الفنان اللبناني مايك ماسي: عبقرية زياد الرحباني تذهلني...
فنان لبناني أمضى أيام دراسته خارج الصف لأنّه كان يغنّي ويكتب كلمات الأغاني والنوتات الموسيقيّة على مقاعد الدراسة، لكنّه برع في صفوف الدراسة الموسيقيّة والغنائيّة وأذهل أساتذته.
أطلق ألبوماً غنائيّاً يجسّد قصة حياته وتاريخه وضحكاته ودمعاته. «من عرق جبينه» نفّذ هذا العمل الذي استغرق تسع سنوات حتّى أبصر النور، وأظهر فيه تميزاً من حيث الجرأة في الكلمة واللحن والتوزيع والروح والمظهر.
هو الفنان مايك ماسي الذي فتح لنا قلبه وحدّثنا بشفافيّة عن طفولته ونشأته وإدمانه الفن وعن معاناته وقضيته الموسيقيّة وألبومه «يا زمان» ومشاريعه التمثيليّة والموسيقيّة وحلمه بالعالميّة.
- أطلقت ألبوماً غنائيّا مختلفاً تماماً عن الموجود في السوق اليوم، يجمع بين الموسيقى الشرقية والجاز، ألا تعتبرها مجازفة؟
حورب عملي كثيراً وأنا شخصيّاً ترددت في قرع أبواب الإنتاج، لأنّي كنت على علم أن عملاً كهذا مكلف جداً ونتيجته غير مضمونة لأنها ليست سريعة، أغانيه ليست موسميّة بل يمكن لموسيقاه أن تعيش عشر سنوات.
ألبومي بسيط وموسيقاه ليست معقّدة بل على العكس، والبرهان هو أنّه حافظ على المراتب الأولى في مراكز البيع لدى Virgin Megastores أسابيع متتالية.
أظن أن الناس كانت متعطّشة لنوع مختلف من الأغاني فقد مللنا من «الكليشيهات» والاستخفاف بعقول المستمعين. يتساءل البعض لماذا لم أقدّم نوعا آخر من الموسيقى، الجواب بسيط جداً وهو انّي لا أعرف.
لا أسمع النوع الآخر، لأنّي منذ ولدت أسمع فيروز وزكي ناصيف ووديع الصافي وصباح وفيلمون وهبي، في الوقت ذاته كنت أسمع شارل أزنافور وداليدا وجاك بريل.
ألبوم «يا زمان» يتضمّن بحثاً موسيقياً أخذ وقته، لذلك قرّرت السفر إلى بلجيكا والعمل مع 32 عازفاً، وتسجيله في أكبر استوديوهات أوروبا.
هو عبارة عن موسيقى وكلام سهل، توسّع للدخول في إطار الموسيقى العالميّة الرائجة في هذه الإيّام. عملي ليس موسيقى كلاسيكيّة بل هو مزيج موسيقي، لذلك استقطب انتباه الغرب إعلاميّاً، وقريباً سيكون لي إطلالات تلفزيونيّة في كل من أميركا وأوروبا.
لماذا يسمع الإنسان الأجنبي فيروز ولا يفهم كلمة منها، وآخر همّه، لسبب وهو أنّه يصدّقها. أغالط كل من قال لي ماذا تفعل بهذا النوع من الفن، ألا تريد أن تعيش!! أقول لهم نعم سأعيش من هذه الموسيقى سأعيش نكايةً بالجميع.
- كيف هي أصداء الألبوم؟
لم أكن أتوقّع هذا القبول من الناس، لأن البعض زرع في رأسي فكرة أنّي سأكون فناناً نخبوياً. لكن في الواقع أنا مضطهد من النخبويين. فعندما تأخذ الموسيقى النظيفة صدى شعبياً، يبدأ النخبويون بنعتها بالشعبيّة.
والشعبيّون يسمّونها «باراشوت» ويقولون من هذا الذي يستقطب انتباهاً بهذا الحجم! فأنا سعيد جداً اليوم والسبب هو أن من يلتقي بي من الناس ويهنّئني، لم يشاهد لي مقابلة تلفزيونيّة وحفظ وجهي، بل سمع ألبومي.
أنا لست نجم لوحات إعلانيّة بل فنّان، والفرق شاسع بين من يصبح مشهوراً بأعماله ومن يحظى بالشهرة كونه نجم اللوحات الإعلانيّة. هي حرب كل يوم، فأنا لا أريد للمافيا الفنيّة أن توجّهني وتفرض عليّ...
