واحة الراهب: من الأفضل أن تتناول المرأة قضاياها...
واحة الراهب مخرجة مبدعة وفنانة أصيلة، حلّقت في سماء الفن بمواهبها وطاقاتها المتعددة، فهي ممثلة متمكنة ومخرجة حققت حضورا قويا في هذا المجال الذي ارتادته لتعبر من خلاله عن رؤاها وتطلعاتها الإبداعية... هاجسها الكبير المرأة بطموحاتها وآمالها وآلامها وما تحمله من أعباء لتمارس دورها الفعال في المجتمع.
لهذا تسعى عبر فنها لنقل نبض المرأة العربية الحقيقي بكل صدق وتسلط الضوء على الجوانب المعتمة من واقعها، واضعة يدها على الجرح لتشير وتنبه، وضمن هذا المنحى تقدم فيلمها الجديد «هوى» المأخوذ عن رواية للكاتبة هيفاء بيطار تحمل العنوان ذاته، كتب السيناريو الدكتور رياض نعسان آغا، وتؤدي بطولته الفنانة سلاف فواخرجي، وأدارت فيه واحة الراهب أيضاً كلاً من: عبد الرحمن آل رشي، طلحت حمدي، زهير رمضان، مظهر الحكيم، باسل حيدر، نبال جزائري، إيمان جابر، خالد القيش، آمال سعد الدين، لمى الحكيم، حنان شقير... ومن لبنان نجوى بركات ونعمة بدوي. والفيلم من إنتاج المؤسسة العامة للسينما.
عن رؤاها الفنية والجديد في فيلمها الروائي الطويل «هوى» وحول شؤون وشجون سينمائية مختلفة، كان لنا معها هذا اللقاء:
- أين تمكن خصوصية فيلم «هوى»؟
يحكي الفيلم عن امرأة مُطلقة تركها زوجها مع طفل بسبب ظروف الحياة، فتترك جامعتها وتعمل ممرضة في مستشفى، ولكنها تتورط بدافع الحاجة مع عصبة فساد، فقد كان طموحها الحصول على منزل لابنها إلا أنها تجد نفسها تدفع المنزل ثمناً لتورطها في عملية الفساد.
حاولت أن تعيش كامرأة لها حق في أن تبني علاقة تطمح الى أن تصل إلى مستوى الزواج ولكن تكتشف أن الشخص الذي ارتبطت به لا ينظر إليها أكثر من كونها امرأة محتاجة وهو يلبي حاجاتها المادية.
تحاول إيجاد الحلول، وفي نهاية المطاف تجد طريقها.
- ما سر تعلق بطلة الفيلم بمدينة بيروت؟
بيروت هي الطموح الذي يقوم المفكر ماجد (أدى الدور عبد الرحمن آل رشي) بتشجيع أمل (سلاف فواخرجي) بطلة الفيلم عليه، فيحمسها لأن ترتبط به مقابل أن يعيشا في بيروت التي تشكل حلمها، فهي تراها بلداً جميلاً ومنفتحاً وواحة من الحرية، ولكنها تكتشف في ما بعد أن لا شيء يعوض عن الآخر وأنها مقابل ذلك ستدفع الثمن من روحها، فخسارتها تكون أكبر وتدفع الثمن ثلاث مرات.
فلدى تورطها في الفساد الأول تدفع الثمن مبادئها وأفكارها، وثانياً تجد أنها يمكن أن تدفع الثمن بجسدها وثالثاً روحها.
المخرجة الممثلة
- لماذا تحرصين على الظهور في أفلامك وإن كان بدور صغير وقد حدث هذا الأمر في فيلم «هوى» وقبله في فيلم «رؤى حالمة»؟
في فيلم «رؤى حالمة» كان لدي بعض التردد حول تجسيد الدور، فكنت جديدة على تجربة أن أمثل وأخرج في الوقت ذاته، وكانت تجربة صعبة جداً خاصة أنني قدمت دوراً صعباً رغم صغر حجمه لأنه يعبر عن حالة فصام وهي فكرة العمل ككل، أي حالة فصام المجتمع مجسّدة في هذه الشخصية التي انقلبت من قمة التحرر إلى فتاة متوهمة ولديها كوابيسها.
حاولت ألا أمثل في فيلم «هوى»، إلا أن هناك ممثلين اعتذروا والممثلة التي تم ترشحيها للعب الشخصية أخذت نص الدور لتقرأه وبعد ذلك لم تعد ترد حتى على اتصالنا الهاتفي بها.
وهنا أستغرب المستوى الذي وصل إليه بعض الممثلين، وأمام هذا الظرف أصر مدير الإنتاج السابق للفيلم على أن أؤدي الشخصية لنخرج من حالة الارتهان لمزاجية الممثل.
