قيصر الغناء العربي كاظم الساهر: كنت حبيس منزلي
في ابتسامته اختبّأ ليلٌ وقمر وأقواس قزح. حبس جمال دجلة والفرات في عينيه ففاض غناؤه رومنسية. صغيراً كان عندما انتظرته شهرزاد ليخبرها قصصاً تكفي العمر ولياليه. صمتت شهرزاد عن الكلام المباح وسكنت إلى قصص قيصر الغناء. قيصرٌ تخلّى عن سيفه والمحراب ليخوض معارك بصوته ولحنه والقصيدة. ها هو يعود اليوم إلى الأضواء، يضع عزلته في كيس، يربطه جيداً، ويرميه في البحر، ليتربّع على عرش الشاشات العربية في برنامج كان سبيله إلى كسر حاجز الوحدة. في قلبه «سنا» أضاء العمر وأعاد إليه روح الشباب. «جدو» كاظم يعود إلى طفولته، إلى بداياته ويتذكّر... ولكم حفظ ذكرياته.
- في كتاب للكاتب الأميركي فيتزهيو دودسون Dodson عنوانه "Tout se joue avant 6 ans" يُرجع التكوين النفسي للإنسان إلى عمر الطفولة، بالنسبة إلى كاظم الساهر ماذا يتذكّر من عمر الطفولة؟ وإلى أي حدّ طبعت طفولتك حياتك كرجل؟
طفولتي كانت جميلة. كنت طفلاً سعيداً أحب الحياة، أمضي معظم وقتي أمشي وحيداً، أتخيّل قصصاً وأعيشها في خيالي. وكانت هواياتي كثيرة، والرسم أبرزها.
أذكر من عمر الست سنوات صديقة لي. صديقة، كانت تنتظرني في الحي في شمال العراق كي أخبرها قصصاً حياتية كلّها من تأليفي. كنت أمشي مسافات طويلة لألاقيها. أذكر أن الطقس في شمال العراق كان بارداً جداً، وكان معطفي في ذلك الوقت قديماً رثّاً، كنت أرتديه ليقيني برد الطريق، وقبل أن أصل إليها كنت أخلعه مخافة أن لا يعجبها وأبقى مرتدياً قميصي الجديد الرقيق رغم البرد القارس بغية أن تراني جميلاً وتستمتع بقصصي طبعاً.
- من اكتشف صوت كاظم الساهر؟ وهل كاظم الطفل كان يعرف أهمية قدراته الصوتية؟
اكتشفت موهبتي عن طريق الصدفة. ففي البيت، كان جميع أخوتي يتمتّعون بأصواتٍ جميلة، أجمل من صوتي بمراحل، وأنا لم أكن مدركاً جمال صوتي بينهم. ذات مرة كنت أعزف وأغني بينما كنت أتمشّى مع صديقي، وهو موسيقي بالمناسبة. عندما سمع صوتي، نهرني وقال «ما بالك؟ تملك هذا الصوت وتسكت؟»، فجاوبته أن صوتي هو الأسوأ بين أصوات أخوتي وأني حين أغنّي في البيت يضحكون عليّ. فأقنعني بأن صوتي جميل وعليّ أن أصقله.
هكذا اكتشفت موهبتي وأنا أتمشّى.
- بعد هذه الحادثة بدأت الغناء؟
لا، بدأت مسيرتي في التلحين. في سن 12 سنة لحّنت أول قصيدة. هكذا انتقلت من العزف على القيثارة إلى العزف على العود.
- كيف تتابعت حياتك الفنية من بعدها؟
قرّرت أن أدرس الموسيقى. لكن لعدم تمكّني من دفع مبالغ مالية أخصّصها لأخذ دروس خصوصية، كنت أقطع مسافات طويلة جداً سيراً على القدمين حتى أصل إلى منطقة غير التي كنا نسكن فيها، حيث يوجد مراكز شبابية مخصّصة لتعليم الشباب الرياضة والموسيقى، هكذا بدأت دراسة الموسيقى مع أستاذ في هذا المركز. ومن ثمّ تابعت دراستي الموسيقية في المعهد لمدة ست سنوات.
