تحميل المجلة الاكترونية عدد 1079

بحث

قضية حبس عادل إمام تثير جدلاً دينياً

ازدراء الدين اتهام تسبب بالحكم على الفنان عادل إمام بالحبس ثلاثة أشهر، وأثار حالة من الرعب في الوسط الفني. ومن هنا تأتي أهمية معرفة رأي علماء الدين في مفهوم ازدراء الدين، ومن يحسم الحكم على عمل فني إذا اتهمه أحد بالإساءة إلى الدين؟


بدأت القضية بدعوى قضائية رقم 24215 لسنة 2011، أقامها أحد المحامين أمام محكمة جنح الهرم، يدعي فيها أن الفنان عادل إمام قدم أعمالاً فنية سخر خلالها من الدين الإسلامي والجلباب واللحية. واستشهد المحامي بمسرحية «الزعيم» وفيلم «مرجان أحمد مرجان» وفيلم «الإرهابي»، وبأعمال فنية أخرى. وأصدرت المحكمة حكماً بحبس عادل إمام ثلاثة أشهر.

وعلّق الأخير على الحكم قائلاً: «لم يكن لديَّ علم بهذه الدعوى، ولم يصلني استدعاء إلى المحكمة، وبالتالي لم يذهب محامٍ للدفاع عني في التهمة المشار إليها ولهذا صدر الحكم غيابياً». وأكد أنه استقبل حكم الحبس بدهشة بالغة، لأنه عندما يقدم أعماله الفنية مثل  فيلم «الإرهابي»، على سبيل المثال، كان يدافع عن وطنه في ظل الهجمة الشرسة التي تعرض لها من جانب الإرهاب، وكان يدين العنف، ولم يكن هدفه «الإساءة الى الإسلام» أو «المتدينين الحقيقيين» أبدًا.

وأضاف: «فوجئت بالحكم الصادر ضدي، وعندما علمت به طلبت من المحامي استئنافه، وقد وافقت المحكمة على الاستئناف، ومن المقرر إعادة النظر في القضية في الثالث  من نيسان/أبريل المقبل». وأنهى تعليقه على الحكم بقوله: «أنا واثق أن الحكم سيكون لصالحي، لكني قلق مثل غيري في الوسط الفني على مستقبل حرية الإبداع، وأخشى أن يكون صدور هذا الحكم بداية لهجمة شرسة وغير عقلانية على حرية الفن والإبداع، مما يهدد مكانة مصر الفنية في العالم».


المؤسسات الدينية والنقاد

في البداية، يقول الدكتور أسامة العبد رئيس جامعة الأزهر: «فطر الله النفس البشرية السوية على حب كل جميل والنفور من كل قبيح، وقد جعل الله هذا الميل للجمال أمراً طبيعياً في الفطرة، ولهذا أباحه شرعاً. لكن البشر يختلفون في مقاييس الجمال الذي يحقق الرضا والسعادة للإنسان، بل إن هذه المقاييس تختلف من عصر إلى عصر ومن بيئة إلى أخرى. ولهذا لابد من احترام آراء من يعارضون الفن، لكن دون تسفيه أو تكفير وتحريم، لأن هناك نقاداً منصفين يتحلون بالأخلاق، ويجب أن تكون لهم الكلمة الأولى في تقويم العمل.

كما أن هناك مؤسسات دينية مثل مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر، أو الجهات المماثلة في مختلف الدول العربية والإسلامية، لها حق الاعتراض على أي عمل فيه إسفاف أو تطاول على الأديان أو ازدرائها. أما أن يتحرك كل إنسان من تلقاء نفسه ويجعل نفسه وصياً على المجتمع ويكفر الآخرين وفق رؤيته هو فقط، فهذا أمر مرفوض شرعاً وعقلاً ويخالف الرفق الذي أمرنا به الإسلام في كل أمور حياتنا، فقال صلى الله عليه وسلم: «إن الله تعالى رفيق يُحب الرفق ويعطي عليه ما لا يعطي على العنف»، وقوله كذلك: «إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه».