وبما أن الدور كان يتطلب مستوى معيناً من الأداء قبلت تجسيده شرط أن اجري تجربة على الملابس والمكياج.
وبالفعل قامت مصممة الأزياء بتصميم ملابس خاصة لأبدو أسمن مما أنا عليه، ومن ثم وافقت على التمثيل، والدور لأم تؤدي حالة التناقض بين الصرامة والحنان.
لم أكن أرغب في التمثيل لأن ظروف التصوير كانت صعبة، حتى أنه لم يكن معي مجموعة إخراجية قوية، فليس لدي سوى مخرج مساعد واحد (أيمن حمادة) فيما الآخرون متدربون.
والسؤال، على من سأتكل إن قبلت التمثيل؟لذلك كان شرطاً قاسياً أن أقبل التمثيل في الفيلم.
- ما الذي جعلك تختارين الفنانة سلاف فواخرجي لبطولة الفيلم؟
وجدت أن سلاف تلبي الشخصية... قد يكون هناك بعض التردد في البداية تخوفاً من أن يكون جمالها زائداً عن متطلبات الشخصية ولكنها ساعدتني في ذلك وكانت متجاوبة كثيراً، ففي المرحلة الأولى من الفيلم حاولت أن تكون دون أي ماكياج فعلاً، ملبية شروط الشخصية إلى حد بعيد في ألا تهتم بشكلها في حين أنها ركزت على أدائها وإحساسها الداخلي بشكل كبير مما ساعد في ألا نشعر بإشكالية هل يجب أن تكون الشخصية جميلة أم لا، الأمر الذي أعطانا حيزاً واسعاً في ما بعد عندما تمت النقلة إلى المرحلة الثانية لنشعر بأنه عندما تكون المرأة مرتاحة ولديها مستوى لائق من الحياة يمكن أن تكون جميلة فعلاً.
بين السيناريو والرواية
- اعتدنا في السينما السورية أن يكون المخرج هو كاتب السيناريو، فكيف تصفين تجربة إخراج سيناريو لكاتب آخر، علماً أن هذا السيناريو مأخوذ عن أصل أدبي؟
عندما يكون السيناريو للمخرج من الممكن أن يصيغه باتجاه قد يكون مختلفاً، ولكن في مرحلة «الديكوباج» أحاول أن أشتغل عليه، فالتقطيع الفني هو إعادة كتابة النص عبر الصورة، ومن خلاله يمكن إيجاد الصيغة الخاصة بي كمخرجة.
عموماً ليس من السهل كتابة سيناريو لفيلم مأخوذ عن رواية، ورواية «هوى» ضخمة وتحتاج إلى جهد كبير لاختزالها وتحويلها إلى سيناريو فيلم.
وقد جاء السيناريو موفقاً إلى حد بعيد في لحظات ولكن في لحظات أخرى شعرت بأنه يمكنني التدخل وأن أضيف مشاهد أو اختصر مشاهد أو ألغيها.
ولكن مما لا شك فيه أنه ليس من السهولة بمكان أن تقدم سيناريو مأخوذا من رواية. وأرى أن د.رياض قد وفّق في اختزال الرواية بخطوط أساسية وصياغتها بطريقة يمكن أن استوحي منها لمادتي البصرية.
- قلت في لقاء سابق : «لا أعتقد أن الرجال من كتاب أو مخرجين سيكونون قادرين على عكس مشكلات المرأة في العمق، كما ستعكسها النساء في فيلم يهتم بالمرأة بشكل خاص». كيف يمكن تبرير هذا القول وكاتب السيناريو رجل؟
كلامي لا يعني أن الرجل غير قادر على طرح مشكلات المرأة، وهذا ما سبق أن قلته في كتابي «صورة المرأة في السينما السورية» في أن هناك اتجاهين، الأول إصلاحي حاول المزايدة على قضايا التحرر وقضية المرأة ولكن تم كشفه، الثاني هو الاتجاه التغيري وكان صادقاً فحاول ملامسة قضايا المرأة وجذّر علاقة قضاياها ومشكلاتها مع قضايا ومشكلات المجتمع.
قلت في الكتاب أنه يبقى من الأفضل أن تتناول المرأة قضاياها لأنها صاحبة المشكلة ويبقى هناك جانب مغلق من عالمها على عالم الرجل لأنه أداة من أدوات المجتمع القامعة لها والمسيطرة عليها، لذلك هي لا تكون قادرة دائماً أن تكشف عوالمها كلها أمامه.
وهنا أقول أن د.رياض نعسان آغا كاتب السيناريو كان قريباً جداً من عالم المرأة بطرحه للقضايا، وحاول إعطاءها حقها فكان مخلصا وصادقا في طرح قضايا المرأة العميقة التي عبرت عنها أساساً الكاتبة هيفاء بيطار في روايتها.
