علماء دين: نوافق على تجسيد الصحابة بشروط
النجاح الكبير لمسلسل «عمر» الذي جسد حياة عمر بن الخطاب، سيفتح الباب بالتأكيد أمام أعمال أخرى يتم من خلالها تجسيد شخصيات الصحابة، خاصة بعد أن أجاز هذا العمل مجموعة من كبار علماء الدين، على رأسهم الشيخ يوسف القرضاوي. ورغم أن بعض علماء الدين كانوا يعارضون هذا الاتجاه، فإنهم، وأمام نجاح العمل وتقديمه قدوة مهمة مثل عمر بن الخطاب وفتحه لباب الاجتهاد على مصراعيه أمام جواز تجسيد حياة الصحابة، يعلنون موافقتهم لكن بشروط وضمانات لظهور الصحابة على الشاشة بشكل يليق بهم. فما هي تلك الضمانات والشروط التي يحددونها أمام مزيد من الأعمال عن الصحابة؟
بدايةً، يؤكد الدكتور أحمد النجار، عميد كلية علوم الأزهر سابقاً، أن باب الاجتهاد مفتوح في فتوى إجازة تجسيد الصحابة الأوائل والعشرة المبشرين بالجنة، ويقول: «في ظل الانفتاح العالمي والتكنولوجي الكبير لا يمكن أن ينغلق علماء الأزهر على أنفسهم، ويجب أن نجاري ذلك التطور المعلوماتي السريع ونجتهد في إخراج مثل وأخلاقيات حميدة لشبابنا، فيما افتقد العالم الإسلامي القيم والقدوة، فلم يعد للشباب مثل أعلى، لذا أقول إنه يجوز تجسيد الصحابة في الأعمال الدرامية الهادفة، في عصر أحيط فيه الشباب بحوادث القتل والسرقة والعدوانية، فأصبحوا يشهدون الانهيار الأخلاقي في كل شيء».
ويضيف: «يجوز أيضاً تجسيد العشرة المبشرين بالجنة في الأعمال الدرامية، بهدف التركيز على القيم الخارجة من المسلسل أو الفيلم، شرط عدم شطط الممثل في مواقف تقلل من قيمة الشخصية الكريمة التي يمثلها، بل يجب إخراج القيم المتميزة في الصحابة كي تكون قدوة للشباب، مثل الصدق، الحزم، القوة، والاشتراك في المعارك، حيث يجب أن توضع الشخصية في إطارها الصحيح، وألا يتعمد العمل الدرامي تشويه صورة الخلفاء والصحابة أو تجسيدهم في مسرحيات، ويفضل أن يشرف أحد علماء الدين على النواحي الدينية في العمل».
المرجعية الدينية
لا تجد الدكتورة آمنة نصير، أستاذ العقيدة والفلسفة الإسلامية في جامعة الأزهر، مانعاً في تجسيد الصحابة أو الخلفاء أو قادة الجيوش في العصر الإسلامي، وتقول: «بداية يجب أن نشير إلى أن إجازة تجسيد الصحابة لا تعني السماح بتجسيد الأنبياء، فالأنبياء معصومون ولا يجوز أن يجسده ممثل، أما الصحابة فلا أجد حرجاً في تمثيل شخصياتهم على الشاشة، المهم أن تخرج هذه الشخصيات بما فيها من قيمة وقامة، شرط اختيار تقنية فنية راقية لإخراج هذه الأعمال كي تتناسب مع عظمة تلك الشخصيات، كما يجب أن يمر كل ما يكتب عن شخصيات الصحابة على الأزهر الشريف أو المرجعية الدينية الشرعية لدولة إنتاج العمل الدرامي، من أجل تقويم وتنقيح النص المكتوب وتوثيق الأحداث من قبل أهل الاختصاص والعلم. ويشترط أيضاً عدم إقحام تفاصيل تخرج شخصية الصحابي عن تاريخه ومكانته في صنع الدولة، فضلاً عن ضرورة اختيار من يقوم بالدور، فمثلاً إذا ذكرنا الفاروق عمر بن الخطاب يجب أن يكون من يجسده يتميز بقوة الشخصية، كي لا يخدش الصورة التي كونها المتلقي عن الشخصية من الكتب والمصادر في ذهنه».