- كتبت ولحّنت ووزّعت وأدّيت 12 أغنية في ألبومك «يا زمان»، كم تطلّب ذلك من جهد؟
قمت بتلحين وتوزيع جميع أغاني الألبوم، تعبت عليه تسع سنوات، فأنا شاب جهلت بكيّر وذهبت لرقص «الديسكو»، وفي الوقت نفسه أنا طفل كبر باكراً.
منذ صغري وأنا أسمع جاك بريل وشارل أزنافور، كنت أسرق اسطوانات والدي، وعندما كبرت درست الموسيقى الكلاسيكيّة والغربيّة لسنوات طويلة في المعهد الموسيقي «الكونسرفتوار»، إلى أن أدركت أنّه ليس بإمكاني أن اضيف أي شيء للموسيقى الغربيّة إلاّ إذا تشربّت من جذوري وهذه كانت النقلة النوعيّة، فسافرت إلى مصر وعشت فيها لسنة ونصف حتى أختبر كيف يعيشون فوق السطوح.
عشت في فندق فيه فنانون من حول العالم، وموسيقاي كتبتها من الذي تعلّمته في الموسيقى ومن وجعي ومن فرحي ومن زمامير السيارات... بيروت كتبتها عندما اندلعت الحرب في أول يوم، انتفضت ولم أتقبّل أن يقرّر أحد أن يعلن الحرب من دون الأخذ برأيي، عفواً لا يمكن أن تندلع الحرب في بلدي من دون أن أعرف، هذا سفك لحرّيتي.
لا أعتبر نفسي شاعراً بل أكتب الكلمات التي أحب قولها، موسيقاي هي خلاصة شخصيتي وأحاسيسي، وتوزيعي يجمع بين الغربي الذي تشرّبته أثناء عيشي في الغرب، والشرقي الذي يوجد في دمي، فأنا متوسطي ومقبل على الحياة بنهم، «فجعان حياة».
- كيف تصف لنا أيام الدراسة الموسيقيّة؟
أذكر أن أستاذتي في البيانو كانت تتصل بوالدتي وتقول لها «ابنك مؤلّف، غيّر لي Bach»، كنت أستذوق في الإمتحان عندما أخاف أثناء عزفي ل Bach فهو صعب جداً وغير مسموح أن تغيّري أي نوتة، فكنت أضيع وأرتجل ولكن بأسلوبه وأبقى في الأجواء، والأستاذة تقول لي مازحةً «بدي أقبرك».
- كيف تمّ انجاز الألبوم؟
أول أغنية كتبتها كانت «لو فيّي طير» عام 2003 لكنّها لم تكن بهذا الشكل، بل وزّعت ثلاث مرّات إلى أن اخترت هذا التوزيع.
كذلك أغنية «يا عمر الما نطرني» وزّعت أربع مرّات وتركت منها توزيعين في الألبوم لأنّي شعرت بأن عليّ غناءها في طريقتين.
لن يأخذ الألبوم الثاني كل هذا الوقت، لكن في الأول كان لا بدّ أن أمرّ بهذه المراحل فكان يجب أن أتعلم وأن أتحلّى بالشجاعة وكان عليّ أن أكبر وأنضج وأفهم المعلومات الموسيقيّة الكاملة، لم أكن أعلم ماذا أريد بالتحديد من هذه الحياة.
في هذا النوع من الموسيقى يجب أن يكون للفنان تاريخ حتّى يصدّقه الناس، لا يعني هذا التاريخ مليون عمل بل التاريخ الذي يعيشه الفنان من حب ووجع وفراق، فالأغنية ليست وليدة اللحظة بل هي تاريخ لحالة عشتها حتى أصبحت أغنية.
التقيت عام 2008 أثناء مشاركتي في حفلات للفنانة جاهدة وهبي في بلجيكا، بمؤلف موسيقي ومنتج اسمه أسامة عبد الرسول وهو بلجيكي عراقي الأصل. لعب مع أكبر أوركسترات العالم، هو الذي شعر معي لأنه عراقي ويدرك هذا الوجع وأنّنا في هذا الوطن أيضا لسنا محاطين بأشخاص يساعدونك ولا حتّى يعلّمونك، رأى هذه الطاقة وهذا التوزيع وأبدى إعجابه بالأعمال واقترح أن نتعامل مع بعضنا وأن نسجّل أغاني الألبوم في الاستوديو الخاص به في بلجيكا، وعرّفني على عدد من الموسيقيين.
صعقت عند انتهائنا من التسجيل عندما اكتشفت أن هؤلاء الموسيقيين قد عزفوا مع بافاروتي وكوران بريكوفيتش، كنت أحلم أن أشاهد حفلة لهم وليس أن يعزفوا معي، هم أناس علّموني وعزفوا من قلبهم وأحبوا الموسيقى. هذا من أكبر الاختبارات التي عشتها وأثّرت فيّ، وأنا ممتن لأسامة.