التغيير بالحُسنى

ويخالفه في الرأي الدكتور محمد المختار المهدي، عضو مجمع البحوث الإسلامية، الذي يرى أن «الحسبة» في الإسلام تعطي «أفراد المجتمع حق تغيير المنكر باللسان وبالحسنى ودون تجريح. ولا شك أن ما فعله المحامي الذي أقام دعوى على عادل إمام لم يخرج عن ذلك، بل رفع ما يراه صحيحاً إلى المحكمة، التي أصدرت حكمها. وعلينا أن نحترم أحكام القضاء، لا انتقادها إذا رفضت عملاً فنياً أو أدانت فناناً مشهوراً، والإشادة بها إذا جاء حكمها حسب الأهواء».

أضاف المهدي: «يجب أن يكون الجميع أمام القانون سواءً، لا فرق في ذلك بين «وزير وخفير». وبالتالي عندما يدين حكم قضائي عادل إمام أو غيره من الفنانين، فيجب أن نحترم ما اقتنع به القاضي العادل. ومن حق المتظلم أن يرفع أمره إلى درجة أعلى من القضاء، ومن ثمَّ فإن عادل إمام، أو غيره، ليس فوق القانون أو النقد والمساءلة، وليس وظيفة الناس التصفيق له باستمرار سواء أصاب أو أخطأ».

وأنهى كلامه بتأييد ما فعله المحامي الذي اتخذ السبل القانونية وفقاً للحسبة التي أمر بها الشرع، وهذا لا يتعارض مع دور مجمع البحوث الإسلامية كمرجعية في حالة نشوب خلاف، ويريد المتخاصمون معرفة حكم الشرع فيه، سواء بالنسبة الى الأعمال الفنية أو غيرها، وذلك انطلاقاً من قوله تعالى «كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ» آية 110 سورة آل عمران.


تقدير القاضي

عن مفهوم ازدراء الأديان وعقوبته حسب القانون المصري، يؤكد الدكتور عبد الله النجار، عضو مجمع البحوث الإسلامية والأستاذ في كلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر، أن المادة الثانية من الدستور المصري تنص على أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع، ولا يجوز أن يكون هناك نص يخالف أحكامها، خاصة في ما يتصل بقضية ازدراء الأديان كلها، وليس الإسلام فقط، لأن هذا سلوك مرفوض شرعاً، حيث لا يبيح الإسلام لأتباعه ازدراء عقائد الآخرين أو سب معتقداتهم أو السخرية منها، فقال تعالى: «وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِم مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ» الآية 108 سورة الأنعام.

وعن العقوبة القانونية قال النجار: «ينص القانون على أنه يعاقب بالحبس وبغرامة أو بإحدى العقوبتين، كل من شوَّش على إقامة شعار ملة أو احتفال ديني خاص بها، أو عطلها بالعنف أو التهديد، وكذلك كل من خرَّب أو كسَّر أو أتلف أو دنس مباني معدة لإقامة شعائر دين، أو رموزاً أو أشياء أخرى لها حرمة عند أبناء ملة أو فريق من الناس، وأيضاً كل من انتهك حرمة القبور أو الجبانات أو دنسها. كما يعاقب كل تعدٍ على أحد الأديان التي تؤدي شعائرها علناً، ويقع تحت أحكام هذه المادة طبع أو نشر كتاب مقدس في نظر أهل دين من الأديان التي تؤدَّى شعائرها علناً، إذا حرف عمداً نص هذا الكتاب تحريفاً يغير من معناه، وكذلك تقليد مظهر ديني في مكان عمومي أو مجتمع عمومي بقصد السخرية به أو ليتفرج عليه الحضور، وهذا ينطبق على السينما، لكن كل فيلم بالطبع حالة خاصة والتقدير يكون للقاضي في النهاية».

