راغدة درغام: سعيدة جداً بحصولي على الموريكس
راغدة درغام. الإعلامية التي اخترقت ما كان يعتبره الإعلامي الرجل حكرًا عليه، فبرعت في مجال النقد والتحليل والرأي السياسي على مستوى دولي لتصبح مرجعًا موثوقًا، كرّمها وطنها الأم بجائزة الموريكس الفخرية التكريمية لصحافية وإعلامية لبنانية.
إيمانها بالكفاءة العالية التي يتمتع بها الجيل الشباب في العالم العربي، والمرأة العربية حفّزها لإنشاء مؤسسة فكرية Beirut Institute بهدف تعزيز دور الشباب والمرأة في العالم العربي ليكون دورًا مؤثرًا في صنّاع القرارات في الحكومات وخارجها.
«لها» إلتقت راغدة درغام وكان هذا الحوار
- مبروك الموريكس. ما شعورك بحصولك عليها؟
سعيدة جدًّا بحصولي على الموريكس وفخورة بها، فأنا في حاجة إلى تكريم من بلدي الأم. لأن إقامتي شبه الدائمة في نيويورك لا تسمح لي بالتعرف عن كثب إلى العلاقة التي بيني وبين القرّاء.
وبالتالي فانقطاع التواصل المباشر يجعلني لا أدرك العلاقة التي تجمعني بالبيئة التي أكتب لها.
وحصولي على تكريم يشكّل قيمة كبيرة جدًا بالنسبة إلي عاطفيًا، ويفتح لي الباب لأعرف من هم قرّائي ومشاهديّ.
- أثناء تسلمك الجائزة وجّهت رسالة إلى جيل الشباب. لماذا الشباب؟
قدّمت تكريمي إلى كل شابة لأحضّها على ألا تخاف أن تحلم وأن تفكّر وأن تجرؤ وقلت لها إن الجرأة زينة. الشباب العربي يلحقه ظلم شديد، فالصورة النمطية التي تقول إنه غير مكترث وسطحي غير صحيحة إطلاقًا، بل هو شباب مثقف ومطّلع والدليل ثورات التغيير العربي التي كان الشباب شعلتها وعمودها الأساسي.
حين أذهب إلى مكان عام أفاجأ بالشبان والشابات الذين يأتون إلي ويسلمون علي ويقولون لي نحن من قرّائك الدائمين.
أستغرب أنهم في العشرينات يعطون رأيهم في ما أكتبه. مما يعني أنه جيل يعرف ماذا يريد ولديه كفاءة عالية وعلينا نحن المخضرمين أن نعرف كيف نحتضنه وندعمه في تحقيق أحلامه.
- هل هذا كان الحافز لإنشائك مؤسسة بيروت «Beirut Institute»؟
هو أحد الحوافز المهمة لأنه من الضروري توطيد العلاقة مع الجيل الجديد من الشباب، وهناك حاجة ماسة إلى إعادة صياغتها في منطقتنا العربية.
فقد لاحظت أن مفهوم الأبوّة هو الطاغي على هذه العلاقة، وما أسميه أيضًا أسلوب» عمو» في التعامل، أي الأكبر سنًا ربما عن قصد أو غير قصد يُشعرون الشباب بأنهم أكبر وأفهم منهم.
هذا خطأ لأن الجيل الجديد إذا ما استمعنا إليه ورافقناه نتعلّم منه أكثر مما نتصور. لذا وجدت أن جيل الشباب من العناصر المهمة لبناء مؤسسة فكرية تحاول صياغة علاقة جديدة بين الأجيال.
- ما هي الخطة العملية لصياغة هذه العلاقة التي وضعتها المؤسسة؟
من المشاريع التي وضعتها المؤسسة مشروع Intergenerational، أو تداخل الأجيال الهدف من هذا المشروع هو عقد ندوات خاصة، ومناقشات عامة، يشارك فيها سياسيون ومفكرون مخضرمون وشباب، يجرون خلالها مناقشات وتبادل آراء.
الغرض من هذا المشروع هو فهم تداخل العلاقة بين الأجيال والتعلّم من خبرات الجيل القديم في السياسة وفي المقابل أن يأخذ هذا الجيل آراء الشباب في الحسبان والخروج بتوصيات نوصلها معًا إلى صنّاع القرار في الحكومات وخارجها.
