تحميل المجلة الاكترونية عدد 1077

بحث

صابر الرباعي: سيتعرّف الجمهور إلى صابر الإنسان في برنامج the voice

اتفقنا على اللقاء كأي صحافي وفنان. قبل الموعد بقليل، وصلنا إلى الفندق حيث يقيم، وانتظرناه حتى ينتهي من حصّة الرياضة التي «يحبّها موت»، وموضوع الأسئلة التي سنطرحها عليه يشغلنا. هل نأخذ المبادرة ونسأله عن حياته الشخصية ونحن نعرف مسبقاً أنه يخفيها عمداً عن الجمهور؟ هل سنكتفي بالتطرّق إلى الفنّ وأخباره وإلى مشاركته في برنامج the Voice؟

أسئلة جمّة ساورتنا ثم اتفقنا أن نترك للسجيّة حرّيتها... فليأخذنا الحوار إلى مجراه. جاء صابر الرباعي إلينا تسبقه هيبته. ولكن شيئاً فشيئاً مع انسياب الحديث، شعرنا بأننا في حضرة صديق نتكلّم في الأمور اليومية، يخبرنا عن هواجسه تماماً كما نفعل نحن. تكلّمنا في كل شيء تقريباً. في السياسة، في الفن، في الثقافة، في نظرته إلى العالم الغربي، في الثورات العربية، وفي العائلة والأولاد والمستقبل. في حضرة صابر كان اللقاء «عسلاً»، «كلّه سحر»، أمتعنا شخصياً، وكان نتاجه هذا الحوار.


عن الطفولة

أنتمي إلى عائلة مؤلّفة من خمسة أخوة، أربعة صبيان وفتاة، أنا أصغرهم.

كان عمري 10 سنوات عندما اكتشفت صوتي. علّمني والدي الغناء لكنّي لم أمارسه كمهنة، كان مجرّد هواية. أكملت حياتي كأي طفل عادي إلى أن أصبحت في المرحلة الدراسية الثانوية، وقرّرت دراسة الموسيقى بالتزامن مع دراستي الأكاديمية، فالتحقت بالمعهد الموسيقي في محافظتي صفاقس. درست خمس سنوات، نلت على إثرها الدبلوم وبعدها دخلت المعهد العالي وحصلت على الجدارة (maitrise).

أتذكّر من سن الـ 11 سنة رحلتي إلى العراق. كنت لا أزال في المدرسة وكان هناك مسابقة بين المدارس في تونس لطلاب الشبيبة المدرسية. بعد مسابقات عدّة فزنا فيها بالمراكز الأول، تمّ اصطحابنا إلى العراق للمشاركة في مهرجان الطفولة هناك. كانت المرّة الأولى التي أسافر فيها، المرة الأولى أركب فيها الطائرة، والمرة الأولى التي أرى فيها بلاداً غير تونس. سافرنا، أخواي والفرقة المدرسية وأنا. كانت ذكريات جميلة، أخي عزف على الإيقاع، وغنّينا أنا وأخي الآخر ضمن الكورس وكان لي وصلات صولو غنّيت فيها «فوق النخل» و»حالي حال» وبعض القدود الحلبية. كما قمنا بعرضٍ يمثّل العرس التونسي التراثي. هذه كانت أولى الحفلات التي أشارك فيها خارج تونس ضمن فرقة مدرسية امتهن بعض أعضائها الفن، كمثل أخي الذي امتهن العزف على الإيقاع، وهو يرافقني في كل حفلاتي.

بقيت مشاركاتي الغنائية محصورة بحفلات الشبيبة المدرسية بين المعاهد، وبحفلات صغيرة تُجرى في آواخر السنوات الدراسية. لم أمتهن الغناء مع أن شغفي بالموسيقى كان كبيراً وواضحاً من خلال حلولي في المركز الأول مدرسياً في مادة الموسيقى.

في العائلة كانوا يعتبروني محبوبهم الصغير (le chouchou) ومطربهم الأول الذي يجيد الغناء والعزف، وكانوا يطلبون مني الغناء في كل الحفلات العائلية وأعياد الميلاد والأعراس، وكنت ألبّي الطلب طبعاً. لكن، رغم كل هذا الدعم العائلي، بقي اهتمامي الأول محصوراً في متابعة دراستي الأكاديمية وليس امتهان الموسيقى، إلى أن حصلت على البكالوريا ودرست الموسيقى واخترت المضي في مشوار الفن الذي لا أزال أخوض غماره حتى اليوم.