- ما هو الحدث الذي تعتبره النقلة النوعية في حياتك الفنية؟
في العراق، غنّيت مقدمة مسلسل (تتر) اسمه «شجاه الناس» فراح الجميع يسألون عن الشخص الذي يغنّي تيتر المسلسل الذي حظي بضجة غير مسبوقة. بعدها بسنتين غنّيت أغنية «اللي تلدغه الحيّة بإيده يخاف من جرّة الحبل»، وهي أغنية مستوحاة من الحديث النبوي الشريف «لا يلدغ المؤمن من جحر مرّتين». حظيت هذه الأغنية بانتشار واسع طال الخليج العربي بأكمله وأصبحت الأغنية رقم واحد في الأسواق، إلى أن مُنعت في العراق لأسباب سياسية. ففي تلك الفترة كان العراق يلملم آثار الحرب الإيرانية فأُخذت الأغنية على أنها موجّهة سياسياً لذا تمّ منعها، لكنّهم لم يستطيعوا وقف انتشارها لأنها كانت تسلّلت إلى الأسواق الخليجية وحازت المراكز الأولى. هذه الأغنية مع أغنيتي «عبرت الشط» و»سلّمتك بإيد الله» أعتبرها النقلة النوعية في حياتي الفنية.
- في ذلك الوقت تركت العراق وانتقلت إلى بيروت؟
كلا، أنا لم أترك العراق أبداً، كنت أسافر ومن ثم أعود إليه. دائماً كان العراق وجهتي بعد سفرات طويلة. أنا أحب الترحال، أحب الحرية، لا أحبّ أن أبقى في مكان واحد، لذا كنت أترك العراق، لكني دائماً كنت أعود.
- من الأمور التي طبعت حياتك الفنية تعاونك مع نزار قباني الذي لقّبك بـ«قيصر الغناء»، فمن له الفضل على الآخر، نزار قباني على كاظم الساهر أم كاظم الساهر على نزار قباني؟
لا فضل لشخصٍ على آخر. أنا موسيقاي موجودة وشعر الأستاذ نزار قباني موجود. نزار شاعر عظيم، أعتبره مدرسة استفدت منها كثيراً. أعطاني حرية كاملة في التلحين. هناك قصائد للأستاذ نزار صعبة التلحين، نظراً إلى كونها شعراً حرّاً وليست شعراً عمودياً، وكانت هذه القصائد تولّد في نفسي تحدياً لتحينها، فكيف ألحّن شعراً يشبه كلام الجريدة؟ وعندما كان يسألني الأصدقاء كيف ستلحّن شعراً نثرياً يشبه الجريدة كنت أجيبهم أني أجد لذّتي في الصعوبة، وأشعار نزار قبّاني كانت ترضي لذّتي في تحدّي ذاتي.
- لكن نزار قبّاني كان يسمح لك بتعديل أشعاره، كنت تحذف أبياتاً من دون أي اعتراض، ألم يسهّل هذا الأمر عليك المهمة قليلاً؟
بالطبع سهّل المهمة، وكان نزار يساعدني في هذا الأمر. ففي قصيدة «أشهد» مثلاً، هناك بيت شعر طويل ومن ثم بيت شعر أقصر ثم يطول البيت بعدها ليقصر. القصيدة صعبة جداً، وكانت تحضّني على أن أخترع جملاً موسيقية تتماشى مع كل بيت على حدة. أو مثلاً في أغنية كل عام وأنت حبيبتي، هذه القصيدة كتاب كامل وليست شعراً يُغنّى، لكنّي أصرّيت على تلحينها. نزار شاعر عظيم أشعاره صعبة، كان عليّ أن أجد ألحاناً ترتقي إلى مستوى الكلمات فيها حتى يتقبّلها الناس.
