فاطمة تحطم قيود التوحد الصعبة عن إبنها وتنجح في دمجه بالمجتمع
وتؤكد أم سالم أن "التوّحد يعلّمنا الكثير"، فحالة إبنها الصعبة كانت الدافع لتكتب قصة "فاطمة في عالم التوحد"، لتتمكن من نقل تجربتها الشخصية وخبرتها إلى كل أمٍ لديها طفل توحدي، وحثهنّ على تقبل تلك الحالات والتعامل مع أطفالهم بطريقة ناجحة لتطوير قدراتهم، داعية إياهم على حبهم وإحتضانهم لتطوير سلوكياتهم ودمجهم بشكل أفضل في المجتمع.
- يعاني طفلك من طيف التوّحد، ما هي أهم السلوكيات والعلامات التي ساعدتك على ملاحظة الأمر؟
بدأت الاحظ وأقارن سلوكيات طفلي مع غيره من الأطفال بعد العام الأول من عمره، حيث كان حاد المزاج والعصبيه وكثير الصراخ دون أن يكون هناك اسباب لذلك، وكان لا يتفاعل معي أو مع المحيط الأسري من حوله، وقليل النوم، وأيضاً كان لديه بعض الحركات النمطية التي يكررها بيديه، وكان لا يستجيب لاسمه.
وبالإضافة الى كل ما سبق، كان عدم تواصله البصري معي أول ما لاحظته، فكانت نظراته دائماً متجهة الى الأعلى، وكان ينطق كلمتين فقط هما بابا وعصير، ولكن بعدها تراجع النطق وأصبح يقول كلمات غير مفهومة، ولا يهتم للألعاب بل يركّز على الأدوات مثل فرشاة الأسنان أو ، كأنها معزز له غطاء قارورة المياه، ولم أكن أفهم سبب عدم اكتراثه باللعب واهتمامه بهذه الأدوات البسيطة لحين تم تشخيص حالته بطيف التوحد.
- بحسب خبرتك في مجال علم النفس التطبيقي، ما هي الخطوات التي تساعد الأهل على تطوير قدرات أطفالهم المصابين بالتوّحد؟
لا أنكر اني قبل دراستي في مجال تخصص علم النفس التطبيقي، مررت بحالات نفسية صعبة أولها الإنكار والاكتئاب الصامت والعزلة الاجتماعية مع طفلي، وهذا شيء لا اخجل منه، ولذلك أتفهم كل الحالات النفسيه التي يشعرون بها أهالي المصابين باضطراب التوحد، لذلك عند اختياري لتخصص علم النفس كان قرار جامع لتأهيل نفسي أولاً وبناء عليه اتقبل وأعالج حالة طفلي. وأنا دائماً أنصح الأهالي بضرورة إستشارة أخصائي نفسي ومتابعة حالتهم من قبل مختصين في هذا المجال، لأنه من الضروري عدم كبت مشاعرهم وأفكارهم والفضفضة والتحدث عمّا يدور في بالهم من مخاوف وقلق، وأنا على يقين أن تقبّل حالات اطفالنا بعالمهم الخاص، هو المفتاح الأول للصحة النفسية. إضافة إلى أنه عندما نتقبل اختلافهم ونتعايش معه ونحبه على ما هو نقلل النظرة السوداوية للحالة ونركز على الجوانب الايجابية.
في السابق، كنت اركّز على طفلي وأرى بأنه يجب أن يصل للكمال وأن يكون طبيعي، ولكن تلك الأفكار جعلتني في حالة توتر دائمة منعتني حتى من النوم لفترات طويلة، ولكن بعد تقبلي حالته وتحديد درجة إصابته بالطيف، بدأت أحبه بطريقة مختلفة وأرى عالمه جميل وبريء، لذلك أنصح الأهالي اولاً بضرورة طلب المساعدة من الاستشارين النفسيين. وايضاً التحدت مع الأهالي من ذوي الخبرة والذين لديهم قصص نجاح مع حالات التوحد لان عالم التوحد مليء بالطاقات الإيجابية مما ينشر الطاقات بين الاهالي. ومن الضروري أيضاً الرضا وتقبّل حكم الله وبذلك القبول سننال الرضا ونتعلم الصبر والعطاء اللامحدود.