- كيف خطوت الخطوة الأولى نحو الشهرة؟
عاونني كثير من الناس لأصل إلى ما أنا عليه، من أهلي ومن أهل الإعلام والصحافة، ومن القيّمين على الإذاعة الخاصة بمحافظتي صفاقس في تونس الذين كان لهم باع طويل في الفن. كانوا كباراً في السن وكانوا معجبين بصوتي فأعطوني أغاني. إلى أن كانت انطلاقتي الحقيقية كمحترف عام 1990، فبعد أن دخلت المعهد العالي للموسيقى قلت في نفسي يجب أن أحترف الغناء، بخاصة بعد أن شعرت بأن اهتمام الناس قد كبر.

- ما الذي جاء بك إلى لبنان؟
الحظ لعب دوراً في لقائي علي المولى، مدير أعمالي. التقينا صدفة، كان كريم العراقي موجوداً في تونس هو وكاظم الساهر بسبب الأوضاع في العراق آنذاك، وكان علي يعرف كريم الذي كنت أعرفه بدوري بحكم وجوده في تونس لمدّة سنة. عندما جاء علي إلى تونس مع أحد الشباب، ربما كان عاصي لا أذكر تحديداً، لإحياء حفلة هناك، أعطاه كريم رقم مكتبي ليتواصل معه لأنه لم يكن يملك هاتفاً خاصّاً به. اتصل علي فردّت المساعدة في مكتبي وسألته: «من تريد حضرتك؟» قال لها: «أريد التكلّم مع كريم العراقي» فردّت: «هذا ليس رقم كريم، هذا رقم مكتب صابر الرباعي»، فجاوبها: «حسناً أنا لا أريد كريم العراقي أنا أريد صابر الرباعي». هكذا حصل اللقاء، ترك لي رقم هاتف الفندق الذي ينزل فيه، واتصلت به والتقينا وتعاونّا ولا نزال مع بعضنا من عام 1996 إلى اليوم.

- مشوارك الفني طويل ولديك العديد من الأغاني والألبومات، أي من هذه الأغاني أقرب إلى قلبك، أي نمط من الأغاني تحب؟
ليس هناك من نمط معيّن أحبّه، أغنّي كل أنواع الموسيقى من دون أن يكون هناك نوعٌ مفضّل عندي، وأحسّ أن صوتي يتجاوب مع كل الأنماط الغنائية. بداياتي كانت مع محمد عبد الوهاب الذي أعتبره  مدرستي التي تتلمذت عليها، كما أم كلثوم وكارم محمود، الذين اكتشتفت صوتي من خلال أغانيهم، إلى أن أصبح لي شخصيّتي المحدّدة وهويّتي الخاصة.

- أي أغنية كوّنت هذه الهوية، وتعتبرها نقلة نوعية في حياتك الفنّية؟
لا أستطيع حصر الأمر بأغنية واحدة. هي أكثر من أغنية. أعتبر أغنية «صرخة» من الأغاني التي شكّلت نقلة نوعية في حياتي الفنّية في تونس، كأغنية طويلة فيها موضوع. أغنية «ولا كلمة» عرّفتني بالجمهور العربي في سورية وفي لبنان، وبعدها جاءت أغنيتا «عزّ الحبايب» و «سيدي منصور» ووسّعتا الدائرة وعزّزتا انتشاري، وبعدها دويتو «عاللي جرى» مع أصالة الذي أعتبره نقلة أيضاً...