كذلك المرأة العربية تشغل حيزًا مهمًا في مشاريع المؤسسة. كيف يجب إعدادها لتكون مؤثرة في صنع القرار بصفتها جزءًا أساسيًا في تطوير مجتمعاتنا العربية.
واستبعاد المرأة والشباب عن صنع القرار الحكومي الرسمي، لا يعني أن نجلس ولا نفعل شيئًا ونستسلم. علينا تغيير هذه الأنماط وإحداث التغيير الجذري في مكانة المرأة والشباب في مجتمعاتنا.
- من المعلوم أنه توجد الكثير من المؤسسات الفكرية والمنظّمات الأهلية والحكومية في العالم العربي التي تهدف إلى هذا الحد أو ذاك إلى ما تتطلعين إليه من خلال مؤسستك. ما الجديد الذي ستقدّمه Beirut Institute ؟
صحيح هناك الكثير من المؤسسات الفكرية في العالم العربي التي تقوم بدور مهم جدًا على جميع الصُعُد، إلا أن مؤسسة «بيروت» Beirut Institute مجالها مختلف. نحن نتميز بأن انطلاقتنا تأتي من المنطقة العربية إلى العالم.
وتطلعاتنا وأهدافنا التأثير في صنّاع القرار وكذلك أن نـأتي بالغرب والشرق إلى العواصم العربية وأن نأخذ أجيالنا وكفاءاتنا ونريهم من نكون لنغير الإنطباع السائد عن أجيالنا الجديدة بأنهم إرهابيون ومتزّمتون متطرفون، لذا فهوية بيروت إنستيتيوت مدنية.
وعندما فكرت في إنشائها، لم أفكر من منطلق تشخيص المشكلات والتحديات والفرص، وإنما من منطلق ما العمل؟ وكيف يمكن التأثير في صنع القرارات؟
- لماذا اخترت اسم مؤسسة بيروت Beirut Institute طالما أن هدفها العالم العربي؟
بحكم عملي مديرة مكتب «الحياة» في نيويورك وكاتبة مقال أسبوعي لأكثر من 22 عامًا، وأُدعى إلى منتديات دولية، فأنا عضو في مجلس العلاقات الخارجية الأميركية منذ 22 سنة، وأُدعى إلى منتدى الإقتصاد العالمي إلى جانب مختلف المنتديات العالمية والعربية.
كل هذا جعلني أشعر بأن بيروت تستحق أن تكون لها مكانة في العالم، وأن تكون نقطة انطلاق.
و Beirut Institute ليست للبنانيين فقط بل من أجل المنطقة العربية المتميّزة بتعدّد الإثنيات والأعراق والديانات والمذاهب. هناك مجال لبلورة هذه الميزة عبر المؤسسة.
- ذكرت أن المرأة تشغل حيّزًا مهمًا من مشاريع المؤسسة، ما الجديد الذي تقدّمه للمرأة العربية في ظل وجود مؤسسات كثيرة تعنى بشؤون المرأة؟
مهم بالنسبة إلي بلورة دور المرأة العربية وتعزيزه على الصعيد الدولي، لذا نهدف في المؤسسة إلى تعزيز دور المرأة في صنع القرارات، لا المطالبة التقليدية بحقوقها فقط، لاسيما بعد الثورات العربية.
للأسف رغم الدور الأساسي التي قامت به المرأة العربية خلال الثورات استُبعدت وغُيّبت عن المشاركة في صنع القرار.
فعلى الصعيد العملي، دعوت مثلاً سفراء أعضاء في مجلس الأمن إلى غداء بإسم المؤسسة كان الهدف منه الإجتماع مع خمس نساء عربيات من مصر وتونس وليبيا وسورية والصومال في جلسة مغلقة استمعوا خلالها إلى هواجس المرأة العربية ورأيها في مرحلة التغيير في المنطقة العربية بعد ثورات الربيع العربي، ودورها كعنصر فاعل في التغيير.
هؤلاء السفراء بعدما استمعوا إلى هؤلاء النسوة ، لابد أن يأخذوا في الحسبان تطلعاتهن وآراءهن . هدف الـ Think tank التأثير في القرارات.