شروط
أما الدكتور عبد الغفار هلال، الداعية الإسلامي وأستاذ أصول اللغة في جامعة الأزهر، فيميل إلى عدم جواز تجسيد الصحابة في الدراماً، مؤكداً أنهم قيمة كبيرة لا يستطيع أي ممثل تجسيدها. لكنه يعود فيؤكد أنه «إذا كنا أمام أمر واقع بظهور الصحابة، فلا بد أن يحدث هذا من خلال عدة شروط تتضمن الظهور الجيد، ويضرب مثالاً بما فعله الغرب عندما جسدوا شخصية المسيح عليه السلام في أحد أفلامهم التي تعود إلى أربعينات القرن الماضي، فاختاروا شخصية اشترطوا فيها شروطاً أربعة، أولها ألا يكون سبق له التمثيل، ثانيها أن يعتزل التمثيل بعد هذا الفيلم، ثالثها أن يبتعد عن أعين الناس بعد الفيلم، رابعها الإقامة بمنزل اشتروه له بعيداً عن أعين الناس حتى وفاته».
اختيار الممثل
ويستهل الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الفقه في جامعة الأزهر، حديثه قائلاً: «من المقرر شرعاً أن مقام الأنبياء والمرسلين عليهم السلام يتميز عمن سواهم من الصديقين والشهداء والأولياء رضي الله عنهم، فالنبوة والرسالة لها خصائصها، فالنبي محمد، صلى الله عليه وسلم، من خصائصه أن الشيطان لا يتمثل بصورته لا في يقظة ولا منام، وفي هذا حديث صحيح ثابت في البخاري وغيره، أما غير النبي، صلى الله عليه وسلم، فمن الجائز للشيطان التمثل به سواء في صورة حسنة أو سيئة، وبتطبيق هذه الأمور الشرعية على الواقع، فإن تحريم تجسيد شخصيات الأنبياء والرسل عليهم السلام، وإن كان لم يرد فيه نص واضح يمنع، إلا أنه يؤخذ بدليل سد الذرائع، أي منع ما يتوصل به إلى محرم، بمعنى حفظ جلال الشخصية الرسولية والنبوية في أرقى السمو من الخيال الإنساني، أما إذا جسدت فقد يؤدي إلى الانتقاص أو عدم الإجلال وربما التهاون، وربما من يمثل الشخصية ليس أهلاً وكفئاً لجلال الشخصية، فمنعاً لهذه المفاسد أجمع العلماء على منع تمثيل شخصيات الرسل عليهم السلام، وقد تكون نفس العلة لأكابر أتباع الأنبياء والرسل، سواء السبعين فرداً مع سيدنا موسى أو الحواريين مع سيدنا المسيح، أو السابقين والعشرة المبشرين والخلفاء الأربعة والرموز الكبيرة من صحابة سيدنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم. لكن إذا وضعت ضوابط معينة تتلافى المفاسد المتوقعة السالفة الذكر، فرأيي الشخصي أنه يجوز تجسيد شخصيات الصحابة والتابعين شريطة الإشراف الكامل للأزهر الشريف على كامل الأعمال مهما كانت جنسيتها، فالإسلام ليس عرقياً».
ويشترط الدكتور أحمد كريمة أيضاً حسن اختيار الممثل، قائلاً: «يجب أن يكون من يؤدي شخصية الصحابة حسن السير والسلوك وعطر السيرة، فلو فرضنا أنه مثل سيرة الإمام علي بن أبي طالب أو عمر بن الخطاب أو غيرهما من الصحابة، فيجب أن يكون ذا سيرة محمودة بين الناس، فمن المعيب أن يكون مشهوراً بشرب الخمر ولعب الميسر، وإلا سيشوه صورة الصحابي لارتباطه في أذهان المشاهد بأفعاله غير الأخلاقية».
إشراف العلماء
أما الشيخ جمال قطب، رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف، فلا يشترط إشراف الأزهر على الأعمال الدرامية المجسدة للصحابة والعشرة المبشرين بالجنة، بل يشدد فقط على إشراف مجموعة من علماء الدين المتخصصين بدولة العمل الدرامي على إعداد السيناريو والحوار، ضماناً للالتزام بصحة النص، وكذلك لمراعاة ظروف المجتمع التي وجدت فيه هذه الشخصيات ومقارنتها بالأعراف السائدة في هذا الزمن. ويشدد أيضاً رئيس لجنة الفتوى الأسبق في الأزهر، على ضرورة الالتزام بالضوابط الفنية التي تكفل للعمل مشاهدة عالية، من ناحية، والالتزام بالقيم الإسلامية من ناحية أخرى، فضلاً عن تصوير هذه الشخصيات في نطاق الأسوة الحسنة لا غير. أما تعمد إظهار الفلتات عن أنها سمات عامة فذلك مرفوض تماماً، بالإضافة إلى ضرورة أن يكون الممثل على درجة عالية من إتقان الشخصية والجمع بتفاصيلها.
شاركالأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024