بسمة: كرهت الشهرة!
بعد مرور عام كامل على حادث اختطافها وزواجها من السياسي عمرو حمزاوي، ورغم أن الجروح الناجمة عن هذا الحادث لم تلتئم، ولا تزال تتذكر حتى الآن كل تطاول وتجاوز وتجنٍ قيل في حقها وقت الحادث، وكل تعليق كتب عبر مواقع التواصل الاجتماعي شكك في أخلاقها رغم أنها كانت الضحية، تعرضت الفنانة بسمة للتحرش أثناء مشاركتها في إحدى الوقفات الاحتجاجية للدفاع عن حرية الرأي والتعبير، وهو الأمر الذي اعتبرته كارثة لا تقل خطورة عن حادث اختطافها.
في هذا الحوار تفتح بسمة قلبها لـ»لها» وتتحدث بصراحة وجرأة عن الفن والحياة.
- لماذا قررت الخروج عن صمتك والتحدث عن تعرضك للتحرش أثناء مشاركتك في وقفة احتجاجية بوسط القاهرة؟
قررت أن أتحدث لأنني شعرت بالقهر والظلم اللذين تتعرض لهما المرأة بعد تعرضي للتحرش في وقفة احتجاجية يفترض أنها للدفاع عن الحريات.
تحدثت الآن لأنني أريد تعرية القوانين المصرية التي لا تردع من يعتدي على جسد المرأة، ولأكشف المجتمع الذي يتهم الضحية ويترك الجاني، فالناس تتعامل مع المرأة على أنها المخطئة وتوجه إليها اللوم، بينما تترك الجاني طليقاً حتى لا تعنفه.
- هل تعتبرين تعرضك للتحرش مقصوداً خاصة أنه تم اختطافك بعد الثورة؟
لا أتصور أن الحادثين مترابطان، لأن الفتاة المصرية تعاني من التحرش قبل الثورة وبعدها. ومؤكد أنني معرضة مثل أي فتاة مصرية للتحرش في أي وقت، وأعتقد أن السبب الحقيقي هو تفشي النظرة الذكورية في المجتمع وعدم احترام المرأة وحقوقها.
وأفضل استبعاد أن يكون التحرش بي متعمداً، لأنه إذا كان كذلك فهو لن يثنيني عن التعبير عن رأيي والنزول إلى الشارع للدفاع عن الحريات والمشاركة في كل التشاطات الثورية.
- ماذا كان رد فعلك بعد وقوع التحرش؟
قررت أن أحصل على حقي بنفسي ما دام القانون لا يحميني.
وكان رد فعلي عندما وضع أحد الشباب يده على جسدي، أن أفلت من يد زوجي السياسي عمرو حمزاوي وأمسكته من قميصه، وأشبعته ضرباً وساعدني في ذلك بعض المشاركين في التظاهرة.
- وهل روى ضرب المتحرش غليلك؟
للأسف كان هذا رد فعلي وقت وقوع الحادث وهو لم يشف غليلي، على العكس أنا حالياً نادمة لأنني لم أسلم هذا المتحرش الى الشرطة وأتخذ ضده الإجراءات القانونية اللازمة.
لكن هذا لا ينفي أنني ما زلت أدرس اللجوء إلى القضاء، رغم اقتناعي بأن المرأة المصرية يجب أن تأخذ حقوقها وحريتها دون الذهاب إلى المحاكم، من خلال إصدار تشريعات رادعة لكل من تسول له نفسه لمس جسد امرأة أو التعدي عليها باللفظ أو الضرب.
وحتى يتحقق هذا المراد نصيحتي للبنت والمرأة المصرية بشكل عام أن تعتمد سياسة الدفاع عن نفسها، فمن يتجرأ ويضايقها بالتحرش اللفظي أو الجسدي عليها أن تفعل به مثلما تفعل المرأة في المناطق الشعبية، بأن تخلع ما في قدمها وتضرب المتحرش على رأسه.
هذا في رأيي الحل حتى تفيق الدولة من غيبوبتها وتنصر المرأة على المتحرشين.