بماذا تنصحين الأهالي ليتقبلوا حالات أطفالهم المصابين بالتوحد؟
أنصحهم أولاً بضرورة طلب المساعدة من الأخصائيين وأن يتجنبوا التأثر بالكلام السلبي الذي يسمعونه عن حالات أطفالهم وعدم الأخذ به، ومن المهم أيضاً تحصين نفسيتهم كي لا يصابوا بحالات الإكتئاب والعزلة، وأن يدركوا أن طفل التوحد هو مختلف ولكن اختلافه مميّز ليتقبلوا حالات اطفالهم لأن هذه الخطوة مهمة. وأنثحهم أيضاً بالتركيز على الجانب العاطفي مع اطفالهم، فذلك ينمي العاطفة والذكاء الإجتماعي لدى الأطفال بشكل عام والتوحدي بشكل خاص.
- كإخصائية، أخبرينا كيف تواجهين الحالات العصبية التي يمر بها طفلك ولحظات فقدانك للتواصل معه؟
سالم، كأي طفل مشخص باضطراب التوحد، وسمي باضطراب وليس مرض نظراً للسلوكيات التي من الممكن أن تكون بشكل مضطرب والتحديات التي نواجهها، لذلك بعد خبرتي، فالتعامل مع حالة الطفل تبدأ بالسلوك التوحدي الظاهري وبناء عليه نستطيع ان نكون الاخصائيين لاطفالنا ومعرفة ما وراك السلوك وما بعد السلوك وأن نتقرب منهم لفهم ما يريدونه والحدّ من حالات العصبية التي تصيبهم. وأنا أعرف الكثير من الأمهات اللواتي لديهن حاسة الاستبصار في معرفة سلوكيات أطفالهم وكيفيه التعامل معها، ولذلك معرفة السبب هو الأهم وبناء عليه يتم التعامل مع سبب العصبيه أو الصراخ والأم مدرسة في ذلك.
- نجحتي في دمج طفلك من خلال عرض أزياء Shein، كيف تمكنتي من تحقيق هذا الأمر؟
تواصلت معي إدارة "شي ان" عبر الايميل وقاموا بدعوتي ودعوة طفلي لحفلها الأول لعرض الأزياء ولإطلاق حملة "مدعومين بالحب"، المخصصة لدمج أطفال التوحد في المجتمع، وهذه الخطوة اسعدتني جداً بسبب اهتمامهم بفئة التوحد.
ورغم معرفتهم أن طفلي من الدرجة الشديدة ولكنهم دعوه لعرض الأزياء، وكانت لفتة مميزة منهم وتقدير كبير لدوري كأمّ، إضافة إلى تخصيص تبرع من "شي ان" لدمج اطفال التوحد وهذا الشي الذي نسعى إليه في المجتمع. ونظراً كوني اخصائية طفلي واستطيع التعامل مع سلوكياته بكل التحديات التي تمر علينا، تمكن سالم من المشي على المنصة الرئيسية، وكان في غاية السعادة ويشعر بأنه مميّز في هذا العرض.
- هل من نشاطات أخرى شارك فيها طفلك في السابق؟ وما هو سرّ نجاحه في تخطي الصعوبات التي يعاني منها بسبب التوحد؟
منذ أن بدأت دراستي وتركيزي في الأنشطة اللامنهجية بدأت بدمج سالم في الأنشطة المجتمعية وكانت مبادرة "نتوحد من أجلهم" في يوم التوحد العالمي عام 2020 من أول المبادرات التي شارك فيها طفلي وهي من إعدادي كفيديو توعوي شارك فيه العديد من فئات المجتمع مثل سعادة ناعمة المنصوري وصانع الامل احمد الفلاسي والإعلامي أحمد اليماحي وقد تم نشره من قبل صفحة مركز محمد بن راشد للتعليم الخاص وشهد ظهور سالم كطفل توحد، وطفلي يشارك في مختلف الأنشطة التي تخصّ المجتمع وقد حصل على العديد من الشهادات في ذلك.