- في هذا السياق، نريد أن نسألك عن الدويتو. صرّحت شيرين في مقابلة مع «لها» أنها تتمنّى أن تغنّي دويتو مع صابر الرباعي، كذلك فعلت نجوى كرم خلال مؤتمر صحافي في تونس، فماذا تقول في هذا الأمر؟
مهم. مهم جداً. صوت كصوت شيرين الذي أعشقه أتمنّى أن أغنّي معه دويتو، الأمر نفسه بالنسبة الى نجوى. نجوى «حبيبة قلبي»، هي بالنسبة إليّ من الأشخاص القريبين، بل القريبين جداً إلى قلبي. عندما أهاتفها أحسّ براحة، لا أشعر بأننا نتكلّم كزميليّ مهنة بل أشعر أني أكلّمها كأخيها. نجوى أختي. وإذا أردت التحدّث عن الأمر كدويتو، كإسم، كمركز، أقول إن الدويتو معها يشرّفني ويسعدني.

- شيرين ونجوى أعربتا عن حبّهما لتشكيل دويتو غنائي معك، أنت مع من تتمنى أن تغنّي؟
الى هذين الصوتين، أحبّ صوت أمال ماهر بدرجة كبيرة. أفكّر أيضاً في حسين الجسمي، «دماغي ودماغو بيمشوا مع بعض».

- لماذا لم تنفّذا هذا الدويتو حتى الآن؟
الأيام آتية. يجب أن نفكّر في الموضوع كي نبتعد عن الرتابة. على فكرة، يجب أن نخلق رابطاً فنّياً بيننا نحن الفنانين. نواة يكون هدفها الإضافة إلى الفنانين من خلال ديوهات وتريوهات وأعمال جماعية، عدا الحفلات الخاصة بكل فنان له جمهوره وحفلاته ومكانته ومركزه في العالم العربي.

نانسي مثلاً من الأصوات الناعمة التي تستهويني، وهي شكل من أشكال الدويتوهات التي يمكن أن يكون موجوداً. أومثلاً لو التقينا أنا وكاظم وعاصي ونجوى وشيرين في عمل كبير...

- ماذا سيضيف عمل كهذا لك وللساحة الفنية؟
سيضيف الكثير. أولاً هو شيء جديد بعيد كل البعد عن الكلاسيكيّة، بالإضافة إلى أنه سيكون إيجابياً لنا نحن الفنانين، فيقرّبنا من بعضنا أكثر على الصعيد الشخصي، كذلك يضيف إلى الناس الذين سوف يستمعون إلى أعمال من هذا النوع تبقى في النهاية للتاريخ.

صابر الأب

- إذا سافر ابنك إلى فرنسا أو أي بلد أوروبي كما تخطّط له وعاش تجربته الخاصّة وعاد إلى تونس وقال لك : أريد امتهان الفن، ستمنعه من ذلك؟
ابني لا علاقة له بالفن، «لا لا ما خصّه».

- نقول لو افترضنا، سوف تمنعه؟
سوف أريه الصالح والطالح في هذا المجال. هو يرى الآن والده نجماً يأكل ويدرس ويعيش من جناه لكن ليس هناك من شيء مضمون في مجال الغناء في الوطن العربي. إذا أخذنا مثلاً صناعة السينما في مصر، التي تعتبر من أكبر الصناعات الفنّية في العالم العربي، وأخذنا في المقابل صناعة السينما في أميركا مثلاً، لا مجال للمقارنة بين هاتين الصناعتين من حيث مردود الفنان ووضعه والأموال التي تصرف على صناعة الفيلم التي توازي ميزانية شهر كامل لبلد عربي، فعن أي مجال فنّي نتحدّث؟

أحبّ أن أعلّم ابني وأجعله يكتسب ذكاءً اجتماعياً وثقافة عالية. أولادي هم ثروتي، هم استثماري الوحيد في هذه الحياة، لذا يجب أن يكون هذا الاستثمار ناجحاً. لا أريد أن أربّي أولادي لينتهي بهم الأمر صيّاعاً في الشوارع «وما يعرفوش كيف يحطّوا مسمار في الحيط»...