- هل قررت الاستمرار في حملتك ضد التحرش أم أن غضبك من الواقعة سيزول بمرور الأيام؟
أتمنى ألا أتراجع وأستمر في دفاعي عن قضايا المرأة، وأنا حالياً أفكر في التعاون مع المؤسسات والجمعيات النسوية المهتمة بشؤون المرأة حتى نحارب هذه القضية المتفشية في المجتمع المصري، سواء في المناطق الشعبية أو الراقية.
وللعلم هذه الجمعيات تلقت العديد من البلاغات والحالات التي تعرضت للتحرش، وتبحث عن الصيغة المناسبة لاتخاذ موقف يحد من هذه الظاهرة التي تنال من كرامة المرأة.
لكن هناك فئة في المجتمع تسخر من المرأة التي تتعرض للتحرش، وتدعي أن ذلك يحصل بسبب ملابسها، وهذا يصيبني بإحباط شديد، وأرد عليهم بأنني أثناء تصوير مسلسل «قصة حب»، قبل عامين ونصف العام، تعرض لي أحد شباب المنطقة التي كنت أصور فيها وعاكسني، رغم أنني كنت أرتدي حينها النقاب.
- هل شجعك أكثر على التصدي لتلك الظاهرة كون والدتك السيدة نائلة درويش من الحقوقيات المدافعات عن قضايا المرأة طوال تاريخها؟
بالتأكيد هذا جزء مهم من تركيبتي النفسية في مواجهة التحرش والدفاع عن حقوق المرأة، لأنني نشأت في بيت يحترم المرأة ويدافع عنها في مواجهة كل أشكال القهر التي تتعرض لها.
لكن الجزء الآخر والأهم في إصراري على التصدي لتلك الظاهرة أنني شخصياً تعرضت للتحرش مرتين منذ قيام الثورة، وكانت المرة الثالثة في وقفة الدفاع عن الحريات في وسط القاهرة، ولذلك لن أسكت أبداً وسأواجه تلك الظاهرة حتى أشجع أيضاً الأخريات على ألا يصمتن وعلى أن يدافعن عن أنفسهن وحقوقهن.
- هل يمكن أن تدافعي عن القضية من خلال الفن؟
بالفعل لا أريد أن يتوقف دوري في محاربة التحرش عند التحدث عن القضية لوسائل الإعلام، لذلك أوجه الدعوة من خلالكم إلى جميع مؤلفي السينما في مصر، وأقول لهم: أتمنى تقديم فيلم عن التحرش، لأن الفن هو سلاحي الحقيقي في مواجهة هذه القضايا، لذلك أتمنى أن أجد سيناريو فيلم مثل «678» يتعمق في مناقشة هذه القضية المقززة والظالمة للمرأة، ولن أتردد في تقديمه على الفور.
- هذا يعني أنك قررت قطع إجازتك من التمثيل التي بدأت قبل زواجك؟
بالفعل أعلن انتهاء إجازتي من الفن، وأنا حالياً أختار بين أكثر من مشروع للعودة به إلى الساحة الفنية بعد غياب عام ونصف العام، وأتمنى أن تكون عودتي موفقة.
والحمد لديَّ ثلاثة عروض، أولها مسلسل مع الدكتور مدحت العدل لرمضان المقبل، وسيكون هذا هو التعاون الثاني بيننا بعد نجاحنا في رمضان قبل الماضي في مسلسل «قصة حب» للمخرجة إيمان حداد، كما أقرأ سيناريوهين لفيلمين لمؤلفين شابين، وهما في مرحلة الكتابة، وإن شاء الله يخرجان إلى النور قريباً.
- لماذا أخذت إجازة من الفن طوال الفترة الماضية؟
أعرف أن البعض فسر هذه الإجازة بأنها اعتزال للفن، لكن هذا غير صحيح. كل ما في الأمر أنني دخلت مرحلة جديدة في حياتي بعد الزواج، وكنت أحتاج إلى بعض الوقت للتأقلم معها، وأتصور أن هذا حق شرعي باعتباري إنسانة تبدأ مرحلة جديدة في حياتها، لذلك تعجبت جداً من الذين يتحدثون بالنيابة عني، ويعلنون لجمهوري عن أمور خاصة بحياتي وقراراتي المصيرية.