أدركت معنى «الموسيقى الحيّة» Live Music فلا يعني ذلك أن يأتي عازف ويليه عازف إلى الاستوديو ويسجّل بمفرده، فهذه «تجليطة» ومعنى Live هو أن يعزف الجميع معاً لتظهر الروح في العمل.
لا تُكتسب هذه الأشياء بيوم بل هي عمر بحد ذاته، وآمل أن أصحّح في العمل المقبل ما أخطأت به وأن أطوّر نفسي أكثر، وإلاّ «بلا كل هالشغلة».
- إلى أي مدى يشبهك «يا زمان»؟
«يا زمان» هو أنا، هو قصّتي وتاريخي. كما أنّ فيه جنوناً، فهل سبق لأحد في العالم العربي أن قلب صوته كما فعلت في أغنية «لو فيّي طير»!
- لاحظنا ظهورك بلوك معيّن من حيث الشعر واللباس. هل من ترابط بينه وبين أغاني الألبوم؟
لهذا اللوك علاقة بي أنا، هذا أنا في الواقع فلماذا أظهر على التلفزيون بشكل يختلف عن طبيعتي، أنا أضع النظارات وأحب الأحذية الملّونة، «هيك بحب ثيابي تكون» هل ممنوع أن ننتعل حذاءاً أحمر اللون!! لا أخالف لأعرف، بل أرتدي ما أحب وليس لذلك أي هدفٍ آخر.
- تقول إن الألبوم قصة جميلة تبدأ من الأغنية الأولى وتستكمل أحداثها وصولاً إلى الأغنية الثانية عشرة فيه، هل ممكن تجسيده من خلال أداء مسرحي متكامل يشتمل على الغناء والتمثيل والرقص؟
أبدو مدّعياً إن صرّحت أن قصة حياتي تصلح لأن تكون فيلماً، لكنّها مليئة بالأحداث التي تذهلني أنا بالذات، وممكن بكل سهولة أن تجسّد في فيلم سينمائي.
هذه قصّتي وكل أغنية في الألبوم هي قصّة حقيقيّة عشتها، في «لو فيّي طير» عبّرت عن حالة اختناق مررت بها، وفي «بيروت» انتفضت، وفي «غيّر لون عيونك» أحببت إحداهن رغماً مني لأنّي لم أنسَ قصة الحب التي عشتها قبلها... أحياناً أخجل كوني «نشرت غسيلي» في الألبوم.
- من هو ملهمك أو ملهمتك لتأليف الموسيقى؟
أشخاص كثر ألهموني، أبرزهم كان الفنان زيّاد الرحباني الذي يتحدث عن أشياء غير الحب والفراق، يمكن أن تؤثر فيّ مثلاً هجرة صديقٍ لي ويدفعني ذلك لتأليف أغنية.
الأغنية هي حالة نعيشها فما أبشع كلمة «حبيبي» وما أرخصها، ضعوا هذه الكلمة في مكانها الصحيح، فكيف لكِ أن تصدقي أحداً يكذب ويقول لك «حبيبي» إن كان في أغنيته وإن كان في حديثه او اتصاله الهاتفي.
- من هم الفنانون الذين تحب أن تغنّي لهم؟
أتعب إذا سمعت ألبومي... كما أنّه ليس بإمكاني أن أجد كلمة لزياد الرحباني فكلمة معجب صغيرة جداً، فإن عبقريّته تذهلني كل يوم وتشعرني بأنّي سخيف... كما تذهلني عبقرية زكي ناصيف، أمّا بالنسبة إلى صوت فيروز فهو حضنني وربّاني.
كما أسمع لعزيزة مصطفى زاده أميرة موسيقى الجاز، وأسمع ريما خشيش وجاهدة وهبة وغادة شبير ومارسيل خليفة. اشتريت أخيراً ألبوم المغنيّة أسماء المنّور التي أذهلني أداؤها والتوزيع في أغنية «وهران وهران».
- ما هي الألبومات الجديدة التي أحببتها؟
أعجبني ألبوم الفنانة جوليا بطرس الجديد «يوماً ما».
- هل تتمنّى أن تقدّم أغنية لأحدهم؟
أرغب في تقديم أغنيات لعدد من الأصوات غير المتفلسفة في أدائها وهم كثر ويهّمني التعاون معهم.
- مع من ترغب في التعاون فنيّاً؟
أحب أن آخذ كلاماً من تانيا صالح. ومن الأحلام التي تراودني هي أن أغني مع زيّاد الرحباني ولو لحفلة واحدة، وأن أعطي أعمالاً لماجدة الرومي.