تحذير

يحذر الدكتور عبد الرحمن البر، عميد كلية أصول الدين في جامعة الأزهر وعضو مكتب الإرشاد في جماعة الإخوان المسلمين، من الربط والتعميم بين هذا الحكم ضد عادل إمام، وتصريحات بعض المتشددين ضد الأدباء ومنهم نجيب محفوظ، وكأن مصر ستعيش إرهابا فكرياً ومحاكم تفتيش في ظل سيطرة التيار الديني على الحكم فيها، لأن الإسلاميين لا يعادون الفن الهادف الذي لا يحث على فاحشة أو محرمات دينية، أو يتخذ من الوسائل ما يحرمه الدين وترفضه الأخلاق. 

وطالب «المبدعين من الفنانين الشرفاء بالتصدي لمن يسيئون إلى الفن من الفنانين، الذين حولوا الفن إلى حالة من التدني والهبوط تحت زعم «الجمهور عايز كده»، وأن يقوم علماء الدين والفنانون والمبدعون الحقيقيون بمواجهة هذه الهجمات الشرسة ممن يحرمون الفن بإطلاق، ويسيئون إلى الإسلام، الذي الأصل فيه الإباحة ما لم تكن هناك معصية. ولهذا أدعو الفنانين إلى ما يسمى «الفن النظيف» الذي لا يحرك الشهوات أو يتصادم مع القيم والفضائل التي تدعو إليها الأديان». 


ضوابط

وأعلنت الدكتورة سعاد صالح، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية، اعتراضها على من يعادون الفن مطلقاً، «لأنهم بهذا يجعلون الإسلام يتصادم مع الفطرة السوية التي توازن بين العبادة والترفيه الحلال». وكشفت أنها كانت تذهب إلى السينما مع أسرتها عندما تقرأ عن فيلم محترم، وكذلك كانت تذهب مع أسرتها إلى المسرح عندما تكون هناك قضية جادة تناقشها مسرحية محترمة، ويقوم بالتمثيل فيها فنانون حقيقيون يحترمون القيم والمبادئ والعفة، وليس هدفهم الربح فقط، حتى ولو كان ذلك عن طريق إفساد أخلاق الشعب أو إثارة غرائز المراهقين والمراهقات.

وأنهت كلامها مؤكدة أنها تتضامن مع كل فنان محترم، «بصرف النظر عن الأسماء، يقدم فناً هادفاً لا يخدش القيم والفضائل، ولا يتصادم مع الأديان بصرف النظر عن قضية عادل إمام، لأن الإسلام يرفض تكميم أفواه المبدعين الحقيقيين، ويرفض كذلك الانفلات الأخلاقي باسم الحرية والإبداع».


الحرية المسؤولة

ويؤكد الدكتور أحمد هُليل، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء الأزهر، ضرورة أن يعيد الجميع النظر في قراراتهم  بعد المساحة الكبيرة من الحرية في الرأي والتعبير والإبداع  بعد ثورة «25 يناير»، بمعنى أن الفنان يجب أن يكون أكثر التزاماً وإحساساً بمسؤوليته عن بناء وطنه، بالفن الهادف والابتعاد عن الابتذال والعري والسعي وراء المكاسب المادية فقط، أو ما يطلق عليه «أفلام المقاولات». وفي الوقت نفسه أن يقدم علماء الدين والمثقفون الغيورون على الأخلاق والأديان النصح بالحسنى لأي فنان يرونه انحرف عن جادة الصواب، وذلك لقوله تعالى: «ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إن ربّك هو أعلمُ بمن ضلَّ عن سبيلِه وهو أعلمُ بالمهتدين» الآية 125 سورة  النحل. وقد أكد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، نفس المعنى بقوله: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ»، قُلْنَا: لِمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ».

