي منذ مراحل التعليم الأولى وحتى الآن يسلط الضوء عليها، فهي مليئة بالدروس والعبر والمثابرة والمنجزات، لكنها في الوقت ذاته لا تخلو من التحديات والصعاب التي تحطمت أمام دعم القيادة وتشجيعها لي وأمام الإصرار والعزيمة على تحقيق الأهداف والوصول إلى الغايات التي تساهم في بناء الوطن وترفع شأنه في المحافل الدولية». 

ولفتت الى انه «في مراحل التعليم الأولى لما كنت حققت النجاح لولا وجود نخبة من المعلمات والناظرات المخلصات اللواتي كن دافعاً قوياً لي للتفوق في التعليم... واصلت النجاح والتفوق بالسهر والجهد والمثابرة، فالتفوق الدراسي كان في حد ذاته تميزاً لكل واحد منا فلم يكن لدينا جوائز للتميز التربوي للطالبات ولا المعلمين ولا المعلمات بل كان التميز أساسه التفوق الدراسي والنجاح».
ونوهت إلى أن هذه المرحلة من حياتها كان لها تأثير كبير في بناء شخصيتها وتعلمت فيها القيم والأخلاق والحرص على كسب احترام الآخرين. ولفتت إلى أنها تعلمت أيضاً أن الإنسان أولاً وأخيراً مجموعة من القيم والمبادئ وأهم مبدأ هو الاحترام والتقدير لكل من علّمها حرفاً. كما تعلمت أن المدرسة هي تربية قبل أن تكون تعليماً.

بعد استكمالها مرحلة الثانوية في القسم العلمي، التي تخرجت منها بتفوق، أتت مرحلة أصعب في حياتها وهي لحظة الاختيار التي سيبنى عليها المستقبل الوظيفي والحياتي. وأشارت إلى أن فترة السبعينات كانت مختلفة تماماً عن الفترة الحالية اذ كانت والدتها لديها فلسفة في تربيتها وتعليمها تقوم على النظرة البعيدة والرؤية المستقبلية للأمور، «وكانت رؤيتها الاستشرافية لمستقبلنا الغامض أكبر دافع لنا لنتغلب على هذا التحدي ونسير نحو النجاح». وأكدت أنها في هذه المرحلة علمتها الجهاد والمثابرة والقناعة والاحترام والتواضع وعلمتها أن لا يصيبها الغرور وأن الإنسان الذي لا يحترم ماضيه لا يحترم مستقبله.

تضيف وزير التجارة الخارجية في الإمارات: «اخترت دراسة تقنية المعلومات التي لم يكن لها عندنا في تلك الأيام، وسنحت لي الفرصة أن أبتعث لمتابعة هذا التخصص بمكرمة من الدولة وقائدها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله».
وأضافت: «لكن انطلاقا من إصرار أخواني الشيخ سلطان والشيخ سعود والشيخ فيصل الذين كان لهم فضل كبير في دعمي ودفعي للتميز في جميع المجالات، وافقت على استكمال الدراسة في الولايات المتحدة الأميركية السباقة في علوم التكنولوجيا. هناك تعلمت من أساتذتي الحرص على التحصيل العلمي المميز وكانوا يكنون لي كل الاحترام والتقدير ويشجعونني على دراستي بعدما لمسوا تفوقي العلمي».
وعن مرحلة العمل أوضحت الشيخة لبنى القاسمي: «بدأت مع هذه المرحلة فترة التحدي الحقيقي ومواجهة الصعوبات خاصة في رحلة البحث عن عمل في مجال تخصصي الدراسي. بعد حصولي على شهادة علوم الحاسب الآلي بتقدير امتياز، تلقيت عروض عمل عديدة في الولايات المتحدة، لكن بالنسبة إلي الوطن يأتي في المقدم وله الأولوية في العطاء والعمل إذ أنني بجهد هذا الوطن تربيت ونشأت وتعلمت، لذلك آثرت العودة وبدء العمل من نقطة الصفر دون استخدام لنفوذ أسرتي أو باعتماد على وضعي الاجتماعي».
وأضافت: «فضلت العمل في شركة هندية خاصة لتطوير أنظمة الحاسوب في إمارة الشارقة براتب لا يزيد على خمسة آلاف درهم، ولم يكن الراتب هدفي بل الخبرة والرغبة في العمل في التخصص ذاته».
وقالت: «كنت أعمل منذ الصباح حتى الساعة السادسة مساء مطورة لأنظمة الحاسبات وكنت الفتاة الوحيدة بل العربية الوحيدة بين مجموعة العاملين في الشركة الهندية. ولا أخفي عليكم صعوبة هذا الأمر لأهلي، لكن شغفي بهذا العلم وهذه التكنولوجيا اوجد بداخلي الإصرار والتحدي والتشبث بالوظيفة. ولا أنسى أبدا فضل مديري الهندي الأصل الذي كان يشجعني دائما على مزيد من التعلم واكتساب الخبرة».