- من هذه الشخصّية المتميّزة ماذا تحبّ أو تورث لأولادك؟
الاعتماد على أنفسهم، الهدوء، القرارات الصائبة، عدم التسرّع، الأدب، آداب التخاطب والتعامل والحوار، الديمقراطيّة، أسس الحياة الاجتماعيّة التي هي الأهم ما في حياتي الاجتماعيّة. حياة ابني صفحة بيضاء ومن واجبي أن أملأها بنفسي، وهو بدوره يقوم باجتهاده الخاص في البحث عن الشيء الآخر جرّاء اختلاطه بالعالم الغربي حيث سيتابع دراسته، وهذا بالطبع سيضيف إلى شخصيته أشياء لا أملكها لأنّي لست مختلطاً بالثقافات الغربية، عندها سيحدّد ما له وما عليه، وستكون الإضافة في حياته مفيدة. أريده أن يكون رجلاً بكل ما للكلمة من معنى ومعتمداً على نفسه. أتكلّم عن ابني لأنه الأكبر، إسلام عمره 16 سنة وهو الآن في مرحلة أخطّط له للسفر إلى الخارج لإكمال دراسته، أما ابنتي صفاء فلا يزال عمرها 11 سنة.


صابر العفوي

- هي المرة الأولى التي نرى فيها صابر بهذه العفوية...
على فكرة، أنا في حياتي اليومية هكذا، أنا عفوي أحبّ المزاح والمشاكسة.

- لكن الجمهور لم يكن يعرف هذه الشخصية في صابر!
صحيح، على المسرح أضع قانوني الخاص ونظامي الذي لا أتجاوزه، أعتبر نفسي في مهمّة وعند الانتهاء منها والنزول عن المسرح، أعود صابر الذي يتصرّف بعفوية كالأطفال، يلعب الكرة ويمارس هوايات كثيرة. لا أحب أن أخلط بين حياتي الخاصّة كإنسان ومهمّتي المتمثّلة في الغناء على المسرح.

لا أحب أن أعيش على المسرح وخارجه بالطريقة نفسها، حتى أكسب شيئاً من هاجس الحرّية المحروم منها. الآن في هذا البرنامج، سيختفي هذ الحاجز وسيتعرّف الجمهور على صابر الإنسان.

- غير تعرّف الجمهور إلى صابر الإنسان، ماذا سيضيف the Voice إلى مسيرتك؟
هو سيف ذو حدّين. أولاً، هو وجود جيّد على محطّة أعتبرها الأولى وهي شاشة الـ mbc، في برنامج ضخم ومهم. أما الإضافة الكبرى فأظنّ أنها تكمن في هدم الحاجز النفسي بيني وبين الجمهور الذي يعرفني أغنّي على المسرح من دون أن أتكلّم، وربما يكون قد شاهدني في مقابلات تلفزيونية، لكنه لا يعرف صابر على طبيعته المتمثّلة في كونه إنساناً عادياً طبيعياً، عنده أوقات فذلكة وأوقات مزاح وأوقات جدّ، وهذا من سيتعرّف عليه الجمهور في the Voice.


العائلة

- في عصر الفايسبوك وتويتر نرى الفنانين يتهافتون لوضع صور أولادهم وعيلهم على مواقع التواصل الاجتماعي، أنت أب لبنت وصبي لا نعرف عنهما شيئاً، لا نعرف عن حياتك الشخصية شيئاً، لماذا تخفيها عن الإعلام؟
لأنها الشيء الوحيد الذي بقي لي كي أتحكّم فيه، لذا يجب أن أتحكّم فيه حتى النهاية.

- أنت مصرّ على عدم التحدث؟
يصمت قليلاً، يبتسم ويقول: العائلة هي الشيء الوحيد الذي أعتبره راحتي. هي حرّيّتي. وهذا الأمر لا يعني أني إنسان متعصّب ومحافظ، أبداً، لكن هذه الحميمية في حياتي الشخصيّة من حقّي أن أحافظ عليها.

حياتي الشخصية وولداي «خط أحمر».

- هل لديك موهبة غير الغناء؟
أحب الهندسة المعمارية، وأرغب في خوض غمار الهندسة المعمارية وشركات الإعمار.

- ممكن أن تنشئ شركة إعمار؟
أفكّر في الموضوع جدّياً.


العالمية

- (نضيف بمزاح) أو أنك بدل إنشاء هذه الشركة سوف تتوجّه نحو العالمية ولن يعود وقتك يساعدك في خوض غمار أي مهنة أخرى؟
(يقول بحدّية) العالميّة؟ أي عالمية هذه!؟ هي كذبة... أن أقف إلى جانب Celine Dion!