وأوضح الدكتور هُليل أنه إذا التزم الفنان، وغيره ممن يسهمون في العمل الفني وخاصة المنتج والمخرج والمؤلف وانتصحوا، فأهلاً وسهلاً، أما إذا تكبروا وتغطرسوا فمن حق عالم الدين أو غيره اللجوء للقضاء لإدانة ما يهدد أخلاق المجتمع، وللقاضي الحكم في ضوء ما يراه من الأدلة، باعتباره طرفاً محايداً، وألا يخشى في الله لومة لائم، لأنه المخول من الله للحكم بالعدل، بصرف النظر عن مكانة أو شهرة الخصوم، وسيحاسب على ذلك أمام الله القائل: «إن اللَّهَ يَأْمُرُكم أنْ تؤدوا الأماناتِ إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل، إن الله نعمًّا يعظُكم به إنَّ الله كان سميعاً بصيراً»  الآية 58 سورة النساء.


تشريع ومحكمة دولية

وطالب الدكتور جعفر عبد السلام، أستاذ القانون الدولي والأمين العام لرابطة الجامعات الإسلامية، بتوسيع القضية على المستوى العالمي، بمعنى تفعيل مشروع القرار الذي تقدمت به منظمة المؤتمر الإسلامي، حول معاداة الأديان بوجه عام، إلى الجمعية العمومية للأمم المتحدة عقب القرار الدولي الذي أصدره مجلس حقوق الإنسان الدولي بالإجماع، بالقضاء على أوجه التمييز والعنف بناءً على الدين والمعتقد، حتى ولو كان هذا المعتقد وضعياً وليس ديناً سماوياً فقط، مع فرض عقوبات رادعة على من يزدري الأديان، سواء عن طريق الفن أو الأدب وخلافه. وتختص بتقدير ذلك مؤسسة دولية تضم ممثلي كل الأديان لرصد المخالفين لذلك في مختلف دول العالم، لأن مناهضة ازدراء الأديان تؤدي إلى إشاعة التسامح ونبذ التمييز والعنف على خلفية دينية. 

أضاف الدكتور جعفر: «لا شك أن التعبير الراقي عن مشكلات الإنسان، دون خدش حيائه أو التطاول أو السخرية من معتقد ديني، يمثل قمة الفن الذي يرتبط ارتباطاً كبيراً بقيم الحق والخير والجمال. فإذا التزم الفن بذلك، فإن الدين يبيحه، بل ويدعو إليه، لكن المشكلة أن الفن أصبح مهنة سيئة السمعة بسبب الدخلاء الذين احترفوا العري ومحاربة الأخلاق ومصادمة قيم وتقاليد المجتمع بحثاً عن الكسب المادي وتحقيق شهرة، حتى ولو كان على حساب أخلاق الناس ومعتقداتهم. ويجب أن يكون شعار المحكمين في تلك القضايا  قوله تعالى: «وقولوا للناس حسناً» الآية 83 سورة البقرة».  


دعوة ونصيحة

وقال الشيخ منصور الرفاعي عبيد، الوكيل السابق لوزارة الأوقاف: «أدعو الفنان عادل إمام باعتباره «زعيم الفنانين»، إلى إعادة النظر في ما يقدمه من بعض المشاهد التي يمكن أن يصل إلى هدفه بدونها، لأنها مشاهد لا تتناسب مع ما يتمتع به من مكانة في قلوب الشعوب، بل إن بعض الأدوار والمشاهد لا تتناسب مع سنه، فضلاً عن أنها مرفوضة دينياً واجتماعياً لأن كل ما أدى إلى معصية فهو حرام».

وأشار إلى أن جرأة إمام في مناقشة بعض القضايا الساخنة والمهمة «لا يختلف عليها اثنان، إلا أنها في بعض الأحيان تزيد عن الحد، حتى أن من يشاهدها يظن أنه يسخر من الدين أو رموزه أو الملتزمين به، إذا افترضنا أن ارتداء الجلباب وإطلاق اللحية أحد المظاهر التي تميز الملتزم دينياً عن غيره، مع تحفظي عن هذا الارتباط بإطلاق، بمعنى أنه قد يكون إنسان حليق ولا يرتدي الجلباب أفضل أخلاقاً وتديناً من أصحاب التدين الظاهري».

المجلة الالكترونية

العدد 1079  |  تشرين الثاني 2024

المجلة الالكترونية العدد 1079