خلاف مع مدير التصوير
- لدى حديثك عن الخدع البصرية في أحد لقاءاتك التلفزيونية قلت «اعتمادنا على مديري تصوير من الخارج يجعلنا أكثر اطمئناناً للنتائج النهائية»... ما السبب في ذلك، وهل أنت فعلاً اليوم أكثر اطمئناناً؟
في أي فيلم أخرجه لدي دائماً جانب ما له علاقة بالحلم والتخيل والعوالم الداخلية للشخصيات الأمر الذي يتطلب «غرافيك».
وإذا كانت الإمكانات المادية لا تسمح بأن ننجز غرافيك كما هي الحال في فيلمي هذا نركز على الأسلوب الإخراجي الذي يظهر هذا الحلم بشكله التخيلي، وهذا صعب كثيراً ويتطلب إضاءة خاصة ومهارات تقنية على مختلف الأصعدة.
كما أنه ليس لدينا خبرة بالخدع والغرافيك بالسينما، ففي فيلمي السابق «رؤى حالمة» كان مدير التصوير مارك كونينكس وهو فرنسي بلجيكي وكانت تجربتي معه ممتازة، وقد اضطررنا بعد أن عالجنا المادة المصورة بالغرافيك هنا أن نرسلها إلى فرنسا كي تتم معالجتها سينما، وهذا يحتاج إلى مدير تصوير محترف بهذه الأمور ومدراء تصويرنا ليس لديهم إلمام بذلك، وبالتالي كلامي ليس انتقاصاً منهم علماً أن أغلبهم بات مرتبطا بأعمال للتلفزيون وأجورهم أحياناً أعلى من الأجور التي يأخذها مدير التصوير الذي يأتي من خارج سورية.
أما إن كنت في فيلم «هوى» أقل أو أكثر قناعة، فتجربتي مع مدير التصوير «فاديم بوزوييف» كانت فاشلة جداً، وتجعلني أقول أنه ليس بالضرورة هو أكثر فهماً أو معرفة من مدراء تصويرنا، لكن خياري كان غير صحيح، وقد استعجلنا بهذا الخيار الذي لم أدرسه بما يكفي واعتمدنا أن له تجربة سابقة مع فيلم «قمران وزيتونة» للمخرج عبد اللطيف عبد الحميد.
ولكن ربما كانت لديه مشكلة أن امرأة تقود العمل، لأننا تصادمنا منذ اليوم الأول لمجرد أن لي وجهة نظري الخاصة وأصر على ما أريده، وما حدث أنني من اليوم الأول للتصوير طلبت تغييره، ولكن للأسف عندما يبدأ التصوير من الصعب أن يقبل مدير تصوير آخر الدخول على الفيلم، إلا أن هذا لا يعني أنه من الخطأ اللجوء الى مدير تصوير من الخارج إن كان هناك متطلبات لها علاقة بالغرافيك أو الخدع البصرية.
- إلى أي مدى أثّرت هذه الخلافات على الفيلم؟
هناك الكثير من اللقطات التي استغنيت عنها، حتى أن مشهد النهاية استغنيت عنه كاملاً لأنه غدرني باللقطة التي أريد، فكنا على سطح بناء عالِ وطلبنا عدسة الزووم بشكل خاص للقطة النهاية لأني أريد أن آخذ المدينة كاملة، واللقطة تظهر فيها البطلة في الأسفل ومن ثم أُظِهر المدينة والبحر، لكنه أخذ اللقطة مجتزأة دون أي جمالية، وعدت وقلت له كيف أريد أن يأخذها وحددت له الكادر وعندها لم يكن معي «مونيتور» في مكان التصوير فأخذ اللقطة وقام بحركة «زووم إن» بشكل يجعلني أستغني فيه عن اللقطة، لقد تقصّد إيذاء الفيلم، ربما لأنه لا يريد أن يأخذ توجيهاته من مخرجة امرأة.
- هل تم إنقاذ الفيلم؟
هذا المُفاجئ في الأمر، لأنه بعد الكوارث التي عانينا منها بما فيها مدير الإنتاج ومدير التصوير حتى أنني استبعدت خمسة عناصر أساسية في فيلمي وأكملت الفيلم من دونهم مما أثّر على الفيلم، حتى أن مهندس الصوت الذي أتى به مدير التصوير ترك العمل تعاطفاً مع مدير التصوير عندما استبعدناه، كنا نعاني يومياً خلال التصوير.
