تحميل المجلة الاكترونية عدد 1078

بحث

جمال السعودية وصحرائها بعدسة لوجين يوسف مرزا  

لوجين يوسف مرزا  

لوجين يوسف مرزا  

درّبتْ عينيها على رؤية بصرية في النهار وفي السَّحَر، وامتطت صهوة العدسة لتحكي روايات الحجر والشجر والبشر أينما رحلت وحيثما حلّت، وراقبت الندى فجراً حين ينفقع على شفاه الورد لتحكي بعدستها الجمال الأندر، وغاصت بين رمال الصحراء لتطالع الحب الأكبر، ألا وهو حب الوطن من الإيمان.


عدسة “لها” التقت بالدكتورة لوجين مرزا في حوار عن التصوير الفوتوغرافي في عشق التراث.


- الانتماء الى الوطن جميل، والأجمل توثيق هذا الانتماء بعدسة نقية، من أين جاء هذا الحب؟

بالطبع حب الوطن شعور جميل جداً، والأجمل هو توثيقه كما أسلفت «لها» من خلال عدسة التصوير الفوتوغرافي التي ورثتُ عشقها من جدّي عبد الكريم مرزا، الذي كان يملك أول استوديو للتصوير الفوتوغرافي في جدّة يُسمّى «استوديو الصحافة». كانت لديه غرفة مظلمة في منزله، يقضي ساعات طويلة في تطوير صوره وطباعتها، فأصبح مصدر إلهامي، الذي جعلني عاشقة للتصوير الفوتوغرافي حين فتح لي أجمل النوافذ الفنية، ومنحني هدية عظيمة أتاحت لي رؤية العالم بطريقة جديدة، والتقاط جمال وطني بكل تفاصيله بعدستي، فأنا ممتنة كثيراً لجدّي الذي علّمني عشق الجمال.

- هل وُلد هذا العشق منذ نعومة أحلامك؟

اعتليتُ صهوة الكاميرا في المرحلة الابتدائية، وكنت أوثّق كل شيء في حياتي اليومية مع عائلتي وصديقاتي بكاميرا «كوداك»، ثم أجمع كل الأفلام ليأخذها والدي الى التحميض.

- ماذا يمثّل لكِ التصوير الفوتوغرافي؟

يكفي أن التصوير الفوتوغرافي أداة قوية للتوثيق والاحتفاء بالانتماء، لأنه يسمح لنا بمشاركة قصصنا مع العالم، والتواصل مع الآخرين الذين يشاركوننا الحب لمكان جميل أو ثقافة معينة، أو تراث كتراث وطني الذي يزيدني فخراً الانتماء إليه، وأنقل إرثه الجميل إلى العالم من خلال عدستي التي جعلتني مصوّرة محترفة.

- تعشقين التراث وتغوصين بين ثناياه، ما الذي يشدّك فيه؟

عندما أتعمّق في التراث، أشعر وكأنني أعود بالزمن إلى الوراء، مما يُمكّنني من التعرف على حياة الأشخاص الذين سبقوني والتحدّيات التي واجهوها، ويجعلني أقدّر جهودهم وجمال إبداعهم وثقافتهم، والغوص في قصصهم لمطالعة الجمال وكي أبقى على تواصل دائم مع ماضٍ مجيد وحاضرٍ تليد.


- ماذا وجدت الدكتورة لوجين في ذلك التراث؟

تراثنا مليء بالقصص والروايات التي تعرّفنا على أهميته، وتُدخلنا بين نوافذه الثقافية والفنية والأدبية والمعمارية والهندسية والتاريخية. تلك الروايات تفتح لنا آفاقاً متعددة للعثور على جمال تراثنا المادي للهندسة المعمارية الفريدة في تصاميمها، والفنون بكل أشكالها، والقطع القديمة من الموروث الشعبي والتحف، والجمال غير الملموس للتقاليد والعادات والمعتقدات.

- كيف تقرئين التراث؟

التراث يربطنا بالماضي، بأجدادنا، وببعضنا البعض، ويمنحنا الشعور بالانتماء والهوية. كما يساعدنا على فهم أنفسنا، وتحديد مكانتنا في العالم. من خلال التعرف على ماضينا، يمكنُنا أن نفهم حاضرنا ومستقبلنا بشكل أفضل. كما ويدفعنا إلى التواصل مع الآخرين الذين يشاركوننا ثقافتنا وقيمنا، ليكون مصدر إلهامنا وأملنا في المستقبل.

- لعدسة التصوير سحر كبير لا يعرفه إلا من خَبِره، كيف تفسّرين هذا السحر؟

لا يقتصر سحر التصوير الفوتوغرافي على قدرته في التقاط الضوء أو السماح لنا بتوثيق اللحظات في الوقت المناسب والحفاظ عليها. للتصوير الفوتوغرافي سحره وألقه من خلال مشاركة تجاربنا وعواطفنا ووجهات نظرنا مع العالم. وله القدرة على ربطنا بالآخرين حين نشارك صورنا معهم، وهذا يعني أننا نشارك جزءاً من أنفسنا وندعو الآخرين لرؤية العالم من خلال أعيننا والتواصل معهم على مستوى أعمق.