- لمَ لا؟ لماذا تقلّل من شأن صوتك؟
لا أستهين بصوتي لكنّ هذا كيان وهذا كيان. وأنا أتكلّم سياسياً، إذا همّ لا يعتبرون أن هناك أناساً عرباً موجودين على الكرة الأرضية، كيف سيقتنعون بأن هناك مبدعين عرباً مسلمين ومسيحيين بإمكانهم منافستهم! يجب أن ننسى الموضوع كعرب، ونبحث عن كيان ووجود بديننا وقناعاتنا وعروبتنا وتقاليدنا. دعونا نعيش في سلام. يكفي أنّهم مسيطرون على أدمغة رجال السياسة في بلادنا، لن نسمح لهم بالسيطرة علينا كمثقّفين وأناس عاديين.

- يمكن أن نقول إنك تحبّذ الغناء العربي أكثر من الغربي؟
لا، المسألة ليست تفاضلية هنا. أنا غنّيت الغربي باللغتين الانكليزية والفرنسية.

- لكن ألا تظنّ أنه من الأفضل للمطرب العربي أن يغني بالعربية؟
أكيد، لا شكّ في ذلك. (ويضيف بحسّه الفكاهي) على أمل أن يستمع في العام 3001 شخص فرنسي أو انكليزي أو أميركي إلى فنان عربي يغنّي بلغته العربية. في الوقت الحالي، إن أراد فنان عربي أن يغنّي في فرنسا أو أن ينشر أغنيته في الراديو الفرنسي، يشترط عليه أن يغنّي 60% باللغة الفرنسية و40% بالعربية، من سيسمعك؟! «احترم روحك يا أخي وأبدع في بلدك وعالمك العربي».

دعونا نعيش، نتنفّس ونربّي أولادنا ونعطيهم المشعل ونترك الحياة بعدما عشنا فيها ضيوفاً. ليس لدينا طموح للأسف. طموح العربي «مطموس».

- ما هو طموحك؟
كان عندي طموح كبير...

- أين أصبح اليوم؟
(يقول بمزاح) لا أطمح إلى أن أصبح رئيس دولة. بل أطمح للوصول إلى أعلى المراتب في مجالي وأن يكون لي بصمة وتاريخ، ويعيش اسمي وأغنياتي. أن أصبح مدرسة يتعلّم منها الغير، كما تعلّمت أنا من مدارس العمالقة. أما عن المشاريع الضيّقة، فهي لتسيير الأمور الحياتيّة ولكي أعيش ما تبقّى من حياتي بسلام، «لا عندي لا بذخ ولا مال الدنيا ولا مال قارون»، بقدر ما أملك من همّة وكرامة عند الناس، وما أحتاجه لتأمين حياة كريمة لأولادي ولنفسي.

- هل تعتقد أن أغنياتك ستعيش؟
في رصيدي أغنيات ستبقى وتعيش بلا شك، والدليل أن مجمل الأصوات الجديدة تغنّي أغنياتي. لست عبقرياً، الملحّن والكاتب والموزّع هم العباقرة كما المغنّي.

- هل ترغب في غناء «ستايل» معيّن لم تغنِّه بعد؟
لم أتصوّر يوماً من الأيام أن أغنّي «سيدي منصور» وغنّيتها بعد قصيدة «صرخة» و«عز الحبايب»، وغنّيت بعدها «خلّص تارك» المختلفة في «الستايل». غنّيت «أتحدّى العالم» وبعدها «برشه برشه». طالما صوتي يجيد ويطاوع كل الألوان الغنائية سوف أغني كل الأنواع و»الستايلات».

- هل من أغنية تمنّيت أن تكون لك؟
أغنية «حبيبي يا أمل بكرا» لمعين شريف وأغنية «وبحبك وحشتيني» لحسين الجسمي. (يدندن الأغنيتين بإحساس عالٍ جداً).

- هل سبق أن غنّيت في حفلاتك لفنان جديد؟
لم يسبق لي أن فعلت. أغنّي لعبد الحليم ولأم كلثوم وورده وعبد الوهاب طبعاً.

