تحميل المجلة الاكترونية عدد 1078

بحث

خديجة الوعل: المرأة السعودية محظوظة

لا تملك المذيعة خديجة الوعل تبريراً محدداً يتعلق بإرجاء ظهورها على إحدى شاشات مجموعة إم بي سي الإعلامية لأكثر ما يزيد عن 10 سنوات، منذ أن عُرضت عليها تلك الوظيفة، سوى ارتباطها الشديد بالأثير، قبل ان تقودها الصدفة الإعلامية إلى إذاعة «إم بي سي» إف إم، لتصبح في ما بعد كبيرة المذيعين، مقدمة تجربة سعودية متميزة عبر صوت يطل في الصباح تارة، ويطل في المساء تارة اخرى لكنه في كل الأحوال يحمل نبرات خاصة ارتبط بها الجمهور السعودي الذي يحفظ لازمتها الشهيرة «حبايبي اليوم ودوم».
«متفائلة ولست سيئة الظن» هو ما تصف به ذاتها في كلمات قليلة، و«عاشقة للتحديات وطموحة ومرحة» حسب القريبين منها، و«ماهرة أيضا في إعداد الكبسة السعودية» التي تقبل فيها التحدي، بعد أن نقلت طقوس الشهر الفضيل واحتفظت بها من المملكة إلى دبي مقر عملها.
لكن الحوار التالي يكشف مزيداً من التفاصيل في حياة خديجة الوعل المهنية والحياتية، التي تؤكد أنها أول إذاعية سعودية تقرر البحث عن طموحاتها خارج حدود المملكة، في خطوة وصفها من راقبوها حينئذ بالجريئة.


- طريق الألف ميل يبدأ بخطوة، وطريق التألق الإذاعي لديك، بأي مرحلة بدأ؟
لا أدعي أن الإذاعة كانت خياري الوحيد في صغري، لأنني بصراحة شديدة تخيلت نفسي في مهن كثيرة، فتارة حلمت بأنني أحمل سماعة الطبيب وارتدي معطفه الأبيض، وأحياناً أشاهد نفسي مطربة أو حتى ممثلة أو عازفة، لكن المشهد الأقرب إلى طبيعة عملي الحالي هو مهنة الصحافة التي ظلت تراودني في مرحلة أكثر نضجاً.

- وبالفعل مارست الصحافة بعد تخرجك؟
أنا مدينة لهذه المهنة أكثر من اي شيء آخر بامتلاكي لأدوات المذيعة، رغم أنها في العقد السابق لم تكن معبرة عن صوت المرأة السعودية الذي أصبح أكثر وضوحاً الآن، وقمت بكتابة العمود الصحافي عبر مساحتين ثابتين لا يزال البعض يذكرونني بهما وهما «عساكم سالمين» و«نبض الكلام»، لكن الممتع أن تلك الفترة شهدت أول تجربة أيضاً لي للإطلالة عبر أثير الإذاعة السعودية، في مرحلة أصنفها في مشواري على أنها مساحة جيدة للتدريب والتأهيل والتمكن المهني من أدوات المذيعة.

- وكيف انضممت إلى امبراطورية إم بي سي الإعلامية؟
كان ذلك قبل نحو 10 سنوات، عندما قادتني صدفة زيارة إحدى صديقاتي التي تعمل في إم بي سي إلى عرض للعمل في القناة الفضائية، تم تحويره إلى العمل الإذاعي بعدما عرف مقدموه أنني بالأساس مذيعة في الإذاعة السعودية، ومنذ ذلك الحين بدأ المشوار المهني الأهم في حياتي لأصبح اول إعلامية سعودية تعمل خارج المملكة، في سياق من عرفن في ما بعد بالمغردات خارج الوطن.

- وما الذي يجعلك تضعين التفاؤل في صدارة صفاتك الشخصية؟
صديقاتي هن من يجزمن أكثر مني بهذه الصفة، ويعتبرن بمسميات العمل الإذاعي أني أبث أثير السعادة لمن حولي، وهن يلتقين في هذا مع جمهور يتواصل معي ويتوقع أنني أبتسم وربما أضحك أثناء حديثي من خلف ميكرفون الإذاعة، ويظنون أنني بشوشة رغم عدم رؤيتهم لي.

- يقولون إن جميع المذيعات في جعبتهن الكثير من المواقف المثيرة التي وقعت على الهواء؟
هذا صحيح، لكن ما لا يعرفه الكثيرون أن مذيعات الإذاعة أحسن حالاً من مذيعات القنوات الفضائية، لاننا نمتلك هامشاً لتصويب أخطائنا مقداره 12 ثانية، قبل أن تصل المعلومة أو المداخلة إلى المستمع.
لكن تبقى بشكل عام ظاهرة الاضطرار إلى كتم الأنفاس في حال إصابة المذيعة بداء الكحة، او الانفلونزا واحدة من المواقف الأكثر شيوعاً، وخصوصاً في حال وجود ضيف داخل الاستوديو.