انتقلت بعدها للعمل في جامعة الإمارات في العين كمهندسة نظم معلومات، «وقد آثرت أيضاً الابتعاد عن أهلي بهدف الاندماج في العمل وذلك بسبب شغفي وحبي لتخصصي رغم توافر فرص أخرى في الشارقة ودبي. وانتقلت بعدها للعمل في دبي وكان أهم عمل حصلت عليه هو تطوير أنظمة التكنولوجيا في سلطة موانئ جبل علي ومنطقة جبل علي الحرة. واعتبر هذه الفترة حافلة بتجارب واكتساب خبرات متعددة، فقد كان لإدارة موانئ دبي في تلك الفترة الفضل الكبير في تقدمي بالإضافة إلى بروز قدراتي في العمل، إذ لم يكن سهلا أن أكون أول امرأة تتسلم منصباً قيادياً في هذا الميناء. وحرصت في تلك الفترة من العمل على تبسيط مفهوم هذه التكنولوجيا للعملاء في سلطة موانئ جبل علي ليسهل تقبلها وكسب ثقتهم. وتعلمت كيف يكون الإنسان صبوراً لنقل معلوماته إلى الآخرين وأن عليك فهم الآخرين إذا أردت أن يفهموك. كما تعلمت أن العمل الجماعي مهم جداً لإنجاح أي مشروع تكنولوجي في الميناء دون الاستفراد في الرأي».
وتابعت: «كرّمني صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي الذي كان ولي عهد دبي في ذلك الوقت، ومنحني جائزة «الموظف الحكومي المتميز» في العام 1999 وكنت أول فتاة إماراتية تحصل عليها».
وبالنسبة إلى مرحلة تأسيس «تجاري دوت كوم» أوضحت أنه «بمكرمة من الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم وتأكيدا لحرصه الدائم على إبراز التفوق والطموح لكل إماراتي، عيّنني في منصب مدير عام لشركة «تجاري دوت كوم». وكان تولي امرأة منصباً تأسيسياً لشركة سابقة. وتوليت أيضا مهمات رئاسة الفريق التنفيذي لمبادرة الحكومة الإلكترونية، كما التحقت بالجامعة الأميركية في الشارقة لاستكمال دراسة الماجستير التنفيذي خلال العطلة الأسبوعية، وكانت حقا مرحلة شاقة دفعتني إلى التفكير في التوقف عن الدراسة مراراً، لكن تشجيع والدتي وحرصها الشديد على استكمال دراستي واهتمامها الكبير بحصولي على الشهادة منعتني من التوقف».


الوزارة

عن مرحلة الوزارة قالت الشيخة لبنى القاسمي: «بتاريخ 2 تشرين الثاني/نوفمبر 2004 كانت المفاجأة الكبرى حين طلبت مني القيادة حمل حقيبة وزارة الاقتصاد والتخطيط. ورغم سعادتي ونجاحي في عملي بالقطاع الخاص وجدت بتشريفي بهذا المنصب رحلة تحد جديدة فيها كثير من الإيمان بالقدرات والثقة بالنفس، مما دفعني إلى قبول هذا التحدي الكبير لأكمل مسيرة أكبر قائد وأعظم رجل عرفته الإنسانية، والدنا جميعا المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان الذي علمنا الإنسانية بمعناها الحقيقي وعلمنا احترام الشعوب والتواضع والحلم والصبر والبذل والعطاء بفكر رجل عربي بدوي أراد الخير للجميع دون تفرقة بين مواطن أو وافد، وبين عربي وأجنبي يعيش على أرض هذا الوطن الخيّر».

عام 2008 تم تكليفها بحقيبة وزارية جديدة هي وزارة التجارة الخارجية، مشيرة إلى أنها قبلت التحدي لما لقطاع التجارة الخارجية من دور حيوي ومهم في الاقتصاد الوطني وتنميته وتطوره.

وأضافت: «نلت العديد من شهادات التقدير على الصعُد الشخصي والمهني والحكومي ابتداء من اختياري كواحدة من أقوى 100 امرأة في العالم من جانب مجلة «فوربز»، إلى منحي أعلى وسام رسمي في كل من إيطاليا وفرنسا واسبانيا، وجائزة الأداء المتميز مدى الحياة وعضوية مجلس القيادات النسائية العالمية للأعمال. ويضاف إلى ذلك منحي أكثر من دكتوراه فخرية في القانون والتكنولوجيا والاقتصاد من جامعات عالمية مرموقة».

المجلة الالكترونية

العدد 1079  |  تشرين الثاني 2024

المجلة الالكترونية العدد 1079