- هل ممكن أن نشاهد صابر الرباعي في عالم التمثيل؟
إذا كان الفيلم محترماً ودوري فيه غير مركّب، وأجسّد فيه شخصيتي، سأخوض التجربة. ليس شرطاً أن يكون غنائياً، بل يجب أن يكون light وتلقائياً، ولا أحب الصعوبة كالأعمال التاريخية، أريده أن يكون مقتبساً من حياتنا اليوميّة.

شخصيّة صابر

أنا إنسان نظامي، أحبّ النظام في منزلي وغرفتي ووقتي، أحب أن أعرف برنامجي لحظة بلحظة، لا أبعثر أوراقي ولا أشتّت أفكاري.

أحب النظافة، و«أحب الرياضة موت». وأشعر بالتعب في بعض الأحيان حيال هذه الأشياء لأنّي لا ألقى دائماً من يشاركني هذه الصفات والتفكير. لكن في الإجمال، كل من حولي يدرك طريقة تفكيري تماماً، أحب النظام والاستقامة.

لست عصبياً، وعندما أغضب أقول «دعوني أغيّر ساعة بساعة». لا أقوم بردّة فعل مباشرة، بل أجلس مع نفسي إلى أن أهدأ، ثمّ أحلّ أي مشكلة بنفسي.

- إن اخترت أن تكون «بعلبكياً» يجب أن تأخذ من طباع أهلها (في إشارة إلى منحه لقب مواطن شرف بعلبكياً خلال غنائه في مهرجانات بعلبك هذه السنة).
(يقول مازحاً) هل بإمكاني أن أحافظ على طباعي الهادئة وأصبح من بعلبك!؟


السياسة

- غنّيت للثورة التونسية التي تعتبر أم الربيع العربي، فأين صابر من السياسة؟
أنا متابع جيّد للسياسة أكيد. وأعتبر الثورة التونسية من أنظف الثورات العربية، لكن للأسف سارت الأمور في بقية الثورات إلى أمكنة أخرى.

- ما هي هذه الأمكنة؟
لا تعليق... لا أريد أن يفهمني البعض بشكلٍ خاطئ.

- بما أنك منخرط جداً في السياسة، ومتابع فذّ، هل سنرى صابر في البرلمان التونسي؟
لماذا؟ لا أريد أن أجلب المسبّة لنفسي.
أنا مقتنع بأن الكلام مع شخصٍ لا يفهمك ينقص من عمرك، يرجعك سنوات إلى الوراء، وهذا ينطبق على كل ميادين الحياة وليس فقط في السياسة. فالشخص الذي، أساساَ، لا يفهمني، لماذا أتعب نفسي معه، وأتعرّق وينشف ريقي وأنا أدرك أنّه لن يفهمني في الأساس، وإن فهمني سيدّعي أنّه لا يفهمني.

نحن نعيش في حرب عالمية يحاولون جعلها حرباً بين الشيعة والسنّة. ليس هناك سنّة وشيعة، هذه ألاعيب سياسية، فيروسات، كذب... الماسونيّون هم الذين يغرسون السموم في أذهاننا. لأن الدماغ العربي محدود إلى درجة سخيفة جداً. هذه هي السيطرة الخارجية، ما يأتينا من الخارج نقول عنه «واو من أميركا وأوروبا، هذه هي الحضارة»، وهذا ما يولّد الضعف والتفاهة في التفكير. لا نفكّر إلاّ في الأمور المحدودة، ومن يمتلك فكراً يسحبونه إلى عالمهم...


الثقافة

- هل ممكن أن تمتهن التدريب الموسيقي في المستقبل أو أن تنشئ معهداً موسيقياً؟
هذا مشروع فاشل. سأحصر هذه المهنة في إطار برنامج أقدّم فيه النصائح للمواهب، لأن ما من مكسب من خلال هذا المشروع ولا اهتمام حتّى. عندما يصل المثقّف في العالم العربي ليكون مثله مثل المفكّر أوالطبيب أوالسياسي الذي يفيق من نومه ويقول أنا ضدّ «معارض» ويستمع الجميع له، عندما نعطي قيمة للعامل العادي وللمثقف ونعتبره من أسس بناء دولة متحضّرة ومجتمع متحضّر، ممكن حينها أن أفكّر في بناء مشروع ثقافي. نحن العرب لا نعطي أهميّة للثقافة، حتّى في عالم الانترنت حدّت ثقافتنا مواقع التواصل الاجتماعي كفيسبوك وتويتر بدل أن تغذّيها. نفتقر في عالمنا العربي إلى الثقافة الاستكشافيّة الخلاّقة. ثقافتنا محدودة جداً، ونرضى بما يأتينا من الخارج، لسنا خلاّقين. حتّى الحقوق الفكرية غير مصانة. المثقّف لا تحفظ حقوقه، وعندما يشعر بأن إبداعه غير مصان، وأن حقّه مهدور لأنه يكتب ويلحّن وتُسرق أعماله وأفكاره، يصاب بالإحباط.