- كيف تختارين نوعية الأغاني التي تقدمينها عبر الإذاعة؟
هناك سياسة عامة للقناة تراعي الذوق السائد لدى الجمهور، وتسعى دائماً إلى تلبية ما يتوقعونه، وهي مهمة لم تعد سهلة على الإطلاق في ظل حالة هبوط وترد غالبة على الأغنية العربية بما فيها الخليجية.

- اين يكمن موضع الخلل بشكل أكبر في بنية الأغنية الخليجية: الصوت، أم اللحن، ام الكلمات؟
أعتقد أن المشكلة الحقيقية تكمن في الكلمات، ومعظم الأغاني التي يتم استبعادها تتعلق تحديداً بحالات الإسفاف والابتذال فيها، رغم أن الصوت واللحن يكونان شديدي التميز، لذلك أستثمر الفرصة هنا لحض جميع الأطراف الفاعلة في إنتاج الأغاني على إيلاء مزيد من الاهتمام لمهمة اختيار كلمات الأغنية، لأن الإذاعات الكبرى، وعلى رأسها «إم بي سي إف إم» لن تنساق الى هذا التيار مهما كانت غلبته.

- يقولون إن مذيع الإذاعة ينصب نفسه في بعض الأحيان وصياً على ذوق المستمع، ماذا عنك؟
هذا الخيار غير مطروح بالمرة، فبشكل عام نحن لا نعمل بعيداً عن التيار العام لمستمعينا، فالأثير الذي يربطنا بمختلف الشرائح لا يمكن اعتباره بثاً من طرف واحد مرسل لآخر مستقبل، لأننا بالفعل قريبون من نبض الشارع السعودي، فضلاً عن أن هناك نسبة مما يبث يدخل في نطاق الترشيح والاختيار المباشر للمستمع.

- بصراحة شديدة، من يطرب كبيرة مذيعات إم بي سي إف إم؟
حقيقة عاملا النضج والخبرة هنا حاسمان جداً، فالقامات الفنية الكبرى مثل محمد عبده وفيروز وغيرهما معروفة للجميع، لكن في الوقت ذاته تثبت التجربة أن من الأفضل ألا تكون هناك أحكام مسبقة تعتمد فقط على الأسماء الكبرى، لأن هناك الكثير من الفنانين الذين لا يزالون في أولى خطوات مشوارهم الفني واستطاعوا أن يقدموا أعمالاً فنية ممثلة في أغاني بعينها، بتميز شديد.
وأعتقد أن الأمر هنا يتوقف على توافر معايير النجاح وتصادفها في العمل، بما فيها الحالة المزاجية للجمهور وقت الكشف عن الأغاني الجديدة، فضلاً عن المعايير الفنية الأخرى.

- على ذكرك للشارع السعودي، قدمت لسنوات طويلة برنامجين منوعين أحدهما صباحي وهو «صباحكم ورد» ، ثم «حبايب» في الفترة المسائية. ألا تطمحين إلى برنامج يتجاوز الإطار المنوع الترفيهي إلى مناقشة أولويات هذا الشارع؟
على العكس، يبقى هذا الأمر مطلباً إعلامياً ملحاً، وأخطط لإدارة برنامج اجتماعي يفي بهذا الغرض، ويستثمر مرحلة النضج الإعلامي. ومن وجهة نظري هذا الأمر بمثابة الواجب الذي يتطلبه الوطن من أبنائه، لا سيما أن هناك مساحة ثرية مفتوحة الآن في الأفق الإعلامي في المملكة، في الوقت الذي يعاني فيه المجتمع مشكلات حقيقية.

- إذا أتيحت لك هذه الفرصة، أي القضايا الاجتماعية ستثير اهتمامك أولاً؟
مشكلة تردي الوضع الاقتصادي لشرائح اجتماعية غير قليلة أظنها تستحق الأولوية، وربما تبقى محوراً يحتاج الى معالجات إعلامية متعددة، فضلاً عن أولوية الاهتمام بالتعليم الذي وصل الى درجة أنه اصبح الكثير يتعامل مع المؤهلات العلمية على أنها مجرد إجازة أكاديمية في ظل ترهل الكثير من المؤسسات التعليمية، وهذا بعض مما يستحق النقاش الهادئ والواعي والمسؤول في الوقت نفسه.

