تحميل المجلة الاكترونية عدد 1080

بحث

نادين لبكي - السينما وحلم التغيير

نادين لبكي - السينما وحلم التغيير

نادين لبكي

نادين لبكي، السينمائية المبدعة، صاحبة النظرة الثاقبة، شقّت طريقاً مهّد لنجاحات نسائية عربيّة أخرى، وقدّمت أفلاماً إنسانيّة تركت أثراً عميقاً وفتحت نقاشاً تغييرياً وحصدت جوائز عالمية. حوار وتصوير خاصّان من البندقيّة حيث شاركت في لجنة تحكيم مهرجانها السينمائي.


- شاركتِ في لجنة تحكيم “مهرجان البندقية السينمائي”، وتشاركين في لجنة تحكيم “مهرجان تورونتو السينمائي”، أيّ خبرة تعطيك مشاركات كهذه؟

المشاركة في لجان التحكيم في مهرجانات سينمائية كبرى تفتح لي آفاقاً جديدة. فمجرد مشاهدة أفلام هادفة كلّ النهار، أمر مُلهم حقاً! ناهيكِ عن أن المهرجانات تختار الأفلام الأكثر تأثيراً وتحرص على انتقاء الحبكة الأجمل والإخراج الأروع والتمثيل الأصدق من ثقافات مختلفة. بمعنى آخر، أنتِ تشاهدين الأفلام النخبوية المنتقاة من كلّ العالم... وأنا محظوظة كي أشاهد كلّ هذه الخيارات الجيّدة ومناقشتها مع مخرجين وسينمائيين عالميين، وهو ما يُغني عملية البحث عن الفيلم الأفضل. في “مهرجان البندقية السينمائي”، كنت في لجنة تحكيم جائزة الفيلم الأكثر تأثيراً Impact Award، وشاهدت العديد من الأفلام الرائعة التي نالت إعجابي والتي من شأنها أن تغيّر العالم، وقد تفاعلتُ معها وتركت فيّ حماسة ورغبة في “تغيير العالم”!

- تميلين إلى الأفلام الإنسانية، خصوصاً أنك تحملين رسالة المرأة والطفل منذ انطلاقتك. ماذا عن هذه الرسالة؟

لا بدّ من القول إن السينما تغيّرت مع الوقت وباتت أكثر إنسانيةً تحاكي القضايا الإنسانية الأكثر وجعاً وإيلاماً، تبحث في تفاصيلها الأدقّ وتسلّط الضوء عليها بأسلوب سردي عاطفي. بالنسبة إليّ، السينما هي مسؤولية! كلّ فيلم هو مشروع تغيير وبداية نقاش جماعي حول موضوع أساسي في المجتمع من شأنه أن يعزّز الوعي الجماعي بهذا الموضوع.  

- هل ماتت السينما بوجود السوشيال ميديا وأفلامها القصيرة؟

السينما حيّة في قلوب الناس الذين يعشقونها. لا شيء أجمل من أن تشاهدي فيلماً في صالة تغصّ بالأشخاص المترقّبين للأحداث والانفعالات بصمت مطبَق، يلفّهم الظلام ليدخلوا في التفاصيل الأدقّ لكلّ شخصية بعيون مسمّرة على الشاشة. إنها تجربة جماعية فريدة ومؤثرة لا تقدّمها السوشيال ميديا، لذلك أجد هذه الأخيرة عاجزة عن أن تأخذ مكان السينما ولن تأخذ مكانها لأنها لا تستطيع أن تكون بمواصفاتها. لا شيء يضاهي ما يتركه فينا فيلم من مشاعر وخبرات واستنتاجات قد تصل الى حدّ اتخاذ قرارات مصيرية وتغيير الواقع! 

- هل من فيلم شاهدته وغيّر حياتك على هذا النحو؟

طبعاً، وهو فيلم Turtels Can Fly للمخرج الكردي بهنام عبادي، والذي يحكي قصّة أطفال يعملون في نزع الألغام الأرضيّة في المنطقة الحدودية بين تركيا والعراق في حقبة سقوط صدام حسين، كي يُصار الى بيعها كحديد مُعاد تدويره. هؤلاء ضحايا هذا العمل، لأن بينهم مَن فقد يداً أو رِجلاً أو حتى توفي بانفجار لغم فيه. هذا الفيلم أثّر فيّ كثيراً نفسياً وجسدياً: أذكر أنني بقيت أسبوعاً مريضة ويرتجف كلّ جسمي. وفهمت بعدها أهميّة وقع الأفلام على المجتمع، وقررت أن أصنع أفلاماً لها الوقع القويّ في نفوس مَن يشاهدونها. 