- هل سبق أن سرقت أفكارك؟
كثيراً... «بلاوي»، فعن أي ثقافة عربية نتحدّث؟! يفكّر معظم الناس اليوم أن يعلّموا أولادهم في الخارج وأنا من بينهم وأعترف بذلك. أرغب في أن يحافظ ولدي على أسسه العربية ودينه وثقافته العربية، لكنّي أرغب كذلك في أن يكون في دماغه من الاحترام والمثابرة والخلق والصفات الإيجابية الموجودة عندهم، ويكمل ويبني حياته، وكما يأخذون أدمغتنا، على الأقل يجب أن نأخذ منهم معلوماتهم ونشغّلها. إن اكتفى وقرّر أن يعمل هناك فله ذلك، وإن أراد العودة إلى تونس، يعود ليعلّم غيره ما تعلّمه. ما أواجهه اليوم أصعب ممّا واجهه والدي وما سيواجهه ولدي أصعب مما أواجهه. الأمور ذاهبة إلى تعقيد ونحن في طريقنا إلى المهوار.


الهجرة

- هل يحتمل أن تهاجر؟
احتمال، صحيح أنّي معزّز مكرّم في بلادي ويحبّونني، لكنّي اليوم معزّز، أمّا بعد فترة إذا أفل نجمي، أو إذا قررت أن أخوض مجالاً آخر غير الفن، يمكن أن تتغيّر حالي وتتغيّر نظرة الناس إلي. أنا إنسان ديناميكي ونشيط وطموح، لا يمكنني أن أجلس في المنزل وأستسلم، لذا أخاف مما ستؤول إليه الأمور لاحقاً، وهذا الأمر يدفعني إلى التفكير بالهجرة.

- الذي يفكّر في الهجرة يكون قد خطّط للاعتزال في سنّ معيّنة، هل هذا صحيح؟
ممكن أن أعتزل، وأشدّد على كلمة ممكن، إذا شعرت بأني دخلت في نوع من الرتابة، ودخل المجال الفنّي في مرحلة أخرى، في أشياء لا أحبّها. عندها أكون قد أسّست لفنّي واسمي وتاريخي. همّي الوحيد أن يكون صابر موجوداً، أن يبقى اسمي موجوداً وأن أبقى كبيراً في عيون الناس.


برنامج
the Voice

- عاصي وشيرين وكاظم موجودون في برنامج the Voice ، هل ستغنّون معاً كتجربة لما اقترحته ضمن البرنامج؟
لا، لا أظنّ ذلك. للبرنامج قوانين ونحن نلتزم بها وغناؤنا نحن المدرّبين ليس من ضمن تركيبة البرنامج.

-ماذا عن علاقتك بكاظم وعاصي وشيرين؟ كيف تصفها؟
تماماً كما شاهدتموها خلال تصوير الحلقات. على فكرة نحن لم نكن على معرفة وثيقة ببعضنا. عدا علاقتي بعاصي طبعاً الذي تجمعني به صداقة من قبل.

قبل البرنامج التقيت شيرين مرتين في منزلها بحكم تعاوني مع الموزّع الموسيقي محمد مصطفى ولم تكن تجمعنا علاقة مباشرة كالتي رأيتموها على الهواء من ضحكٍ ومزاح وأحاديث مشتركة. البرنامج قرّبنا من بعضنا أكثر وجعلنا نشتاق إلى بعضنا، كاظم وعاصي وشيرين وأنا.