ولكن المفاجأة أن الفيلم تمت عملية مونتاجه وسيلقى صدى طيباً عند الجمهور، رغم أن طموحي كان أكبر من ذلك بكثير، ولكن سيحبه الناس.
الفيلم الجماهيري
- كيف تقرأين تصريحات من قال إن الفيلم ليس للمهرجانات وإنما للجماهير؟
الفيلم فيه جهد حقيقي وكبير على جميع أصعدة العمل الإبداعي، وبالتالي أرغب في تصحيح العبارة التي قيلت، وأقول: لا أعرف إلى أي مدى يمكن أن يندرج الفيلم تحت بند المهرجانات بقدر ما أنه يندرج تحت بند الجماهيرية، والمقصود من هذا القول أنني أحقق المعادلة الصعبة، فبقدر ما يكون الفيلم نخبوياً يكون جماهيرياً.
- ما هو الفيلم الجماهيري؟
ببساطة هو ما يحبه الناس ويتواصلون معه، ولكن مقولة «عمل جماهيري» هي مقولة شائكة، فإن سرنا وفق مبدأ «الجمهور عاوز كده» سنجد أن أتفه الأفلام قد يحبها الجمهور، لأنه قد يتم اللعب في الفيلم على الغرائز المكبوتة عند الناس أو على قهرها أو حبها للضحك وللابتذال، فكل ذلك يمكن أن تلعب عليه وتقدم فيلمك تحت بند أنه فيلم جماهيري.
ولكن هذه المقولة فيها استغباء للجمهور، لأن الجمهور أذكى بكثير من أن يحب مثل هذه الأفلام، ولكنه قد يذهب ويراها ليفرّج عن نفسه فقط لأنه مضغوط من هموم الحياة، إلا أن هذا لا يعني أنه يحب أو يحترم هذه الأفلام، لا بل على العكس فعندما تقدم له عملاً جماهيرياً حقيقياً دون التعالي عليه أو إستغبائه وبفهم لهمومه وأحلامه وحاجاته الحقيقية، عندها تكون قد قدمت عملاً جماهيرياً ونخبوياً في الوقت ذاته، وهنا مكمن المعادلة الصعبة، أي في تقديم العمل الجماهيري الذي توصل من خلاله للناس مقولة وفكراً، ولا تسطح وعيه.
القطاع الخاص ولعبة السينما
- ما سبب انكفاء القطاع الخاص عن السينما بعد أن حقق أخيراً حضوراً خجولاً فيها؟
هناك الكثير من الأسباب لذلك، ولكن أرى أن أهم ما في الأمر دخول القطاع الخاص مجال الإنتاج الدرامي التلفزيوني ذي الربح السريع والمضمون بسبب وجود الفضائيات وسوق التوزيع، ودخل القطاع الخاص بقوة رفع من سقف الرقابة، فلأن القطاع الخاص معني بالربح فيهمه الجمهور الذي يتوجه إليه، وإن لم يتناول همومه وقضاياه الحقيقية فلن يربح.
ولكن السينما لم ترفع هامشها الرقابي، لا بل تراجعت فسقف الرقابة في الدراما التلفزيونية تجاوز الرقابة السينمائية، وبات هناك هوّة رقابية بينهما، وبالتالي وإن دخلت طفرات من القطاع الخاص لتقدم تجربتها السينمائية ستجد أن هناك وصاية رقابية من القطاع العام تُجهض التجربة، أضف إلى ذلك موضوع القوانين فرغم محاولات تشجيع المستثمرين في القطاع الخاص وإصدار القانون رقم «10» ومحاولة الدولة ايجاد تعويضات للمنتج من خلال إعفاءات ضرائب وإلغاءات جمركية...
لكن هذا كله لا يعوض عن مسألة أن الاستثمار يحتاج إلى مناخ حماية قانونية، خاصة أن رأس المال جبان ويحتاج إلى ضمانات وحماية قانونية ناظمة لعملية الاستثمار.
وأرى أنه ينبغي تكامل ثلاثة عناصر إنتاجية وهي الإنتاج والعرض والتوزيع، ولكن ليس هناك صالات ليعرض المستثمر فيلمه.
أما التوزيع فيحتاج لرقابة من الدولة ليتم توزيع الفيلم، أضف إلى ذلك كله أننا بحاجة إلى عقلية القطاع الخاص، ومثال ذلك في أميركا إن كانت كلفة الفيلم مئتي مليون دولار فيكون منها مئة مليون دولار للدعاية، ولكن في فيلمي «رؤى حالمة» عندما عرض في اللاذقية طلبت أن يكون له دعاية فأتاني الجواب أنه من دون دعاية استطاع أن يعيد كلفته الإنتاجية وبدأ يربح فقط من عرض اللاذقية، فتخيل لو كان له دعاية؟
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024