- غنيّت لنزار قباني شعر «بريد بيروت»، ماذا تعني لك بيروت؟
بيروت تعني لي الكثير الكثير. أول مرة خرجت من بغداد وأتيت إلى بيروت كنت أريد شراء منزل هنا ولا يزال هذا الأمر يراودني. يعزّ عليّ أني لا أملك منزلاً في لبنان الذي أعتبره بلدي الثاني. أنا لا أحبّ المكوث في الفنادق، لذا حرصت على أن يكون لي منزل في كل بلد عربي أنزل فيه إلا بيروت لم يحالفني الحظ أن أمتلك فيها بيتاً.
- ربما الأوان لم يفت بعد.
للمصادفة، وأنا أتمرّن في النادي الرياضي، التقيت رجلاً أصادفه كل يوم تقريباً منذ سنة، أسلّم عليه لكني لا أعرفه. أخيراً عرفت أنه مقاول، وبعد أخذ وردّ وعدني بأن يريني مجموعة شقق لأختار من بينها علّني أحظى بمنزلي المنشود.
كاظم الساهر الشاعر
- متى كانت أول قصيدة كتبتها؟ هل كل القصائد مستوحاة من تجارب شخصية؟ وما هي القصيدة التي كتبتها وتعبّر عنك أكثر من سواها؟
كتبت أول قصيدة وأنا في الثالثة عشرة من عمري. كانت خاطرة نصّها: «هدّدوني بأن أترك حبيبتي وعودي وأوراقي، رحلوا هم وبقيت أنا».
أستوحي قصائدي من خيالي، وأنا أملك خيالاً خصباً مذ كنت صغيراً، مع العلم أن أكثر القصائد التي كتبتها مهداة إلى ولديّ، وسام وعمر، كتبتها عنهما ولهما. مثلاً أغنية «محروس» كتبتها لوسام، وتقول كلماتها «محروس من عين البشر و أولهم عيوني، باردة عيوني عليك يا خوفي مني و الحذر من ناري وجنوني، عيونك الحلوة بحر لو فرصة ينطوني، غرقني بيه كل العمر من كل شي حرموني، لو بيدي أبني لك قصر، جزيرة ما يمرها بشر، بس اني ووحيدي، بليلي احكي لك قصص، وأحرص عليك كل الحرص، تبرد أدفيك، تعطش أرويك، يا قدري و أحلى قدر، محروس من عين البشر محروس».
أما أكثر قصيدة كتبتها تعبّر عنّي فهي قصيدة «بعد الحب بعد العشرة»، أعتبرها من أخطر الأغاني التي كتبتها. ولهذه القصيدة مكانة في قلبي، كتبت أنا المقطعين الأول والثاني أما المقطعان الثالث والرابع فكتبهما كريم العراقي الذي أحبّ الأغنية كثيراً عندما سمع مقطعيها الأول والثاني وطلب مني أن يكمل كتابتها لتصبح أغنية طويلة، وطبعاً قبلت وكانت أغنية «بعد الحب بعد العشرة» بصيغتها التي عرفها الجمهور.
وهناك أغنية «أتاري الزعل، حلو بشكل، كل يوم رح أزعل، ليلة أمس مثل الملك تراضيني واتدلّل»، هذه القصيدة فيها شيء من الغزل، وأنا أحبّها، وأحبّ لونها الغنائي كثيراً. وهناك «ضمني على صدرك» و «هذا اللون عليك يجنن» وغيرها وغيرها. كثيرٌ من الأغاني كتبتها، كتبت لنفسي 40 أغنية وأحبّها كلّها.
- أنت مشهور بأنك من القلائل الذين لحنوا أغلب أعمالهم، هل هذا مقصود؟ هل السبب يعود إلى قرار شخصي أم أن ملحني اليوم لا يقنعونك؟
تقريباً لحّنت كل أعمالي. كل القصائد أنا لحّنتها، لكني في السنوات الأخيرة، في ألبوماتي الأخيرة، خضعت لرغبة الجمهور، ولرغبة الصحافة الذين أرادوا أن يسمعوا كاظم يغنّي لملحّنين آخرين. فطلبت من ملحنين آخرين ألحاناً، ولو لم أكن مقتنعاً بألحانهم لما ضممت الأغاني إلى ألبوماتي. بالمجمل أعتبر تجربة الغناء لملحّنين غيري تجربة ناجحة، لكني أفضّل أن أغنّي ألحاني.