- تبدو قضايا المرأة مرشحة دائماً لأن تحتل الصدارة بالنسبة الى الإعلاميات الخليجيات، وخصوصاً أنك بدأت مشوارك الإعلامي في مجال الكتابة في باب المرأة والطفل. كيف ترين مساهمة الرجل السعودي في دعم شقيقته السعودية؟
الرجل السعودي هو الداعم الأول للمرأة السعودية، بل إنني أزعم أن المرأة السعودية محظوظة، والصورة غير الإيجابية التي يتم ترويجها في هذا الصدد مضللة، رغم وجود حالات خلاف ذلك لا يمكن التعميم بناءً عليها.

- وماذا عن تجربتك الشخصية في هذا الإطار؟
والدي هو معلمي الأول، وصاحب كلمة السر في تحفيزي ودفعي دائماً للأمام، ولولا وقوفه بجانبي وتحديه للأفكار الجاهزة التي كانت سائدة حينها، والتي لا يمكن معها قبول عمل سعودية في مجال إعلامي خارج حدود المملكة، لما استطعت ان أحافظ على طلتي عبر «إم بي سي إف إم».
وما زلت أعود إليه في أدق وأبسط أموري الحياتية، بل إنني لا أستطيع أن أحدد نوع سيارتي ولونها دون أن أتواصل معه، لأنه اب وصديق ومعلم.

- إذاً جزء من وصفة النجاح في تجربتك هو وجود هذه القوة الدافعة من رجل متفهم؟
بل وجود أسرة متحابة منسجمة، فأنا ترعرعت في ظل أبوين تربطهما علاقة حب وتقدير انعكست على كل أفراد الأسرة، وهذا هو سر النجاح الحقيقي.

- لكن يبقى للنجاح وخصوصاً في مجال الإعلام بالنسبة للمرأة في كثير من الأحيان ثمن باهظ، خصوصاً على الصعيد الأسري؟
بالنسبة إلي لم يكن الثمن نتاج خصوصية وطبيعة العمل الإعلامي، بقدر ما كان نتيجة عدم الانسجام الفكري في تجربة زواج انتهت بالانفصال، لكنها في كل الأحوال لم تكن بعيدة عن طبيعتي التي تميل إلى عدم قبول الخداع وعدم الوضوح.

- المطبخ السعودي عامر بالمأكولات ذات النكهات المميزة، ترى هل أنستك إقامتك الطويلة في دبي مهارة إعداد تلك الأكلات؟
أنا لا أزال طباخة ماهرة، بل على العكس وضعتني تلك الإقامة في سياق مسؤوليات مآدب تطلبها مني صديقاتي، وجميعها تكون متعلقة بالمطبخ السعودي بالطبع، ولا أبالغ إذا أكدت أنني على استعداد لقبول التحدي في مهارة إعداد الكبسة السعودية؟

- كل شيء يتغير في رمضان، ما هي طقوسك الخاصة في هذا الشهر الفضيل؟
باستثناء الدوام، وارتباطه بتغير الخريطة البرامجية فإن لا شيء تغير في الطقوس التي تشربتها من العائلة في رمضان، فالمائدة السعودية العامرة تبقى حاضرة دوماً، سواء كنت في المملكة، أو في دبي، والمحافظة على صلاة التراويح جزء أصيل من روحانية الشهر، بما في ذلك الاستمتاع بمشاهدة المسلسلات الدرامية المميزة، والاستيقاظ من أجل تناول وجبة السحور، والمحافظة على صلاة الفجر بنسماته المباركة، وغير ذلك.

- طموحك المهني، إلى أين يتجه؟
بعد 10 سنوات من العمل الإذاعي أعتقد أنه آن الأوان لإطلالة تلفزيونية تأخرت كثيراً، والأهم من ذلك سواء كان الأمر مرتبطاً بالإذاعة أو التلفزيون هو تقديم برنامج يناقش قضايا اجتماعية جادة تخص المجتمع السعودي.

- كلمة تملكين حرية صياغة محتواها، وتحديد هوية مستقبلها، محلها هذه المرة مجلة «لها»، ماذا تقولين فيها ولمن توجهينها؟
أوجهها للشباب السعودي الذي أشد على أياديه وأوكد له ضرورة التطلع الآن إلى المستقبل المشرق، ودرء أي دوائر وهمية للإحباط، والإيمان بحقيقة واحدة مفادها أن واقعك ومستقبلك يحددهما سعيك وإخلاصك ومجهودك الذي يجب أن يصب في صالح وطنك، لا سيما أن عصر الفرص المحمولة على أطباق من ذهب وفضة قد ولى، وهذا يعني أن تطوير القدرات والاهتمام بالتعليم، واقتناص فرص النجاح هي المهمة التي تستحق أن تبقى في صدارة أولويات جيل الشباب.

المجلة الالكترونية

العدد 1078  |  تشرين الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1078