تحميل المجلة الاكترونية عدد 1080

بحث

عقار مضاد للشيخوخة في 2028... ماذا يحدث لو استطاع العلماء الوصول إليه؟

البقاء في ريعان الشباب وعدم الوصول إلى مرحلة الشيخوخة من الأحلام البشرية التي يصعُب تحقيقها في الواقع، ولكن الأمر قد يصير حقيقة، بفضل تجربة علمية حديثة تمكّنت فيها مجموعة من الباحثين من إطالة عمر فئران تجارب، من طريق إبطاء عملية تقدّم خلاياها في السنّ باستخدام تركيبة جديدة من الدواء. ومع كل هذه المحاولات العلمية التي لم تصل بعد إلى نتيجة مضمونة، يبقى حلم الشباب الأبدي يراود البشر ويستحوذ على اهتمامهم ويتبلور بوضوح من خلال ممارسة التمارين الرياضية، وتناول الوجبات الصحية والاستعانة بحقن البوتوكس والفيلر وعمليات التجميل المختلفة لتحسين الملامح وشدّ الوجه بهدف التخلص من التجاعيد وعلامات التقدّم في السنّ.


تقدّم الدراسة الجديدة بارقة أمل للتوصل إلى عقار مختلف يمكنه إطالة عمر البشر بيولوجياً ومعالجة الأعراض البدنية للشيخوخة، ولكنه يبقى غير قادر على معالجة الأعراض الذهنية والعصبية المصاحبة لها مثل الألزهايمر وأمراض التقدّم في العمر، حيث طوّر الباحثون جرعة مختلفة من مكوّنات متعددة مضادة للشيخوخة، تمكنت من تجديد خلايا الفئران في المختبر وساعدتها أيضاً على العيش لفترة أطول مع تعزيز صحة القلب والرئتين. ولفت الباحثون إلى أن هذا العقار يمكن استخدامه على البشر في غضون خمس سنوات، وبالتالي يعتقد الخبراء أن من الممكن طرح دواء مشابه في السوق بحلول عام 2028. ويأمل علماء مكافحة الشيخوخة أن تفتح هذه النتائج الباب أمام علاج البشر بالطريقة نفسها، ما يعزّز قدرتهم على الصمود في وجه الأمراض الخطِرة مثل السرطان والخرف من خلال جعلهم أصغر سنّاً من الناحية البيولوجية.

شفرة جينية تبطّئ عملية الشيخوخة

درس فريق من الباحثين في مختبر كلية الطب بجامعة «هارفرد» الأميركية التغيّرات التي حصلت مع الفئران التي يبلغ عمرها 124 أسبوعاً، أي ما يعادل شخصاً يبلغ من العمر حوالى 77 عاماً. وكل أسبوعين، كان يحصل نصف الفئران على حقنة وهميّة، بينما تم حقن النصف الآخر بالعلاج، وهو فيروس معدّل يحمل أجزاء إضافية من الشفرة الجينية. وقد أنتجت الفئران التي تلقت العلاج عوامل Yamanaka، وهي مجموعة من البروتينات التي بدأ استخدامها منذ منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين لعكس شيخوخة الخلايا وإعادتها بشكل فعّال إلى حالة الشباب. كما تم إعطاء الفئران مضاداً حيوياً هو «الدوكسيسيكلين»، الذي نشّط عوامل Yamanaka. وأظهرت النتائج أن الفئران التي تلقت العلاج عاشت 18.5 أسبوعاً إضافياً، أي 142.5 أسبوعاً في المجموع.

وإلى جانب العيش لفترة أطول، فإن الفئران التي تم حقنها بقطع من الشفرة الجينية ظلت بصحة جيدة لفترة أطول، وسجّلت درجات أقل في اختبارات الضعف، بينما كانت صحة القلب والكبد معزّزة أيضاً، وهذا ما يشير وفقاً للخبراء إلى «زيادة العمر المرتبط بتحسين الصحة العامة للحيوانات». وبالفعل، تمكّن الباحثون من خلال دواء تم تطويره من إبطاء عملية الشيخوخة لدى الفئران، مما زاد في عمرها. وهو ما يعني إمكانية تطبيق الأمر على الإنسان كذلك بعد فترة من الزمن. وقد لفت الباحثون إلى أن إطالة عمر الإنسان تعني في العادة تطبيق عادات غذائية صحية والاعتماد على الرياضة والأدوية والفيتامينات، وهذا قد يؤدي إلى زيادة عدد سنوات الحياة الصحية ولكنه لا يحول دون معاناة الكثير من كبار السنّ من الأمراض المرتبطة بالعمر.


عقار يمكن استخدامه خلال 5 سنوات

وفي هذا السياق، يقول الدكتور نوح ديفيدسون، كبير العلماء في الشركة التي تقف وراء الدراسة: «يمكننا بسهولة رؤية شيء ما في البشر في السنوات الخمس المقبلة باستخدام هذه التكنولوجيا». ويضيف: «يمكن إبطاء خلايا الشيخوخة من طريق تثبيط عمل بعض البروتينات، وبالتالي هناك طريقة قادرة على تطوير العلاج لمكافحة الشيخوخة عند البشر، لذلك يسعى فريق البحث في جامعة «هارفرد» للعمل على كيفية تحريك نظام المناعة البشري للتخلص من الخلايا القديمة بشكل أسرع. وسيتم ذلك من خلال صنع أقراص مضادة للشيخوخة، إذا ثَبُتت صحة نظريتهم».