كما أنّي أفيق في كلّ صباح وفي بالي رغبة في تقديم ديو مع أحدهم... «طالع عا بالي إخوت مع هيفاء وهبي»، هي ظاهرة على الساحة الفنية، هي حالة خاصة لا تشبه غيرها وأنا معجب بها وبذكائها وشجاعتها.
لا يمكن أن أراها على شاشة التلفزيون وأغيّر القناة. أنا أصدّقها فهي مهضومة ومجنونة وخلقت لنفسها هوية، وبإمكاني أن أجنّ إلى درجة أن أقدّم ديو مع هيفاء، وأنا شخصيّاً أرشحها لمنصب سياسي في الدولة.
- كتبت الموسيقى التصويرية والأغنية الرئيسية لفيلم «تنورة ماكسي» للمخرج جو بوعيد، كيف كانت التجربة؟
تجربة جميلة جداً لأنّي أحب المشهديّة والصوريّة وهو أوّل فيلم طويل أكتب موسيقاه. سبق أن قدّمت الموسيقى التصويرية لأفلام قصيرة عديدة وأفلام وثائقيّة منها فيلم وثائقيّ مع تانيا نصر لمنظمة الأمم المتحدة عن عمالة الأطفال.
- ما الذي تبحث عنه في هذه المهنة؟
أبحث عن الإكتفاء. أن أكون سعيداً ومرتاحاً وأن أحمل ثقافتنا إلى العالم، وما أحلم به موسيقياً هو أن تمتزج موسيقانا بالموسيقى الغربيّة، فهو ليس فقط مزيج الشرقي بالغربي بل هو حوار بين ثقافتين فنيتين.
- أنت خريّج دراسات عليا في الفن الدرامي وكانت لك تجارب تمثيلية سابقة، هل ستخوض تجربة التمثيل من جديد؟
سأعود بالتأكيد ولكن في الوقت المناسب ومع العمل الذي يقنعني.
- أين أنت من المسرح؟
أحضر حالياً لعملين مسرحيين أحدهما أكتبه مع زميلتي الممثلة نسرين أبي سمرا وهو عمل شخصي، والمسرحية الثانية عبارة عن اقتباس من مسرحية فرنسية للكاتب المعاصر بيار نوت حصلت على حقوقها الحصرية للعالم العربي ولكنّها تغيّرت إلى شيء يشبهنا ومن واقعنا وستكون غنائيّة ولكن ليست غنائيّة بالمعنى الذي نعرفه، لأن الرحابنة قدّموا مدرسة عظيمة ولا يمكنني إضافة أي شيء في هذه الخانة، لذلك سوف أقدم العمل بأسلوب مختلف تماماً.
- ما هي مشاريعك؟
هناك حفلات عديدة في لبنان، سنبدأ بتقديم حفلات في إطار إنساني تحضيراً للحفلة الضخمة التي ستقام في الصيف المقبل والتي سيكون معظم العازفين فيها أجانب بالإضافة إلى العرب للعزف الشرقي. كما أنّي أحضّر لحفلات في مسارح ضخمة في أوروبا وأميركا.
- ماذا عن تكريمك لعمالقة الفن؟
لأنّه من غير المسموح أن يمرّ الكبار في لبنان مرور الكرام، تحيّة تقدير منّي لهؤلاء العمالقة في ألبوم يضمّ أغنياتهم في توزيع وأسلوب غناء جديد، بدأت أخيراً الأبحاث وسأبدأ التنفيذ في وقتٍ قريب.
- ما هي طموحاتك؟
هي أحلام وليست طموحات، حلمي هو العالميّة، أن تصل أعمالي إلى العالميّة. وليس صورتي.
من أنا؟
إسمي مايك ماسي، درست الموسيقى لمدّة طويلة، في سن التاسعة بدأت بدراسة العزف على آلة البيانو، وانتقلت بعدها للغناء الأوبرالي باللغة العربية والتأليف وأمضيت سنواتي الثلاثين أصنع الموسيقى، بعدها التحقت بمعهد الفنون الجميلة لدراسة التمثيل والإخراج، فنشأت في جو فنّي لأنّي لا أعرف العيش من دونه، بين الموسيقى والمسرح والرقص.
أيام الدراسة أمضيت معظمها خارج الصف لأنّي «الطالب الذي يغنّي». أتيت اليوم لتقديم خلاصة عمل تسع سنوات من عمري، «من عرق جبيني»، من ضحكاتي ودمعاتي، هي قصص عشتها بصدق بعيداً عن الإدّعاء، ورغبت في تقديمها للناس.
لم أحلم بحياتي أن أجبرهم على حبّ العمل، بل أن يصل عملي إليهم وهم يختارون.
شارك
الأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024