الناقد الفني طارق الشناوي: في رمضان يُكرم النجم أو يُهان
لا شك أن الجرعة، أقصد بالطبع المسلسلات الدرامية، أكبر من أي موسم رمضاني آخر، ذلك أن شركات الإنتاج في رمضان الماضي 2011، الذي جاء عقب ثورات الربيع العربي، عندما لم تكن الرؤية واضحة بالنسبة إليها، أرجأت مشاريعها التي كانت قد بدأت تصويرها قبل بدايات ربيع الثورات، وبسبب ضبابية السوق قررت التراجع عن استكمال الإنتاج، فلا أحد من الممكن أن يراهن على بوصلة مزاج الجمهور، كما أن وكالات الإعلان التي في العادة تضخ الأموال في كل رمضان تقاعست عن الدخول إلى هذا المضمار. وعرض في رمضان الماضي أقل من 40 مسلسلاً، وكانت المفاجأة التي لم يتوقعها أحد أن هذه المسلسلات حققت نجاحاً ضخماً في مجال التوزيع، مما شجع شركات الإنتاج على أن تدخل بقوة هذا الموسم إلى السوق الرمضاني.
وجدنا أنفسنا هذا العام نقترب من رقم 70 مسلسلاً، وندخل في صراع يجمع بين الكبار والشباب. نحن مع أسماء لها تاريخ مثل عادل إمام، يحيى الفخراني، نور الشريف، يسرا، إلهام شاهين، نبيلة عبيد، ليلى علوي، وهناك في المقابل نجوم شباب مثل أحمد السقا، كريم عبد العزيز، غادة عادل، خالد النبوي، آسر ياسين، خالد صالح، مصطفى شعبان، شريف منير.
لكن هناك نقطة مهمة في صالح النجوم الكبار، اذ إن بعضهم غائبون منذ سنوات عن الشاشة مثل عادل إمام الذي ابتعد أكثر من ربع قرن بعد مسلسليه «أحلام الفتى الطائر» و»دموع في عيون وقحة» وعاد مع «فرقة ناجي عطالله». عادل كعادته حطم أعلى الأرقام في دنيا الأجور، ووصل إلى 30 مليون جنيه مصري، قرابة خمسة ملايين دولار، في حين أن الأجر الأعلى ليحيى الفخراني «الخواجة عبد القادر» لم يتجاوز 12 مليون جنيه اي حوالي مليوني دولار، بينما غاب محمود عبد العزيز قبل عشر سنوات بعد مسلسل «محمود المصري» ويعود هذه المرة مع مسلسل «باب الخلق».
أعتقد أن عادل إمام سيحظى بنسبة مشاهدة عالية، خاصة في بدايات رمضان، لكنْ هناك تخوف سياسي من المسلسل، لأنه سوف يضطر لذكر اسم حسني مبارك، لأن البطل كان يعمل في إسرائيل ويقرر سرقة بنك هناك مع عصابة انتقاها بعناية، فهل سيحدد عادل موقفه من مبارك خلال الحلقات؟ الكاتب يوسف معاطي حرص على أن يطرح السيناريو في كتاب قبل العرض الرمضاني بعدة أشهر، وهذا يعني أنه يريد أن يبعث برسالة الى الجمهور تؤكد أنه غير راضٍ عن إضافات ما وضعت في السيناريو أثناء التنفيذ، حيث شهدت العلاقة بينه وبين عادل إمام في العامين الأخيرين توتراً بعد فيلم «بوبوس» الذي لاقى فشلاً ذريعاً.
صراع عائلي
ملمح آخر تقرأه فى رمضان، وهو الصراع العائلي بين عائلات كبار النجوم على تورتة الإعلانات. عادل يدخل السباق الرمضانى مع ابنه رامي كمخرج وابنه محمد كممثل يشاركه البطولة مع أحمد ابن صلاح السعدني و»هيثم» ابن أحمد زكي، هكذا فإن الخسارة لو حدثت لن تكون فقط لعادل الذي يقود الفرقة، لكنها للعائلة كلها ولمشروع التوريث الفني برمته. فقد قضت ثورات الربيع على التوريث في الحياة السياسية لعدد من الجمهوريات، مثل مصر وليبيا وتونس، فهل تنجح في إيقاف قطار التوريث الذي سيطر على تفاصيل الحياة الفنية؟
عادل بالطبع تأثر كثيراً بعد الثورة وهو يحاول أن يظل قادراً على التعايش مع التيار الإسلامي الحاكم الآن فى مصر، مؤكداً أنه لم يكن يوماً ضدهم، ولا شك أن شعبية عادل تراجعت بعد الثورة، لكن غيابه كل هذه السنوات يصبح ورقة مهمة في صالحه تزيد مساحة التطلع إلى المسلسل.
محمود عبد العزيز أيضاً يقف مع ابنيه، كريم يشاركه البطولة ومحمد منتجاً، ويخرج المسلسل عادل أديب في أول تجربة درامية له، بعد ان قدم ثلاثة أفلام هي «هيستيريا» و «أشيك واد في روكسي» و»ليلة البيبي دول»، لم ينجح منها سوى فيلمه الأول وتسبب بخسارة فادحة لشركة الإنتاج التي يملكها شقيقه الكبير عماد أديب ، مما اضطرها لكي توقف نشاطها، فهل يثأر لنفسه في «باب الخلق»؟!