وهذا النشاط سيكون له حلقات متتالية ليس فقط مع المرأة العربية وإنما أيضًا مع الشباب و مع المخضرمين في السياسة ليناقشوا آراءهم ويتبادلوها، ابن السبعين يتحدث عن تجربته وكيفية مرافقة التغيير الحاصل فيما الشباب يؤثرون ويتأثرون ويتفاعلون ليصنعوا التغيير...
- ما هي الخطوات العملانية لهذه المؤسسة لتستقطب فعلاً جيل الشباب؟
هناك وسائل متاحة وسهلة للتواصل مع الجيل الشباب لاسيّما خريجي الجامعات، فمجرد أن تذكري لهؤلاء عمل المؤسسة وأهدافها وطموحاتها يكون رد الفعل أنا موجود أنا معكم.
فالطاقات موجودة. الإنتساب له آلية معينة. أنشأنا Arab Brain Trust أي صندوق الكفاءة العربية في مختلف القطاعات ولدينا نحو 200 شخص.
ليس هناك مشكلة في إيجاد الكفاءات وإنما المشكلة في منحها المنبر. لدينا مراكز في الأردن وتونس ولدينا خطة 40/ 40 التي تعني الرغبة في أن يكون ضمن أسرة بيروت إنستيتيوت 40 في المئة تحت سن الـ 40.
- إلى أي مدى تراهنين على نجاح مؤسسة بيروت إنستيتيوت واستمراريتها؟
بناء مؤسسات كهذه يستغرق سنوات ونحن في هذه المؤسسة نريد أن نكون بنائين نبحث عن الحلول ونقترحها ونخرج بتوصيات إلى أصحاب القرار وملاحقتها كي تنفذ ولا تبقى حبرًا على ورق.
هذا المشروع ليس سهلاً، بل يجب أن يكون هناك تراكم خبرات كي تكون مؤسسة لها مكانتها الدولية. والمشكلة الثانية أن نكون مؤسساتيًا قادرين على الاستمرار وهذا يحتاج إلى تمويل بالطبع.
وأريد أن أشدّد على أننا مؤسسة فكرية ولا ننتمي إلى أي جهة حكومية وتمويلنا حتى الآن من القطاع الخاص.
- ولكن ألا يؤدي التمويل إلى العمل بتوجّهات المموّل؟
نحن مؤسسة فكرية ولسنا «لوبي». هدفنا أن نكون منبرًا لورشة تفكير جماعية لا الإستمرار في التذمر والبكاء ولوم الآخر، نريد أن نعطي فسحة للأجيال الشابة للتفكير والتعمق في البحث ومحاولة إيجاد الإجابات عن سؤال ما العمل.
هدفنا أن نكون مؤسسة تفسح المجال أمام جيل الشباب للحوار والنقاش بشكل جدي حول مختلف شؤون الحياة وتبادل الآراء وتقبل فكر الآخر والتأثير في المجتمع. ونحن لا نزال في بداية الطريق. التوصيات التي تصدر، نوصلها إلى الحكومات.
هناك مجموعة من الشركات التي تقدّم لنا الدعم من دون مقابل وبصفتي أعمل في جريدة «الحياة» فهي تعطيني الكثير وتدعمني لأمضي في هذا المشروع.
- من هم أعضاء المؤسسة؟
أعضاء مجلس الإدارة والمجلس الإستشاري من ألمع الناس في العالم العربي. مجلس الإدارة له علاقة عضوية بقرارات المؤسسة، والمجلس الإستشاري هو استشاري، ومجلس صنّاع القرار الذي هو تشريفي يتشكل من أفراد في السلطة حاليًا، لكنه لا يؤثر في قرارات المؤسسة وإنما الوسيط لإيصال استنتاجاتنا إلى الحكومات للتأثير. فنحن لسنا خصمًا للدولة المدنية بل مساعد في الدولة المدنية.
هوّيتنا مدنية ويمكن الإطّلاع على أسماء أعضاء مجلس الإدارة ومجلس الإستشارة عبر زيارة موقعنا الإلكتروني www.beirutinstitute.org ونحن سنعقد مؤتمرًا مهمًّا مطلع كانون الأول/ديسمبر نتمنى أن يتميّز نوعيًا وأن يضع بيروت إنستيتيوت رسميًا على خريطة المؤسسات الفكرية الإقليمية والدولية.