- ألا تخاف من تكرار نفسك؟
لا أبداً. فالملحّن الذي يلحّن «إني خيّرتك فاختاري» و»أشكيك لمين» و»هذا اللون عليك يجنن» و»زيديني عشقاً» لا تخافي عليه، فكل أغنية مدرسة تختلف عن الأخرى في التلحين وهذه هي قوة كاظم الملحّن. أنا أكاديمي في عملي في التلحين. هو اختصاصي وطوّرته في الدراسة.
- هل درّست التلحين؟
طلبوني في المعهد العالي للموسيقى لأدرّس الموسيقى لكني لم أكن أملك وقتاً للتدريس للأسف. لكن إذا رجعت إلى بلدي في يوم من الأيام، سأنشئ مدرسة خاصة بي لأدرّس فيها، أو قد أنشئ هذه المدرسة في بلد عربي.
- أي أغنية من أغنياتك تعتبرها قمة أعمالك موسيقياً؟
لا أستطيع أن أختار أغنية واحدة، هذا أمر غاية في الصعوبة، عندي مجموعة أغنيات خطيرة، فلا أستطيع مثلاً أن أميّز بين «أنا وليلى» و»إني خيّرتك» و»مدرسة الحب» و»زيديني» و»أشهد» و»الحب المستحيل» و»قولي أحبّك» و»أكرهها»، مجموعة كبيرة أفخر بها.
- من الأقوى فنياً، كاظم المطرب أم الملحّن أم الشاعر؟
الشعر بالنسبة إليّ متعة، أمارسها عندما أمرّ بحالة جميلة، أسافر في الشعر لمجرّد المتعة، أما الغناء والتلحين فهما عملي الأكاديمي، هما موهبتي ودراستي.
الحب
- يقول الكاتب الفرنسي Frédéric Beigbeder إن الحب يستمر ثلاث سنوات، بالنسبة الى كاظم كم سنة يدوم الحب؟
لا أظنّ ذلك. بل العكس تماماً، عندما تتخطّى العلاقة الثلاث سنوات من عمرها يصبح اسمها حبّاً، يصبح الحب حقيقياً، هذا من وجهة نظري.
- أنت محبوب من السيدات بل قل إنك فارس الأحلام المنتظر لكثيرات، فما هو سرّك؟
لا يوجد أي سرّ. هذا عطاء من الله سبحانه وتعالى. (يضيف ممازحاً) ربما هي «تدبيلة عينيّ».
- أعلنت أنك ستعتزل الغناء بعد جلجامش، أين أصبحت جلجامش؟ وهل لا تزال عند قرارك؟
لم أجزم بأني سوف أعتزل، قلت إني إذا انتهيت من جلجامش سوف أفكّر في الاعتزال، في أن أرتاح، بخاصةٍ أني بلحن جلجامش عبرت كل الأغاني التي سبق أن لحّنتها، عبرت مجموعة كبيرة من الأغاني التي أفخر بها، فقلت في تفسي بعد هذا اللحن، أي لحن جلجامش، ماذا سأفعل؟ كيف سأتخطّى نفسي؟ لذا قلت إني سأفكّر في الاعتزال.
- مثّلت في مسلسل «المسافر»، أخبرنا عن تجربة التمثيل، هل ستعيد التجربة؟
لا أبداً. كانت تجربة فاشلة، أو الأصحّ أنا كنت فاشلاً في هذه التجربة، مع العلم أني كنت محظوظاً جداً لخوض تجربة التمثيل مع ممثلين عراقيين عظماء، عانوا في الحصار معاناة دمّرتهم وهجّرتهم، ويبقى شرفٌ كبير لي أن أكون قد مثّلت مع ممثّلين كبار كعبد الجبار كاظم، وعبد الرحمن رضا ونزار السامرائي وآسيا كمال وسهير أياد والعظيم خليل شوقي وغيرهم من الممثلين الذين أعطوني فرصة لا تعوّض. لكني لست ممثلاً، وفشلت في هذه التجربة ولن أكرّرها أبداً.