- حين تحملين الكاميرا، ما هو الشعور الذي يجعلك تحلّقين في مدى الصحراء البعيد؟

في تلك اللحظة، أشعر بالإثارة والرغبة في الاستكشاف والإحساس بالغموض من حولي، نظراً لقدرتي على التقاط جمال العالم ومشاركته مع الآخرين، ودائماً أنجذب إلى المجهول. وعلى سبيل المثال لا الحصر، أحرص على استكشاف الصحراء الغامضة ـ البعيدة القريبة ـ ومشاركة جمالها مع الآخرين.


- يشغلك ليل الصحراء وحسّ الشعراء... ما السبب؟

أعشق ليل الصحراء ونجومه في السماء، فهي مصدر للتأمّل والإلهام. النجوم تذكّرني بعظمة الكون ومكاننا فيه، كما تدفعني للتأمّل في جمال الحياة وغموضها.

- بمَ تشعرين حين تنظرين إلى النجوم؟

أشعر بالرهبة والدهشة، وأسرح مع ملايين السنين التي استغرقتها لتتشكّل، والسنوات الضوئية التي سافر ضوؤها للوصول إلى عينيّ. كما يشغلني التفكير في إمكانية وجود حياة على كواكب أخرى واتساع نطاق الكون الذي لم نستكشفه بعد.

- هل تحبّين الشعر؟

أحب الشعر وأكتبه كلّما تسنح لي الفرصة، فالشعر وسيلة للتعبير عن الذات الإنسانية وعن أفكاري ومشاعري حين ألتقط القلم بدلاً من عدسة التصوير، وهو وسيلة لاستكشاف هويتي الخاصة والتواصل مع الآخرين.

انتظرتِ ليلاً سحر القمر حين كان يرخي بنوره على الكون... حين أتأمّل القمر ليلاً، أشعر بالسلام والطمأنينة وأدرك اتساع الكون وصغر مكاننا فيه، مما يجعلني أشعر بجمال العالم من حولي. فالقمر هو أحد مصادر الإلهام للحلم الجميل والإبداع والاستكشاف، لأنه علّمني أن لا شيء مستحيلاً في الحياة.

- احتفلت المملكة باليوم الوطني السعودي الـ 93، كيف وثّقت د. لوجين هذا الاحتفال العظيم؟

شاركتُ بصور بورتريه تمثل تراث المملكة العربية السعودية وثقافتها في فندق «نوفا الرياض»، مجموعة «راديسون كوليكشن». تم التقاط كل هذه الصور في المملكة، وعُرضت كجزء من اليوم الوطني السعودي لإظهار جمال الثياب النسائية السعودية التقليدية من مناطق مختلفة في المملكة، لأنني أطمح من خلال مشاركة أعمالي مع الجمهور الى المحافظة على التقاليد والتراث الفريد للمملكة والاحتفاء به، وأن أعزز فهم وتقدير الثقافة السعودية حول العالم.

وسوف أشارك «لها» بصور من مشاركتي في المعرض وأتمنى أن تنال إعجاب المتابعين.


- المرأة السعودية باتت تتعامل مع الكاميرا بشكل صريح، هل تفوّقت على الرجل بإحساسها الأنثوي؟

ظهور المرأة السعودية علناً أمام الكاميرا وخلفها هو علامة على التقدّم والتمكين، لأنها وسيلة للتعبير عن نفسها بحرّية وتحدي الأدوار التقليدية للجنسين. لا أعتقد أن المرأة السعودية «تتفوّق» على الرجل بحسّها الأنثوي، وأؤمن بأنها تُظهر جمال وتنوع أفكار المرأة السعودية بنظرتها الخاصة. فالمرأة السعودية بأنوثتها تظهر للعالم أنها قوية وقادرة ومستقلة، وتتحدّى الأدوار التقليدية للجنسين.

- ما الذي يشغلك في عالم التصوير الفوتوغرافي كسيدة سعودية؟

ما يشغلني هو تصوير روح وطني، لأنني فخورة بكوني امرأة سعودية، عاشقة لتوثيق الجمال والتميّز في المملكة العربية السعودية، بتنوع ثقافاتها وعاداتها، وتصوير مناظرها الطبيعية ووجوه الناس المختلفة فيها، ورواية قصص هؤلاء الناس من خلال الصورة.

- هل تطمحين الى العالمية من خلال رحلاتك المتواصلة؟

أطمح في الوصول الى العالمية لأصبح معروفه كمصوّرة ومبدعة عالمياً، وأشارك رحلاتي ورؤيتي للعالم مع الآخرين، وأن أكون مصدر إلهام لهم لرؤية العالم بطرق جديدة، لأنني أسعى الى استخدام التصوير الفوتوغرافي لفهم الثقافات المختلفة وتعزيزها.

يسعدني دائماً مقابلة أشخاص جدد والتحدث عن التصوير الفوتوغرافي أو الفنون بأشكالها... وأطمح لأن أصبح من أشهر المصوّرين في العالم.

- ماذا تقولين للمرأة السعودية في اليوم الوطني، وللمصوّرة السعودية؟

احتفلي بقوّتك وإصرارك وطموحك، لأنكِ مصدر إلهام للنساء في كل أنحاء العالم. كسرتِ الحواجز ومهّدتِ الطريق للأجيال القادمة، فاحتفلي بإبداعك وشغفك بالتصوير الفوتوغرافي، وأنتِ تلتقطين جمال وتنوّع المملكة العربية السعودية بطرق مذهلة. عملك ملهِم ويساعد في كشف وجه المملكة العربية السعودية المُشرق للعالم.

المجلة الالكترونية

العدد 1078  |  تشرين الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1078