- كيف يمكن تحقيق التوازن بين حالة التوحد واندماجه بالحياة الاجتماعية؟
علينا أن ندرك أن دمج طفل التوحد لا يجب أن يكون دمج تعسفي، بل من الضروري أن نتقبل مواقفهم الانسحابية وبعدها نتعلم طريقة تعزيز دمجهم في المجتمع. وكذلك هناك الوعي المجتمعي، فمن المهم معرفة أن الدمج عملية تفاعلية تبدأ من المجتمع اولاً، من خلال توفير البيئه والمثيرات المناسبة، وهنا في دولة الإمارات العربية يتم التركيز على ذلك الجانب إذ يوجد غرف حسية في بعض المراكز التجارية الكبيرة (المولات) لحالات التوحد ولتشجيع دمجهم في المجتمع، وتم مؤخراً إقامة اكسبو أصحاب الهمم وذلك لتمكين دورهم المجتمعي وتشجيع أسرهم على دمجهم أكثر في المجتمع.
- ما هو دور الأهل في دمج أطفالهم وكيف يفعلون ذلك؟
على الاهل ألا يشعرون بالخجل من دمج أطفالهم أو الخجل من سلوكياتهم أمام الناس في المجتمع، بل بالعكس دورنا تثقيف المجتمع على كيفية التعامل مع حالات التوحد إذ أن أهالي المصابين بالتوحد بعد مضي فترة من الوقت مع سلوكيات أطفالهم يصبحون خبراء بالتوحد، وهذا الشي لاحظته مع محيطي وعلاقاتي مع بعض الأسر من ذوي اضطراب التوحد وكيف انهم يتمتعون بالعلم والخبرة ويمكنهك تصحيح المفاهيم الخاطئة ونشرها بشكل واعٍ في المجتمع، فالتوحد يُعلمنا الكثير.
- "فاطمة في عالم التوحد" تروي رحلتك مع سالم، ما هي الصعوبات التي واجهتك في كتابة القصة؟ وما الرسائل التي أردتي ايصالها من خلاله؟
كتبت قصة "فاطمة في عالم التوحد" لأعبر من خلالها عن تجربتي مع طفلي، ومزجت فيها عالم الخيال وكانت شخصيتي في محورين. محور الأم المكتئبة والتي وصفت وجهها بالعجوز من شدة عدم تقبلها في البداية لحالة طفلها والشعور بالخوف عليه من نظرات المجتمع، والجانب الاخر الطفلة الشقية والذكية التي تصرّ على إنقاذ أمّ سالم وسالم أيضاً. وهدفي من القصة كان التركيز على الجانب العلمي والثقافي والتوعية على سبل التعامل مع طيف التوحد من خلال تجربة حسية لتقريب الصورة على القارئ للإستفادة منها.
- برأيك، ما الذي ينقص مجتمعاتنا العربية من السلطات إلى المواطنين في مجال التوعية لاحتواء المصابين بالتوحد؟
لا أنكر أن السنوات الأخيرة أصبح الوعي في المجتمعات العربية مع التوحد أفضل عن قبل وذلك يعود لوسائل التواصل الإجتماعي، ولكن نتطلع دائماً إلى الأفضل من خلال التركيز على إنشاء المزيد من المراكز السلوكية وايضاً على الاخصائيين في المراكز ومدارس الدمج وأن يكون لكل طفل توحدي مكان في المراكز والمدارس. والمطلوب أيضاً التركيز على الصحه النفسية للأمهات والآباء بهدف إرشادهم ودعمهم نفسياً وفكرياً، وتدريب الأمهات ذوات الخبرة المحدودة على سبل التعامل مع اطفالهم من ذوي اضطراب التوحد ومساعدتها على تخطي الفترة الأولى التي تكون الأصعب على الأهل والطفل معاً.
شاركالأكثر قراءة
المجلة الالكترونية
العدد 1078 | تشرين الأول 2024