- أصبحت رمزاً نسائياً في مجال الإنتاج السينمائي في العالم العربي، بعدما شققتِ الطريق أمام نساء عربيات سينمائيات كثيرات تجرأن على أن يخبرن قصصهنّ وقصص مجتمعاتهنّ على مثالك. ماذا تقولين اليوم لهؤلاء؟

تبتسم... هذا كلام يشدّ من عزيمتي ويمنحني المزيد من القوّة للاستمرار والعطاء، خصوصاً أنني كأيّ فنان آخر أمرّ بطلعات ونزلات عدّة. فشكراً لجرعة المعنويات هذه! رسالتي إلى النساء العربيات في مجال السينما هي: في عصر مواقع السوشيال ميديا التي تكتسح العالم وتفرض علينا قول وارتداء وصناعة محتوى من شأنه أن يحصد الكثير من الـ”لايكات”، ويجنّبنا العنف الناتج من التعليقات النابية والقاسية والتي تفتقر في الكثير من الأحيان الى المنطق، مطلوب منّا أن نكون أنفسنا ونقدّم وجهة نظرنا الفنّية وروايتنا الشخصيّة بلا تردّد أو خفر. لا يمكنني كسينمائية أن أغيّر شخصيتي والحكاية التي أريد أن أرويها في فيلم فقط كي لا أزعّل البعض. تدوير الزوايا يخسّرنا شخصيتنا كسينمائيين، ولا يمكن تعليب الفنّ والفنّانين. مسؤوليتنا اليوم كسينمائيين وسينمائيات أن نتحلّى بالجرأة كي نروي بثقة وعفويّة فنّية الرواية التي تخالجنا وتشغلنا، مهما كانت صادمة للبعض، ولا نخاف أيّاً كانت ردود الفعل... مسؤوليتنا ألاّ نُخضع الفنان الذي فينا لرقابة ذاتية، وهي أخطر أنواع الرقابة على الإطلاق. اروي حكايتك بأسلوبك الخاص ولا تخشي العواصف التي قد تهبّ بعد ذلك.


- ما هي الصعوبات التي تواجه النساء العربيات في عالم الإنتاج السينمائي؟

لا يمكن أن نعمّم تجارب النساء العربيات في عالم الإنتاج السينمائي. تختلف تجربة هؤلاء في كلّ مجتمع من مجتمعاتنا العربية، في كل قرية أو مدينة أو حيّ. أكبر الصعوبات التي تواجهها المرأة العربية في مجال الإنتاج السينمائي أن تكون هي وتروي روايتها بثقة وبصوت عالٍ وواضح. ليست خطيئة، وليس عيباً أوعاراً أن تكوني امرأة وتفكّري كامرأة. شخصياً لم أشكّك يوماً بكوني امرأة وبتفكيري كامرأة، شكوكي كانت تتمحور على مجيئي من بلد صغير خرج من حرب أهليّة طويلة، وتجربته السينمائية المتواضعة.  

- أي حكاية وأي فيلم تحضّرين لنا؟

أحضّر فيلماً من وحي الأحداث التي عصفت بلبنان خلال السنوات الماضية وقلبت حياتنا رأساً على عقب. لقد تعمّدت أن أترك مسافة كافية بين الحدث والرواية التي سأحكيها عنه. لذا كان من المنطقي أن أدع الزمن يمرّ بما لا يقلّ عن سنتين أو ثلاث، قبل أن تتضح لي الصورة التي سأقدّم بها روايتي الخاصّة. 

- ما هي أحلام نادين لبكي اليوم؟

أحلامي تتلخّص في أن أكون سعيدة بكل بساطة... سعيدة في عائلتي وعملي ومهنتي وسفري وفي كلّ ما أقوم به. السعادة هدفي. 

- ماذا عن طموحاتك المهنيّة؟

طموحاتي أن أخرج من رواياتي المحلّية الى روايات أخرى عن ثقافات جديدة وحضارات مختلفة، أذهب خلالها في مغامرة اكتشاف المجهول.

المجلة الالكترونية

العدد 1080  |  كانون الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1080