- ذكرت في بداية الحديث أنك تحبّ الرسم، فهل من هواية أخرى غير الرسم؟
قبل ما يقارب سبع سنوات، استيقظت من النوم وقلت لمن حولي إجلبوا لي طيناً فأحضروه. وعندما سألوني ماذا أريد أن أفعل بهذا الطين، قلت إني أحسّ بشيء في داخلي يدفعني إلى النحت. هكذا نحتّ امرأة من خيالي، وكانت أول منحوتة أصنعها. وعندما أستدعيت نحّاتاً كي يعلّمني أصول النحت وتقنياته، رأى مجسّم طفل يبكي كنت قد نحتّه، فقال لي :»هذا هو المجسّم الذي تريد أن تقلّده، أين المجسّم الذي نحتّه أنت؟»، فجاوبته بأن الذي يراه هو «شغل يديّ» فضحك وقال «وماذا تريدني أن أعلّمك؟ هذا عمل احترافي!». وسألني إن كنت خرّيج أكاديمية النحت، ولم يصدّق عندما قلت له إنها التجربة الأولى لي في عالم النحت وإن الإحساس هو الذي قادني إلى نحت المرأة والطفل.
- هل سنرى قريباً معرضاً لكاظم الرسّام والنحّات؟
نشر مدير أعمالي صورة لمنحوتة لي في الإعلام، لكني لا أفكّر حالياً في عرض أعمالي، وسوف أخصّ «لها» برسمة عين رسمتها، لأن للعيون أثرها الكبير عليّ.
- أين تحتفظ بمنحوتاتك؟
في منزلي في دبي.
كاظم الجدّ
- لدينا مثل شعبي يقول: «ما أغلى من الولد إلا ولد الولد». ما رأيك بهذا القول؟ أخبرنا عن كاظم الجدّ، عن سنا؟
غاليين كلّهم، الأولاد كما الأحفاد. «تجنّن» سنا. سنا حفيدتي، هي ابنة ابني وسام وتبلغ من العمر سنة وشهرين. اليوم طرت فرحاً عندما نادتني «ددو» (جدو). لحّنت وغنّيت لها قصيدة نزار قباني التي تقول «لو لم تكوني أنت في حياتي، كنت اخترعت امرأة مثلك يا حبيبتي».
- ماذا غيّرت في نفسك سنا؟
أصبحت أكثر تعلّقاً بابني وسام. أحسست بمسؤولية كبيرة جداً، فابني المدلّل الصغير أصبح هو أب. الآن أريد أن أكون إلى جانبه وأن أساعده أكثر من أي وقت مضى.
لمن تقول:
- «إني خيّرتك فاختاري ما بين الموت على صدري أو فوق دفاتر أشعاري»؟
لامرأة أريد أن أشاكسها، هي تحبّني فقط لموسيقاي وأنا أريد أن أحنّنها عليّ، فأقول لها إني خيّرتك فاختاري ما بين الموت على صدري أو فوق دفاتر أشعاري.
- «يا سيّدي المحترم قلبي معاك والله انظلم»؟
أحبّ هذه الأغنية كثيراً. عندما اتّصل بي الأمير محمد العبد الله الفيصل وقال عندي هذه القصيدة، فقلت له أنا أريدها، أريد أن أغنّيها. رأساً ساندتني في خياري السيّدات المظلومات، أقصد أمي رحمها الله، مع أنها لم تكن مظلومة إلى هذه الدرجة لكنها كانت تعتبرها رسالة. أحببت جداً هذه الأغنية رغم تحفّظ البعض عنها.