- كم عدد العروض التي تلقيتها خلال هذه الفترة؟
أؤكد أنه لم يأتني أي عرض مغرٍ يستحق أن أضحي بوقتي من أجله. وعلينا أن نعترف بأن الحالة الفنية خلال الفترة الماضية كانت تعاني من عدم الاتزان، وأعرف أن ذلك طبيعي كونها مرتبطة بالحالة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وما يحدث في البلد عموماً.
وأنا مقتنعة بأني لن أعمل في الأفلام الرخيصة فنياً. وبعيداً عن الدخول في التفاصيل، دعنا نعترف بأن العام الماضي شهد حدثاً فنياً اسمه «شارع الهرم»، هذا الفيلم حقق إيرادات بشكل لافت في مجتمع الظاهر فيه أنه اختار تياراً محافظاً يرفض بطبيعته هذه النوعية من الأعمال التي يرى أنها تضر بالمنظومة الأخلاقية.
- تأكيدك أكثر من مرة بعد الزواج أنك ستراعين زوجك في اختياراتك، هل سببه انتقاد مشاهدك الجريئة في «ليلة سقوط بغداد» و«رسائل البحر»؟
لسنا قطعاً من الصلصال يشكلها البعض كما يشاء، فأنا لم أطوع شخصيتي للوضع الجديد، وعمرو أيضاً لم يفعل، وأدعي أنه حدث بيننا دمج. وطبيعي أن عدم مراعاة أحدنا للآخر سيندرج تحت بند الأنانية.
وقد أكدت أكثر من مرة من قبل أن زوجي يحترم عملي، وهو شخصياً أعلن أكثر من مرة أنه يحب ما قدمت من أفلام قبل الارتباط به.
وفي ما يتعلق بمراعاتي له في اختياراتي فهذا واجب عليَّ، لأني كنت أتحمل نتيجة قراراتي بمفردي قبل الزواج، أما الآن فهو أيضاً يتحملها معي.
- ما الخطوط الحمراء التي وضعتها لنفسك بعد الزواج؟
أنا بسمة كما هي لم أتغير، ولم أضع لنفسي أي خطوط حمراء، وأبداً لن أحصر نفسي في تقديم نوعية أدوار معينة.
ويجب أن أوضح أن الفنانين أنفسهم يختلفون على تحديد المشاهد الجريئة، فالذي يراه البعض جريئاً يراه آخرون عادياً. لكن ما أريد التشديد عليه أنني سأكون حريصة على ألا يتأذى زوجي من الأعمال التي سأقدمها مستقبلاً.
- علاقتك بحمزاوي من بدايتها حاصرتها الشائعات، فقبل زواجكما بأيام انتشر خبر انفصالكما وقيل إن السبب هو اعتراضه على مشاهدك الجريئة في آخر أفلامك «واحد صحيح».
أكثر ما يؤلمني في الشائعات أنها تمس حياتي الخاصة، فرغم أنني كفنانة اعتدت على الشائعات، تألمت بعمق من الكلام الذي تردد عندما تعرضت لحادث الخطف العام الماضي.
واعتبر أن الشائعات التي أحاطت بعلاقتي مع عمرو حمزاوي تندرج تحت بند التطاول والتجاوز والتجني والتدخل في حياتي الخاصة بلا وجه حق، فالكل كان يتحدث في أمر يخصني بمفردي، ويريد إجباري على قرار أملك حرية اختيار الوقت المناسب لاتخاذه، وتناسى الناس تماماً أنني مثل أي فتاة تحتاج إلى وقت لاتخاذ أهم قرار في حياتها الشخصية: الزواج.
ومع ذلك لم يكن وارداً أن أتخذ قرار زواجي لمجرد أن الناس تحدثوا عني بشكل غير لائق واتهموني اتهامات باطلة، وألخص القصة في أن المجتمع تعامل معي وكأني جماد لا إنسان من لحم ودم.
- إلى أي مدى تسببت شهرتك بتعميق جروحك؟
لن تصدقني عندما أقول إنني كرهت الشهرة في تلك اللحظة، لأن جزءاً كبيراً من الهجوم الذي تعرضت له بعد الحادث سببه أنني وعمرو حمزاوي شخصيتان معروفتان.