في حين يؤكد بيتر دي كيزر، مدير قسم علم الوراثة الجزيئية في المركز الطبي التابع لجامعة «إيراسموس» الهولندية أنه «إذا تم استهداف الخلايا التي تُسمى بالهرِمة التالفة وغير قابلة للعلاج، فسوف تطيل السنوات التي تتمتع فيها بصحة جيدة، وفوق ذلك من الممكن أيضاً أن تستعيد صحتك إلى حد ما، وبالتالي من خلال التخلص من هذه الخلايا، لن نؤخّر ظهور علامات الشيخوخة فحسب، بل يمكن أيضاً معالجة بعض الأعراض المصاحبة للتقدّم في العمر».

الآثار المترتبة على نجاح عقار إطالة عمر الإنسان

إلى ذلك، تعتزم شركة «كاليكو» للأبحاث والتنمية تسخير التكنولوجيا الحديثة من أجل فهم العوامل البيولوجية التي تتحكم في طول عمر الإنسان، واستخدام هذه المعلومات لتطوير عقاقير أو تدخّلات جراحية تساعد الناس على العيش لسنوات أطول والتمتع بصحة أفضل، ولكن ماذا يحدث في الواقع لو استطاع العلماء بالفعل أن يوقفوا عملية الشيخوخة؟

توصلت دراسة اجتماعية ألمانية إلى نتائج مثيرة للجدل حول تأثير عقار تأخير الشيخوخة في الإنسان، مؤكدةً أن تزايد العمر يؤدي إلى زيادة عدد الخلايا القديمة في الجسم التي تشكل بدورها خطراً على جهاز المناعة. وهذه الخلايا محدودة في وظيفتها، وأحياناً يمكن أن يكون لها ضرر لا يمكن إصلاحه.

وأكد فريق من الباحثين أن خلايا الشيخوخة تسبب مشاكل للجهاز المناعي مع تقدّم العمر. إذ إنه «كلما تقدّمنا في السنّ، كانت الخلايا القديمة أكثر تداولاً في أجسامنا، وتصبح المناعة أقل قدرةً على تمييز النسج الذاتية من النسج غير الذاتية، ونتيجة لذلك تصبح اضطرابات المناعة الذاتية أكثر شيوعاً في هذه وإلى جانب البُعد الصحي، لفت الباحثون إلى أن إطالة أعمار البشر تؤثر في قضايا حياتية أخرى وفي مقدّمها زيادة تداعيات التضخّم السكاني الذي يمثّل أحد التحدّيات الصعبة التي قد لا تتمكن دول العالم من تخطّيها بسهولة. إضافة إلى وجود معضلة أخلاقية أخرى، تتمثل بصعوبة توافر العقار الجديد للجميع على حد سواء، لا سيما أن من المرجح أن يكون باهظ الثمن، وهذا ما يعمّق هوّة التفاوت الاجتماعي الموجود أساساً في مختلف دول العالم. وفي الوقت نفسه، إذا بات الدواء الذي يطيل العمر في متناول جميع الناس وتم توزيعه عليهم بالتساوي، سيواجه العالم تبِعات زيادة نسبة المسنّين في المجتمعات، وما يرافق ذلك من صعوبات وأمراض.

نصائح لتجنّب الشيخوخة والحفاظ على صحة جيدة

وفي إطار البحث عن طريقة لمحاربة الشيخوخة المبكرة وآثار التقدّم في السنّ، يقدّم الخبراء مجموعة من النصائح العملية من أجل التمتع بصحة جيدة والشعور الداخلي بصغر السنّ، وفي مقدّمها التركيز على الخيارات الصحية كأسلوب حياة لتعزيز الصحة البدنية والعقلية ولتفادي أمراض الشيخوخة والوصول إلى العمر الطويل. وينصح أطباء التغذية بتناول الطعام الصحي المتنوّع بسعرات حرارية مناسبة يومياً، لمدّ الجسم بالطاقة والعناصر الغذائية اللازمة للمحافظة على حيويّته وشبابه، ومن المهم تجنّب الوجبات السريعة والتركيز على أخذ الحصص الكافية من الخضار والفاكهة خلال النهار. ويحذّر الأطباء دائماً من الحلويات والسكريات، مشدّدين على أن تناول السكر بكميات كبيرة يؤدي إلى شيخوخة البشرة بسبب فقدان مرونتها وحيويتها مع الوقت. إضافة إلى أنه مع مرور الزمن، يفقد الجسم قدرته على محاربة آثار الجذور الحرّة التي تتكون نتيجة التعرّض للمواد الكيماوية والملوّثات، مما يؤدي إلى الشيخوخة المبكرة، لذلك ينصح خبراء الصحة بتناول مضادات الأكسدة مثل الفيتامينات A وC وE وبيتا كاروتين الموجودة في الخضار والفاكهة، والتي تصلح عمل الخلايا وتحدّ من أضرارها. وإلى جانب ذلك، تلعب التمارين الرياضية دوراً مهماً في عملية الحفاظ على الشباب وإبطاء عملية التقدّم في العمر. إذ إن الرياضة في الأساس تُجهد الجسم وتُتلف بعض ألياف العضلات، مما يسبب الألم والتعب، وهنا يقوم الجسم بترميم تلك الألياف التالفة للحصول على كتلة عضلية جديدة أكبر من السابقة.

المجلة الالكترونية

العدد 1080  |  كانون الأول 2024

المجلة الالكترونية العدد 1080