- «إرجع»؟
كتبت أغنية إرجع في ظروف غريبة. كنت سأحيي حفلة، عبارة عن تجربة جديدة لي في مجال الحفلات الموسيقية، إذ كنت سوف أغنّي طوال مدة الحفلة أغنية «لا يا صديقي» فقط التي تبلغ مدّتها ساعة كاملة. وصلت إلى الفندق فإذا بي أفاجأ بأن فرقتي الموسيقية ليست معي في الفندق نفسها، لأسباب لا أعرفها إرتأى منظّمو الحفلة أن يضعوني في فندق وفرقتي الموسيقية في فندقٍ آخر الأمر الذي أزعجني كثيراً وحرمني النوم. أصبحت أعدّ الساعات من دون أن أقوى على النوم. حالة من الأرق الرهيبة انتابتني رغم يقيني بضرورة الراحة لأقوى على الغناء في الحفلة في اليوم التالي. هكذا بدأت أكتب علّني أغفو لكني لم أنجح، فكتبت أغنية «إرجع» وبقيت مستيقظاً إلى أن انتهت الحفلة في اليوم التالي. هذه الحادثة لن أنساها في حياتي، علّمتني درساً قاسياً لن أنساه.
- إنسى؟
«تقول إنسى، أقول آهين لو أقدر»، هذه من أعزّ أغنياتي، كلمات أسير الشوق. هي من أعزّ الألحان التي لحّنتها في حياتي.
أقولها لشخص أحمل له في قلبي احتراماً لا يُقاس. لامرأة عظيمة لا أستطيع أن أنسى أخلاقها وطيبتها.
برنامج the Voice
- في فترة من الفترات كان كاظم الساهر نجم الشاشات العربية، أتحدّث إعلامياً، في الفترة الأخيرة نراكَ مُقلّاً في الظهور، لماذا؟ هل كان قراراً وعدلت عنه بمشاركتك في برنامج the Voice؟
كان الغياب نابعاً من قرار شخصي. فأنا أحبّ أن أرتاح مدة تتراوح بين سنة وسنتين بين ألبوم وآخر. أحبّ أن أفكّر بموسيقى جديدة وبأمور مختلفة حتى أخرج بها إلى الجمهور لأني لا أحبّ أن أطرح أغانيَ بسيطة، التي بالمناسبة أملك الكثير منها. أنا لا أحب أن تكون أغنياتي عادية، أفضّل أن آخذ وقتي وأفكّر ملياً بموسيقاي الجديدة وأن أطرح في الأسواق موسيقى مختلفة تماماً عما قدّمته في ألبومات سابقة.
أما عن مشاركتي في the Voice فكانت عبارة عن مشوار طويل من الإقناع والتأثير عليّ من جانب من حولي. وأنا في قرارة نفسي كنت أريد أن أخرج إلى الناس بعد طول غياب، كنت أريد أن ألتقي الجمهور، الفنانين، والصحافة، أن أخرج من عزلتي. فأنا قد أطلت الغياب في الفترة الأخيرة، كنت منغلقاً على نفسي، حتى أصدقائي لم أكن أخرج معهم، كنت حبيس منزلي وبدأ هذا الأمر يؤثّر على نفسيّتي وشخصيتي. تملّكني الحزن وكنت في حاجة إلى أن أخرج إلى النور من جديد وكان برنامج the voice هو فرصتي لأجرّب الأضواء مرة أخرى، فرصتي للخروج إلى جمهوري من جديد. مع العلم أني لا أملك صبراً كافياً لأقوم ببرنامج ضخم كهذا، لكنهم أقنعوني وأنا كنت قابلاً للقيام بالخطوة.
- مرتاح في هذا الخيار؟
رغم التعب الشديد، وصعوبة الأمر عليّ أنا مرتاح إلى قراري بالمشاركة. أشعر بالفرح لأني تحدّيت نفسي وأخرجتها من عزلتها. كما أن المدرّبين الآخرين، صابر وعاصي وشيرين، رائعون ويسهلون الأمر عليّ، لأنهم يتمتّعون بصفات رائعة من الطيبة والنظافة وعدم التصنّع، وهذا أجمل ما فيهم.
- هل تظنّ أن تدريب المتسابقين في البرنامج أسهل بالنسبة إلى كاظم من بقية المدرّبين، بحكم خبرتك الأكاديمية؟
أظنّ أن منهجيتي الأكاديمية ستساعدني كثيراً في تدريب المواهب في البرنامج، والفضل في ذلك يعود إلى دراستي الطويلة للموسيقى.