كما أن زوجي لديه خصومات سياسية، وأنا كممثلة هناك من لا يعجب بتمثيلي ويعتبرني مجرد سلعة، فكانت شهرتنا سبباً لزيادة مساحة الهجوم علينا... ما أزعجني أن من هاجمنا لم يضع في اعتباره أن الشائعات التي يطلقها تؤذي مشاعري، وأنه يتهمني اتهامات أخلاقية لن أستطيع محاسبته عليها قانونياً.
ولكني مؤمنة بأن ربنا سيحاسب كل من ظلمني، لأن هذه من الكبائر إذا كان مروجوها من مدعي الإيمان.
- أليس غريباً أنك مازلت تتألمين رغم زواجك ومرور كل هذا الوقت على حادث الخطف؟
بالتأكيد مازلت أتألم، لأني قرأت كل تعليق كتب عني في مواقع التواصل الاجتماعي، ورغم أنني لا أحب الشر للناس، بدأت أدعو الله منذ ذلك اليوم المشؤوم وحتى اليوم أن ينتقم لي من كل إنسان كتب عني تعليقاً ليس مبنياً على حقيقة، وافترض فيَّ سوء النية، حتى يعرف ماذا يفعل الظلم في الإنسان.
- إلى أي مدى ساهم زواجك ممن أحببت في رد اعتبارك؟
زواجي من عمرو حمزاوي لم يكن لرد الاعتبار، لكنه كان تطوراً طبيعياً لعلاقتنا، بغض النظر عن الحادث والشائعات التي ترددت. وأريد توضيح شيء مهم، وهو أنني وجدت في عمرو حمزاوي كل مواصفات فارس أحلامي الذي حلمت به منذ صغري.
- كيف قابلت الحكم بحبس الفنان عادل إمام؟
أصبت بصدمة عندما صدر حكم ضد الفنان عادل إمام بتهمة ازدراء الإسلام، لأنه على حد علمي لا يصح أن يتهم أحد بازدراء الأديان، خاصة إذا كان ذلك في إطار عمل فني.
وإذا كان هذا المبدع يزدري الدين بالفعل، فأعتقد أن عقابه يكون من الله وليس من البشر. ثم إن لهذه الأعمال جمهوراً عريضاً حضرها ولا يزال يتابعها عبر شاشات الفضائيات، فهل ستتم محاكمته أيضاً بالتهمة نفسها؟ أما في ما يتعلق بأزمة الفنانة إلهام شاهين فهذا أمر لا يجوز السكوت عليه، وينبغي التحرك سريعاً لإزالة هذه النظرة الدونية إلى الفنانين.
وأتصور أن هذه الحالات تخيف الفنانين، لأن هذا معناه أن هناك قابلية لتقييد حرية الإبداع، فنحن دائماً نبدأ من منطقة، وحكم يجر آخر، حتى نصل إلى مرحلة أنه يتم منع رجل وامرأة جالسين مع بعضهما في مشهد.
وأتصور أن هذا سيضر بالصناعة، لأن كل الفنانين سيفكرون ألف مرة قبل أن يوافقوا على أي عمل فني، خوفا من السجن... الثورة قامت لتدافع عن الحريات ومنها حرية الإبداع، وللأسف ما يحدث الآن هو العكس تماماً.
- إلى أي مدى أنت راضية عن مستوى السينما بعد الثورة؟
الحقيقة كان عندي أمل في ألا يكون هناك سقف للإبداع والحرية، وتصورت أنني سأجد أكثر من 500 فيلم، وليس اثنين أو ثلاثة في الموسم.
كان مفترضاً صنع أفلام مرتفعة أو منخفضة التكلفة، لكن الحقيقة أن السينمائيين هم من تخلوا عن الإبداع بلا سبب، فهم يملكون الإبداع والوقت لكنهم يجلسون في الصفوف الخلفية ينتظرون حقوقهم على طبق من ذهب.
لذلك أقول لهم: إذا لم تنزلوا لتدافعوا عن حقوقكم وكرامتكم فلا تلوموا إلا أنفسكم.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024