فنحن ورشة فكر وورشة فعل معًا. ومسيرتنا مؤسساتية وانفتاحية هدفها البناء.
- من خلال خبرتك في المجال السياسي، هل أنت متفائلة بما يحدث في العالم العربي؟
كل تغيير مخيف من جهة ومثير من جهة أخرى. طبعًا عملية التغيير التي تحدث في المنطقة العربية تتطلب منا الوعي والتنبه، لذا فإن عنوان المؤتمر الذي تنظّمه مؤسسة بيروت إنستيتيوت الذي سينعقد في بيروت «الإستثمار في الإنتقالية: تواصل مع المستقبل».
نحن نمر في مرحلة تغيير ومن الضروري أن نتنبه إلى الفرص المتاحة والمطبات التي يمكن الوقوع فيها.
- لماذا لا يزال عدد الصحافيات اللواتي يكتبن في التحليل السياسي ضئيلاً نوعًا ما؟
جيل الشباب والعنصر النسائي لهما حضور قوي في المجال الإعلامي. صحيح أنه لا توجد الكثيرات ممن يكتبن في التحليل السياسي ولعلّ مرد هذا إلى عدم ثقة بالنفس، ولكن يلفتني اليوم الحضور القوي للإعلاميات في الميدان الإقتصادي وهن رائدات وهذا لم يكن موجودًا قبل 30 سنة.
هناك الكثيرات في مجال التحليل السياسي، لكن عليهن هدم الجدار وأن يكنّ جريئات، فإذا كان لدى المرأة الكفاءة والإصرار سوف تصل. نحن كصحافيين لدينا امتيازات كثيرة أهمها امتياز طرح السؤال على أي كان.
أؤمن بأن الجرأة زينة المرأة لأنها فعلاً توسع الأفق ويصبح العطاء أكثر، وتصير أعمق. جرأتي هي التي أدت بي إلى أن أكون أول إمرأة، على ما أعتقد، تنشئ مؤسسة فكرية إقليمية وهذا يحتاج إلى شجاعة وإيمان بالرسالة التي تريدين إيصالها.
- كيف ترين الإعلام العربي اليوم؟
نحن لسنا في مكانة سيئة، بل نحن أفضل من الإعلام الأميركي على صعيد الإنفتاح وتغطية الأنباء العالمية.
فقد لاحظت أن لدى الإعلام الأميركي مشكلة هي إنعزاليته إلى حد ما وتحويل الأخبار إلى نرجسية فرد تسيّر معالجة الأخبار الدولية وهذا خطأ فادح.
رغم النرجسية عندنا فإننا اكثر انفتاحًا وفي الوقت نفسه مسيرتنا جيدة نوعًا ما.
المشكلة لدينا الكسل، النسخ واللصق. لدينا المعرفة وإنما التعمق المهم يكون في أن نستمع حتى يمكن طرح السؤال الإستطرادي الذي هو أهم من السؤال المحضّر مسبقًا.
- ألا تلاحظين أن الصحافة تتحول إلى مجاملات؟
أنا لا أحترم الصحافي الذي يجامل على حساب الموضوعية في الصحافة، فهذا الصحافي يتعدى على الصحافة.
- ولكن هذا واقع وكان واضحًا خلال الثورات؟
ربما أنت على حق، ولكن لا ننسى أن هناك تطورًا ملحوظًا وجيدًا في المنطقة العربية في ميدان الصحافة. صحيح هناك من يمتطي المهنة لأغراض مادية. حسنًا لنهمشهم، ولنركّز على الكفاءات.
فالزملاء الذين قتلوا من أجل المهنة هؤلاء يجب تسليط الضوء عليهم فهم الوجه الحقيقي للمهنة.
- هل المؤسسة تفرض عليك الإقامة الدائمة في بيروت؟
هدف المؤسسة ألا تتقوقع، بدأنا فتح مكاتب في بيروت وهذا طبعًا يتطلب مني أن أكون موجودة أكثر في بيروت لأنها أقرب إلى المنطقة العربية. المهم في مؤسستنا أن يبقى لدينا امتداد مع العواصم المهمة.
ونيويورك مدينة عالمية فيها كل شيء، لذا سوف أكون موجودة في المدينتين. نريد أن نكون موجودين في معظم عواصم العالم.
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024