محظوظٌ هو الشخص الذي يلقى من ينصحه. هناك حادثة لا أنساها. في بداية حياتي الفنية، لم أكن أبلغ من العمر 23 سنة بعد، كنت ألقي محاضرات في اتحاد النساء، وكنت أكتب ألحاناً لفرقة موسيقى الجيش، وهي فرقة «خطيرة» لجمال أدائها. في مرة من المرات غنّيت مع هذه الفرقة، وكانت المرة الأولى التي أغنّي فيها معهم، وكان عازف الترومبيت يستمع إلى غنائي فإذا به يقول لرفيقه «شوف كاظم يغنّي بطريقة وحشة، هو يحرّك العرب بطريقة مفتعلة». عندما انتهينا من ذهبت إليه وسألته لماذا وصف غنائي بالبشع؟ فطلب إليّ أن أغنّي له وهكذا فعلت. عندما وصلت إلى المقطع المعني أوقفني وقال «هذه هي العرب المفتعلة، هذه ليست لك، أنت تفتعلها». وفعلاً كنت أفتعلها، كنت أقلّد فناناً عراقياً في ذلك الوقت.
أذكر كيف طلب إليّ أن أغني شيئاً آخر لكن هذه المرة بصوتي الحقيقي ومن دون افتعال، وعندما غنّيت حضنني وقال لي هذا هو صوتك. نصيحة هذا الشخص، جزاه الله خيراً، جعلتني أغني بطريقة أفضل. هناك أشخاص طيّبون يمرّون في حياتنا يعطوننا أفضل ما عندهم، المهم أن لا نتكبّر عليهم وأن نتبع نصائحهم. وهذا ما فعلته معي مطربة الأوبرا العالمية، العراقية الأصل، سلوى شامي التي تتلمذت على يدها في الأداء. عندما غنّيت في فرقتها، أخبرتني أن صوتي تينور وعلّمتني كيف أختار الأغاني التي تناسبني، كما علّمتني كيف أتنفّس. قبلها كنت أغني من حنجرتي، هي من أخبرني أن غنائي خاطئ، ولقّنتني خطوة خطوة كيف أتنفّس وأصدر صوتي من الحجاب الحاجز.
- هل ستنقل معرفتك هذه إلى مشاركي the voice؟
فور اكتمال أعضاء فريقي سأقول لهم: «أول ما سأفعله معكم هو تعليمكم كيفية التنفّس، كيف تتنفّسون بالشكل الصحيح، كيف تأخذون النفس أثناء الغناء وأين، كما سأعلّمكم الأداء، فمن كان لديه حبيبة ليتخيّلها وهو يغني، أو يتخيّل أي شخص عزيز على قلبه، لا تغنّوا لي أو لأي شخص آخر من اللجنة، عيشوا قصصكم وغنّوا لها». على كل شخص أن يغنّي على قدر موهبته من دون أن يتعدّى عليها ويحمّلها فوق طاقتها.
- ماذا عن اختيار المشاركين؟
أطمح إلى ضمّ أهمّ الأصوات إلى فريقي، وأنا في حالة استعداد وحماسة لانتقاء المواهب المميزة والمفاجئة. وها أنا أسترجع أيامي كطالب في المعهد الموسيقي عندما كنت على مسافة خطوات من أن أصبح مُعيداً في المعهد وأعطي دروساً في الموسيقى، لكن للأسف لم يتحْ لي وقتي الفرصة للتعليم بسبب انشغالاتي وسفري الدائم كما سبق أن ذكرت. سيتيح لي البرنامج فرصة اختبار تجربة التعليم وتقديم النصائح والإرشادات والتقنيات العلمية للصوت. بالإضافة إلى الاستعانة بشخص متفرّغ لتمرين المتسابقين على التنفس الصحيح. تمارين خاصة قبل التسجيل أو الحفلة وقبل تسجيل أي أغنية.
- رسالة إلى أعضاء فريقك.
هم أمانة بين يديّ، ومن واجبي تقديم الأفضل لهم. أعدهم بأنّي سوف أهتمّ بهم كثيراً وأساندهم وأنقل إليهم أفضل ما في تجربتي الموسيقية.