- عندما هاتفوك من قناة mbc لخوض تجربة the Voice كنت تتوقّع أن تسير الأمور على هذا النحو؟
لست من الأشخاص الذين يكثرون الظهور على الشاشات كمقدّم أو كعضو لجنة تحكيم أو كمدرّب، لأن تجارب سابقة لفنانين أثبتت أن لها حسناتها كما سيئاتها، لذا عندما هاتفني علي، مدير أعمالي، وأخبرني عن عرض mbc طلبت منه أن يرسل لي كل شاردة وواردة عن البرنامج، وكل ما يتوجّب عليّ فعله كي أحسن أخذ القرار. عند مراجعتي الملفّ اقتنعت بأن في البرنامج شيئاً منّي، يمكنني أن أساعد المشاركين وأن أعطيهم من تجربتي المتواضعة. كما أني أحب أن أستمع إلى الأصوات الجميلة وأحبّ روح المنافسة، أعتبر نفسي أمام مسؤولية، إن فشلت ستؤثّر عليّ، على مسيرتي لأن التاريخ لا يرحم.

- هل ترى أن المدرّبين الأربعة يتناسبون بعضهم مع بعض؟
لكل مدرّب شخصية. ربما تكون شخصيّتي قريبة من شخصية عاصي فيظهر هذا من خلال المشاكسة والمزاح بيننا. الخلطة ممتازة.


سيرة فنان معاصر من الزمن الجميل

● كانت انطلاقة صابر الرباعي في عالم الفن منذ نعومة أظفاره حين أثار الانتباه بصوته الصّافي. سطع نجمه وحاز مكانة في قلوب أبناء شعبه العاشق للفن.
عرف صابر مسيرة فنّية حافلة قادته من صفاقس إلى تونس العاصمة فلبنان ومصر. وعندما تمكّن من الغناء سافر إلى القاهرة، وهو المعروف بعشقه للموسيقى المصريّة، فأسر قلوب المصريين بغنائه أغاني محمد عبد الوهاب.

● نال صابر عدداً كبيراً من الجوائز، وعرف النجاح والانتشار في لبنان والقاهرة، وتعامل مع شعراء وملحّنين من كلّ البلدان العربية، ولم يتردّد في استعمال آلات موسيقية جديدة للمرّة الأولى في فرقته.

● استلهم إبداعاته من كبار المطربين فغنّى «النيل نجاشي» التي تعود إلى منتصف ثلاثينات القرن الماضي عندما كان محمد عبد الوهاب في أوج عطائه وكامل قدراته، فكان اختيار هذه الأغنية مهمّاّ وحاسماً في تاريخ صابر الفنّي.

● تأثّّر بوديع الصافي وعبد الحليم حافظ وكارم محمود وغيرهم.

● تألّق في مهرجانات الأغنية التونسية بأغنيات لا تزال حيّة في قلوب الجماهير حتى اليوم كـ «عسليّة» و»أمّي»، وهي واحدة من أفضل الأغاني التي لحّنها صابر، الذي لحّن جلّ أغانيه، وعرفت أغنيته «ولا كلمة» نجاحاً باهراً كرّسته ملحّناً، فذاع صيت صابر الملحّن عند ملحنين كبار مثل: حلمي بكر وصلاح الشرنوبي والدكتور عبد الرّب إدريس.

● أشاد عددٌ كبيرٌ من الفنّانين الكبار بصوته وطاقاته، كسيّد مكاوي ووردة الجزائرية، وجاء في الصحف العربية أن «أغانيه تعود بنا إلى الزمن الجميل، زمن الأصالة» وإنّه «النجم الأوّل للأغنية العربية».

● حقّق صابر الحلم الذي شغله عندما نجح في اختبار لجنة الاستماع في مصر، وهي لجنة تضمّ مشاهير الملحّنين مثل حلمي بكر الذي صرّح أنّ صوت صابر هو أجمل صوت سمعه منذ عشرين سنة. وكان شريطه «أذهب وأعود» سبباً لشهرته في مصر. كما اشتهر شريطه «حيّروني» الذي شارك في إنجازه مع ملحّنين وشعراء كبار.

المجلة الالكترونية

العدد 1077  |  آب 2024

المجلة الالكترونية العدد 1077