ومن الكبار يحيى الفخراني الذي تلمح أيضاً في المعادلة ابنه شادي مخرجاً لأول مرة في «الخواجة عبد القادر». يحيى صار بمثابة أحد معالم رمضان، وعلى مدى ربع قرن تشعر بأن وجوده صار طقساً محبباً في البيت العربي في شهر رمضان. نعم هناك رغبة في التعامل مع الجديد من النجوم الشباب، لكننا لا نغفل أبداً تلك العشرة الطويلة التي تحددت معالمها معه منذ «ليالي الحلمية» في دوره الذي لا يُنسى، سليم البدري.
من الكبار يسرا «شربات لوز»، يلعب لصالحها اسم المخرج خالد مرعي والكاتب تامر حبيب، لكن الكوميديا تظل هي المشكلة، خاصة أن معها سمير غانم الذي يقدم نوعاً من الأداء الكوميدي تجاوزه الزمن، كما أن يسرا في آخر أفلامها «جيم أوفر» لم تكن موفقة في لعبة الكوميديا.
نور الشريف يقدم «عرفة البحر» وأتصور أنه سيحقق نجاحاً متوسطاً كعادة نور في مسلسلاته الأخيرة، لكن في ظل هذا الزخم من المسلسلات، هل يكفي النجاح المتوسط لكي يواصل المشاهد المتابعة؟ وهو ما ينطبق على إلهام شاهين في مسلسلها «قضية معالي الوزيرة»، خاصة أن مخرجها هو عمر عبد العزيز الذي لم نشهد له في أعماله الدرامية التلفزيونية طوال تاريخه بصمة تذكر.
وتعود هذا العام نبيلة عبيد، لكنها فقط نصف عودة، اذ تشارك فيفي عبده في «كيد النسا»، الجزء الثاني، إخراج أحمد البدري. لاقت نبيلة عدة هزائم متلاحقة في رمضان بداية من «العمة نور» ثم «البوابة الثانية»، ويبدو أنها تتشعبط هذه المرة في ذيل جلباب فيفي، وذلك بعد أن اعتذرت سمية الخشاب عن عدم استكمال دورها، فاخترع الكاتب دوراً آخر لنبيلة حتى لا تصبح بديلاً لسمية. لكن حظوظ هذا المسلسل في النجاح تكاد تكون معدومة، خاصة إذا علمت أن فيفي عبده لها مسلسل آخر مع قنبلة رمضان هذا العام هيفاء وهبي في «مولد وصاحبه غايب» إخراج شيرين عادل. ولا أعتقد أن المشاهد من الممكن أن يرى فيفي عبده في مسلسلين، ولو اكتفى بواحد فسوف يختار فيفي مع هيفاء في «مولد وصاحبه غايب»، وهو مستوحى من فيلم «تمر حنة»، واحد من أنجح أفلام الخمسينات في السينما المصرية الذي لعبت بطولته نعيمة عاكف.
هيفاء بالطبع سوف تسرق الاهتمام خاصة في الحلقات الأولى، لكنها لا تجيد فن التمثيل، شاهدتها في فيلم «دكان شحاته» وحاول المخرج خالد يوسف أن يداري الكثير من العيوب، لكن التمثيل التلفزيوني يحتاج إلى ممثل وليس فقط ملامح وجاذبية. (ملاحظة: تم سحب المسلسل من أعمال رمضان هذا العام لعدم استكمال تصويره).
مفاجآت
يبقى أن رمضان يحمل في جعبته الكثير من المفاجآت التي أترقبها في «ذات» لصنع الله إبراهيم، والتي تخرجها كاملة أبو ذكري باشتراك خيري بشارة، وبطولة نيللي كريم وسيناريو مريم نعوم. هناك مصطفى شعبان في «الزوجة الرابعة» وكان مصطفى قد حقق نجاحاً لافتاً في مسلسل «العار»، وجمال سليمان «سيدنا السيد» الذي يعود فيه الى التمثيل باللهجة الصعيدية التي كانت ولا تزال سر نجاحه. وليلى علوي التي تقدم «نابليون» مع المخرج التونسي شوقي الماجري الذي يشكل اسمه عامل جذب كواحد من أفضل مخرجي الشاشة الصغيرة. وهناك «الصفعة» لشريف منير و»الهروب» لكريم عبد العزيز مع ثنائي «أهل كايرو» الكاتب بلال فضل والمخرج محمد علي، بينما أحمد السقا في «الخطوط الحمراء» وخالد النبوي «ابن موت» وغادة عادل «سر علني».
وأعتقد أن الفرصة ضئيلة جداً مع محمد سعد ومسلسله «شمس الأنصاري»، بعدما لاقى فشلاً ذريعاً في أفلامه الأخيرة، خاصة أنه في المسلسل يتكئ على ممثل من الجيل القديم هو فاروق الفيشاوي، الذي فقد (الفيشاوي) الكثير من لياقته الإبداعية، بحيث ينطبق عليهما المثل المصري الشهير «اتلم المتعوس على خايب الرجا». ولدينا تيم حسن «الصقر شاهين»، وأعتقد أن المسلسل الذي سيحظى بالقسط الأكبر من المتابعة هو «الفاروق عمر» إخراج حاتم علي. وتشير التوقعات إلى أن نصف مليار مسلم في انتظاره وبمختلف لغات العالم، بعد ترجمته إلى الأندونيسية والتركية والفارسية والإنكليزية والفرنسية وذلك رغم اعتراض الأزهر...
إنها وجبة درامية أكبر مما نحتمل، لكنها في النهاية ينطبق عليها وصف «مولد وصاحبه قابض» لأن جميع هؤلاء النجوم قبضوا أجورهم المليونية!!
شاركالأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1079 | تشرين الثاني 2024