- هل تشعر بالقلق والتوتر قبل لحظات من انطلاقة البرنامج؟
ما يقلقني هو المتسابقون، نحن المعجبون وهم النجوم.
- عن المدربين.
الخلطة جميلة فهم نجوم يملكون خبرة فنيّة ولهم جمهورهم، وبإمكانهم التدريب وليس فقط الغناء، وكلّ منهم يحتفظ بسرّ النجاح والنجومية الذي سينقلونه بدورهم إلى أعضاء فرقهم. والأهم هو أن كل مدرب منّا سيستعين بأستاذ أكاديمي لتدريب أصوات المتسابقين، فرغم كوني خريجاً أكاديمياً درست علم الصوت سأستعين بأستاذ بدوري كي نتعاون ونقدّم من خبرتينا إلى جميع أعضاء الفريق.
- هل تخشى أن يظهر صوت متسابق في الفريق أفضل من صوتك؟
يا ريت... أعتبر نفسي محظوظاً إن اكتشفت هذا الصوت في فريقي.
- ألا تعتبر أن الظهور أسبوعياً على الشاشة يمكن أن يؤثر سلباً على صورتك الإعلامية؟
على العكس، أعتبر ظهوري تعويضاً منّي لجمهوري عمّا مضى من البعد. التجربة مقلقة ومخيفة لكنّي أشعر براحة ومتعة داخلية. تعبت من ملازمتي المنزل مع آلاتي الموسيقية. كان الأمر تحدياً لي كي أخرج لأكون مع الناس وأغيّر في طبيعتي التي عشتها سنوات، وخشيت أن تتطوّر هذه الحالة معي أكثر. The voice هو تحدًّ داخلي لكاظم الساهر.
السيرة الذاتية
● أصدر كاظم الساهر أكثر من عشرين ألبوماً غنائياً وباع ملايين النسخ خلال مسيرته الفنية التي تجاوزت 25 عاماً، كما غنى أمام الملايين وفي العديد من الأماكن المرموقة في كل أنحاء العالم، بما في ذلك قاعة «ألبرت هول» الملكية في لندن، و«سيرك ماكسيموس» في روما، و»ام جي ام غراند» في لاس فيغاس في الولايات المتحدة.
● حاز كاظم العديد من الجوائز الفنية، من بينها جوائز موسيقيّة عالمية من هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي» لأفضل فنان في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا و»جائزة الجمهور» و»الجوردان أووردز» لأفضل فنان عربي، وعينَ سفيراً للنوايا الحسنة من قبل اليونسيف.
● ولد كاظم الساهر في العراق عام1957 ، وترعرع على شغفه بالإبداع. بعد اختباره أشكالاً مختلفة من الفنون كالرسم والشعر والنحت وغيرها، قرر أن يتخصص في الموسيقى. وبعد فترة وجيزة، أصبح عازفاً للعديد من الآلآت الموسيقية، وبدأ تأليف موسيقاه الخاصة، وكتابة أغنياته وتوزيعها.
● نشر كاظم الأغنية العراقية خارج حدود العراق، خلال فترات عصيبة تخللتها الحروب عن طريق أغنياته التي لاقت نجاحاً باهراً مثل «عبرت الشط» و«سلّمتك بايد الله» و«بغداد/ كثر الحديث».
● بعد عدة تعاونات مع فنانين عالميين من ضمنهم كوينسي جونز وريدون في أغنية «بكرا» وليني كرافيتز في «نحن نريد السلام» وسارة برايتمان في «انتهت الحرب» وباولا كول وون جينت ليب والشاب مامي وترانز غلوبال اندرغراوند، أصبح كاظم على استعداد لأن يصل ويتقلد مراتب عالمية. كما وصفته العديد من وسائل الإعلام العالمية مثل صحف «التلغراف» و«الغارديان» و«الاوبزرفر»، بالمطرب الكلاسيكي المحترم ونبض قلب العالم العربي وسلاح الإغواء الشامل.
شاركالأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024